• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

19 اغسطس 1999

رسول الله ونوره الذي ينير القلوب

,

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله الذي أكرمنا بحب حبيبه ومصطفاه وجعله e مهجة أرواحنا وبهجة قلوبنا، وسويداء أبصارنا وسر بصائرنا وباب سعادتنا فى الدنيا والآخرة أجمعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله فاتح كنز التجليات الأولية وخاتمة الرسالات السماوية الكونية، وباعث روح الوجد والشوق فى كل نفس تقية وذكية، روح أهل الوداد ونور سر الرشاد وباب الله U المفتوح بالقرب لجميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل من استظل بظل شريعته، واهتدى بنور حكمته ومشى فى نور طريقته إلى يوم الدين آمين آمين يا رب العالمين، أما بعد، فيا إخواني ويا أحبابي بارك الله U فيكم أجمعين، إن مما شرف الله به هذه الأمة الإسلامية أنه بعث فيها السراج المنير والبشير النذير نبيا وهادياً ونوراً، ومبشراً وشفيعاً لنا فى الدنيا ويوم الدين، ومن العظمة التى خص الله بها هذه الأمة أن جعل هذا السيد السند العظيم صلوات الله وسلامه عليه، روحاً سارية منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذه الروح وهذه الشمس وهذه الأنوار لو غابت لحظة عن أمة النبي المختار e، لحدث لنا ما لا نحمد عقباه، لكن الأمر كما قال سيدي عبدالقادر الجيلاني t:

أفلت شموس الأولين وشمسنا

أبداً على فلك العلا لا تغرب

إذا كانت شمس الكون ، لما كان سيحدث لها الكسوف فى لحظات، خافت الناس من عموم الظلام ومن خطف الأبصار، فكيف لو غابت شمس الحقيقة المحمدية، ستنطفئ الأرواح وتموت القلوب، لأن حياة القلوب مستمدة من الحبيب المحبوب e، وحياة الأرواح أسرارها فى حبيب الكريم الفتاح e، لا تغيب ولا تنخسف ولا تنكسف ولا تتغير فى لحظة من اللحظات أبداً، شمس الدنيا تظهر نهاراً، وتغيب ليلاً لكن شمس الحبيب ليس عندها ليل أو نهار، فهى كما قال الله U فى شأنها: } وسراجاً منيراً { [الآية، ينور القلوب فتستنير بنور الحبيب المحبوب e، والقلوب هل تحتاج لهذا النور؟ ولماذا؟ القلوب لا تستطيع أن تعيش فى الكون لحظة بدون حبيب الله ومصطفاه e لأن فيها الموازين التى تزن وترجح، أعمال وأحوال المؤمنين، هذا العمل طيب، وهذا العمل خبيث، ما الذي يميز هذا من ذاك؟ النور الذي فى القلب، هذا العمل فيه رياء وهذا العمل فيه إخلاص ، ما الذي يبين هذا من ذاك؟ ميزان القلب، لا يوجد ميزان فى الدنيا يستطيع أن يبين التمايز بين الأعمال، أو التفاضل بين الأقوال، أو المنازل التى يقيم الحق فيها الرجال، إلا ميزان الواحد المتعال الذي جعله فى قلوب المؤمنين والذي يقول فيه عز شأنه وتناهى سلطانه وعظم برهانه: } إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا { [الآية، وهو النور الذي فى القلوب والذي تميز به حقائق حضرة علام الغيوب U، هذا النور هو الذي قال فيه الله: } هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخركم من الظلمات إلى النور { [الآية، ليست ظلمات الليل، الظلمات التى أشار إليها الله فى هذه الآية ظلمة الكفر، وظلمة الشرك، وظلمة الشك، وظلمات الشهوات، وظلمات البعد عن نور كتابه، وظلمات عدم المتابعة لحبيبه فى سيره وسلوكه، كل من في هذه الأحوال فى ظلمات، والنور نور واحد، وهو نور الله وهو نور حبيب الله، وهو نور كتاب الله، مرة يتحدث عن ذاته بأنه نور ويعرفنا ويقول: } الله نور السموات والأرض { [الآية، ومرة يقول عن رسول الله أنه نور: } قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين { [الآية، ويمكن هذه النقطة بعض الناس تقف عند نفسه، لكن هى حقيقة قرآنية، لابد من الإقرار بها، وقد أيدها المؤيدات البرهانية والمؤيدات الحسية، فقد قال الله في قرآنه عن المشركين والكافرين، وكانوا فى صحة الأجسام كما قال فيهم الملك العلام “تعجبك أجسامهم” القوة والمتانة وسلامة الأعضاء والبنيان وسلامة الحواس والأركان ومع ذلك يقول له: } وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون { [الآية، هل هم لا يرونه؟ يرونه، لكن لم يروا النور الذي بداخله، النور الذي ملأه، النور الذي أمده به الله U، وهذا النور كان يراه أصحابه، سيدنا أنس بن مالك t وأرضاه كان يقول:{ما رؤى e مع شمس ولا قمر ولا مصباح إلا وكان نوره أبهى من نور الشمس وأزهى من نور القمر وأضوء من نور المصباح}، وسيدنا أبو هريرة t يزيد هذا البيان فيقول: {كان e إذا تكلم خرج النور من بين ثناياه} يرى النور من بين الفكين، لكن الآخرين لا يرون هذا النور، لماذا؟

لأن هذا النور لا يرى بالعين التى فى الرأس، وإنما يرى بالعين التى فى القلب: } فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور { [الآية، عمى البصر سهل لكن المصيبة فى عمى البصيرة، لأنه ليس له علاج ولا ينجع معه شفاء ولا ينفع معه لا مال ولا جاه ولا شيء وإن عظم فى هذه الحياة، أعمى البصيرة وإن أتاه الله من كل زينة فى الحياة الدنيا، هل ينفعه ذلك عند الله U؟ كلا وألف كلا يا عباد الله، فرسول الله e كما قال فيه الإمام أبو العزائم t:

أبرزته يد العناية كونا

وهو نور في ذاته الآدمية

لكن نور هداية ونور ولاية، ونور صيانة وحفظ وكلاءه من الله U، نور يهدى به الله من يشاء لنوره U، وهو كان يدعوا فى دعائه ويقول: {اللهم اجعل لى نوراً فى سمعي ونوراً فى بصري ونوراً فى لساني ونوراً من أمامي ونوراً من خلفى ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالى ونوراً من فوقى، ونوراً من تحتى واجعل لى نوراً أعظم نورا واجعلنى كلى نوراً}، ودعاؤه مستجاب، وطالما قال: {واجعلنى كلى نوراً}، إذا هو كله نور صلوات الله وسلامه عليه، فنور رسول الله e، هو النور الذي يضيء للقلوب، ويبين لها مجاهل هذه الحياة ويعرفها ما يحبه الله ويرضاه فتستقيم كما أمر الله فتكون مما عناهم الله: } إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا { [الآية، باختصار شديد، نحن نرى المحسوسات .. المباني، الزراعات، السيارات والأعمدة والبحار وكل ما على سطح الدنيا نراه بنور الشمس أو نور القمر أو نور الكهرباء، لكن سنرى الخبيث من الطيب، كيف؟ بنور رسول الله الذي قذفه فى قلوبنا، سنعرف الغواية من الهداية، بنور الله الذي قذفه فى أفئدتنا، نعرف أن هذا معوج وأن هذا مستقيم- والاستقامة والإعوجاج فى السلوك والحال وليس فى البنيان – نعرفه بنور الله U الذي جعله فى قلوبنا، فالبنور الذي يهبه لنا الله والذي جاءنا به حبيبه ومصطفاه، تنكشف لنا غياهب هذه الحياة، ولذلك قال e: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله }، أين نور الله هذا؟ فى قلبه، من أين أتى له؟ من سيد الأولين والآخرين e، فيعرف الحق والباطل والطيب من الخبيث والسيء من الأسوأ ويعرف أمور الحياة ويعرف كذلك بنور الله يعرف ما في نفس غيره، هذا الكلام يمكن بعضكم يعتقد أن هذا خاص بالصالحين، بل كل المؤمنين … كلنا، كل من آمن بالله مصدق برسول الله e معه قبس من هذا النور، صحيح في أنور وفي أبهر وفى أزهر وفى أعلى وأغر، لكن كل واحد فينا معه هذا النور، ولذلك أنت وأنا وكلنا أحياناً يأتى ويعرض عليه أحد الناس أمر، فيقول له: لا، أنا غير مرتاح لهذا الموضوع، يلح عليه، يقول له: أنا لست مرتاح لهذا الأمر، كيف عرف؟ عرض هذا الأمر على النور الذي فيه نور الإيمان ونور النبي العدنان فاستبان له الرشد من الغي، كلنا معنا هذا الحال، يأتى واحد ويتكلم معي فأعرف أنه كاذب في هذا الأمر، كلنا نعرف ذلك حتى الغلام الصغير، يقول: واضح عليه أنه يكذب، كيف عرف؟ أمعه جهاز لكشف الكذب؟ نعم، كلنا معنا هذا الجهاز، لكن منا من جهازه يعمل 50% وهذا أقل المؤمنين، وفى 90% وفى 10% لكن لا يوجد مؤمن أقل من 50%، ولذلك عندما يروا واحد: } تعرفهم بسماهم { [الآية، لما ينظر فى وجه واحد يرى ما بداخله، يعرف إن كان يضحك من داخله أو يضحك ضحكة صفراء، أليس كلنا نعرف ذلك؟، يعرف إن كان الكلام الذي يقوله له صدق أو احتيال وخداع، ولذلك كان الرجل الحكيم العربي يقول:

ومهما تكن عند امرء من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

من يظن أنه يخدع الناس فهذا مسكين لأنه يخدع نفسه، لأن المؤمنين كلهم مبصرين بنور الله وببركة حبيب الله ومصطفاه e، لا يغيب عنهم شيء إلا إذا هم تركوا نور الله جانباً وساروا على هواهم، وهم عارفين أنهم مخالفين لكن الطمع فى الفاني والأمل هو الذي يجعلهم يعوجوا وينحرفوا عن رسول الله مع معرفتهم أنهم على غير طريق سوي، هل يوجد احد من المؤمنين يعمل منكر ويعرف أن هذا صحيح؟ كلا، الكشاف الخاص به يظهره له، من فى المؤمنين يسرق أو يغش ولا يعلم أن هذا الأمر صحيح وسليم، الكشاق يبين له فى البداية لكن هو الذي يكابر، لكن مؤمن بفضل الله معه من نور الله ما يكفيه أن يسلك الطريق المستقيم، ولو استقام لزاده الله نوراً وكاشفه بما فى قلوب إخوانه أجمعين، يكون مثل الرجل الذي وقف على المنبر ورأى من في بلاد فارس، ومثل من قاعد فى المجلس ورأى الرجل الذي دخل ونظر إلى امراة فى الطريق وقال له: {ألا يستحى أحدكم أن يدخل علىَّ وفى عينيه أثر الزنا}، قال له: أوحي بعد رسول الله يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكنها فراسة المؤمن: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله}

فكل واحد فينا بحمد الله جعل الله U له نوراً فى قلبه، بسر الإيمان يزيد هذا النور بتوالى الإمداد من نور النبي العدنان، أقل واحد فى المؤمنين، كيف حال نوره؟ يقول فيه سيدي أبو الحسن الشاذلي t: “لو كشف الحجاب عن نور المؤمن العاصى لملأ ما بين السماء والأرض” فما بالكم بنور المطيع، نور المؤمن مع أنه عاصى تقول له: الذي تعمله هذا صحيح، يقول لك: لا، كاشف له أنه على خطأ، وأنه على ضلال وأنه بعيد عن الله، ويقول لك: أنا عارف إن نفسي ضحكت علىَّ وجائز يعلق على شماعة الشيطان ويقول: هو الذي يوسوس ومسيطر علىَّ، لكن عارف أنه على خطأ فيكون النور يضيء له طريقه فى هذه الحياة الدنيا، طريق الإستقامة وطريق الإعوجاج وهذا مع كل مؤمن، لا يصلى ولا يصوم ويسرق ويزني ويفعل كذا وكذا إلا أن نور الإيمان  الذي معه يكشف له أن هذه معصية وهذه طاعة، في واحد يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله مهما كان شأنه فى البعد عن الله U يتلذذ بمعصية؟ كلا، فهو يكابر وهو من داخله يتمزق ويتألم، لكن غير قادر على نفسه، ولذلك عندما تأتيه لحظة يرجع فيها إلى الله أحيانا يبكي، أحياناً تضيق عليه الأرض بما رحبت ويكون فى حيرة ماذا يفعل؟ أحياناً يكون يريد أن يطيح على وجهه فى العباد والبلاد ليعمل شيء يخرجه من الندم الذي حل به، لأن معه نور الإيمان، فماذا نطلب نحن؟ معنا النور يزيد، نور المؤمنين الصالحين هذا النور يزيد فيكشف لهم مزيد من نور الحميد المجيد U، فمن المؤمنين من يقوى نوره فيرى الآخرة وهو فى الدنيا معالم بين عينيه، مثل ما ترى شاشة التلفزيون وهو يرى شاشة الآخرة وهو قاعد وأنت معه لكن هو يرى وأنت لا ترى، شاشة الآخرة تعرض عليه بالمنازل والدرجات والعذاب والدركات: } كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم { [الآية، أين يراه وهو هنا، لأن معه طبق استقبال رباني يأتى الإرسال بقناة الجنة وقناة الجحيم، وقناة العرش، وقناة الكرسي، وقناة سدرة المنتهى، والقنوات الربانية العالية كلها ويراها، ولكن لوحده، لا يقدر أحد أن يأتى بحرامي دش يأخذ منه لأنه محصن بحصون الرب العظيم U، يرى بنور الله هذه العوالم الخافية كما قال الله: } تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون { [الآية، والقنوات هذه ياتى إرسالها إذا جن الليل واختلط الكلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلى كل حبيب بحبيبه، صفوا شاشة قلوبهم ووجهوا رادار أفئدتهم نحو محبوبهم U فجاءهم بالهناء والغذاء والعلم والشفاء سر قوله U: } وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين { [الآية، لم يقل وأنزلنا، يقول “وننزل” باستمرار، من أين؟ من القرآن ما هو شفاء من العلم والنور والهداية والأسرار والرعاية والفضل الكبير فيمتعون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يروا الجنة وهم هنا ربنا هو الذي قال: } وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد { [الآية، وهم هنا، يرونها ويتملون بها ويقول لهم المعلق الرباني صلوات الله وسلامه عليه، } هذا ما توعدون { [الآية، لكن هذا الكلام لمن معه إشتراك فى هذه القنوات، من الذي يشترك فى هذه القنوات؟ } لكل أواب حفيظ { [الآية، ما قيمة الإشتراك؟ } من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب { [الآية، معه خشية الله وقلب راجع إلى الله U، فى طور التجارب أول ما يوصلوه بهذه الموجات فيرى فى لحظة التجربة يرى لحظات فى المنام، كل أسبوع مرة، كل شهر مرة، كل ليلة مرة وهو فى المنام حتى يتم الإتصال فيرى آناء الليل وأطراف النهار، كل ما عليه أن يوجه القلب إلى الله يرى ما يسره من فضل الله وكرم الله وعطاء الله، أين هذا الكلام؟ } أينما تولوا فثم وجه الله { [الآية، سيدنا رسول الله e وهو المهندس الخبير الذي يركب هذه الأجهزة ويضبطها ويضبط الشاشات والرادار ويجعل الإنسان يتصل بحلقه إشعاع النبي المختار لأن هى التى فيها هذه الحقائق، فهذا هو القمر الرباني الذي فيه موجات القرب والتداني، فيقول: {كيف أصبحت يا حارثة، قال: أصبحت مؤمنا حقاً، قال: إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهارى وأصبحت وكأنى أرى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها- أراهم وهم يزورون بعض- وكأنى أرى أهل النار وهم يتعاوون ويصطرخون فيها، وكأنى أرى عرش ربي بارزاً، قال له: عرفت فالزم}

إنت الإرسال إنضبط معك إفتح دوماً: } فإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح { [الآية، أنت أصبحت من أهل الفتح } إنا فتحنا لك فتحاً مبينا { [الآية، وقال لمن حوله انظروا: {عبد نور الله بالإيمان قلبه} أنظروا من وصلناه بالحقائق ماذا يرى؟ لم يقل إني أرى أهل الجنة، بل قال كأنى وجاء بالكاف لأن الذي بغير حجاب ولا كيفية هو رسول الله e، فمن شدة أدبه مع حبيب الله ومصطفاه، قال: كأني أرى أهل الجنة، لكنه رأى الحقيقة، لكن ليحفظ لرسول الله e منزلته ومكانته صلوات الله وسلامه عليه، هؤلاء يقول فيهم الإمام أبو العزائم t وأرضاه:

لا يغيب النور عن أهل اليقين

كيف ذا والنور فى الأفق المبين

تلفزيون أحدكم إن لم يأتى بالقناة الأولى، أيكون العيب فى الأرسال أم فى جهاز الإستقبال؟ الإستقبال لأن الأرسال موجود فى الأفق، لكن العيب عنده هو، فأنت فيك شاشة الإستقبال التى تستقبل موجات الأثير الرباني، وموجات الفتح المحمدية، وموجات الروح والريحان الجنانية، وموجات ما فوق الفوق العرشية والكرسية، لكن المهم أن تضبط جهاز الإستقبال فى أفياء قلبك، وفى شاشة فؤادك حتى تستقبل هذه الموجات من حضرة القدس الأعلى، من قناة الإشعاع العظمى من رسول الله e، لأنه لا يستطيع أحد أن يرى هذه الحقائق على طبيعتها فلا بد أن تظهر فى قناة الإشعاع وهى تعطيها لك ثانية، وتستقبلها أنت بما فيك من أجهزة نورانية وربانية، فلما يتم الكشف يرى الإنسان ما غاب عن هذا الكيان:

شمسنا طه الحبيب المصطفى

لم تغب يا طالب الحق اليقين

من يقل غابت فذاك لحجبه

كيف يخفى نور رب العالمين

لا يخفى أبداً e إلا عن القلوب التى دنستها الآثام والذنوب، ساعة ما يخلع الآثام والذنوب ويظهر جوهر القلوب فى الحال يطالع الغيوب: } عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى { [الآية، إذن في موجود، لم يقل فلا يظهر على غيبه أحد وفقط، ولكن إلا لمن إرتضى، الذي يرتضيه وهو عالج الذنوب وعالج الغيوب، الجهاز الخاص به قد صدأ من الغفلة ومن البعد عن حضرة الله، فجاء عليه تراب الهوى فأعماه فعالجه بالإكثار من ذكر الله، وباستحضار صورة ومعاني حبيب الله ومصطفاه، فإذا حُضِّر حضر وإذا حَضَر نظر وإذا نظر رأى الغيب متلألأ ككواكب الدرر فيكون كما قال الله U: } مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ { (35) سورة النــور

يصير هذا يرى الغيب كله، غيب الملكوت وغيب النفوس وغيب الأرواح وغيب الأسرار التى استودعها الله فى كتاب الله، وغيب الأقدار التى جعلها الله فى لوحه المحفوظ فيكشف الله له كل الكنوز، ويعطيه رموز وشفرات الذي نسميها فى زماننا ريموت إلهى يفك به كل كنوز فضل الله،وكل كنوز علم الله، وكل كنوز أسرار الله U فى قلبه معاه الريموت بداخله وهو قاعد يطالع الغيب تارة، ويطالع ما فى النفوس تارة، ولذلك نحن نعجب عندما نسمع أن فلان هذا ذهب يزور الرجل الصالح وكان ينوى كذا، فقال له: يا فلان أنت تريد كذا، قال: كيف؟ عرفه الله U، لأن الله أعطاه نوراً ينظر به إلى سرائر القلوب، كل هذا يا إخواني من فضل الله علينا وموجود فى مدينة رسول الله والحمد لله، الأكازيون المفتوح مدى الحياة، ليس شهر فى السنة فقط بل مفتوح على الدوام، المعرض موجود والأكازيون مفتوح ويريد الفتوح لأهل الفتوح، ولكن لا يريد من يتفرج فقط، يريد من يشترى، يعنى يكون صادق، عندما يذهب الزبون ويقول أرني هذه البضاعة، يقول له: هذه البضاعة غالية، هل تعرف ثمنها؟ يقول: نعم، يقول له إذا كنت ستشترى أفرجك عليها، لا تشترى فليس داعى لإجهادي معك، فالبضاعة الخاصة برسول الله معروضة، وفى القلوب مشهودة من يريد الوصل ومن يريد الكشف، أو الشهود، ومن يريد رؤية الآيات منبلجة فى الكائنات، ومن يريد التمتع بالمشاهدات، والذي يريد تلفزيون رباني ومن يريد جهازاً ليس محمول بل يتصل بالمولى U، وكل العوالم الكونية فى أقل من لمح البصر، لا يحتاج إلى حجارة أو كارت أو شاحن، ولا شيء من هذا، كل هذه الأجهزة وأرقى وأعلى منها موجودة فى سوق رسول الله الأعظم e، والذي يبيع هذه البضاعة بالنيابة عن حضرته العارفين، والصالحين المقربين هم الذين معهم تصريح ضمان مكتب فيه: } آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما { [الآية، لكن يطلبون الصادق الذي يريد الشراء ، لا أحد يقدر أن يضحك عليهم لأن معهم أشعة عالية، تعلم غيب السرائر وخفايا النوايا، وغيب الطوايا لأنهم كما قال فى شأنهم الله: (( ولا يزال يتقرب إلىّ عبدي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه)) والذي ينظر بالله وليس بنور الله، الذي ينظر بالله أيستطيع أحد أن يضحك عليه، الذي يغش هنا: } يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدون إلا أنفسهم { [الآية، فالذي يذهب إليهم صادق يعطوه، من بضاعة رسول الله ومعهم ضمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، من يبيعون له؟ ليس عندهم جهاز معطل ولا جهاز ضعيف، ولا جهاز ملفق ومزور بل كله عليه الماركة المسجلة: } صنع الله الذي أتقن كل شيء { [الآية، الأجهزة النورانية التى يعرضوها فهل من طالبين، وهل من صادقين، وهل من مشترين، المعارض مفتوحة آناء الليل وأطراف النهار، والذي ينادى على البضاعة من؟ الواحد القهار، وينزل كل ليلة ويقول: {هل من تائب فأتوب عليه، هل من مبتلى فأعافيه، هل من سائل فأعطيه، هل من كذا هل من كذا حتى مطلع الفجر} بضاعة حاضرة، وليست بثمن بخس وإنما بثمن عظيم يقول فيه المولى الكريم U: } إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة { [الآية، جنة الرؤيا وجنة الشهود وجنة النور وجنة الغيب وجنة الأسرار، جنان كثيرة لا يعلم مداها إلا الله U، فسيدنا رسول الله هو النور الذي يعرض هذه البضاعة المعنوية، يا عباد الله ونحن بما فينا من نور الإيمان، أهلنا الله U لاستعمال هذه الكنوز نسأل الله U أن يزيدنا نوراً وبهاءاً وجمالاً وكمالاً وأن يزيدنا على الحق قبولا وإقبالاً، وأن يرفع شأننا ويزيد فيه U ولهنا وغرامنا ويقوى فيه سبحانه وتعالى شوقنا وحبنا ويعلى بطاعته وصدق القصد فى عبادته شأننا ويخلص نفوسنا من الأغراض وقلوبنا من الأمراض، وأفئدتنا من الغفلات وأرواحنا من الأدران، حتى نصير نوراً فى قلوبنا ونوراً فى يقظتنا ومنامنا ونوراً فى حياتنا، ونوراً فى قبورنا ونوراً فى نشورنا ونوراً فى آخرتنا ونكون نوراً فى كل شئوننا واحوالنا يهدينا ويهدي بنا الله من يحب من عباده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid