[1]الحمد لله رب العالمين هذه الأيام (يقصد أيام العشر) يقول فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم أيام الله أيام العشر من شهر ذى الحجه …وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله جعله الله رحمةََ لنا وللخلق أجمعين وأكرمنا به فى الدنيا وجعله شفيعاََ لنا أجمعين يوم الدين …اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد السابق للخلق بنوره والهادى بالله وبأمر الله إلى الله وإلى صراطه المستقيم صلى الله عليه وعلى آله المباركين وصحابته الطيبين وكل من إهتدى بهديهم إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين …
أيها الإخوه جماعة المؤمنين إن الله عز وجل تبارك إسمه وتعالى شأنه ولا إله غيره غنى عن الخلق وغنى عن طاعاتهم أجمعين لا يحتاج إلى عبادات ولا إلى تسبيحات منا لأنه غنى بذاته وصفانه عن جميع كائناته …
فلماذا فرض على المسلمين الحج إلى بيت الله الحرام ؟؟؟…. يتركون الدور والأولاد والبلاد ويدفعون الأموال ويتحملون المشاق …لماذا أمرهم بذلك ؟؟؟…
ليكرمهم ويرفع شأنهم ويزيد عنده قدرهم لأنه يحب أن يستزيد من إكرام عباده المؤمنين وأول إكرام من الله لحجاج بيت الله الحرام أن الله يغفر لهم كل ما سلف من الذنوب والأثام فيرجع الحاج إلى وطنه كيوم ولدته أمه ليس عليه ذنب وليس فى صحيفته سيئه وفى ذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديثه الصحيح الذى رواه الإمام أبى هريره رضى الله عنه فى صحيح مسلم {من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه} فإن ذهب إلى هناك واشتغل بالطاعات وأقبل على العبادات وقطع وقته فى هذه الأماكن المباركات عاملاََ بقول الله عز وجل { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (197) سورة البقرة، فإن الله عز وجل يجعل هذا الحج حج مبرور … بر حجه لأنه شغل وقته بطاعة الله وعبادة الله ولم يقطعه فى سهو ولا غفله ولا جفاء ولا معصيه ولا بعد عن الله وهذا يكون له جزاء أعظم عند الله فإنه يستوجب الجنه بحجه هذا إضافة إلى مغفرة الذنوب وفى ذلك يقول الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم {الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنه} …هذا وإن الحاج عندما يدخل بيت الله الحرام يكتب الله له أمانا من النار وأمانا من سوء الخاتمه وأمانا من عذاب القبر وأمانا فى الدنيا من الفقر لأن الله يقول فى قرآنه عن البيت الحرام {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } (97) سورة آل عمران، آمنا من الموقف العظيم وأهواله وآمنا من النار وشدتها ومن دخولها وآمنا عند خروجه من الدنيا من سوء الخاتمه وآمنا فى حياته من الفقر ناهيك عن أن الله عز وجل يجعل كل ما ينفقه الحاج فى سبيل هذه الرحله المقدسه من مال إن كان ثمن التذكره أو أجرة المسكن أو وسائل المواصلات أو الطعام أو الشراب أو الدواء .. كل ما ينفقه فى هذه الرحله له فيه عند الله جانبين …
الجانب الأول أن الله عز وجل يجعل كل ما ينفقه العبد الدرهم الواحد بسبعمائة ثواب وأجر حسن عند الله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {النفقه فى الحج كالنفقه فى سبيل الله الدرهم بسبعمائة ضعف} ثم بعد ذلك يٌخلف هذا المال إن كان لصاحبه أو لبنيه من حلال طيب لأنه قال فى قرآنه {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (39) سورة سبأ، هذا إلى جانب إستجابة الدعاء وتحقيق الجاء وزيادة الأعمال ومضاعفتها أضعافاََ كثيره حتى أن كل عمل فى بيت الله الحرام يكتب له بمائة ألف ثواب لا يستطيع أحد حده ولا يستطيع أحد حتى من الملائكة عده لأنه من الله لعباد الله عز وجل المؤمنين ومن فضل الله عز وجل علينا جماعة المؤمنين أن الله شملنا ونحن المقيمين ولم نستطع الذهاب إلى بيت الله الكريم بمثل هذا الأجر و بمثل هذا الثواب على قدر نياتنا وأعمالنا إذا ما عملنا ما أوصانا به نبينا صلى الله عليه وسلم فى هذه الأيام المباركه أيام العشر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأيام {ما من أيام أحب إلى الله العمل الصالح فيها من أيام العشر …قالوا ولا الجهاد فى سبيل الله قال ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيئ} ثم بين الأعمال التى فيها فضل عظيم فى هذه الأيام الباركه فقال صلى الله عليه وسلم {ما من أيام أحب إلى أن يٌتعبّد له فيها من فى عشر ذى الحجه يعدل صيام كل يوم فيها صيام سنه إلا يوم عرفهفإنه يعدل صيام سنتين … ويعدل قيام كل ليلة فيها ليلة القدر} وهذا أجر عظيم من الله عز وجل لمن يحيى هذه الأيام والليالى بالصيام والقيام للملك العلام والإشتغال بالذكر والتسبيح والطاعه لله الواحد الأحد …
أما من أراد أن ينال ثواب الحج الذى أشرنا إلى بعضه فقد أتاح لنا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة السانحة ونحن هنا بأعمال يسيرة يستطيع أى فرد منا أن يعملها هنا ومن ثم يتحصل على ثواب الحج منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم {من صلى صلاة الغداه (أى صلاة الصبح) فى جماعه ثم قعد فى مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كٌتب له ثواب حجة مقبوله وعمرة مقبوله} فإذا كررها مرتين فى يومين متتاليين أو متفرقين كان له ثواب حجتين وعمرتين وإن ذاد على ذلك فله عند الله بحساب ذلك حتى يفرح الفقراء والقاعدين بفضل الله العظيم علينا جماعة المسلمين …
وقد تفضل الله عز وجل علينا اليوم أجمعين بهذا الفضل وكتب لنا ثواب هذه الحجه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من راح إلى المسجد ليٌعلم علماََ أو يتعلّمه كتب له ثواب حجة مقبوله ونحن والحمد لله قد جئنا إلى بيت الله نبغى الإستذاده من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنا جميعاََمن فضل الله عز وجل ثواب حجة مقبوله فيها من الأجر والثواب أكثر وأعظم مما أشرنا إليه وذكرناه بل جعل النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمن أن يكرر هذا الثواب فى اليوم خمس مرات فقد قال صلى الله عليه وسلم : من توضأ فى بيته ثم ذهب إلى بيت الله ليصلى فريضه كتب له ثواب حجة تامة فإن ذهب ليؤدى نافلة كتب له ثواب عمره … فضل من الله والله ذو الفضل العظيم … بل جعل هذا الفضل العظيم فى بر الوالدين فقد ذهب رجل إلى حضرته صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إنى أريد أن أجاهد معك فى سبيل الله ولكنى لا أستطيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أحد والديك أحياء قال نعم أمى فقال صلى الله عليه وسلم :برها فإنك إن بررتها كتب لك ثواب حجة مبروره فإذا أبر أحد والديه أو كليهما كٌتب له ثواب حجة مبروره كما نطقها الذى حفظه الله وعصمه عن الهوى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3،4) سورة النجم، بل وسّع النبى صلى الله عليه وسلم هذه الدائره فجعلها لكل من يمشى ويسعى فى مصلحة لأحد من المسلمين فقال فيما يرويه الإمام الخرائطى فى مكارم الأخلاق {من مشى فى حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمس وسبعين ألف ملك حتى يفرٌغْ فإذا فرغ منها كٌتب له ثواب حجة تامة ومقبوله} فأى إنسان يمشى فى حاجة مسلم من المسلمين ولو كانت هذه الحاجة سهلة يسيره لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذه الحاجات …
أعطاه الله هذا الثواب لأن الله عز وجل واسع الرحمة يريد أن يعم برحماته المؤمنين والمؤمنات ويريد أن يجعل عباده المؤمنين فى هذه الحياة الدنيا فى سكينة وطمأنينه من رب العالمين وفى أجر وثواب يٌعينهم عليه ويٌوفقهم له ثم يتفضل ويثيبهم عيه … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{الحجاج والعمّار وفد الله تعالى وزواره إن سألوه أعطاهم وإن دعوا إستجاب لهم وإن إستغفروا غفر لهم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم :{إدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابه}……………………….
(الخطبة الثانيه)
الحمد لله رب العالمين الذى أكرمنا وكرمنا وجعلنا من عباده المكرمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين ويحب المتطهرين وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب المقام المحمود والحوض المورود والكوثر المشهودصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين آمين يا رب العالمين …
أيها الإخوة جماعة المؤمنين إعلموا علم اليقين أن هذا الثواب الذى ذكرناه على الأعمال التى وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا لا يٌسْقط الفريضه عن المستطيع فإن المستطيع الذى معه المال الذى يؤدى به الفريضه ومعه الصحه التى يستطيع بها أن يتحمل مشاق السفر لابد أن يؤدى فريضة الله لأن هذا ديْنٌٌ عليه لمولاه جل فى علاه … لكن ما ذكرناه يجعل المرء يٌحصّل الثواب (ثواب الحج ) ولكن لا يسقط الفريضه أما المستطيع الذى معه المال زائد عن نفقاته وأهله الضروريه ومعه الصحه ومع ذلك كله تكاسل وتراخى فإن هذا يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم {من مات ولم يحج ممن يستطيع إلى ذلك سبيلاََ فليمت إن شاء يهودياََ أو نصرانياََ} وكان سيدنا عبد الله بن عباس وسيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعيت يقولان :لو علمنا رجلاََملك الإستطاعه للحج ولم يحج ومات لا نصلى عليه صلاة الجنازه …بل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لقد هممت أن آمر بفرض الجزية (ولا تفرض الجزيه إلا على غير المسلمين الذين يسكنون فى بلاد الإسلام) على كل من إستطاع أن يحج ولم يحج إلى بيت الله الحرام فإن الحج للمستطيع دين فى رقبته سيحاسبه عليه الله عز وجل يوم القيامه …
لكن الله عز وجل أراد لنا أن نشارك حجاج بيت الله الحرام فى الأجر والثواب ولذا أوجد لنا أعمال هنا نستوجب بها الأجر والثواب الذى قد يضاهى بعض ما يناله الحجيج لأن لهم فوق ما ذكرناه أجورٌ موفوره لا يعلمها إلا الله جل فى علاه … فجعل للحجاج تلبية الله عز وجل وجعل لنا هنا مكان التلبة التكبير وقال لنا فيها البشير النذير {زينوا أعيادكم بالتكبير} فعلينا أن نكبر الله عز وجل فإذا كنا فى بلادنا هنا على مذهب الإمام مالك رضى الله عنه نكبر الله عزوجل من قبل صلاة العيد إلى عصر اليوم الثالث من أيام العيد عقب كل صلاه سواء صلى الإنسان الفرض فى جماعة فى المسجد أو صلى بمفرده ويقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر … الله أكبر ولله الحمد ويكررها ثلاثا وإن كان يحفظ الزيادة فليستزيدها فإن الأئمة قد إستحسنوا هذه الزياده …يكبر فى هذه الأيام وإن كان كإخواننا الذين جاءوا من الوجه البحرى على مذهب الإمام الشافعى يكبر من صلاة الفجر يوم عرفه إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد والتكبير شعار المسلمين عقب الصلوات لكن التكبير قبل صلاة العيد يكون منذ خروج الإنسان من منزله إلى مصلى العيد يٌكبر وهو سائرٌٌ فى الطريق لأن هذا شعار المسلمين فى هذا اليوم وكان سيدنا عبد الله بن عباس وسيدنا عبد الله بن عمررضى الله عنهم أجمعين يذهبان إلى السوق فيكبران فيه فيكبر أهل السوق جميعاََ بتكبرهما لأن التكبير سنه عن سيد الأولين والأخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم …
وكما جعل الله عز وجل للحاج الهدى الذى يذبحه عند البيت الحرام أو فى منى جعل للمقيم هنا الأضحيه وفيها من الأجر والثواب ما لا نستطيع أن نحصيه …
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا جميعاًً حج بيته الحرام وزيارة روضة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وأن ييسر لنا ذلك من مال حلال وأن يجعلنا من الذين يطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروه ويقفون بعرفات ويرمون الجمرات ويرزقنا الإخلاص فى كل أحوالنا والصدق فى كل أعمالنا ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه …
اللهم إغفر لنا ذنوبنا ما قدمنا منها وما أخرنا ..ما أسررنا منها وما أعلنا .. ماأظهرنا منها وماأبطنا .. ماعلمنا منها وما لم نعلم واغفر اللهم لوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين …
اللهم بارك لنا فى زروعنا و بارك لنا فى ضروعنا وبارك لنا فى أقواتنا وبارك لنا فى أموالنا وبارك لنا فى أولادنا وبناتنا وبارك لنا فى بلدنا وبارك لنا فى كل شيئ لنا أو حولنا يا أكرم الأكرمين …
اللهم وفق ولاة أمورنا وحكام المسلمين أجمعين لما فيه رضاك وإجعلهم عاملين بشريعتك منفذين لسنة خير بريتك قائمين بحدودك بين بريتك … اللهم أهلك الكافرين بالكافرين وأوقع الظالمين فى الظالمين وخلص بيت المقدس وأرض فلسطين من اليهود الغادرين … واجعل الإسلام بلاد الأمن والسلام يارب العالمين …
عباد الله إتقوا الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل …