• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

6 سبتمبر 2001

حب الله ورسوله والطاعة لهم

,

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من الأمة المجتباة، والمرحومة بحبيب الله ومصطفاه، والتى قال فيها ربُّ العزة جلَّ شأنه – عندما أمر القلم أن يكتب مقادير كل شيء – فقال: (اكتب، أُمَّةُ آدم؛ مّنْ أطاعنى دخل الجنة ومَنْ عصاني دخل النار، أمة نوح؛ مَنْ أطاعنى دخل الجنة ومَنْ عصاني دخل النار، إلى سائر الأمم، فلمَّا وصل إلى أمة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقال له: أمَّةُ مُحَمَّد، أراد القلم أن يكتب ما تعود عليه،  فقال الله عز وجل: اسكت يا قلم، فانشق القلم نصفين من هيبة الله .. قال: اكتب، أمَّةٌ مذنبةٌ وربٌّ غفور).

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا مُحَمَّد، سرِّ جمعنا، وسبب إيماننا، والذي اختاره الله عز وجل مثلاً أعلى نحتذيه ليحبَّنا الله عزَّ وجل. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، بمنك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين. (أما بعد)

فيا إخواني ويا أحبابي بارك الله عزَّ وجل فيكم أجمعين :

 ونحن فى هذا الجمع المبارك، وهذا البيت المبارك، ما الذي يَشْغَلُ كُلَّ مُسْلِم؟ وما الذي يَهُمُّ كُلَّ مُؤمِنٍ يريد أن تنصلح أحواله فى الدنيا؟ ويريد أن يفوز بالنجاة فى الآخرة؟ فهذه هي جملة المطالب التى نريدها يا إخواني.

كل ما نريده أن تنصلح أحوالنا فى الدنيا – وأحوالنا يعنى أحوالنا وأحوال أبنائنا، وأحوال نسائنا، وأحوال بيوتنا، وأحوال مجتمعاتنا، وأحوال المسلمين أجمعين – ونريد بعد ذلك أن نخرج من هنا ندخل فى قول ربِّ العزة عزَّ شأنه: } وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ { (108- هود). لا نريد شيئاً آخر غير هذا. وهل هناك أحد منا يريد شيئاً غير هذا؟!! هذا ما نريده، وهذا أيضاً ما كان يريده مَنْ كان قبلنا، وما سيحتاجه مَنْ سيأتى بعدنا.

كيف نجمع صلاح الحال فى الدنيا والسعادة في الآخرة والمآل؟ كما فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام، وأعطى لهم المنهج الذي رسمه رب العباد لسعادة العباد فى الدنيا ويوم الميعاد. والمنهج هو: } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { (21-الأحزاب).

              لا يريد شهرة ولا دنيا، ولا رياء ولا سمعة، وإنما يُرِيدُ اللهَ والدَّارَ الآخِرَة، } وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { لا بد أن يعمل لأن ديننا دين عمل.

هذه الآية جامعة مانعة لمن يريد السعادة، فهذا هو إمام أهل السعادة، وهذا الذي كتب الله له الحسنى ووعده الزيادة، معه كل شيء، ولكنه يريد أن يكون بين الإنسان المؤمن وبينه واسطة، يوجد بينه وبينه رابط، يود أن يكون بينه وبينه خطاً مباشراً فيه حرارة، فلو أن هناك خطاً تليفونياً ليس به حرارة فإنه لا يوصل، فهذه هي نفس الحالة لا بد أن يكون هناك خطٌ مباشر يصل ما بين القلوب وحبيب القلوب  صلى الله عليه وسلم. وهذا الخط المباشر يأتى لنا عن طريقه تموين المؤمنين، الذي خصَّنا به الله فى كتابه المبين.

فالعالم كله، من الإنس والجن، والمؤمنين وغير المؤمنين من الكافرين والجاحدين، والطير والوحوش والحشرات وكل الكائنات، قد ضمن الله سبحانه وتعالى الأرزاق الظاهرة للكل، وقال لنا كُلِّنا فى كتابه: } وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا { (21- هود). لا توجد دابة فى الوجود بأسره ستنام وهى جائعة.

ولعلكم سمعتم عن قصة سيدنا سليمان عليه السلام عندما قال لله سبحانه وتعالى بعد أن سخر له كل شيء – أريد أن أعزم الخلق جميعاً، فقال الله له: لن تستطيع، قال: يا رب أعنِّى على ذلك، قال الله له: معك الجن، ومعك الإنس، ومعك كل شيء، ومعك الريح، ومعك كل القوى والقُدَر. فاختار سيدنا سليمان شاطئ البحر الميت ليصنع مائدة يدعو إليها الخلق جميعاً فى زمانه، وأمر جنده وخدمه أن يجمعوا الأقوات والأطعمة، فأخذوا يجمعونها فى ستة أشهر – انظر كم جمعوا!! – وبعد أن هيأ الطعام وجهَّزه، فقال له الله: هل جهزت الطعام؟ قال: نعم، فأمر الله عزَّ وجل سمكة تخرج من البحر الميت – والبحر الميت ليس فيه كائن حي، ولا أسماك مثل هذه الأسماك، فهذه السمكة ابتلعت كل ما جمعه فى الستة أشهر وقالت له: لا جزاك الله عني خيراً فقال لها: ولِمَ؟ قالت: جعل الله عزَّ وجل رزقى اليوم عليك ولم آكل عُشْرَ ماكان يطعمنى الله عزَّ وجلَّ فى كل يوم!! سمكة لم تأكل عُشْرَ طعامها مِنْ الذي جمعه سيدنا سليمان فى ستة أشهر، حتى يعرفنا أن هذا الأمر مضمون، ضمنه الله عزَّ وجل والكلُّ يرتع فيه.

وليست هذه علامة محبة الله، الناس تاهت عن السنن الإلهية، والمبادئ القرآنية – فى هذا الزمان. فيقولون: أن فلاناً فتح الله عليه، لماذا؟ لأنه أتى له عقد من السعودية بخمسة آلاف ريال، وهل هذا فتح؟! فلان ربنا فتح عليه، لِمَ؟ شيَّد عمارة سبعة أدوار، فلان ربنا فتح عليه، لأنه اشترى مركب بربع مليون جنيه. ولكن هذا، وهذا، وهذا .. لا يوجد أحد منهم أُعطى من الله ما أعطاه الله لسيدنا سليمان عليه السلام، وعندما أعطاه الله هذا العطاء قال سيدنا سليمان ليُعلِمنا وليُعرفنا وليفهمنا: } قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ { (40- النمل).

كل هذا ابتلاء. إذا صرفه الإنسان فيما يحبه الله يكون الإنسان قد سعد، ولكن إذا صرفه على حسب حظِّه وهواه يكون قد خسر الدنيا والآخرة، ولن ينفعه شيء من دنياه يوم لقاء الله عزَّ وجل، ويأتى هناك يقول الذي قاله لنا الله عزَّ وجل فى كتابه: } يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ { (56- الزمر)، يقول: يا رب أخرني ربع ساعة، أو نصف ساعة لأوزع بعض ما عندي: } رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ { (99،100- المؤمنون). لا إن الأمر قد انتهى.

وما هي علامة محبِّة الله؟ وما الذي يعرفني أن هذا يحبُّه الله؟ وما الذي يعرفني أن ربنا يحبني؟ هناك أشياء أخرى، ومقاييس أخرى، وهي المقاييس النبوية: { إن الله يعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب – ومن الجائز أن الذي لا يحبه يعطيه أكثر، فلا أحد منا سيحصل على ما حصل عليه الجماعة الألمان أو الجماعة الأمريكان أو اليابان – ولا يعطي الدين إلا لمن يحب }. فهذه هي العلامة، ويكون الدين عطاء من المعطى عزَّ وجل وليس بالشطارة والمهارة.

وبين صلى الله عليه وسلم فى حديث آخر – يا رسول الله ما معنى الدين؟ فالدين واسع – من كان يحبه الله أكثر في الدين قال صلى الله عليه وسلم: { إذا أحب الله عبداً فقهه فى الدين وألهمه رشده }، يعنى يوفقه ليعمل بما علم. لأنه إفرض أنه تعلَّم الدين وأخذ الدكتوراه فى الدين ولكنه لم يوفق فى العمل، فيكون ذلك مصيبة عليه، بل تكون مصيبة كبيرة عليه، قال صلى الله عليه وسلم: { أول من تسعر بهم النار ثلاث، أوَّلُهم: عَاِلٌم لم يعمل بعلمه }.

 وقال فى ذلك الإمام الشافعى رضى الله عنه:

وَعَالِمٌ بِعِلْمِهِ لا يَعْمَلَنْ          مُعَذَّبٌ بِالنَّارِ قَبْلَ عُبَّادِ الوَثَن

هذا كلام الإمام الشافعى، وهو كلام الحديث الشريف، هو نظر الإمام الشافعى إلى الحديث. إذن الذى يحبُّه الله هو مَنْ يفقهه فى الدين ويوفقه للعمل. مَنْ كان يحبُّه الله يقيمه فى جوف الليل والناس نيام، من كان يحبُّه الله يوفقه الله على أداء الفرائض فى أوقاتِهن، والذي يحبه الله من كان يصلي له فى الصلاة المشهودة: } وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا { (78- الإسراء).

والذي يحبه أكثر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: { إذا أحب الله عبداً ألهمه ذكره }، كلَّما غدا أو راح شغَّال مع الله، لأن الإنسان الذي هو قاعد ولسانه صامت، أو ماشي ولسانه ساكت، أو نائم ولسانه ساكت، فهذا – حتى عندما يدخل الجنة – سوف يندم هناك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا: {لا يندم أهل الجنة، وهم فى الجنة، إلاَّ على الساعة التى مرت بهم دون ذكر الله عزَّ وجل). سيقول في نفسه ما هذه الخيبة التى كنت فيها؟!! كيف ضيعت هذا الوقت فى اللهو وفى الغفلة وفى السهو، ولم أقْضِهِ فى ذكر الله عزَّ وجل.

ولا يوجد فى الدنيا شيء أشتريه بالكلام، أما الجنة – مع الإنعام والإكرام – فبحركات اللسان أنال هذه الجنان. إذن لماذا لا أحرك لساني بذكر الله؟: } وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ { (39- النساء).

ماذا سأغرم؟ وماذا سأدفع؟ لن أدفع إيصال نور أو إيصال مياه. ولا أحتاج إلى تموين ولا أحتاج إلى بنزين، ولا أي شيء أبداً، فاللسان طول النهار لا ينقطع عن الكلام، ولا يكلّ ولا يمل، لكن الذي يحبه الله هو الذي يجلسه معه. وهل هناك أحد يجلس مع الله؟!! نعم، وهو الذي قال ذلك: {أنا جليس الذاكرين} أنا معهم: {أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه}. كيف يكون معنا؟ يكون معنا بتأييده ومعونته، ونصره وبفتحه، وبأرزاقه وبألطافه، وبحفظه وصيانته، وهذه معية الله عزَّ وجل للذاكرين. 

فالذي يكون معه الله – يا إخواني – فممَّا يخاف بعد ذلك؟!! أيخاف من شيء فى الدنيا؟!! ستكون الدنيا كلها رهن إشارته، وطوع أمره ووفق إرادته، لأن الله سبحانه وتعالى سخرها لعباده الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ { (21-الأحزاب). كيف كان نظامه صلى الله عليه وسلم؟ فأنا لا أستطيع أن أقوم بعمل كل حركاته وسكناته، ولكن سآخذ نظاماً واحداً يخرجنا من الهمِّ الذي نحن جميعاً فيه فى الدنيا والآخرة، وهو نظام واحد – وكفانا هذا. ما هذا النظام؟

السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول عنه صلى الله عليه وسلم: {كان يَذْكُرُ الله على كل أحيانه} ذاهب أو عائد، ماشي أو نائم أو جالس، على الدوام منشغل بذكر الله. ونحن الذين وعدهم بالسعد قال فيهم: } الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ { ، ساعة كل يوم؟ أم ساعة كل أسبوع؟ لا، } الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ { (191- آل عمران). يعنى على كل الأحوال.

وذكر الله تعالى هو العبادة الوحيدة التى ليس للمؤمن عذر يقدمه فى تركها أمام حضرة الله، لأنه ليس له شروط. فمثلاً إذا أردت أن أصلى أو أقرأ القرآن لا بد أن أكون طاهراً وأتوضأ وأتجه إلى القبلة، ولكن إذا أردت أن أذكر الله يصح أن أذكر بلا وضوء، أكثر من ذلك يجوز أن أذكر الله وأنا على جنابة، لكن الجُنُبَ لا يستطيع أن يقرأ القرآن ولا يصلي ولا يلمس المصحف، ولكن لا يغفل عن ذكر الله.

ولذلك سيدنا عبدالله بن العباس رضى الله عنهما قال: (جميع العبادات جعل الله عزَّ وجل أحياناً فى تركها عذراً للمؤمنين إلا ذكر الله). ليس لك عذر إن كنت نائماً أو مستيقظاً أو راقداً تذكر الله، وليس شرطاً أن تتجه إلى القبلة، ولا شيء من هذا، قاعد على أي كيفية لا بأس، ليس فيها أي شيء ولا مانع. لذلك يكون حلاً لمشاكلنا كلها نحتاج أن نكثر من ذكر الله عزَّ وجل.

إذن كيف يكون ذكر الله؟ تلاوة القرآن ذكر، الإستغفار ذكر، الصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر، وسبحان الله ذكر، الحمدلله ذكر، لا إله إلا الله ذكر، الله أكبر ذكر، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ذكر، الدعاء ذكر.

 أى حركة للسان هى لله فهى عبادة للرحمن عزَّ وجل، وكفاك أنك إذا ذكرته يقول الحق تبارك وتعالى: { من ذكرني فى نفسه ذكرته فى نفسي، ومن ذكرني فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه }.

وبِمَ يذكرنا؟ أنا سأقول: لا إله إلا الله، ذِكْرُ الله لي أن يكون قضاء ما أتمناه من قلبي أثناء ذكر الله. وأنا أذكر الله وأنا أشعر بألم من المرض يكون ذكره لي أن يعافيني من هذا المرض. أذكر الله وأنا أشكو من ضائقة فى الأرزاق – من أين سيأتيها إلىّ؟ من أين يأتيني بها؟ قال: نحن لنا باباً آخر، الناس كلها باب رزقها فى الأسباب، لكن المؤمنين باب رزقهم من غير الأسباب – } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { (2،3-الطلاق).

أمر لم يكن فى الحسبان وهذا الرزق موجود معانا كلنا، ويتنزل علينا فى كل وقت وحين، فأرزاق المؤمنين تأتى معها البركة من عند رب العالمين للذاكرين، وأرزاق غير المؤمنين ليس فيها بركة – بند البركة مرفوع من أرزاقهم، فهى لا تكفى ولا تنفع ولا ترفع. ولكن الذي يذكر الله حتى ولو كان رزقه فى الدنيا قليل، ببركة الله سيقوم بمقام الكثير.

وسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أراد أن يبني البيت، وعندما كان يحفر الأساس، وجد حجراً مكتوب عليه ثلاث عبارات: الأولى مكتوب عليها: (أنا الله ربُّ البيت أملأ الأسواق بالأرزاق وإن كانت الخزائن فارغة). كيف يكون ذلك؟ بغير حساب، وليس كيف يكون – مع الله.

العبارة الثانية المكتوبة على الحجر الذي عثر عليه سيدنا إبراهيم عليه السلام هي: (أنا الله ربُّ البيت أرزُقُ الضعيف من القوى حتى يتعجب القوى). يقول القوى أنا دخلى فى الشهر ثلاثة ألاف جنيهاً ولكنهم لا يكفونني، وفلان هذا يأخذ أربعمائة جنيهاً ويكفونه، كيف ذلك؟!! لأن الثلاثة آلاف ليس فيهم بركة، أما الأربعمائة ففيها البركة، وعندما يكون فيهم البركة فلن ينتهى الأمر إلى الكفاية وفقط، بل يكفونه إلى أن تنتهى حياته، ويظل فيهم بقية بركة من الله، يتنزل بها على عباده الصالحين.

 } يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ { (37-آل عمران).

لا من أرض الله، ولا من بحر الله، ولكن من عند الله مباشرة: } وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ { (38- النور)، ولكن ماذا يفعل؟ عليه بالمداومة على ذكر الله، وأى نوع من أنواع الذكر، ولكن بندين منهم: الإستغفار عندما أكون ذاهب إلى العمل أو عائد، أو قاعد، علىَّ أن أستغفر الله. وهذا أسهل شيء على المؤمنين!!

أستغفر الله، وبعد ذلك الدواء – ننظر إلى الروشتة الخاصة فى صيدلية القرآن الكريم ماذا يعالج؟ } اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا { (10- نوح)، أول شيء ضمنت الآخرة } إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا { وماذا أريد أيضاً؟ أريد الدنيا وما فيها، أريد الأولاد، وأريد المال، وأريد أرضاً فيها أنهار وبساتين، وهذا كل ما أريده من الدنيا. قال كل هذا موجود: } يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا { (11،12- نوح).

وهذا نوع واحد من أصناف الذكر ويعالج كل المشاكل، بند واحد من بنود الذكر – لأن الإستغفار ذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر، وتلاوة القرآن والتسبيح ذكر، ولا إله إلا الله ذكر، كل هذا ذكر. فهذا واحد من أصناف الذكر وهذه مجموعة الذكر فى الصيدلية القرآنية – مثل مجموعات المضادات الحيوية، ومثل مجموعة الإنفلونزا – هذه مجموعة الذكر.

ولذلك ذهب إلى سيدنا عمر رضى الله عنه جماعة تلو جماعة تلو أخرى – فى جلسة واحدة – وهو جالس بعد صلاة العصر فى المسجد، أتى إليه جماعة من العرب وقالوا: يا أمير المؤمنين الزرع سوف يهلك، والضرع سوف يهلك، والحيوانات ستهلك، وليس عندنا ماء منذ فترة، فماذا نفعل؟ قال لهم – وأعطاهم روشتة: (استغفروا الله).

وبعد أن انصرفوا أتى جماعة غيرهم، وقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن فقراء وإزددنا ضنكا،ً ولا نجد الطعام، ماذا نفعل؟ قال: (استغفروا الله). هى هي نفس الروشتة السابقة.

ثم جاء بعد ذلك رجل آخر وسأله: يا أمير المؤمنين، أنا كبرت سني، وكثر مالى، وليس لدي أبناء، وأريد أن يرزقني الله بولد، ماذا أفعل؟ قال له : (استغفر الله –عزَّ وجل). ثم جاء إليه جماعة من الأنصار قالوا: يا أمير المؤمنين، إنا ذهبنا إلى العراق وإلى الشام، ورأينا هناك حدائق جميلة وتحتها أنهار، نريد أن يكون عندنا أنهار وجنات، قال لهم: (استغفروا الله).

وعند ذلك – وكان عنده مساعدوه – قالوا له: أنت لم تكتب اليوم فى روشتة العلاج إلا دواء واحداً، وهو الإستغفار!! فقال لهم: هذا من كتاب الله: } اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا { (10:12- نوح).

فإذا جاء أحد وقال: أنا أستغفرت ربنا، ولكن لم يحدث أى شيء من هذا، أقول له: أنت لم تنفذ وصية الطبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، قال: {مَنْ لَزِمَ الاستغفار} تلازم بعض الشيء، لكن أنت تريد أن تستغفر نصف ساعة وتريد أن يعطيك الله كل شيء، هذا الكلام لا ينفع، لأنه لابد أن تداوم على الروشتة، لأنه قال: {مَنْ لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجا،ً ومن كلِّ ضيق مخرجاً، ورزقه مِنْ حيث لا يحتسب}.

فبالله عليكم هل نحتاج بعد ذلك إلى دواء آخر من أمريكا ولا غيرها، بعد هذا الدواء؟ دواء رسول الله صلى الله عليه وسلم!! لكن نحن نركن الدواء على الرَّف ولا نريد أن نستخدمه، وربنا يقول لنا: خذوا هذا الدواء، ويقول عزَّ شأنه: } وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ { (82- الإسراء). يا جماعة معكم دواؤكم!! ونحن نقول: نريد أشياء ملموسة ومحسوسة فهذا ملموس ومحسوس.

وإليكم دواء ثانى البند الثاني من بنود الذكر: وهو الصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ذهب سيدنا أبى بن كعب رضى الله عنه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: { يا رسول الله إنى أريد أن أصلى عليك، فكم أجعل لك من صلاتى، الثلث؟ قال: وإن زدت فهو خير لك، قال: النصف؟ قال: وإن زدت فهو خير لك، قال الثلثين؟ قال: وإن زدت فهو خير لك، قال: اجعل لك صلاتى كلها؟ قال: إذن يكفيك الله همك ويغفر لك ذنبك} فهذه هي الدنيا والآخرة. كم أصلى عليك يا رسول الله؟ … إذن أجعل لك صلاتى كلها، قال: إذاً يكفيك الله همك – ضمن لك الدنيا كلها – ويغفر لك ذنبك – ضمن لك الآخرة {.

وما الذي نريده نحن بعد ذلك؟!! يأتى بعض المتشككين ويقول: أصلى على حضرة النبي؟ هل الصلاة على حضرة النبي ذكر؟ نعم هي ذكر يا أخي، أليس الآمر بها هو الله عزَّ وجل، وقال لنا فى كتابه: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ { (56-الأحزاب). ولماذا بدأ بالله عزَّ وجل حتى يعلمنا أنه لا يريد صلاتكم، ألاّ يظن أحدكم عندما يصلي علىَّ أنى أحتاج إليها، لأنه بعد صلاة الله علىَّ فإنني لا أحتاج إلى شيء آخر منكم. إذن لماذا نحن نصلى على حضرة النبي؟ قال: لأنكم أنتم المحتاجون إليها: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نعم يا رب – صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { (56-الأحزاب). كم نصلى عليه؟ قال: كما تشاؤون، فإن الباب مفتوح لمن أراد المزيد.

وعندما سألوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلى عليك؟ صمت فترة طويلة ثم قال لهم: قولوا: {اللَّهُمَّ صَلِّ} يعني اعملوا توكيل لرب العزة يصلي عليَّ. يعني عندما أصلى على حضرة النبي أقول (اللهم)، يعني: ياالله. فهذا نوع من أنواع ذكر الله، ياالله صلِّ أنت، ولكن كيف يصلي؟ ليس لي شأن بهذا الأمر، قال: } وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {. ولكن ليس لكم فى الصلاة من شيء.

 وهناك جماعة من العلماء يقولون: إن الصلاة هى الدعاء وأن الصلاة كذا وكذا، ولكن هذا الموضوع لا علم لنا به، لأن الله عزَّ وجل قال: } وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {.   إذنً نترك الأمر لله سبحانه وتعالى يصلي بما يشاء وكيف شاء على محبوبه صلوات ربي وسلامه عليه. فمن يصلي على حضرة النبي تكون أموره فى الدنيا والآخرة كلها مُسَهَّلة.

إذن يا إخواني هذا هو الدواء – والدواء واضح – ماذا نفعل يا رب؟ قال جلَّ شأنه: } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ { (21-الأحزاب)، لكم: لمن حوله، ومن بعده، ونحن ومن بعدنا إلى يوم الدين، وليس هم فقط. ولذلك لم يقل: (لهم)، } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ { (21-الأحزاب).  (فى محمد)؟ لأنه لو قال ذلك فنحن ليس لنا فيها شيء، وانتهى الأمر عند هذا الحد، لكن فى } فِي رَسُولِ اللَّهِ {،  الرسالة ممتدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ { (21-الأحزاب).

أفي الذكر فقط؟ لا، إن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم واسعة جداً. فيه إسوة فى الفكر، وأسوة في المشي، وأسوة فى اللبس، وأسوة فى الأكل، وأسوة فى كذا، وأسوة فى كذا، ولو ظللنا نعدُّها إلى يوم القيامة فلن نحصيها، ولكن نريد منكم النِّيَّة لله وللدار الآخرة: } لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَويعمل شيء آخر – وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { (21-الأحزاب

ويوجد أمر آخر ربنا خوفنا منه الجماعة الذين لا يذكرون الله إلا قليلا، من هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء المنافقين: } َلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً { (142- النساء)، معنى ذلك أنه من لا يذكر الله إلا قليلاً فيكون قريباً من هؤلاء.

إذن يا إخواني الإقتداء بحبيب الله ومصطفاه فى الذكر باب التيسير والبركة، والفتح والنصر فى هذه الحياة، حتى فى الحرب نريد الله أن ينصرنا هذه هي الخُطة، قال: } إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ { (45-الأنفال).

فأى أمر من الأمور إستعصت عليك اذكر الله وينتهى الأمر، وسيدنا رسول الله كان فى إحدى الغزوات وجاء وقت الظهر، ولأنه كان يقوم الليل – ولكن ليعلم أصحابه، فإنه لا يحتاج إلى نوم حيث تنام عينه وقلبه لا ينام، ولا يحتاج إلى أكل ولا يحتاج إلى شرب: {أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني}.

ولكن هناك ملحوظة أن الله سبحانه وتعالى لا يطعمه – كما تظنون – لحمة وسمك وفول وعدس، لا .. وإنما يطعمه نوراً وعلماً وحكمة، ولطائف ورقائق، فهذه هي الأغذية الإلهية، فلا يطعمه الأغذية التى نأكل منها هذه، وإنما هو لا يحتاج إلى تلك الدنيا، ولكن كما قال الرجل الصالح: (والله ما أكل رسول الله إلا لنا، حتى يعلمنا كيف نأكل، ولا شرب إلا لنا، حتى يعلمنا كيف نشرب، ولا نام إلا لنا، حتى يعلمنا كيف ننام). كل هذه الأمور حتى يعلمنا.

فهو صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى هذه الأمور، لأن الله أغناه به عما سواه قال له:  } وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى { (8-الضحى)، وليس عائلاً هنا يعني فقيراً، وإنما يعنى عائلتك كبيرة، أكبر عائلة فى عائلات الأنبياء كلهم، فأُعطى لك كل ما يحتاجونه من الفتح، ومن العلم، ومن التشريع، ومن البيان، ومن الأسرار، ومن كل شيء.

فبعد صلاة الظهر ذهب ليُقِيلَ تحت شجرة – وكان صلى الله عليه وسلم يحرسه بعض أصحابه فى البداية حتى نزل قول الله عزَّ وجل: } وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ { (67-المائدة)، فقال لحرّاسه انصرفوا، لا أريد حرساً بعد اليوم، فإن الله سيحفظني – فعندما نام خلع جلبابه وسيفه وعلقها على الشجرة حتى تجف جلبابه من ماء أصابها من أثر مطر، فرآه أحد الكفار من على رأس جبل – وكان يراقب رسول الله – وانتظر حتى تفرق أصحاب النبي عنه، فقال الكافر هذه فرصة ونزل خلسة من فوق الجبل واقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وكان العرب مع ما بهم من الغلظة والقسوة والجفاوة، إلا أنهم كانت بهم أخلاق نبيلة، ولذلك إختار الله عزَّ وجل حضرة النبي فى وسطهم. لم يكن عندهم الغدر، فلا يقتل أحد أحداً غدراً، لأنهم كانوا يعيبون عليه ذلك، لست رجلاً أن تقتله غدراً، ولكن الرجل الذي يقتل وجهاً لوجه.

أيقظ الرجل الكافر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له – بعد أن أخذ سيفه: من يمنعك مني الآن يا محمد؟ قال: (الله). فبمجرد ذكره اسم (الله) هبطت يد الرجل بجواره وسقط السيف منها. عرَّفنا أن ذكر الله يحمى الإنسان حتى فى أشد المضايق ساعة قوله: (الله)، سقط السيف من يده.

وسيدنا خالد بن الوليد رضى الله عنه – وأصحاب رسول الله كلهم علموا هذا الأمر – في إحدى المعارك قال الجماعة الكفار لسيدنا خالد: لن نؤمن بك ولا بدينك حتى تشرب هذا السُّمَّ – وكان معهم سُمٌّ قاتل، يسمونه سُمُّ ساعة، لأن الذي يشرب منه يموت فى الحال، وليس بالقتل البطيء – قال: أين هو؟ فأحضروا له السم

 فقال: (بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم)، وشرب السُّمَّ ولم يضره!! وهذا هو خالد بن الوليد وليس النبي صلى الله عليه وسلم!! لأنه على نفس منهج رسول الله، فقال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء) مع الإيقان الكامل بحضرة الله عزَّ وجل. ولكن لا ينفع أن أقول: (بسم الله) وأنتظر ماذا تفعل؟ لا تفعل مع الشك لكن لا بد من اليقين الكامل.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر اسم (الله) سقط السيف من يد الكافر!! حتى لو أنني نسيت شيئاً وأريد أن أتذكره: } وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ { (24- الكهف). فإن الجماعة العلماء العاملين الصالحين علمونا هذا، وقالوا لنا: إذا نسيت شيئاً فقل: (يا الله)، فى الحال سوف تأتى إليك حالاً، لأنك لن تقول يا الله ولا يلبيك، لأنه هو الذي قال ذلك: {إذا كنت أرزق من غفل عنى وعصاني فكيف لا أرزق من أطاعنى ودعانى} وقال } ادْعُونِي أنظر وأفكر أم على الفور أَسْتَجِبْ؟ – أستجب لَكُمْ { (60-غافر) على الفور. فعندما ينادي الإنسان ويقول: يا رب، على الفور يلبيه.

فذِكْرُ الله يا إخواني حلَّ هذه المشاكل كلها. ولكن افرض أني رجل نفسي تأخذني بعض الشيء، والدنيا شدَّاني ولا أستطيع أن أطوع لساني ولا قلبي ولا جناني على ذكر الله، وأريد روشتة سهلة – حتى تسهل لى أمور الدنيا ويوم لقاء الله؟ قال لي:  العملية سهلة عندك اجعل هذا القلب لله ولرسوله، وضع فيه حُبَّ الله ورسوله.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

**************************

 

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid