• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

17 مايو 1995

الخلق والبعث

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

…………………………………………………………………………

          بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ( البقرة : 295)

الحمد لله رب العالمين ، يعلم غيب القلوب ويطلع علي خفيات النفوس ، ويري مافي مكنون السرائر والضمائر سبحانه ، سبحانه لا يهدي لمعاني كلامه إلا من أحبه ويغلق الباب أمام فهم معاني كلامه لمن أبغضه ولو قرأه آلاف المرات .

والصلاة والسلام علي سيدنا محمد بن عبد الله نور الله الدال بالله علي الله ، وشمس الهداية المشرقة من عند الله لتضيء سبل الهدي والحق للمؤمنين بالله ، صلي الله وعلي آله وصحبه وكل من اهتدي بهديه إلي يوم الدين آمين … أما بعد …

فيا إخواني ويا أحبابي بارك الله فيكم أجمعين .. استمعنا سويا إلي آيات من كتاب ربنا عز وجل من سورة البقرة والذي يستمع إلي كتاب الله قد يلاحظ أمرا عجيبا في القرآن ، إن السورة لا تتحدث  في موضوع واحد إلا بعض السور القليلة كسورة سيدنا يوسف عليه السلام ، وان السورة لذلك ينتقل بنا الله عز وجل فيها من الموضوع إلي موضوع آخر حتي أن بعض المكذبين وبعض المنكرين والجاحدين ظنوا أن هناك تباطؤ في ذلك الأمر ، وان كان هذا الأمر في ذاته فيه علم عظيم يعلمه العلي الحكيم لمن أقبل علي كتابه عز وجل عاملا به ، هذا العلم اسمه علم تناسق الآيات وتناسق السور ، فلو استمعنا إلي كتاب الله بأفئدة خالية وبآذان صاغية نجد أن المشاهد القرآنية مشاهد متوالية وينتقل الله عز وجل من حكمة إلي عظة ومن عظة إلي عظة ومن عبرة إلي حكم شرعي كلها متصلة ببعضها وحكمة الانتقال ، حتي لا يحدث ملل للقارئ والسامع ، وكذالك لشدة الترابط بين هذه المواضيع ببعضها ، فالموضوع الأول الذي خاضت فيه الآيات اليوم موضوع البعث بعد الموت هل الإنسان بعد ما يموت ويوسد في التراب وتتحول عظامه وأعضاؤه كلها إلي ذرات من التراب هل سيعاد خلقه من جديد وهل سيتم بعثه يوم الوعيد هذا أمر جاء من اجله الرسل وهذا صلب دعوة الأنبياء عليهم السلام أجمعين ، فان الإيمان هو الإيمان باليوم الآخر ، وقد كان الله عز وجل يتدرج مع الأمم علي قدر ثقافتها ووعيها فعندما أنكر نفر من بني إسرائيل البعث وقالوا كما قال الله تعالى فى شأنهم :

﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ  ( الجاثية : 24)   ضرب لهم الله عز وجل مثلا عملياً  وإن كان الله يضرب لنا الأمثال في كل نفس .

فنحن منذ شهور زرعنا نبات القمح ، ورويناه وسعينا جيداً إلي تمام إنباته  ولنضج محصوله في هذه الأيام نحصده وكل يوم نجد في الأرض يحصد من على ظهرها زرع وينبت زرع جديد ليكون مثلا وعبرة لكل مؤمن” وكذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته” وكذلك فينا نحن البشر في كل نفس يتجلى المحي عز وجل ليحي أنفسنا ونخرج إلى الحياة ونفرح بوجودها ونصنع أعياداً لميلادها وفى نفس اللحظة نودع أحياء انتقلوا إلى عالم البقاء وفى كل يوم يأتى ليل ولو بعد حين ينكشف الليل ويأتي النهار وبعد فترة يمر ويأتي الليل ، وكلها عظه وعبره ومثلا لعباد الله المؤمنين ليعلموا علم اليقين أن الذي خلق أول مرة قادر على أن يعيد هذا الخلق بعد ذلك ليس مرة بل ألاف المرات ، فالذي خلق الموت والحياة في كل كائن ، أليس بقادر على أن يحي الموتى لكن هؤلاء القوم يريدون دليلاً حسيا ماديا يلمسونه بأيديهم ويرونه بأنفسهم.

فسلط الله على اليهود فى بيت القدس ملكاً من ملوك الفرس بعد عصيانهم وقتلهم لأنبيائهم ومخالفتهم لكتاب ربهم المنزل عليهم وهو التوراة. جاء هذا الملك ، وأخلي مدينة بيت المقدس تماماً ولم يبقى فيها أثر لأى حياة :

﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا  ( البقرة : 259) ليس فيها شيء أبداً مثل الزرع الذى نجر ناه وتركناه يابس جاف ليس فيه حياه ولا فيه شيء أخضر ولاشيء يؤكل ولا ثمار ولا أوراق ولا فروع ولا سيقان ولاشيء أبداً تركها هذا الملك على هذه الشاكله ومر رجل من بنى إسرائيل كان راكبا على حمار وعندما رأى هذه القرية }بيت المقدس{ قال أنى ، يعنى كيف ﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا كيف ترجع فيها الحياة مرة أخرى إن الناس كلهم قتلوا أو ماتوا وليس فيها أحد لا الدور ولا مساكن ولا سكان ولا حيوان ولا إنسان .

فأجرى الله عز وجل على يديه الآية ، نزل يرتاح شوية وبجواره حماره وكان معه أكل قطف من العنب وشويه تين صابح  وبعض أنواع الأكل﴿ فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ، أماته الله مائة سنة ونزل جماعة من الملائكة في صورة بشر يسألونه كم لبثت  ، أنت نمت قد إيه ، والنوم هنا يعني الموت ، مثل النوم تماما لا تغير في جلده ولا نزل شعره ولا سالت حدقته ولا طارت أظافره ولا حدث له أي شيء خالص ، لكن هل الواحد عندما ينام مائة سنة مثل ما ينام ليلة ؟ ..هل هذه الملابس ستتحمل أن تعيش مائة سنة ؟.. وملابسه كانت علي حالتها لا تغيرت ولا تبدلت مع أنه نائم في الطل ، الشمس والريح والمطر ، كل هذا ينزل عليه ، لكن القادر عز وجل يري من كان في عصره وأوانه وزمانه قدرة الله وعجيب صنع الله عز وجل .

فسألوه أنت نمت قد إيه ؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم ، إما يوم كامل أو جزء من اليوم يعني ضحوية أو عشوية أو يوم علي بعضه ، من شدة التعب أو 12 ساعة قالوا له لا .. ﴿ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ أنت لبثت مائة عام ، أنت عشت بالتمام مائة سنة  ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْالطعام والشراب كما هو كمثل الموضوع في ثلاجة ولم يتغير لونه ولم يعطن ولا يتعفن ولا تغير فيه شيء  ، كأنك وضعته الآن وفي هذا الوقت في ثلاجة ، وهل توجد ثلاجة في وقتنا هذا تحفظ بدون هيكل والأشياء  توضع بها ولا يكون الباب مغلقا جيدا ؟ ..فلو تركنا باب الثلاجة مفتوح ، كل شيء سينتهي ، ولو التيار الكهربائي انقطع ، فنري الأكل الذي بالثلاجة انتهي ، لكن هذا الأكل موجود في الهواء الطلق ، هواء وريح ومطر وشمس ومع ذلك كل هذه المأكولات لم تتغير والرجل طبعا لم  يصدق أنه علي هذه الشاكلة فقط ، لكن الله أعطاه آية أخري ..ما هي ؟..كان مع الأكل حمار ، والحمار مات  وعظامه تحولت إلي تراب لكي يصدق ، حتي لو الحمار مات قريب كان يكون جسمه كما هو ، رائحته فائحة لكن ليس هناك إلا التراب ، فأراه الله عز وجل كيف يحي عظام الحمار بعد أن تحولت إلي تراب وكيف يعمل المصنع الإلهي أن يكسو العظام لحما وكيف تتجمع المفاصل مع بعضها والأعضاء إلي أجزائها ثم نفخ فيه الله عز وجل الحياة وصار حمارا حيا يتحرك كما كان بالأمس فأراه هذا المشهد ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فأيقن هذا الرجل ..

 أما دور الجماعة  المنكرين في زمانه ـ وهذا الرجل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل وبعد هلاك بيت المقدس لم يعرفوا أين ذهب ـ وبعد ذلك كانت التوراة كانت قد انتهت من الأرض ، أحرقوا ما بقي منها وأماتوا من يحفظها في صدره ، فالملك الذي سلطه الله عز وجل عليهم ليخرج هذه البلدة لعصيان أهلها لله عز وجل نزل  بيت المقدس فوجد المدينة قد تجددت والمباني قد شيدت والأسواق قد عمرت ، والناس من التجار وغيرهم تغيرت ،  كلها تؤكد أن الله عز وجل أماته هذه الفترة ، لأن ذلك قد تم في طرفة عين ، فذهب إليهم وقال لهم أنا نبي الله ـ وهو العذير ـ  والعذير مات من مائة وعشرين سنة أو من مائة سنة ، فسألوا من الذي كان عايش في هذا الوقت ، فوجدوا امرأة واحدة عمرها مائة وعشرون سنة ، فقالوا لها أرأيت العذير ، فقالت لهم ، نعم رأيته والأمارة التي كانت معه كان يحفظ التوراة عن ظهر قلب ، فأتته ونظرت إلي هيئته والي سمته فعرفت شكله وسمته وقالت له ألقي علينا التوراة فسمعوها منه كما نزلت علي موسي عليه السلام فعرفوه وتأكدوا أن الله عز وجل علي كل شيء قدير .. ورسولنا صلي الله عليه وسلم قرب لنا هذا الأمر ووضح لنا كيفية إعادة البعث وإعادة الخلق إلي الإنسان كما وضحتها آيات القرآن فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم رضي الله عنهما ) كل ابن آدم يفني إلا عجب الذنب ( ، فكل شيء في الإنسان يفني ويلحقه الفناء إلا الجزء الذي هو في مؤخرة العمود الفقاري لا يبلي ولا يتغير ولا يتبدل مهما وضع في أي أرض ، حتي لو ألقي هذا الإنسان في البحر فان السمك والحيتان لا تستطيع أن تطحن هذا الجزء من الإنسان لأن الله عز وجل قدر له عدم البلاء وعدم الفناء وضرب الله لنا الأمثال عندما ألقي يونس عليه السلام في البحر وابتلعه الحوت ،  والحوت في معدته من العصارات الهاضمة ما يهضم به المعادن كالحديد وليس العظم واللحم فقط بل الحديد ، ولكن الله عز وجل قال للحوت إياك أن تكثر له عظما أو تهضم له لحما والا كان سيدنا يونس قد انتهي في لحظة ، وكان سيدنا يونس بين كبد الحوت وبين طحال الحوت ، وجعل الله عز وجل له مسجدا يسجد فيه ويتعبد فيه للحي الذي لا يموت ، مسجد متحرك في قاع البحر

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ  ( الأنبياء : 87)

 وجلس يذكر الله ولذلك ربنا قال :

   ﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  ( الصافات : 143 ،144)        

 فالذي يحفظ الإنسان ذكر الحنان المنان ، وهو ذكر الله ، وطاعة الله ، وعبادة الله هي التي تحفظ الإنسان من متغيرات هذه الحياة ومن الأشياء التي يسمونها عوامل التعرية وما شابه ذلك .. يحفظ الحفيظ عز وجل الإنسان الذاكر من كل هذه الأشياء ، يحفظه عز وجل وكذلك الجزء الذي في الإنسان والذي وصفه النبي العدنان صلي الله عليه وسلم وسماه عجب الذنب ، الجماعة الجهال يقولون أن الإنسان كان له ذيل في هذا المكان وقطع ، ونسوا أن الإنسان هو الخلق الذي كرمه الله عز وجل ، فلم يتطور إلا في بطن الأم ، ولكن ليس هناك أطوار في حياة البشرية بعد ذلك ، فما سمعنا في يوم من الأيام أن إنسان ولد له ذيل ثم قطع ، فلو كان هذا الأمر فيه شيء من الحقيقة ولو مرة واحدة في كل زمن ، ولكن لم يحدث هذا الأمر، هذا العجب وهذا الجزء لا تأكله الأسماك ولا تأكله الحيوانات المتوحشة ، ولا يفني ولا يبلي لعجيب قدرة الله وعظيم صنع الله عز وجل ، فإذا أراد الله عز وجل أن يجمع البشر ليوم الجمع، يوم لا ريب فيه ، كيف يجمعهم ؟ .. يسألون الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه عن هذا الأمر وقد كان رضي الله عنه مدينة العلم أو باب المدينة كما قال صلي الله عليه وسلم ، فقال رضي الله عنه إذا قدر الله عز وجل من نطفة الرجل خلقا أنزل ملكا   …………………………………..                                    جزء مفقود{ 

ما بقي إلا ميكائيل وبقي اسرافيل فيقول الله عز وجل ليمت ميكائيل وليمت اسرافيل فيموت في الحال وليمت عزرائيل فيمت في الحال ….فينادي الله عز وجل ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟.. فلا يجيبه أحد ..لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد .. فيجيب نفسه بنفسه لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( غافر : 16) ثم يأمر الله الرياح أن تهب علي الأرض من جهاتها الأربع رياح شديدة وقوية وعتيدة ، وهذه الرياح من شدة صدماتها تحول الجبال إلي أكوام من الرمال يسمونها كثبان رملية وبنا قال فيها ” كثيبا مهيلا ” كل كوم هش ليس جامدا ، ثم تأخذ هذه الأكوام وتسوي بها الأرض ، فتصير كلها هباء منبثا ، يعني ليس هناك جبل علي ظهر الأرض ، في هذه الرجة ” إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباءا منبثا ” يتجمع حول كل عظمة إنسان التي ذكرناها ونوه إليها رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي عجب الذنب تراب هذا الإنسان الذي صنع منه هذا الإنسان ، فتصير كأنها مغناطيس له خاصية جذب لتراب هذا الإنسان ، يعني لو التربة فيها 50 ألف ، والتراب اختلط ببعضه لكن لكل تراب له جاذبيته ، ولكل تراب له عناصره المنطلقة بها ، ولكل تراب شفافيته ، ولكل تراب نورانيته ، والكل يتجمع حول عجب الذنب كما قال صلي الله عليه وسلم بعد ما يتجمع البشر وكل واحد في المكان الذي دفن جثمانه فيه ، قال صلي الله عليه وسلم : يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين عاما منيا كمني الرجال ، وهذا حديث صحيح في البخاري ومسلم ، تمطر أربعين عاما منيا كمني الرجال ، “كما بدأكم تعودون ” نفس الحكاية من جديد فينزل علي تراب كل إنسان قطرات المني التي تكون منها في البداية هذا الإنسان ، ولا يختلط واحد بآخر ولا قطرة بآخري لأن الله قال في كل شيء ينزل من السماء ،،” وما ننزله إلا بقدر معلوم ” فيتكون الإنسان ، ويصنع هيكله فيحي الله بعد ذلك اسرافيل ، ويأمره بأن ينفخ نفخة أخري في الصور ،

﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) ﴾ ( الزمر )

فكل روح ترجع لجسمها الذي كانت تسكن فيه ، فتخرج الأرواح كما وصفها الكريم الفتاح ، كأنهم جراد منتشر ، مثل الجراد وتطلع كل روح عارفه صاحبها وعارفه جسمه فتدخل فيه بأمر الله عز وجل ، لكن كما نحن في هذا الشكل ؟ ..لا.. ولكن كما قال الله عز وجل ” وكنتم أزواجا ثلاثة ” أصحاب الميمنة لهم شكل والسابقون المقربون لهم شكل ، وأصحاب جهنم والعياذ بالله لهم شكل ، وليس الكل مثل بعض كما نحن الآن ، ولا أحد يعرف أحد إلا بالقلوب ، والقلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب ، بل هناك كل شيء ظاهر علي جسم الإنسان ، والذي يذهب إلي الجنة هو من أهل اليمين ، يدخل الجنة التي ليس فيها مرض ولا فيها تعب ، يعني يشتغل مهما يشتغل لا يحس بتعب ، وليس فيها لحية ولا فيها بصاق ولا فيها نخامة ، قال في ذلك صلي الله عليه وسلم :

( إن أهل الجنة مرد يعني ليس لهم لحية ، لا يتبولون ولا يتغوطون ولا يتنخمون ، لماذا ؟  لأن هذه الحياة حياة جنة التي صورهم الله عز وجل لها وعليها في الحياة الآخرة ، والنساء أيضا ليس عليهم دورة شهرية ولا حيض ولا نفاس :

﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لاصْحَابِ الْيَمِينِ (38)  ( الواقعة ) :

عربا يعني جميلات وأبكارا علي طول ، وكلما نام معها زوجها عادت بكرا كما كانت ، ستكون هيئة ثانية ، وخلقة ثانية تليق بجنة الله عز وجل ، وعندما نذهب إلي الموقف العظيم لا نحس بحرارة شمس ولا الزمهرير وهو البرد الشديد﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)  (الواقعة )

كما قلنا يا أخواننا أنواع الخلق يوم القيامة ثلاثة أصحاب اليمين وذكرنا إشارة إلي خلقهم لا يتبولون ولا يتغوطون ولا يتنخمون ولا يهرمون ولا يحسون بتعب ولا ملل ، وأجسامهم تليق بالخلود في الجنة بجوار الحي الذي لا يموت ، أما أصحاب الشمال وما أدراك ما أصحاب الشمال ، دي أجسام يجهزها رب العباد للعذاب ، ومركز الإحساس بالعذاب هو الجلد ، والجلد هو الذي يحس بالحرارة والبرودة ووخذة الإبرة وألم الضرب ، ولذلك ربنا قال : “كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ” لماذا يارب ؟ .. ليذوقوا العذاب ، لأن الجلد فيه مذاق العذاب فوصف النبي صلي الله عليه وسلم : لو قطرة من الزقوم نزلت علي الأرض لكدرت علي أهل الأرض معايشهم .. قطرة واحدة من الزقوم ، فكيف يتحملون هذا العذاب فقال صلي الله عليه وسلم مقعدة الكافر في جهنم كما بين صنعاء وبلاد الشام ، وقال ضرس الكافر كجبل أحد وقال  مابين جلد الكافر وعظامه كمسيرة ثلاثة أيام ، أما الصنف الآخر وهم المقربون وجوههم كالقمر في ليلة التمام  < عاملة زى القمر ليلة 14 > قال صلي الله عليه وسلم : ( إن من أمتي رجال يضيء حسنهم لأهل الموقف كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ..أي أن نور الواحد منهم كنور الشمس لكل أهل الموقف ) يتطلعون إلي نوره ويمشون مع بعضهم بهذا النور ويقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا واتمم لنا نورنا انك على كل شيء قدير يا رب اتمم علينا هذا النور كيف يحدث ذلك يجعل فيهم عينا ربانيه تسعد برؤية الحضرة القدسية وبرؤية الذات العلية ويكونون من الذين يقول فيهم الله : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)  ( القيامة )

اى يتمتعون بوجه الله عز وجل وهذا كمال النعيم وتمام النور الذى يطلبونه من حضرة الغفور عز وجل وهذا هو مطلبهم وجه الله  فيكون الخلق هو الخلق وبالكيفية التي بدء بها فى الخلق الأول لكن على هيئته هناك على حسب عمله هنا وهناك شيء آخر   ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  ( آل عمران : 106)

غير الوضع الذى هنا خالص فهذه العقيدة هي أساس حياة المؤمن ..مؤمن لكن لا يؤمن بالله ولا باليوم الأخر فليس بؤمن بالله ورسوله وينكر اليوم الآخر ، فليس بمؤمن لأن صلب الإيمان بيوم البعث والجزاء ، مادام المؤمن أيقن بيوم البعث والجزاء فعليه أن يستعد لهذا اليوم ولذلك سيدنا على يقول عجبت للجنة وقد نام طالبها ، كيف ينام طالب الجنة ، وعجبت للنار وقد اطمئن هاربها ، لابد أن يجاهد شوية لأجل أن يفك وثاقه من هنا .. ماذا يفعل ؟

  ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)  ( البلد ) وربنا جعل تناسق الآيات مع بعضها وقال مفيش أبدا مثل الأنفاق في سبيل الله ، يعني ليس أفضل من البذل في فعل الخيرات ومثل التنافس في الإنفاق في جميع أنواع النوافل والقربات ولذلك حتي في الفرائض المفروضة التي فرضها علينا الله عز وجل جعل الأجر العظيم لمن ينفق أكثر ، يعني الذي يصلي له ، لكن الذي يعمل مسجد للناس لكي يصلون فيه ، هل يستوي هذا مثل هذا ؟ .. لا ..لأن كل الذي يركع فيه ركعة تكتب حسناته له وغير هذا ـ أجره الأول ..

( من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاه ـ مثل عش طير صغير ـ بني الله قصرا في الجنة) .. بعد ذلك كل الذي يصلي ركعة تكتب له مثلها ، قرأ آيتين في مصحف يكتب له مثلها ، يلقي درس ، يأخذ ثواب مثلهم ، لأنه هو سبب في هذا الخير وهو الذي عمل هذا البيت

فالإنفاق له أجر أعظم ، الذي يصوم له أجر ، لكن الذي يصوم ويفطر الصائمين هل يوجد مثله أحد .. لا.. ، كل ما يفطر صائم يكتب له مثل أجره ، فطر عشرة له أجر عشرة غير أجره هو ، فطر عشرين فله أجر عشرين غير أجره هو .. وهكذا . لماذا ؟ لأن الإنفاق هو أعظم باب يتقرب به العبد للسيد للكريم الخلاق العظيم عز وجل  اسمع إلي النبي وهو يقول : < لجاهل سخي أحب إلي الله  من عابد بخيل > لأن ديننا دين السخاء والجنة دار الأسخياء ، لا يدخلها إلا من اتصف بالجود والكرم والسخاء ، قال صلي الله عليه وسلم : ( الكرم شجرة في الجنة وأغصانها في الأرض من تعلق بها جذبته أليها فأدخلته الجنة ، والكريم قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار ، والبخل شجرة في جهنم وأغصانها في الأرض من تعلق بها جذبته وأدخلته جهنم والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ) ومن أسماء الله ..الكريم أم البخيل ؟  نعم الكريم .. وليس هناك اسم من أسماء الله اسمه البخيل أبدا حاشا لله تعالي ، وتعالي علوا كبيرا ….

صفة المؤمن الكرم النبي صلي الله عليه وسلم قال :  من الذي يريد الفرار من النار ؟.. قال خلاص<اتقوا النار ولو بشق تمرة > فالذي ينجي من النار التصدق والإنفاق ولو بنصف تمرة ، ليس مهما الكثرة ، المهم الإخلاص ، السيدة عائشة رضي الله عنها ، جالسة في المنزل ومر بها فقير ومعها عنب فأعطته حبة ، فالجالسين قالوا لها : حبة واحدة يا أم المؤمنين ؟ قالت لهم إن فيها لمثاقيل كثيرة من الحسنات لو تعلمون ، ليس المهم القلة أو الكثرة ، إنما المهم النية ، فالعمل الذي يجعل الإنسان يؤمنه الله يوم القيامة من الفزع الأكبر وينجيه من النار ويدخله به الجنة .. ماذا ؟..هو الإنفاق في سبيل الله وينفق علي حسب الدرجات التي وصفها الله ، هناك من ينفق ويريد الأجر والثواب ، ربنا يأخذ الصدقة التي يطلعها وينميها له في الجنة ويجعلها كالشجرة المثمرة التي تطلع من الجنة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والنبي صلي الله عليه وسلم  عندما رأي الحقول التي ينمي فيها الله زرع المؤمنين والعمل الصالح للمتقين ، وجد الملائكة يحصدون علي طول ، كلما حصدوا عاد كما كان ، كلما حصدوا عاد كما كان في الحال ، والذي ينفق لأجل السمعة ولأجل الشهرة ، قال هذا لم يفعل شيئا ، ولو قال للسائل كلمة طيبة ربنا يحنن عليك ، أحسن ما يعطيه شيئا ثم يعايره به ( قول معروف خير من صدقة يتبعها أذي ) ، وهناك شيء آخر ،” والله غني حليم ” يعني ربنا لا يريد هذه الصدقة ، فالصدقة التي يأتي من وراءها أذي، ربنا لا يريدها خالص ، لأجل أن يفضح الرجل أمام الناس يقول له تعالي يا فلان خذ هذه الصدقة، وربنا غني عن هذه الصدقة ، وربنا عمال يعطينا مالا نستطيع  أن نعد نعمة واحده من نعمه لكن هل يفضحنا أمام الخلق ويقول أنا بأعطية كذا وكذا أبدا حتى نغفل عنه وننساه ولا ينسانا من عطاياه وأحيانا نعصاه بنعمه وعطاياه ولا يقطع عنا العطاء لأنه كريم عز وجل وعلى خلق الله فليتخلق المؤمنون بخلق الله الكريم عز وجل

                           

                           وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                

………………………………………………………………………

التاريخ                     17/5/1997 

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid