Sermon Details

*******************************
الوصايا لكل إنسان يريد أن يوفقه الله عزوجل فى حياته ويسعده بعد مماته، لا غنى عنها للواصل، وفى أمس الحاجة إليها السالك، وهذه الوصايا سنقولها فى كلمات مختصرة.
أجمع العلماء الأجلاء عن أن العصمة للأنبياء والحفظ للأتقياء والأولياء حتى أننا نجد الناس يعتقدون وهم على صواب أن الناهج على الصراط المستقيم قلما يخطأ فى أمر، لأنه مسدد وموفق ومؤيد فى كل حركاته وسكناته، من أين له بهذا المدد، مدد التوفيق، من إتباعه لنصائح أهل الطريق، وأهم نصيحة بنى عليها أهل الطريق أمرهم، وساروا عليها فى كل حياتهم سواء فى صغير أمرهم أو كبيره، هى العمل بقوله ﷺ : {لا ندم من استشار ولا خاب من استخار}، علموا علم اليقين أن النفس لها بدوات، تريد بها ان تهلك صاحبها، وتجعله يرتع فى أودية الغفلة، أو فى أودية البعد عن الله، أو ينأى عن حضرة المقربين لله عزوجل ، والنفس قد أمرها الله عزوجل بالسكون ولكنها تميل إلى الحركة، لا تريد أن تسكن لا بد ان تفعل أى حركة، ما الذي يحفظ الإنسان من نزغات النفس وميولها وأهواءها .. ما ذكرناه، كل أمر تعرضه علىَّ، إن كانت فى نفسي أو فى أهلى، أو فى عملى، أو لإخوانى، او لجيراني، أو لذوي رحمي، أي أمر تعرضه علىَّ النفس لا أنفذه على الفور، بل أتمهل وأتأنى، وأتخذ فيه الموقفين معاً أو أحدهما، الأكمل أن أتخذ الموقفين، أشاور أهل العقل والحكمة وأستخير الله عزوجل ، من نشاور يا حبيب الله؟ قال ﷺ : {استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تخالفوه فتندموا}، العاقل الذي جمله الله وجعله يعقل أمر الله ويعقل كتاب الله ويعقل سنة حبيب الله ومصطفاه، بالعقل الوهبي الذي أعطاه له الله، قد يظن البعض أن العاقل ليس له شأن فى هذا الأمر، لأنه فى غير تخصصه، لن ننسي أن هؤلاء ينظرون بنور الله للأشياء، فيدلهم الله بنور البصيرة على الطريق القويم المستقيم.
تستشير فى الأمر الجامع الأول أما التفاصيل فأهل الخبرة، فقد كان سلفنا الصالح يشبهون أهل طريق الله بالقبيلة العربية التى كانت قبل بعثة رسول الله ﷺ ، وقالوا فى شأنها: إن بنى فلان ألف رجل فيهم حكيم واحد، ولكنهم لا يصدرون إلا عن رأيه فهم ألف حكيم، لأنهم استناروا برأيه ومشوا على هداه، آفة السالكين ومزلقة الواصلين أن يمشي المرء على هواه، وفيه يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه : “والغافل من الأكوان مناه ويمشي على هواه ويظن بذلك أنه يتقرب إلى مولاه”
( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) ،
حتى كان الصادق منهم إذا غاب فى وقت عن إخوانه الصالحين يستحضرهم فى نفسه، ويستحضر أنهم أمامه ويراهم بعينه ويشاورهم فى أمره فيهديه الله عزوجل إلى الصواب، حتى لا يكون له حجة، كيف أذهب لهم؟ كلا، فالأمر واضح، المشورة، وكان بعضهم إذا لم يجد إخوانه فى وقت يلجأ إلى الله ويضرع إلى الله، ويستشير أى فرد حوله وهو متيقن أن الله سينطقه بما يحبه الله، وقد يكون ذلك، أى فرد، ما رأيك؟ فالرأى الذي يسمعه منه يأخذه على أنه إرادة الله ومشيئة الله وينفذه فيكون فيه السعادة لأنه عمل بقول الله عزوجل : [ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ] ، كل أمور المؤمنين عن الشورى، لا يكون المؤمن مستبد أبداً، فى بيته لا بد أن يشاور امرأته، والبالغين من أولاده، ليدربهم على الشورى، قال ﷺ : {المستشار مؤتمن}، الذي أشاوره لا بد ان يكون الأمين، قال سيدنا عمر: “لا تشاور إلا الأمين، ولا امين إلا من يخشى الله فى السر والعلانية”، لست أشاور أى واحد، لا بد أن يكون أمين، أمين على الأسرار (صدور الأحرار قبور الأسرار) السر الذي يدخل صدره يدفن، إذا كان كل سر يسمعه من إخوانه يقوله لزوجته لا ينفع أن يكون حتى صبي فى طريق الله عزوجل ،
وهذا يشبهوه بأنه لم يبلغ مبلغ الرجال، ما زال فى طور النساء لأنه يحيض لا يستطيع كتمان السر، كل فترة لا بد أن يحيض الأسرار التى عنده ويذيعها لمن حوله، لكن الرجل الذي لم يذع سراً لأحد، انتهى، وخاصة إذا كانت أسرار إخوانه الأصفياء، الأتقياء، الأنقياء، وهذا السر، كيف أعرف أنه سر، عندما يقول لى لا تقل لأحد، ومع ذلك أصبح فى الصباح وأخبره لواحد وأقول له: لا تقول لأحد لأنه قال لى ذلك، هذا يحدث، كأن أقول لزوجتى وأقول لها: لا تقولى لأحد لأنه قال لى ذلك، السر إذا تجاوز اثنين فشا، أتكلم مع واحد وألتفت ليرى هل أحد يسمعه قال ﷺ : {من حدثك بحديث ثم إلتفت فهو أمانة}، معناه لا يريد أن يعرفه أحد، لأنه يلتفت ليرى إن كان يسمعه أحد، تعرف أن هذا سر فلا أذيعه لأحد، وخاصة أنتم يا إخواني .. الناس العوام يرون فيكم الخير، الواحد منكم لو فى عمله يراك مستقيم فالذي عنده مشاكل أو هموم فيقول: لا يكون إلا هذا الرجل الذي أفرج همي معه ويحكى لك همومه، هذا يكون أحرى أنى لا أذيع عن سر ولو قليل، إلا إذا هو سمع لي وأذن لي، أفرض أن الحادثة التى رواها لى فيها عبرة، إن ذكرتها لأحد لكن مع عدم ذكر الأشخاص ولا الأماكن بحيث أنه لا يعرف من صاحب الموضوع،
وطبعاً كما يحدث من إخواننا جميعاً بارك الله فيهم، يأتى واحد يستشير إخوانه فى أمر فى الحضرة أو فى لقاء مثل هذا (وهذا الأمر يكون فى البيت) يقولون له الرأى الشرعي كذا، يروح البيت غاضب ومكشر وينزل على من فى البيت تارة بالسب وأخرى بالطرد، أنتم كذا وأنتم كذا، لماذا؟ لأنكم فعلتم كذا والصح كذا، وهم عارفين من أين أتى بهذا الحال فيكون الجماعة إخوانه فى الحضرة، لأنه ليس عنده حكمة، أو الذي غيره وقلبه علينا الشيخ الذي أتى من عنده الآن، فيحدث فى نفوسهم غضاضة وأحياناً كراهة لإخوانه وأحياناً للشيخ لأنهم على قدر رؤيتهم بأنهم هم الذين يحرضوا الرجل على هذه الأمور، لكن الحكمة حتى لو استشرت حياتي عادية، يوم وأسبوع بعد ذلك نفتح الموضوع مع بعض، الموضوع الفلاني، ما رأيكم؟ أنظر رأيهم وأقول لكن رأى أنا كذا، ويهيء لي أن رأى هو الصواب حيث ألهمنى به الله، هذا نظام الإسلام والذي عرفه لنا النبي ﷺ ، لكن يروح يقول: أنا شاورت الشيخ فلان وقال: كذا: أنت لا تنفعي، فعندما يقول ذلك، هل هي تحب الشيخ بل تعلن الحرب عليه، لكن هذه الحكمة الذي ألهمنا وبينها لنا سيدنا رسول الله ﷺ ، الحكمة البالغة، أمر خاص، بينك وبين أهلك، واستشرت أحد من رجال الدين، وأعطاك المشورة السديدة لكن أنت عليك أن تنفذها بالطريقة الرشيدة، وليس بالطريقة التى فيها تهور وتسرع، لتزيد المشاكل،
لأن الإسلام أمرنا فى أى أمر يتعلق بإخواننا أو بأهل بيتنا، أو بذوي أرحامنا أو بإخواننا وزملائنا فى العمل، الأمر الجامع فى ذلك كله قول الله عزوجل : [ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ ] ، لا يوجد إكراه حتى الإنسان يؤجر معاك، فسبيل الدين الإقناع بالأدلة والبراهين، أنا أريد من زوجتى أن تعمل أمر والصح الذي قاله لى إخواني لا بد أن أقنعها بالصح حتى تعمله عن إقتناع فيكون لها أجرها، لكن لو عملته مضطرة خوفاً منى فتعمله وليس لها ثواب والذى حرمها من الثواب أنا، لأنى لم أتبع الطريقة الحكيمة السديدة، الرشيدة.
الحديث {لأن يضع أحدكم يده فى جمرة أهون من أن يمس امرأة لا تحل له} والمس هنا بقصد “يحتك فيها فى المواصلات يريد أن يمده لها ليحس بالشهوة وباللذة، لكن لو كان السلام محرماً (المصافحة) لم يكن اختلف فيه الأئمة وقالوا فيه ينقض الوضوء أو لا ينقض، مصافحة المرأة تنقض الوضوء أم لا؟ قال الإمام الشافعى: “تنقض الوضوء إذا كانت بدون حائل”، إذاً أباح المصافحة ولكن فى وجود حائل حتى ولو الزوجة، الإمام أبو حنيفة قال: ليس فى ذلك شيء، أما الإمام مالك فقد قال الحائل ليس الفوطة أو منديل، بل الحائل هو القلب ولذلك فى مذهبه النظرة إلى امرأة بشهوة تبطل الوضوء، وهناك حديث آخر تقول السيدة أم سليم أم أنس بن مالك رضى الله عنه : {صافحت رسول الله e فما رأيت خزاً ولا حريراً، ولا شيئاً أنعم من كف رسول الله ﷺ} فليس شيء فى المصافحة فى دين الله، الحديث: {أهون عليه أن يمس امرأة لا تحل} فالأمر الذي فيه السداد والرشاد أن يبنى حياته كلها على الإستشارة والإستخارة، افرض رأيت أنا رأى سديد وإخوانى الموجودين فى المكان الذي أنا فيه اجتمعوا على رأى فى أى أمر من الأمور (يد الله مع الجماعة) أتنازل عن رأيى لرأى إخواني وأعتقد إعتقاداً جازماً أن يد الله مع الجماعة، لأن هذا هو هدي رسول الله وكان ﷺ بذاته الشريفة ينزل عن رأيه لما رآه من إخوانه، ويرى أن ذلك هو الصواب وقد كان هذا دأبه فى كل أموره،
وأنتم تعرفون الأمثلة والمواقف التى حدثت فيها هذه الأمور، له رأى ورأيه عن الوحي ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ، لكن عندما يراهم اجتمعوا على رأى يوافق عليه ويمضيه، ويتنازل عن رأيه فى سبيل تنفيذ رأيهم تعليماً لهم للمشورة لأن المشورة هى أساس الإسلام، الرجل فى بيته ومستبد برأيه وزوجته وأولاده لا رأي لهم، تجد كل حياته متخبطة وكل يوم مشاكل، اليوم مع زوجته وغداً مع أولاده، لأنه رجل استبدادي والإسلام ليس فيه استبداد، وحتى فى البيت [ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ]، لأنها شريكتك لابد أن يكون لها رأى، ويكون عن رضاها وتكون مقتنعة، هذا أساس الحياة السعيدة فى الإسلام، أولاده كبروا، لا أدخلهم كلية بدون رضاهم فهذا لا ينفع، لأن هو الذي سيذاكر، ولا أزوجه واحدة غير راض عنها، لأنه هو الذي يعيش معها وليس أنا وهكذا..
إذن لا بد من الشورى وأعطيه بيان عملى لينشىء أولاده وجيله كذلك على أهم أساس فى الإسلام وهو مبدأ ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) ، الله عزوجل هو الذي يقول ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) ماذا بعد ذلك، ولذلك جربوا، واجعلوا حياتكم كلها على الشورى، إن كان امر فى بيتكم شاورا أهل المنزل، أمراً فى شأن إخوانكم شاوروهم وأصدروا على رأي الجماعة، ستجدون أنكم موفقون فى كل حركاتكم وسكناتكم، وأهم من ذلك إزالة ؟ من صدوركم، مشكلة الإستبداد يجعل النفوس فيها إحن، أحياناً بغضاء، واحيانا كراهية، وحتى تصل إلى أمر هو شر إن واحد منهم يتمنى أن مشورة فلان لا تمشى حتى يتأدب، هذه مصيبة كبيرة، لماذا نوصل الأمور لمثل ذلك، لابد أن تكون حياتنا كلها عن المشورة،
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ )، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يحضر سيدنا عبدالله بن عباس وهو طفل صغير ويجلسه مع أهل الصفة وأهل بدر، ويستشيره معهم فى الأمور المهمة فى دولته، تدريب، كان عنده عشرة سنين حتى يكون فى مجلس الشورى كل الأعمار، جائز أن هذه المشكلة تتعلق بالولد الصغير، فيكون موجود، وأنتم فاكرين كلكم وهو على المنبر، وتغالى فى مهور النساء، قالت: لا وهو فى آخر المسجد: إن الله عزوجل قد قال:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا)، لم تأخذه العزة بالإثم بل قال: أصابت وأخطأ عمر، اعترف بخطئه فى الحال ولم يتكبر وهو على المنبر ويقول: لم أخطئ، الإعتراف بالحق فضيلة، معترف أنه أخطأ أمام الجميع وهو على المنبر، لكن نحن من أجل أن النفس موجودة يكون الواحد عارف أن مشورته خطأ ويصر عليها، لا يريد أن يكون على خطأ أبداً، الكلام هذا أكثر بالنسبة للبيوت، تقول له امرأته أن هذا خطأ يصر لأنه يرى نفسه دكتاتور، صاحب هذه الأمبراطورية فتكون فرماناته لا ترد، لا ينفع هذا فى الإسلام ولا فى البيوت السعيدة التى ينشدها الإسلام [ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ] ،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
***********************************