Sermon Details

الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ ونشكره على أن اختار لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، والصلوات فريضة، ومحمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. سبحانه .. سبحانه، يعطي الدنيا لمن يحبُّ ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحبَّ.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ تقدَّست أسماؤه، وتعاظمت آلاؤه، وتنزَّه في توحيده عن النظير والوزير والمشير. إلهٌ حيٌّ قيوم، واحد ماجد، فرد، صمد، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيُع البَصِيرُ) (11الشورى).
وأشهد أنَّ سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، دعاه الله عزَّ وجلَّ إلى حضرته، وخصَّه بصافي ودِّه وكرامته، وأرسل لنا معه هدية عظيمة، فيها الصحة في الدنيا والنجاة يوم لقاء الله، فطُوبَى لِعَبْدٍ فقه خطاب الله ووعاه.
فاللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا ربَّ العالمين. أما بعد …
فيا أيها الأخوة المؤمنون: ونحن نحتفي بذكرى الإسراء والمعراج، مازال معنا قَبْسٌ من الإسراء والمعراج نعيش على هديه، ونقتبس من ضوئه في اليوم خمس مرات، حتى نلقى الله عزَّ وجلَّ، ونحن نعاهده على تمسكنا بما أمر به حبيبنا في ليلة الإسراء والمعراج.
فقد كلفه الله عزَّ وجلَّ في تلك الليلة بفريضة الصلاة، ولم ينزل بها جبريل!! ولم يكتف الله عزَّ وجلَّ بفرضيتها في القرآن الكريم، بل استدعاه وحبَاه، وقربَّه وأدناه، ليعلمنا أن هذا أمر خاص ويحرص عليه الله، ومن ثمَّ هناك من فوق سدرة المنتهى فرض عليه الصلاة.
قال صلى الله عليه وسلم: (فَأَوْحَى الله إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ، فَذلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ) (صحيح مسلم وغيرها الكثير عن أنس رضى الله عنه)
رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم لم يرض بصلاة واحدة في اليوم والليلة، وجعلها خمس صلوات. لماذا؟!! لأنه بنور الله – الذي أعطاه له الله عزَّ وجلَّ – عَلِم أن الصلاة هي علاج كلِّ مشاكلنا في هذه الحياة، وخاصة في هذا الزمن الذي نحن فيه، حيث اتجه الناس إلى المادة والدنيا وكادوا يعبدونها من دون الله عزَّ وجلَّ!! فيصبح الرجل وكلُّ همِّه ومُنتهى عِلْمِهِ أن يحصِّل المال بأي كيفية، من حرام أو من حلال لا يهم، من غشٍّ أو من نهبٍ وسرقة أو رشوة لا يهم، المهم أن يحصِّل المال ليمتِّع نفسه في زعمه وبنيه بما جدَّ من المستحدثات!
ومع ذلك، ومع كثرة المال، ومع وفرة الخيرات، كَثُرَ في عصرنا التوتر النفسي، والقلق العصبي وأمراض العصر: الضغط، والسكر، وأمراض القلب – وكلها ليست من ميكروبات ولا من جراثيم!! وإنما من توترات نفسية، وأحوال عصبية، يتعرض لها المرء نتيجة للضغوط التي تواجهه في حياته الكونية.
ما علاجها؟ العلاج الناجح، والعلاج الشافي وليس المُسِّكن، فكل ما نتناوله من الصيدليات، وكل ما يكتبه لنا الأطباء عن هذه الأمراض مسكنات لا تعالج المرض من جذوره، ولا تقتلعه من ذات الشخص، ولكن العلاج الناجح الشافي الكافي هو في هذه الصلاة التي فرضها الله عزَّ وجلَّ.
واسمعوا معي إلى قول الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث عن عصرنا في قرآنه الكريم، وعن أمراض هذا العصر، فيعرضها عرضاً عظيماً لأنه هو الربُّ العظيم عزَّ وجلَّ، فيقول: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلا الْمُصَلِّينَ) (19: 22المعارج)
أمراض العصر: الهلع، خوف الفقر، وخوف الضيق، وخوف فقد المال، وخوف فقد المتع، وخوف فقد المشتهيات والملذات، يخاف ألا يطعمها ولا يتذوقها بأمر الطبيب، وخوف الأمن كل ذلك اسمه الهلع – (إذا مسَّه) ولم يقل أصابه!! مسٌّ خفيف من الشرِّ أو الضُّرِّ، تجد الإنسان يصيبه الفزع ويصيبه الجزع، وأحياناً يصيبه اليأس والقنوط!! ولا يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون، ولاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ!!!
وإذا جاءه الخير ينفق بسخاء على نفسه، وينفق ببزخ على أهل بيته، فإذا طلب منه مساعدة لفقير أو مسكين، أو لبائس أو محتاج، يمسك يده عن الإنفاق ويدعي الفقر والحاجة، كهذا الرجل الأمير الثري الذي تناقلت أخباره وكالات الأنباء!! والذى تبرع بمليار دولار لتشجير حديقة الحيوانات في لندن لكي ينال رضاء رئيس وزرائها، فلما ذهبوا إليه ليتبرع لأهل البوسنة أثناء الحرب، قال: سأدعو لهم الله عزَّ وجلَّ ورفض أن يعطيهم ديناراً واحداً !!! هذا الأمر لا يعتري المصلين، ولا يصيب المحافظين على الصلاة.
وقد أثبت العلم الحديث بأحدث أجهزته وآلاته أنه لا يعالج القلق النفسي ولا التوتر العصبي إلا الوقوف بين يدي الله بالسكينة والوقار، فإن ذلك ينزل السكينة على القلب، والطمأنينة على الأعضاء، فتستريح من هذا التوتر وهذا القلق. وقد روى سفير ألمانيا في المغرب سابقاً الذي أسلم – وكان اسمه الفريد هوفمان فسمى نفسه مراد، وكان يعمل رئيساً لجهاز الاستعلامات في حلف الأطلنطي قبل أن يعمل سفيراً لبلاده في المغرب – قال: جاءتنا التعليمات بأن نجعل الطيارين يقومون بحركات كحركات الصلاة للمسلمين في كل يوم مرة!! وقالوا إن ذلك يكسبهم السكينة النفسية والطمأنينة، فلا يَمَلُّون ولا يقلقون إذا طاروا إلى مسافات طويلة!!
يا للعجب!! أهل الكفر يستخدمون حركات الصلاة لعلاج أمراض النفس، وأهل الصلاة يتكاسلون عنها بل وينقطعون أحياناً عنها، بل ولا يحافظون عليها!!! مع أنها هي العلاج النافع – ولا علاج غيره -لهذه الأمراض التي ذكرناها!!!!
هي تغنيك عن جلسات الطبِّ النفسي، وتغنيك عن البراشيم المهدئة بكافة أنواعها – مع أنكم تعلمون مدى شدة الأضرار اللاحقة لاستخدامها – وتغنيك عن المصحَّات النفسية – وما أدراك ما تكاليف دخولها؟!! كل ذلك يُغنِيكَ عنه الله إذا حافظت على الصلاة في مواقيتها، وفي بيت الله عزَّ وجلَّ.
قد يقول البعض نحن نؤدي الصلاة ونحافظ عليها ولا نشعر بما نقول!!! أقول: أنها فشت في عصرنا ظاهرة وهي الصلاة في داخل المنازل، فإن الصلاة فرضها الله لِتُؤدَّى في بيوت الله وسط عباد الله المؤمنين، لأن المرء إذا صلى بمفرده يحاسبه الله عزَّ وجلَّ على قدر حضوره في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلا نِصْفُهَا، ثُلُثُهَا، رُبْعُهَا، خُمْسُهَا، سُدُسُهَا، عُشْرُهَا) (أبو داود وأحمد والنسائي وابن حبان والبيهقي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه).
فإذا كنت جالساً أمام التليفزيون أشاهد المباراة وفي وقت الراحة تقدمت بالمصلاة لأصلي العصر بين الشوطين، كيف تكون هذه الصلاة؟!! إنها روتين يؤديه المرء بين يدي الله!! لا يحقق سكينة، ولا يحقق طمأنينة، وخاصة إذا كان مَنْ حوله يتحدثون ويسمعهم جيداً، وبعد انتهاء الصلاة يعلِّقُ على حديثهم، ويحادثهم كما سمع لهم وهو في الصلاة!! ليست هذه صلاة، وإنما حركات تؤدى بين يدي الله عزَّ وجلَّ.
لكن الصلاة في بيت الله فيها السكينة وفيها الطمأنينة وفيها الصفاء، وفيها الطهارة وفيها النقاء، لأنه لا يشغلنا بشئ في بيت الله عن الله عزَّ وجلَّ، حتى أن الإسلام منع الزينة التي تشغل المؤمن عن الصلاة. إذا كان هناك بالمسجد زينة لو نظر إليها المصلي شغلته، يطالبنا الإسلام أن نُزِيلَهَا ونَمْحُوهَا، حتى لا يكون هناك شيءٌ يشغله عن الصِّلَةِ بالله عزَّ وجلَّ.
فإذا قال: الله أكبر ورفع يديه، جعل الدنيا خلف ظهره، وأقبل بكلِّه على ربِّه عزَّ وجلَّ يُناجيه بكلامه، ويتملّق إليه بإنعامه، فيقبل عليه الله عزَّ وجلَّ بعطائه وفضله وإكرامه، هذا فضلاً عن أن الجماعة إذا وصلت أربعين رجلاً -كما ورد في الأثر: (لا تخلو من رجل صالح يتقبل الله عزَّ وجلَّ صلاته، ويقبل صلاة الجميع من أجله).
الصلاة في جماعة صلاة مقبولة إن شاء الله، لأن الجماعة لا تخلو من قلب طاهر يُقبل عليه الله، فيقبل صلاته ويقبل صلاة الجميع من أجله!! ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُـيُوتَهُمْ ) (صحيح البخاري عن أبى هريرة).
لأنهم منعوا أنفسهم من هذا الخير ومن هذا البرِّ الذي أراده الله عزَّ وجلَّ لهم.
وعن البراءِ بنِ عازَبٍ: (أَنَّ ابنَ أُمِّ مكتومٍ – وكانَ ضريرَ البَصَرِ – أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَشَكا إِليهِ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ في صَلاةِ العِشَاءِ والفَجْرِ، وقال: إِنَّ بينِي وبينَكَ المَسِيلُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَسْمَعُ الآذانَ؟ قالَ: نَعَمْ، مرةً أَو مرتينِ، فلَمْ يرخِّصْ لَهُ في ذَلِك) (رواه الطبراني في الأوسط).
وعلى هذا لا يوجد في زماننا مَنْ له عذرٌ يبيح له أن يُصلِّي في بيته، إلا المريض الذي منعه الطبيب من الحركة، أو الإنسان الذي له عذر للخروج في صلاة الفجر. عذرٌ قاهرٌ يقرِّره الأطباء والشرع.
أما المؤمن فلابد أن يتوضأ ويصلي، فقد قال صلى الله عليه وسلم ما معناه: (وما يدريك لعلني لا أبلغه)!! ونحن يكون المرء في عمله، وهناك مُصلى في عمله، ويؤجل الصلاة حتى يرجع إلى منزله!! مَنْ الذي ضمن له الرجوع؟ ومن الذي يضمن له أن يصلي الظهر حاضراً؟ فإذا خرج متأخراً وتلهف على الطعام، وأذّن العصر يصلي قضاءً ولا يندم على ما فاته من أداء الفريضة في وقتها.
وهذا يا إخواني عمل شنيع شنَّع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كان الرجل منهم الذي تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام يصاب بألم شديد في جسمه، ووجع في كل أرجاء بدنه، ويمرض ويعودونه لمدة ثلاثة أيام لما فاته من الخير في أداء تكبيرة الإحرام واللحوق بالجماعة من أولها. والذي كانت تفوته الجماعة الأولى كان يمرض أسبوعاً يعودونه ليخففوا عنه!!!
فما بالكم بالذين يصلُّون الفرض بعد انتهاء وقته؟!! في شأنهم قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (4، 5الماعون)، أي: الذين يتساهلون في أداء الصلاة في وقتها، هؤلاء لهم نصيب من الويل في الدنيا من الأمراض، ومن الهموم ومن الغموم ومن المشاكل التي تحدث لهم ويعجزون عن حلها، ولا رافع ولا دافع لهم إلا الله عزَّ وجلَّ!!
فيحق لنا جماعة المسلمين أن نحيي هذه الليالي بأعياد متصلة، أعياد للصلاة، فليلة الإسراء والمعراج هي عيد نزول الصلاة، هي عيد حدوث بركة الصلاة، هي عيد أكرمنا الله عزَّ وجلَّ فيه بالشفاء من كل أمراض العصر بالصلاة.
فحافظوا عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلاَةِ كَانَتْ لَهُ نُوراً وَبُرْهَاناً وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَحُشِرَ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَي بْنِ خَلَفٍ) (رواه الطبراني عن أبي الدرداء وعن حنظلة في الكاتب في مسند الإمام أحمد).
وورد في الأثر: (إذا رأيتم يهود الأمة فلا تسلموا عليهم!! قالوا: ومن هم يهود الأمة؟ قيل: المرجئة!! الذين يمرون على المساجد ويستمعون إلى الآذان ولا يؤدّون الصلاة). وقال صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) (رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن بريدة). أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي بنعمته تتم الصالحات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير، وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين …. أما بعد..
فيا أيها الأخوة المؤمنون: إن الصلاة هي التحصين الواقي لأولادنا وبناتنا من ارتكاب المعاصي في هذه الحياة، لقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (45العنكبوت). ولذلك قيل: {يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فلاناً يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فإذا أَصْبَحَ سَرَقَ!! قال: سينهاهُ ما يقُولُ – يقصد الصلاة} (رواه أحمد والبيهقي).
فاحرص ما تحرصون عليه إذا أردتم الاطمئنان على أولادكم وبناتكم أن تراقبوهم في أداء الصلاة، وأن تجعلوا كل همِّكم هو ملاحظتهم ومتابعتهم في أداء الصلاة. لماذا؟ قد كان دعاء الأنبياء الكرام عليهم السلام الذي يضرعون فيه إلى الله، كما قال سيدنا إبراهيم الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (40إبراهيم). طلب عليه السلام من الله أن يوفقه لإقامة الصلاة هو وذريته، لأنها هي الحفظ الإلهي، فإن المرء إذا صلَّى لله يصيبه تحصين روحاني، وقسط نوراني، ينزل على قلبه، لا تراه العيون، ولا تصل إليه العقول ولا الظنون، إذا وقع في ورطة وأراد به قرناء السوء شرًّا، يجد معه قول الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (201-الأعراف)، فيهيأ الله عزَّ وجلَّ له بالإلهام الروحاني وبنوره الرباني، ما يدفعه عن هذه المعصية ..!!
فضلاً عن أن الصلاة هي حبل الصلة بينك وبين الله لقوله عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلام: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (14طه). فإذا حافظت على إقامتها لا تحتاج إلى شئ وتقف بين يدي مولاك إلا ويلبيك في الحال.
فهناك صلاة الحاجة لا يصليها فرد بصدق لله إلا ولبَّى الله حاجته، وهناك صلاة الاستخارة لا يحتار الإنسان في أمر من أمور الدنيا فيصليها إلا ويشرح الله صدره لما فيه خيره وبره. وهناك صلاة الفزع وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ – يعني: أهمَّه أمرٌ – فزع إلى الصلاة) (عن حذيفة رواه أبو داود براوية: إذا حزبه أمرٌ صلَّى)، فيفرِّج الله عزَّ وجلَّ عنه في الحال.
وقد كان سيدنا أبو معلق رضى الله عنه وأرضاه يخرج من المدينة إلى الشام تاجراً بغير حارس أو رفيق، وبينما هو مسافر ذات مرة استأجر دابة يركبها حتى إذا قطع شوطاً في الطريق أخذه صاحب الدابة إلى وادٍ بين جبلين فوجد فيه رؤوساً كثيرة مقطعة، قال: هل رأيت هؤلاء؟ قال: نعم. قال: إن مصيرك كمصيرهم. قال: يا هذا خذ مالي ودعني. قال: أما مالك فلابد منه وأما مصيرك فإلى الهلاك. قال: إذا لم يكن من ذلك بد فدعني أصلي ركعتين لله عزَّ وجلَّ، فانفرد يصلي لله، وهو في الصلاة واقف بين يدي الله سمع قائلاً يقول: (دعه يا عدو الله)، فواصل الصلاة، وهو في ركوعه سمع الصوت ثانية يقول: (دعه يا عدو الله). وهو في سجوده سمع الصوت ثالثة يقول: (دعه يا عدو الله). وعندما أنهى الصلاة وجد رجلاً وبيده سيفاً يقطر دماً والرجل الذي معه قد قطعت عنقه فقال: من أنت؟ ومن أدراك بي؟ ومن الذي أرسلك إلي؟ فقال: أنا ملك من السماء الرابعة، عندما استغثت بالله عزَّ وجلَّ وأنت في الصلاة قال الله عزَّ وجلَّ: من يغيث عبدي فلان في أرض كذا؟ فقلت أنا يا ربَّ …
فعندما كنت في السماء الرابعة همَّ بقتلك، فقلت: دعه يا عدو الله، وعندما وصلت إلى السماء الأولى همَّ بقتلك ثانية! فقلت: دعه يا عدو الله، وأنا على باب هذا الوادي همَّ بقتلك ثالثة! فقلت: دعه يا عدو الله، ثم قتلته.
فالصلاة صلة بالله!! ومن كان الله معه ويتصل مباشرة به، ويلبيه الله بكل حوائجه في دنياه وآخراه، كيف يمد يده إلى غير الله!! وكيف يصغِّر وجهه للوقوف على أبواب خلق الله؟ أو يذل نفسه لهم؟ وهو أغناه وأعزه عن جميع من سواه؟
فتمسكوا عباد الله بالصلاة، وأوصوا بها بناتكم وأبنائكم وأزواجكم، واجعلوها كل همِّكم يبارك الله لكم في كل أحوالكم
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من المقيمين للصلاة، وأن يوفق أولادنا وبناتنا وأزواجنا للمحافظة على إقامة الصلاة، وأن يجعلهم من عباد الرحمن الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.
ونسأله سبحانه وتعالى أن يصل ما بيننا وبينه حتى يكون أقرب إلينا من أنفسنا، وألا يحوجنا إلى غيره طرفة عين ولا أقل.
كما نسأله عزَّ وجلًّ في هذه الساعة المباركة ألا يدع لنا ولكم مريضًا إلا وشفاه، ولا فقيرا إلا وأغناه، ولا محتاجًا إلا لباه، ولا مدينا إلا وسدد دينه وأعطاه، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا وقضاها ويسرها لنا بفضله وجوده وكرمه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين، وخذ بيد حكام المسلمين أجمعين إلى العمل الصالح وإلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأبعد عنهم حاشية السوء يا رب العالمين.
عباد الله اتقوا الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [90النحل].
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
*******************
6 خطبة الجمعة بمسجد الأنوار القدسية بالمهندسين – محافظة الجيزة 30 رجب 1416هـ الموافق 22/12/1995م