• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

14 سبتمبر 1987

قبس من معانى سورة الحشر

عندما قابل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا إبراهيم عند البيت المعمور، أعطاه رسالة صغيرة ، وقال له خذ هذه الرسالة وبلغها لهذه الجماعة { أولادى من أمتك } فقل لهم : ( أقرئ أمتك منى السلام ، وأبلغهم أن الجنّة قيعان ـ أى أرضها خصبة ـ وأنها طيبة التربة ، عَذبْة الماء ، وأن غِراسُها ـ أى زرْعُها ـ سبحان الله_ والحمد لله _ ولا إله إلا الله _ والله أكبر ) . وهذا هو زرع الجنّة ، لا قمح ولا ذرة ، ولا شعير ولا شيء مثل هذا ، والرسول قال : ( من قال سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ، غرست له نخلة فى الجنّة ) ، فإن قلتها مائة مرة يكون لك مائة نخلة .. وإن قلتها ألف مرّة يكون لك ألف نخلة ، وإن لم تقلها ولا مرّة ، إذن فليس لك ولا نخلة .. واضح يا إخوانّا.

شارك الموضوع لمن تحب

         14/9/1987

الحمد لله الذى فضلنا على كثير ٍمما خلق تفضيلا ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله الذى أرسله الله رحمة ًلنا وجعله سبباً لنجاتنا من النار ، ومفتاحا ً لدخولنا الجنة بعد نيلنا الرّضا والعفو من العزيز الغفار .

 ورضى الله تبارك وتعالى على كل من آمن به ، وصدّق بدعوته ، وإتبع هداه إلى يوم الدين ..وبعد ..

إستمعنا إلى قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحشر ، وإسم السورة يتطلب وقفة طويلة ، وأسمها (سورة الحشر ) .. ولذلك نتكلم عن بعض مواقف الحشر ، فماذا يعنى الحشر ؟

هو تدفق الخلائق بعد القيام من القبور إلى ساحة الموقف أمام المولى سبحانه وتعالى ، لأنه بعد موت الخلائق أجمعين ـ أى بعد نفخة إسرافيل فى الصورـ  .. ومتى ينفخ إسرافيل فى الصور ؟ 

سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه عندما دخل عليه سيدنا عمر رضى الله عنه فوجده نائما ً على حصير ، وقد أثرّالحصير فى جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ، فبكى سيدنا عمر وقال : يارسول الله إن كسرى وقيصر أعداء الله يفترشان الديباج والحرير [ القطيفة والحرير] وأنت حبيب الله وصفيّه تنام على الحصير حتى يؤثرّ فى جنبك ؟ .. فماذا قال له سيدنا رسول الله ؟ 

(قال له : يا عمر أولئك  قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ـ أي أن الله عجل لهم طيباتهم حتى يخرجوا من الدنيا وليس عند الله لهم حسنة , وكل الذي يستحقوه من الخير فيعطيه  ربنا لهم في الدنيا , فيخرج من الدنيا وليس له خيرعند الله  , ورصيده من الحسنات قليل ، ورصيده من المعاصي والذنوب أمثال الجبال والعياذُ بالله ـ ياعمر كيف أُنَعَمْ وقدإلتقم ملك القرن قرنه ) ، وأحنى جبهته وأصغى أذنيه , ينتظرأن يؤمر بالنفخ  فينفخ .

فيقول إن ملك النفح في الصور فتح أذنه لينفخ في الصور عندما يأمره الله عز وجل بذلك , وهذا الكلام منذ ألف وربعمائة سنة , يعني الآن أصبح على وشك النفخ , وإلى متى تمكث يا رسول الله؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 لا أمكث في قبري أكثر من يوم ونصف) , واليوم بألف سنة , ويوم ونصف بألف وخمسمائة سنة , ونحن الآن في عام 1407 هجريه أى أننا الآن في الحكاية الآخيرة .

فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بهذا المثل ,لأن بعد النفخ في صورة سيدنا إسرافيل ستموت كل العوالم , والإنس والجن والملائكة , ولا يتبقى إلا الحيّ الذي لايموت , فينادي الله عزّ وجلّ ويقول :

( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)(16غافر) ، فلا ينطق أحد لأن الكل ميّت , فيجيب نفسه بنفسه : â لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) أين الملوك ؟ .. أين الأمراء ؟ .. أين أصحاب الملايين ؟ .. أين أصحاب كذا .. وكذا .. أين هؤلاء وهؤلاء ؟ مثلما قال سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضا :

                       لاشيء مما ترىتبقى بشاشته              يبقى الإ لهُ ويفنى المال والولد

                       أين الملوك التى كانت لعزّتها               من كل صوبٍ إليها وافدٌ يفد

أين ذهب هؤلاء  ؟

                        حوضٌٌ هناك مورودٌ بلا كذبِ               لابد من ورده يوماً كمـــــا وردِ              

هل يوجد احدٌ لن يذهب إلى هذا المصير ، الكل ذاهب إليه وجائز أن تكون هذه الساعة أو بعد هذه الساعة  وجائز بعد أقل ، المهم أن كل واحد إسمه فى الطابور .

كل واحد معه الآن حجزه نزل إلى الدنيا ، فيكون له حجز كما قلنا مراراً قبل ذلك أن ساعة مايولد المولود يؤذن فى أذنه اليمنى وإقامة الصلاة فى أذنه اليسرى ، إذن فمتى تكون صلاة هذا الآذان ؟ .. عندما يموت ، وأين صلاة الإقامة ؟ .. إنها صلاة الجنازة وصلاة الجنازة ليس لها إقامة ، لأنه أذن وأقيم له عندما وُلد ، كأن العمر مثل مابين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام ، فأنت تؤذن وتقييم الصلاة وبعد ذلك الصلاة ، وما هى هذه الصلاة ؟ ..

 فبعد ماينفخ فى الصور هذه النفخة ، يمكث أربعين سنة ، وفى هذه الأربعين سنة ، تتهيأ الأرض من أجل القيامة ، لأن الله عز وجل يأمر بريح شديدة جداً تهُب على الرض من جهاتها الأربع ، ومن شدة هذه الريح تحوّل الجبال إلى رمل فتصير كثبان رملية  { رمل هايش } â  يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا )( 14 المزمل)  ، تشتد أيضاً صدمات هذه الرياح فتأخذ هذه الجبال وتُلقى بها فى البحار ، وتسوّى الأرض ، ويقول فيها الله عز وجل : â إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) ( 4 الوقعة ) يعنى رجّاً شديداً  â إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (1 الزلزلة) ، والزلزلة التى تأخذ من الأماكن العالية وتضعها فى الماكن المنخفضة فتسوى بها الأرض .

وبعد إنتهاء هذا الموضوع ، وفى هذه اللحظة فذرّات كل آدمى ، وكل واحد فينا يتجمع ترابه ، وفى المكان الذى مات فيه ، حتى ولو كانوا قد رموه { ذرّوه } فى البحر أو أكله السمك ، فكل واحد ذرّاته حقيقية      { فالتى تزيد وتنقص دى للدود } ، أما ذرّاته الحقيقية فكلها ثابتة ، كما أن كل واحد شكله غير الثانى ، وأنتم هل رأيتم فى العالم كله واحد مثل الثانى ، فهذه عجائب صنع الله .

إذن كله من مصنع واحد ، ولا يوجد واحد مثل الثانى ، وعلى هذا الأساس فذرّات كل واحد ليست كالثانى ، كما أنه لاتوجد بصمةٌ لأحدٍ كالثانى فليس هناك فى الوجود كله بصمة لأحد كالثانى ، وهذه عجائب قدرة الله تعالى : { وفى كل آيةٍ تدل على أنه الواحدُ } .

فذرّات كل إنسان تتجمع حول مغناطيسيته ، وكل واحد جعل الله له مغناطيس خاصٌ بذرّاته ، وهذا المغناطيس هو الجزء الأخير من العمود الفقرى ، والذى يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَجُب الذنب ) فقال : ( كل إبن آدم يفنى إلا عجب الذنب ) والذى نسميه { العصعص باللغة العامية} وهذا سيتجمع عليه ترابه ، وبعد أن يتجمع تراب الإنسان ، فيأتى أمر الله عز وجل للريح أن تقف ، ثم يأمر السماء أن تمطر .. فماذا تمطر ؟ … تمطر منيّاً كمنى الرجال … لأن الإنسان ساعة ّخلقه ، وعندما أراد ربنا ان يخلقه ، ويهيء له اللقاء بين الجل والأنثى ، فينزل ملكٌ من السماء ، ويقسّم النطفة إلى ثلاثة أقسام :

قسمٌ يضعُه فى الرحم .. وقسمٌ يضعُه فى محل موته ِ. وهو المكان الذ يموت فيه الإنسان .. ولذلك عندما يموت الإنسان ، فينادى عليه ترابه ، أى ينادى عليه أصله الذى هناك .

أما القسم الثالث فيضَعُه فى مكان معيّن فى الملأ الأعلى ويسمى  ( المُزْنْ ) ، فتتجمع فيه المياه كلها وكما قال القائل :                       

                                    ومن كانت منيتـّه بأرض ٍ         فليس يموت بأرض ٍ سواها

 

وقال صلى الله عليه وسلّم : ( إذا قدر الله موت عبدٍ فى أرض ٍ جعل له حاجة إليها ) ، اى يجعل له حاجة ًفى مكان كذا ، فيذهب إليه لكى يموت فيه ، لأن هذا مكان موته .

فتمطر السماء مطراً كمنىّ الرجال أربعين عاماً ، ولكى يخلق الإنسان كما بدأه : â  كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)  (29 الأعراف ) ، ثم  تخرج الأرواح بعد ذلك ، وكل روح ٍ تعرف جسمها ، وتعرف حقيقتها التى كانت تعيش فيها فى الدنيا ، فيخرجون كالجراد المنتشر كما وصفها ربنا عزّ وجلّ ، فتدخل كل روح ٍ جسمها فيَحيَا .. وهذه الخلائق كلها أعداد ضخمة ، وكل هذا سيحشر ، ومعنى يحشر يعنى يسير ويتحّرك ، ويسبب هذا لزحام الشديدالذى وصفه الله بالحشر إلى أرض المحشر         { الأرض التى هيئـّاها الله عزّ وجلّ } ، لأن السماوات ستفنى والأرض ستفنى ، وتظهر أرضٌ جديدة ، مصنوعة من الفضة التى يقف عليها الخلائق للحشر وللحساب ، ولأخذ الحقوق من العباد ، ولتوَفِيَة كل إنسان بما قدم من عمل ٍ ، وكل هذه الأشياء ستكون فى هذه الأرض ، وفى هذا الموقف .

وعلى أرض المحشر ربّـنا نبّهنا وقال لنا لن نُسوّى بين هؤلاء وهؤلاء â  لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ )  (20 الحشر) ، أى لايستويان ، وإلا فيكون الله ظالما ً، وحاشا لله أن يكون كذلك ، ولآية تقول â  لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ) أى أن النار لها أصحابها وسيملكونها ، والجنّة لها أصحابها وسيملكونها … لأن هؤلاء سيخلّدون فيها أبدا ً ، وهؤلاء سيخلّدون فيها أبدا ً , أما الجماعة المسلمين الذين نحن منهم .. وهذا بفضل الله تعالى .. فإننا لن نُخلّد فى جَهنّم .. فكل واحد ٍ منا إن كان من العصاة أو من المذنبين سيأخذ حكما ً، لكن هذا الحكم لمدة ٍ محدودةٍ بحسب الجريمة التى عملها  أو حسب الذنوب التى كان يفعلها ، او حسب الذنب الذى إرتكبه .. فيحكم عليه .

والمحكمة هناك ليست محكمة واحدة ، بل خمسين محكمة ، وكل محكمة يومها بألف سنة وربنا قال ذلك  :  â  فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (4 المعا رج ) ، يعنى كل محكمة ٍ لها ألف سنة  ، فما هى أنواع هذه المحاكم ؟ ..

هناك محكمة للصلاة ، ومحكمة للصيام ، ومحكمة للزكاة ، ومحكمة للحج ، ومحكمة لعقوق الوالدين ، ومحكمة للزنا والعياذ بالله ، ومحكمة للقتل .. وهكذا كل شيءٍ له محكمة .. فإذا كنت مرتكبا ً كل هذه الذنوب ، إذن فستذهب إلى كل محكمة وتأخذ حكماً ، ثم تجمع هذه الأحكام فى النهاية وتذهب إلى جهنّم لكى يطبّقواعليك هذه الأحكام … ولذلك فجهنم ليست كلها مثل بعضها .. لا .. ولكن كل قسم ٍ فيها له مذنبين معينين ، ومجرمين معينين ، ففيها قسمٌ يسمّى سقر ، وقسمٌ يسمّى الحُطمة ، وقسمُ يسمّى السعير ، وقسمُ يسمّى لظَى،     وقسمُ يسمى القارعة … وأنواع كثيرةٌ ، فكل سجن من هذه السجون لأناس ٍمعينين ، ولذنزب ٍ معينة ٍ ..

يعنى مثلا ً من الذى يدخل سقر،( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر) (28،27 المدثر)                                                                       لن تبقى على شيءٍ أبداً ، مالذى يدخل هذا القسم ن ربنا فى القرآن فقال : المؤمنون الذين نحن إن شاء الله تعالى منهم ـ عندما يروا فوجاً من الذين يذهبون إلى سقر ، فيقولون لهم : (  مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر) ( 42 المدثر ) ، يعنى من الذى دفعكم لهذا المكان ـ فهذا الفوج ليس له ذنبٌ واحدٌ بل ذنوبٌ مختلفةٌ ن فجماعةٌ منهم يقولون : لم نك من المصلين ، يعنى تارك الصلاة يذهب إلى سقر، وليس إلى جهنّم بل إلى سقر .

جماعةٌ اخرى ماذا قالوا ؟ .. قالوا ولم نك نطعم المسكين ، أى كنا بخلاء فى الدنيا ربنا أعطانا من فضله لكن البخل تملّكنا ورفضنا أن وهم الفقراء ، مع أنه قال : ( الأغنياء وكلائى ، والفقراء عِيالى ، فإذا بخل وكلائى على عِيالى أذقتهم نكالى ولا أبُالى )

فيقولون نحن كنا بخلاء ، ولا نريد أن نطعم أحداً ، وننعى همَّ الضيف ، والضيَف يعتبر شيئاً ثقيلاً وزائد عن اللزوم ، مع ان الضيَف  منفعةٌ ، يدخل ورزقه معه ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يدخل الضَيف ورزقه معه ، ويخرج بذنوب أهل الدار فيلقيها فى البحر كلها ) .. ذنوب الأسرة كلها ، الزوجة ، الولد ، فمن يكون الرابح ؟ .. الضَيف أم انت ؟؟ .. فأنت تطعمه شيئاً فانياً فأين يذهب ؟

أي أن الأكل الذي يأكله أين يذهب ؟.. فالحكمه تقول : (من كان هَمُّهُ بطنه فقيمته ما يخرج منه)  فهو الذي يعطيك شيئا باقيا ، وهومغفرة الذنوب .

مجموعة أخرى لكنهم مع بعض راكبين في أتوبيس واحد قالوا: (وكنا نخوض مع الخائضين ) يعني كنا عندما نجلس في مجلس وجماعة يتحدثون في حق أحد فندخل معهم في الخط مع أن ربنا قد نهانا عن ذلك فقال تعالى :â فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَá (68الأنعام) , طالما إنك تنبهت وربنا ذكًّرك بهذا  إذن لاتجلس مع هؤلاء القوم .

لنفرض أنهم تحدثوا وأنا أسمع , قال في ذلك رسول الله عليه وسلم: (السامع والمغتاب شريكان في الأثم ) فأنت مشترك معه في الجريمة فماذا تفعل ؟.. تنهاه ولا تسمع كلامه واتركه وقم من المجلس ,لا تجلس معه ابداً ما دام هو يتكلم بالغيبه والنميمه , وهذا معناه الخوض في حقوق العباد .

المجموعة الرابعة قالو :  âوَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)) 46المدثر) , قسمٌ له قوّادُه وله مذنبين .

 وكذلك الجنة نفس النظام , وهي أيضًا ليست جنة واحدة بل جِنانٌ كثيرة :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أعد للمجاهدين في سبيله مائه درجة في الجنة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) , فهناك من هو في الدرجة الأولى , ومن هو في الدرجة التاسعة , وفيه خمسة وخمسين , وفيه خمسة وسبعين , وفيه الدرجة المائه , وهذه جنة واحدة من الجنان فكم عدد هذه الجنان ؟.. إنها كثيرة جداً :

 توجد جنة عَدْنْ ـ وليست عدن التى باليمن ـ فتسمى جنّات عَدْنْ ، وجنّة إسمها الخُلد ، وجنةٌ إسمها المأوى،

وجنّة إسمها دارُ السلام ، ـ وليست دار السلام التى فى القاهرة ـ بل دار السلام عند الله تعالى ، وجنّةٌ إسمها الفِردَوْسُ وجنان كثيرةٌ جداً، وكل واحدةٌ لها رُوّادُهَا .

ولذلك المرأة التى أُستشهد إبنها فى غزوة أحد وإسمه حارثة ، فقالت يارسول الله إخبرنى عن حارثة ،  فإن كان فى الجنّة حمدت الله على ذلك ، وإن كان فى غير الجنّة سأوريك ما أصنع ـ فكانت حديثة الجاهلية ـ فقال لها : ( يا أم حارثة إنها جنان وليست جنّة ، وإن حارثة أصاب الفردوس الأعلى ) .

 فمن الذى يعرف عناوين الناس كلها فى الجنّة ؟ .. رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كنت تريد ان زيارة أحداً فى الجنّة ، فمن تسأله عن العنوان ؟ .. تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أريد أن أزور فلاناً .. فيقول لى : فلان هذا فى مكان كذا أو فى مكان كذا .. فى المأوى .. فى دار الخُلد .. ولذلك قال لأم حارثةٍ إنه فى الفردوس الأعلى ، فهو الذى يعرف جميع عناوين الناس فى الجنّة .

فكل واحد يسكن فى حىٍّ هناك فى الجنّة ، فالذى يريد حيّاً راقياً يدفع الثمن ، ولابد أن تكون أرضيتة غالية .

فإذا كان يريد حيّاً عاديّا ، إذن فهوَ على قدره ، فكل واحد على قدرإمكانياته يسكن فى الجنّة ، وبالنسبة للجنّة كلها على قدر العقود ، والعقد سجّله القرآن ، وسورته موجودة فى القرآن ، فانت تذهب وتأخذ نمُوذج من العقد وتملأهُ ، والنموذج فيه    â  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)  (111 التوبة)  

ماذا يعملون ؟ .. وكيف إشترى منهم أنفسهم ..؟ وكيف أخذها منهم ؟ 

قال : لا .. هذه النفوس آخذها هكذا â يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (111 التوبة) ، وأين يسجل هذا العقد ؟   â فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ) .. فى الكتب السماوية الثابتة المسجلة  â وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ )ثم فى الآخرة يقول لهم مبروك البيعة .. â فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ)

يعنى مبروك عليكم هذه البيعة .. فكيف كانوا يشترونها ؟ ..سيدنا صهيب الرومىّ كان أول من هاجر بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة ، فلما خرج خارج مكة ، عرف الكفار بذلك ، فذهبوا خلفه ، فأدركوه فأمسك صهيب بالسهام التى معه ـ وكان يجيد الرماية بالسهام ـ وقال لهم يامعشر قريش : تعلمون انى من أقواقك وأحسنكم رمياً بالسهام فلا تصلوا إلىّ حتى أرمى بجميع السهام التى معى ، ثم أمسك سيفى حتى أموت ، ولكنى أدلّكم على شيءٍ أفضل من ذلك .. فقالوا ماهو ؟

فقال لهم : أدلّكم على مالى تأخذوه وتتركونى أذهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقالوا له : وهو كذلك .. فهذا هو المطلوب ، فدلّهم على ماله وأخذوه .

فقال كنت أول من وصل من مكة إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم ، وكان لايزال بقباء { يعنى لم يذهب لأحد ٍ قبله } وأول ماوصل كان هناك تلغراف قد وصل .. فماذا كان مكتوباً فى هذا التلّغراف ؟ .. كلمتين صغيرتين :  â وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)  ( 207 البقرة) ، أى أن ربنا قد وافق على هذه الصفقة وبارك لصاحبها وقال له : مبروك على هذه الصفقة ، فاحمد الله على ذلك . .. فعندما وصل صُهَيْب قال له النبى صلى الله عليه وسلم : ( ربح البيع أبا يحىّ ) ، فتعجب صهيب وقال فى نفسه كيف عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يصل أحدٌ قبلى ، ولا يدرى أن هناك تلغّراف وصل على الفور : بيعك رابح …

وهذا نموذج من الناس الذين باعوا أنفسهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فعلى قدر ما يدفع الإنسان الثمن يحرر له العقد ، وعلى حسب نيّتك وهمّتك تأخذ فى التقسيم الذى تريده .

أنت تريد تقسيماً فى الفردوس يعطوك فى تقسيم الفردوس .. تريد فى تقسيم عدن يعطوك فى تقسيم عدن .. تريد فى فى جنّة المأوى التى تأوى كل شيء ، أى تأوى الجميع فيها : العاطل وهذا وهذا ، حتى الحيوانات مِثْلَ كلب أهل الكهف يدخل الجنّة  وناقة صالح وحمار العُزَيْر، وكبش سيدنا إسماعيل ، فهؤلاء يدخلون جنّة المأوى التى تأوى الجميع .

 لكن الجماعة الذين هِمّتهُم عالية يقولون : لا.. إذا كنّا ونحن فى الدنيا لم نكن نسكن فى مكان فخم ، فكيف بالآخرة التى هى الحياة الأبدية ولا موت بعدها ( خلودٌ فلا موت ) .. لأنه بعد ماندخل يُؤتى بالموت فى صورة كبش ويُذبح وينادى المنادى الجبار : ( ياأهل الجنّة خلودٌ فلا موت .. يا أهل النار خلودٌ فلا موت ) لا موت بعد ذلك .

فأنا من أجل يومين سأعيشهم فى هذه الدنيا ، ولا أدرى متى سأرحل منها أريد فيلا صفتها كذا كذا ..!! المياه الساخنة ، والمياه الباردة ، والفخفخة ّ.. !!

وأما الشيء الذى يدوم لى فلا أعرف أن أجَهّز له شيء.. فهل هذا ينفع ؟ .. المفروض أن أعمل كما يعمل النُصحاءُ .. سيدنا أبو ذرّرضى الله عنه وأرضاه ذهبوا إليه ليزوروه فلم يجدوا فى مسكنه إلا كوباً من الماء والفرْش الذى ينام عليه ووِعَاية كبيرة  فقالوا له : ماهذه ؟ .. فقال لهم : وعايةٌ أعَجنُ فيها وآكل فيها وأتوضأ فيها ، وهى تقضِى مصَالحى كلها ..

أين متاعك ؟ .. فقال والله يوجد بيتاً عظيماً ، كلما أعجبنى متاعٌ أرسله إلى هناك فيه ، لأننى سأمكث فيه مدةً طويلة ، فظنوا أنه قد بنى بيتاً فى مكان آخرَ ، فقالوا : أين هذا البيت ؟ .. فقال لهم : فى الجنّة ..

فأنت الآن تعرف مالذى يُبنَى لك فى الجنّة ، وأنت تدفع الثمن .

تريد أن تنشيء حديقة هناك ، فكيف تزرعها ؟ .. تزرعها بحركات اللسان ، إذا وافقت القلب والجنان بالتسبيح والتقديس للواحد الأحد سبحانه وتعالى .

عندما قابل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا إبراهيم عند البيت المعمور، أعطاه رسالة صغيرة ، وقال له خذ هذه الرسالة وبلغها لهذه الجماعة { أولادى من أمتك } فقل لهم : ( أقرئ أمتك منى السلام ، وأبلغهم أن الجنّة قيعان ـ أى أرضها خصبة ـ وأنها طيبة التربة ، عَذبْة الماء ، وأن غِراسُها ـ أى زرْعُها ـ سبحان الله_ والحمد لله _ ولا إله إلا الله _ والله أكبر ) .

وهذا هو زرع الجنّة ، لا قمح ولا ذرة ، ولا شعير ولا شيء مثل هذا ، والرسول قال : ( من قال سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ، غرست له نخلة فى الجنّة ) ، فإن قلتها مائة مرة يكون لك مائة نخلة .. وإن قلتها ألف مرّة يكون لك ألف نخلة ، وإن لم تقلها ولا مرّة ، إذن فليس لك ولا نخلة .. واضح يا إخوانّا.

إذن فمن أين يأتى الزرع ؟ .. منك .. من تسبيحك وتقديسك وتهليلك وتكبيرك لله سبحانه وتعالى ، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الملائكة تبنى له من أعماله الصالحة ، فإذا توقف عن الأعمال الصالحة توقفوا ، فيسألهم الله لِمَ توقفتم ؟ فيقولون : حتى يأتينا بالزاد ) لماذا ؟ …  لأنه لم يعمل … لم يحول شياً …  وعندما يحول سنبنى له …

لأنك تحول مافى الدنيا من قمح ومن ذرة ومن مال ومن خلافه إلى حسنات لأن هذه هى العملة التى توجد هناك ، فهناك لا يوجد ريالات ولا دولارات ولا قمحاً ولا شعيراً .. إنما العملة هى الحسنات والأعمال الصالحات ، فعندما تعمل صالحاً ، فيعطى رصيدك مؤشراً هناك ، فتقوم الملائكة بسحبه ويبنوا لك .. ليس لك رصيد فيقفوا عن البنيان ، فإذا سألهم ربنا لماذا وقفتم فيقولون حتى يأتينا الزاد .. عندما يأتى الرصيد .. عندما يحول ماله من هناك ، وإن لم يحول .. فماذا نصنع له ؟

فالبناء فى الجنّة على حسب العمل الصالح الذى يعمله الإنسان ، ولذلك الرسول يقول لك إن كنت تريد أن تبنى قصراً فى الجنّة ، فماذا تفعل ؟ .. قال : ( من صلّى عشر ركعات بعد المغرب يُبْنَى له قصراً فى الجنّة)  .. تريد أن تتزوج واحدة من الجنّة ، تدفع المهر ، وكم تدفع ؟

قال : ( كناسة المساحد مهور الحور العين يوم القيامة ) … الذى ينظّف المساجد ويهتم بنظافتها ، فهو مهر يقدمه لحور العين .. كل شيء له ثمن ، ولذلك الجنّة فيها سوق كبير ، ولن يؤخذ منه شيئاً إلا بعد الثمن.  

فالجماعة المؤمنين يعملون ليأخذوا المكانة الطيبة فى جنّة النعيم أو فى جنّة عدن أو فى جنّة الخلد ، كل واحد يحدد له جنّة يدخلها .

أما الجماعة الممتازين ، ويسمُّون المقرّبُون ، فيقولون لا نريد هذا ولا ذاك .. إذن فماذا تريدون ؟

عندما يدخلون الجنّة يقولون لهم هذه قصوركم وحدائقكم كلها ، فيعرضوا عنها ، فيسألوهم لماذا لا تريدونها؟ .. فيقولون تركناها ونحن أحوج مانكون إليها فى الدنيا .. لا نريد إلا وجهك .. لانريد إلا أنت ..

ماذا تريدون ؟ .. نريد أن نسكن فى الحىّ الذى فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وما إسم هذا الحىّ الذى فيه المصطفى صلي الله عليه وسلم ؟    â إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (54 ،55 القمر) ، فهم يسكنون فى فلل ، وكل واحدٍ له فيلا ّ خاصة به ، فما مساحة هذه الفيلات التى يسكنونها ؟ .. لا يستطيع أحدٌ أن يحصى مساحتها  

سيدنا جبريل عليه السلام أراد ان يعرف مساحة الجنّة ، فقال ياربى إعطنى القوة كلا أتعرّف على مساحة الجنّة ، فقال له : طِرْ ..وفى النهاية قال له : لن تبلغ ربع أملاك أبى بكرٍ .

وما قصة هؤلاء الجماعة ؟ .. قالوا : إنّ الله سبحانه وتعالى لو لم يخلق جنّة ولا ناراً ، أفلم يستحق العبادة لذاته ؟ … إنه عندما يصنع أحدٌ جميلاً فى أحد ، يذهب إليه ويشكره ، ويدور فى البلد ويقول إن فلاناً صنع بى كذا وكذا ، فلو أنا أحصيْت جمائلَ ربنا علىَّ فى نَفَس ٍ واحدٍ ، فلن أقدر على شكره ، كل يومٍ أصبح فى الصباح أجد عينى مبصرةٌ فهذا الجميل هل أستطيع أن أشكره عليه ؟

أجد أذنى تسمع ، هل أقدر على شكره على هذا الجميل ؟

أجد أنفى يشم ، ولسانى يتحرك ورجلى تمشى .. هل أستطيع أن أشكر ربنا على هذه النعم ..

أكبر من هذا وذاك ، أجد الجوهرة الكريمة كما هى ، ألا وهى العقل ، فلو غطّى على جوهرة العقل فماذا يكون الفرق بينى وبين الحيوان ، بل إن الحيوان يكون أفضل ، فالحيوان مُؤجِّرُ له قيراطين برسيم ، وتزرعهم وترويهم ، ونجنى له البرسيم وتضعُه أمامه ، لكن المجنون الكلّ يهرب منه حتى لايضربهم أو ينطحهم ، والناس تتحاشى المجنون .. لكن الحيوان نحن نسِخّر أنفسنا لخدمته  وهذا بسبب هذه الجوهرة ، وهى العقل …فلو مكث الواحد منا يشكر الله على هذه النعمة ، هل يستطيع أن يُوفيّها ؟

فلو أحدنا عمل عقداً مع شركة التأمين لتحفظ له هذه النعم ، فما هى الإمكانيّات التى توجد معك لكى تستطيع أن تحافظ على هذه النعمة  

هل يوجد فينا واحد يستطيع عنده هذه الإمكانيات التى يستطيع ان يحافظ بها على عقله فى العالم كلهّ ، حتى ولو كان رئيس أمريكا أو روسيا ، هل يقدر أن يحافظ على عقله ، فلو جاءته لوْْثة صغيرة ، فماذا يفعل ؟ ..

لو جاءه كلب مسعور وعضّه وانتشر هذا المرض فى جسمه ، فماذا يفعل ؟ .. ينتهى  â فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِá ( 176 الأعراف) .

فهذه جوهرة بسيطة لكن هل يسنطيع الإنسان أن يشكر ربنا عليها ، فالإنسان لن يقدر أن يشكر ربنا على نعمة واحدة من هذا النعم .

ولذلك سمعتم عن الرجل الذى حكى عنه الرسول ، وهو واحد من ضمن الناس الذين سيحاسبون يوم القيامة .

واحد من بنى إسرائيل ربنا جعل له جزيرة يعبد ربنا فيها وجعل له شجرة تفاح يأكل منها ، وعين ماء يتوضأ منها ويشرب منها ويستحم ، وشجرة التفاح تسقط له تفاحة يفطر عليها وتشبعه ، وبقى على هذا الحال خمسمائة عام ، فعندما يأتى يوم القيامة ، فيقول الله عز وجل أدخلوا عبدى الجنة برحمتى ، فيقول : لا .. أدخل بعملى يارب … أدخلوا عبدى الجنة برحمتى ، فيقول : لا يارب بعملى ، فيقول الله : أدخلوا عبدى الجنة برحمتى ، فيقول : لا .. بعملى .

فيقول الله عز وجل : أدخلوا عبدى النار ، فيستغيث ، فيقول الله تعالى : هات عملك فيضعوه فى كفة ، ويضعوا نعمة البصر فى كفة أخرى ـ ويتركوا باقى النعم ـ فترجح كفة البصر على كفة عمله كله ، وهذه نعمة واحدة من النعم التى أعطاها الله لنا .

وبصرى أنا وأنت .. يكون الواحد سليم ويدخل برغوثٌ فى أذنه فيثقب الطبلة .. فماذا يصنع ؟ .. يضع فى أذنه قطعة قطن حتى ينام . ومثلا آخر ، ماشى صحيح وفجأة اللسان يقف .. فماذا أفعل ؟

هذه الأشياء كل يوم فى الصباح نشكر ربنا عليها .

فالجماعة النصحاء قالوا : نحن لا نعبد الله طمعا فى الجنة ولا خوفا من النار .. ولكن لماذا نعبده ؟ … شكرا على النعم .. واضح يا إخوانى .. إذن فعبادتنا لمن ؟ .. نريد أن تكون كعبادة هؤلاء الجماعة الكبار ، فنعبد ربنا شكرا على نعمه لأن ربنا قال لسيدنا داود â  اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (  13 سبأ ) ، واضح يا إخواننا ، وإذا شكرنا ماذا يفعل بنا ؟ قال : â  لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ( 7 إبراهيم ) ، وإن لم نشكر ؟ .. قال :  â وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ، وهذا إنذار .. لمن لا يشكر ، فله عذاب شديد فى الدنيا والآخرة .

                                            إذا كنت فى نعمة فارعها      فإن المعاصى تزيل النعم

                                            وحافظ عليها بشكر الإله     فإن الإله سريع النقـم

فكيف نحافظ على هذه النعم ؟

الجماعة الصالحون المقربون السابقون قالوا : لا.. نحن نعبد الله لاخوفاً من ناره ، كما قال سيدنا علىّ : { لانعبد الله خوفاً من ناره كالعبد السوء ، لو لم يخاف من مولاه لا يعمل ـ إذا لم يكن هناك كرباج ، فلا يعمل إلا بالكرباج ـ ولا تعبد الله طمعاً فى جنّته فتكون كأجير السوء لو لم يُرِدْ الأجر لا يعمل ، وإذا لم يأخذ الأجرمقدماً لا يعمل .. لكن أعبده عبادة الأحرار ، فلو لم يخلق جنّةً أو ناراً أفلم يكن يستحق العبادة لذاته }… أبعد هذه النعم كلها ألم يستحق الشكر ، فمتى تقوم له بالشكر ؟

قال : أنا أريد خمس أوقات تشكرنى فيهم ، فالصلاة شكر على هذه النعم التى معك آناء الليل وأطراف النهار ، والتى لم تفارقك طرفة عين فيك ولا أقل ، فأقل النعم التى تحس بها ، أنك تمشى على رجلين .. فكيف ذلك ؟ .. بقدرة الله ، وكل من حولك يمشى على أربع ، ولكنك تمشى على إثنين ، لأن هذه من قدرته وعظمته .. وهذه نعمة تستوجب الشكر .

تمشى ويسترك أمام الناس ــ بطن الإنسان دورة مياه متحركة مملوءة ــ وفى مكان ٍعام فتح حنفيتك .. ماذا تفعل ؟ .. وماذا يكون حالك ؟ .. وماذا يكون منظرك ؟ … مثل الرجل الصالح الذى رآه أحد الملوك فى الطريق فقال له الملك : أوما تعرفنى ؟ فلم يهتم به ، وقال أعرفك ، فقال له الملك : من انا ؟

فقال له الرجل : أوّلك نطفة مَذِرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك تحمل العَذْرَة ــ بمعنى أنك تحمل غائطك ـ أى أنك مظهرُكَ غيرَ باطِنك { كَمَلِكٍ من الملوك }.

فهؤلاء الجماعة قالوا : نعبد الله على هذه النعم ، فنحن قد عرفنا نِعَمِ الله هذه ، ولا نستطيع أن نعدّها : â وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (30 إبراهيم ) .. فلماذا نعبده ؟ .. شكراً على هذه النعم وليس أكثر من ذلك .. شكراً لله .. حتى النساء كُنّ يقلنَ ذلك .. فالسيدة رابعة العدوية عندما سألوها لماذا تعبدين الله ؟

قالت :

                           الكل يعبدون من خـــوف نار ٍ       ويَرَوْنَ النجاة خطئا ً جزيلا ً

                           أو بأن يدخلوا الجنان فيحظوا        بحور ٍويشربوا سلســــبيلا

                           ليس فى الجنان والنـــار حظ ٌ        أنا لا إبغى بحبى بديـــلا

 

أنا أعبده لذاته .. هذه النعمة التى لا تحصى ، وهذه عبادة العارفين الصالحين والتى نحن نتعبد بها .

إذن فعملك لله .. لماذا ؟ .. شكراً لله على نعمه ، لأنه لا يوجد فينا واحدٌ يقدر على شكره ، ولو حاسبنا ربنا حسابا ًعسيرا ًلهلكنا جميعا ً، ولكنه وعَدَنَا أن يُحاسبنا حسابا ًيسيرا ً، لأننا مؤمنين ومن أمّة خير المرسلين صلى الله عليه وسلّم .. فلماذا نعبده ؟ .. شكرا ًلذاته .

فالجماعة الذين يعبدون الله لذاته ، يجعلهم الله فوق جنّاته ، وليس لهم شأنٌ بجنّة الخلد ولا عدن ولا القصور ، لأنهم فوق  فى مكان ٍيسمى : (  رِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) ( 72 التوبة ) ، فإسمها الرضوان وأولها : ( مَقْعَدِ صِدْقٍ ) ( 55 القمر) ويكفى أنهم بجوار رسول الله ، يكفى أنهم بجوار الأنبياء والمرسلين والصالحين ، وهذه أعطاها لنا الله بشيءٍ واحدٍ …. ألا وهو الشكر .

الرجل الذى كان يبكى واسمه ثوبان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ما الذى يبكيك ياثوبان ؟

 فقال له : لم أرك وأنا أصلّى ، وأشعر بوحشة ٍ شديدة ٍوأريد أن أراك كل يوم ٍوكل ساعةٍ ، وعندما تغيب عنى أحس بوحشةٍ شديدة ٍ، فتذكّرت يوم القيامةٍ وأنت فى منازل الأنبياء ، وأنا مع الجماعة العوام ، يعنى أنا لن أراك هناك ، وهذا الذى جعلنى أبكى .

وعلى الفور أصدر الجبارقرارا ًونزل فى الحال السفير جبريل بهذا القرار الإلهى فورا ًوقال :  ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا   ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) (69 ،70 النساء ) فالذى يطيع الله والرسول فيكون جارٌلهم ،ويصير ًمع هذه الجماعة وجارٌلهم فى الجنّة â فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ( 55 القمر) .. فهل سيستوى هذا مع الذى دخل النار :

( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)( 20 الحشر)

                          ((  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم )

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid