• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

10 نوفمبر 2005

المنهج الذى يوصل العبد لحب الله

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله الذي فتح لنا ولأحبابه أبواب القرب والمناجاة، وهيّأ أجسامنا لخدمته، وألان جوارحنا لطاعته، وملأ قلوبنا بخالص محبَّته، وهيَّم أرواحنا في قدس جلال حضرته. والصلاةُ والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وسرّ الهداة والمتقين، وأسوة العارفين والصالحين، سيِّدنا محمد وآله الغرّ الميامين، وصحبه المباركين، وكل من عمل بهديه ومشى على نهجه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين آمين يا ربَّ العالمين. وبعد

إخواني وأحبابي:

إن أجمل ما يتعلق به عامل لله، وأسمى غاية يتجه إليها عارف لمولاه، هي أن يحبَّه الله عزَّ وجلَّ، وكلُّنا – بلا استثناء – نتمنى ونشتاق، ونريد أن يكرمنا الله عزَّ وجلَّ فيحبَّنا، ويكشف لنا – في أنفسنا أو في غيرنا – الدليل على محبَّته، وكلُّنا نطمع أن ندخل في قول الله: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (54المائدة).

فحبُّه سابق، وحبُّنا لاحق، ولولا حبُّه لنا ما أحببناه، ولولا إعانته لنا ما عبدناه، ولولا توفيقه لنا ما سلكنا طريق الهداة. ولذلك طلب منا أن نقول في كل ركعة من ركعات الصلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (5الفاتحة).

فإذا لم يوفق الله ويعين، فماذا يفعل العبد في طاعته وعبادته لربِّ العالمين؟! وقد عَبَدَ إبليسُ حضرة الله اثنين وسبعين ألف سنة، حتى أخبر الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم أنه ليس في السماء موضع أربعة أصابع إلا ولإبليس فيه سجدة لله عزَّ وجلَّ!! ولكنه في لحظة إعتقد أن هذه العبادة من نفسه وبجهده، ونسى عون ربه، وحول ربّه، وقوة ربه؛ فكان جزاؤه: ( قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ) (18الأعراف).

ونحن جميعاً نريد أن ندخل في محبة الله، وأهل محبة الله عزَّ وجلَّ يتولاهم الله بولايته، ويمدهم بإمداد عنايته، ويجعلهم دوماً تحت رعايته، لأن الله عزَّ وجلَّ آلى على نفسه أن يكون هو حسبهم، وهو كفيلهم، وهو وكيلهم عزَّ وجلَّ.

إذن كيف يحبك الله؟ هذا هو السؤال؟!!!

والإجابة: نقرأها في أحاديث الله القدسية، التي أعلمنا بها خير البرية صلَّى الله عليه وسلَّمما المنهج الذي يوصل العبد إلى أن يحبه الله؟

وقد قال – في شأن ذلك الحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:{ وَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً لَمْ يَضُرَّهُ ذَنْبٌ } ( الْقشيري في الرسالةَ وابنُ النَّجَّارِ عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، وأوله: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وإذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب“). لماذا؟!! لأن الله سيحفظه من الذنب، والعصمة للأنبياء، والحفظ للأولياء، والزلل والضلال والعياذ بالله للأشقياء.

والله عزَّ وجلَّ تولى الإجابة بذاته ليعرف البسيطة كلها الطريق إلى محبة الله، فقال عزَّ شأنه في الحديث القدسي الصحيح الوارد في الروايات الكثيرة في صحيحي البخاري ومسلم:(وَمَا تَقَرَّبَ إِلَـيَّ عَبْدِي بشىءٍ أَحَبَّ إلـيَّ مِـمَّا افْتَرَضْتُ علـيهِ، ومَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَـيَّ بالنوافلِ حَتَّـى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتِـي يَبْطُشُ بِهَا، ورِجْلَهُ الَّتِـي يَـمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِـي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِـي لأُعِيذَنَّهُ). الحديث طويل، وقائله هو ربُّ العزَّة عةزَّ شأنه.

هذا الحديث يوضح منهج الصالحين – السابقين والمعاصرين واللاحقين – الذي ساروا عليه حتى نالوا محبة ربِّ العالمين، وفيه المنهج الكامل بعد التوضيح والبيان.

الفرائض المفترضات

فأحبُّ ما يتقرَّب العبدُ به إلى ربِّه، هو الفرائض المفترضات، لذلك فإن سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله قال: يا رسول الله: { أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا } (رواه مسلم وتمامه: ” قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلاَّ إِرْعَاءً عَلَيْهِ “).

فأهم ركن وأول ركن في منهج القرب من الله ونيل محبة الله: الصلاة لوقتها (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) (238البقرة(قَانِتِينَ): يعني عابدين، ولكن بعد المحافظة على الصلاة، وأي زيادة في العبادات، وفي الأعمال الصالحات، لا تصحُّ ولا تجوز إلا بعد إحكام الأساس الأول، وهو المحافظة على الفرائض في وقتها.

والمحافظة على الصلاة تعني: أن العبد يتجهز ويتأهل للصلاة، وينتظر الآذان في بيت مولاه عزَّ وجلَّ، ولا ينتظر حتى يؤذن المؤذن ويذهب، لأنه بذلك سيذهب غير متأهل؟ ولذلك تجد جُلَّ الصالحين، لا يؤذن عليهم الآذان إلا وهم في بيت الله، مترقبين الصلاة، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ، لاَ يَمْنَعَهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ انْتِظَارُ الصَّلاَةِ } (جامع الأحاديث والمراسيل عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ)

لماذا؟!! لأنني إذا تكلمت مع فلان أو فلان، وأذن المؤذن، سأذهب وأنا مشغول بما قيل، وأفكر فيما أقول، فكيف إذاًَ يكون شكل هذه الصلاة؟

لكنني قبل الصلاة: يجب علىَّ أن أقطع كل الشواغل الكونية، وكل المشاغل الدنيوية، وأتطهَّر ظاهراً وباطناً، وأذهب إلى بيت ربي، وأشغل الدقائق المتبقية بذكر الله، والاستغفار لله، أو بتلاوة كتاب الله، أو بالصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله.

فيتجهز القلب للقاء مولاه والمناجاة، وهذه هي صلاة الأوابين، إذن لابد وأن يجهز نفسه قبل الصلاة. وكان يقول في ذلك الإمام سعيد بن المسيب رضى الله عنه: (بقى لي أربعون عاماً ما أذَّن علىَّ المؤذن إلاَّ وأنا في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم). فسألوه من الذي كان يصلي بجوارك؟ قال: (بقي لي أربعون عاماً أصلي وما حدثت نفسي يوماً بِمَنْ على يميني ولا مَنْ على شمالي)، وذلك لأنه مشغول بالله!!

قبلة العارفين حال الصلاة              وجه مولى منزهاً عن جهـات

وهمــو قبلة له إذ يصلي                بحنان عليهمـــو للنجـاة

فصــلاة له ومنه عليهم                 أخرجتهم فضلاً من الظلمات

وهذا وصف مولانا الإمام أبو العزائم لصلاة العارفين.

إذاً الفرائض في وقتها – وخاصة الصلاة الشهودية التي قال فيها ربُّ البريَّة: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78الإسراء).

إنها صلاة شهود وجه الله، وشهود أنوار حبيبه ومصطفاه، وشهود كنوز فضل الله، وشهود خزن عطاءات الله وهي تفتح لعباد الله، لأنه وقت توزيع الأرزاق الحسية والمعنوية على الصالحين من عباد الله، ويكفي فيها قول الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: { من صلَّى لله أربعين يوماً في جماعةٍ، يدرك التكبيرةَ الأُولى، كُتِبَ لهُ براءَتَان: بَراءَةٌ مِنْ النَّارِ، وبراءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ } وفى رواية: ( من صلَّى الفجر فى جماعة ) (سنن الترمذى عن أنسٍ بنِ مالكٍ رضى الله عنه)، وهذا تعهد من الحبيب المحبوب صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد كنا في رمضان محافظين على الفجر في وقته، وفي الأعمال – كان أغلبنا – يتوضأ ويتجهز قبل آذان الظهر لكي يصلي الظهر، وكنا محافظين على المواعيد!! لماذا كان ذلك في رمضان فقط؟!! نحن يا أحباب لسنا رمضانيين – أي موسميين – ومن معه عقد موسمي فليس له شيء عند الله عزَّ وجلَّ، فرمضان كشعبان وشوال بالنسبة لفرائض الله عزَّ وجلَّ، لأن ذلك هو باب الفتح الأعظم من الله للصالحين من عباد الله.

فيلزم أن نحافظ على الفرائض في وقتها، والفرائض كما وضحت – يلزم أن يتجهز لها المؤمن قبل الآذان.

الأعذار الشرعية

وليس هناك عذر لمؤمن يمنعه من أداء الصلاة في وقتها يقدمه لربِّه ويقبله ربُّه إلا إذا كان مسافراً سفراً شرعيا ضرورياً، فله أن يقدم أو يؤخر، أو إذا كان مريضاً منعه الطبيب المسلم من مغادرة فراشه.

ومعنى السفر الشرعي: هو أن يكون مسافراً إلى العمرة، أو إلى الحج، أو لطلب العلم، أو لزيارة مريض، أو لحضور جنازة مسلم، أو لبر الوالدين، هذه هي الأسفار الشرعية

لكن لو كان هناك من يسافر للمصيف، فلا عذر له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، أو يسافر لحضور مباراة، فإن ذلك ليس بعذر شرعي، لأنه يلزم أن يكون عذر شرعي تقرُّه الشريعة، فالأعذار يجب أن تكون من لائحة الأعذار التي وضعها النبي المختار، ويقبلها العزيز الغفار عزَّ وجلَّ.

ولا يلتمس أحد من نفسه لنفسه الأعذار!!! لأن هذه مصيبة المسلمين في هذا العصر، فمثلا إذا زارني صديق، أو إذا كنت أزور صديقاً وحان وقت الصلاة، ما علىَّ وما عليه إذا قلت له: يا أخي هيا بنا نصلي!!! ثم نكمل الحديث بعد الصلاة. وإذا استحييت أن أقول له ذلك؛ فإن هذا حياء لا يحبُّه عزًّ وجلَّ، ويبغضه سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس بعذر، وحتى لو كان على غير ديني- أي غير مسلم – وحان وقت الصلاة، فيجب أن أظهر له تعظيمي لشعائر ديني، فأقول: بعد إذنك سأصلي، ثم آتي لأكمل معك الحديث، فإنه بذلك سيحترمني ويعظمني عندما يجدني أعظم شعائر ديني.

لكن هل من الأعذار: أن أتكلم مع واحد في بيتي، أو على مقهى، والآذان يؤذن ولا ألبي الآذان؟ كلا، فإن هذا ليس بعذر!! إذا كان الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم تقول في شأنه السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان صلَّى الله عليه وسلَّم يجلس معنا، يحدثنا ونحدثه، فإذا حان وقت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه). فهذا فعله حتى مع أولاده وأهله، لأنه عند الآذان يلبي الآذان.

ويجب علينا جميعاً أن ندرِّب أولادنا على ذلك، فإذا أذّن المؤذن أقول لمن يتكلم منهم: انتظر يا بُني ولبِّ الآذان! فإذا لم نعلّمهم نحن؟ فمن إذاًَ الذي سيعلمهم؟ وإذ اتصل بي واحد بالتليفون عند الآذان؟ فإن مثل ذلك لا يعرف أدب الإسلام، فعلي أن أقول له: انتظر، ثم اتصل بعد الآذان. ولذلك فإني أتضايق ممن يتصل بي عند الآذان، إلا إذا كان من دولة خارج مصر، لأنه لا يعرف مواعيدنا وبذلك تكون ضرورة – فوقت الله لا نسمح به لمخلوق سوى حضرة الله عزَّ وجلَّ، فهو الخالق الأعظم جلَّ وعلا، وهذا وقته .

وقد علمنا سادتنا الصالحون أنني إذا كنت مسافراً وسمعت الآذان، فعلىَّ أن أردّد الآذان، وإذا كنت في جماعة ولا أستطيع النزول، أعتذر إلى ربِّي عن تأخير الصلاة، حتى أصل إلى محطة الوصول، أو إلى أقرب مكان، وأقول: سامحني يا ربّ لأنني مسافر إلى أن أصل، لكن إذا كانت سيارتي فعليَّ أن أنتظر وأصلي، حتى أنهم كانوا يقولون لنا: (صلِّ واركب، لا تنكب!!!)

وهذه حكمة علمها لنا السادة الصالحون، فمن يصلي يكون في حفظ الله، فمن أين تأتي له النكبات؟!! لكن أقول سأصلي بعد أن أصل، من أين أضمن أنني سأصل؟!! فعلى أن أصلي أولاً، ثم أركب، وبذلك أكون دخلت في قول الله: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (22يونس). فهو الذي سيسيرني ويحفظني بحفظه عزَّ وجلَّ.

وكان أصحاب رسول الله كما ورد في شأنهم: من فاتته تكبيرة الإحرام الأولى في الصلاة يتلقى العزاء منهم – لما فاته من الأجر والثواب وفضل الله – ثلاثة أيام!!! ومن فاتته صلاة الجماعة الأولى مع الإمام يعزونه لمدة أسبوع!!! وذلك للكرب الذي أصابه، والغم الذي نزل عليه، لأنه حُرم من فضل الله، ومن كرم الله الذي ينزله ويفرغه الله على المؤمنين الذين يؤدون الصلاة في أول وقتها. فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ( أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَوَسَطُ الْوَقْتِ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ ) (عن أَبي محذُورةَ رضيَ اللَّهُ عنه فى جامع الأحاديث و المراسيل). وهل يستوي من يصلي في وقت الرضوان، ومن يصلي في وقت المغفرة؟ كلا!! ووقت الرضوان يعني أنه سينهل من كنوز الرضوان: ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ) (72التوبة).

فهذا هو أول أمر في منهج محبَّة الله عزَّ وجلَّ للعبد الذي يريد أن يحبَّه مولاه. ومثل هذا يدخل في: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ……. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِد ) (صحيح الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه).

لأنه عندما ينتهى من الصلاة، يكون معلقاً بالصلاة الثانية، ومترقبها ومنتظرها، وبذلك يكون في صلاة طوال اليوم، فعندما ينتهي من صلاة الظهر، ينتظر صلاة العصر، حتى وهو في عمله، وعندما ينتهى من صلاة العصر، ينتظر المغرب، وهؤلاء يقول فيهم حضرة الله: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) (9المؤمنون).ومثل هذا يكون في صلاة دائمة، لأنه في انتظار الصلاة، ووقته كله مع مولاه جلَّ في علاه .

حكم السنن اللواحق مع الفرائض

ومن شدة اعتناء الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بأمر الفرائض، جعل لها لواحقاً، وهي السنن القبلية أو البعدية، ونحن نعتبرها سنناً، لكن مولانا الإمام أبو العزائم رضى الله عنه، عندما وضح وبيَّن هذا الحديث قال: { ما لا يتم الشيء إلا به فهو منه }. والمعنى: أن الجلباب لو حدث فيه خرق، وأعطيته للرفّا ليصلحها بقطعة ثانية، فبعد أن يرفيها تصبح هذه القطعة من الجلباب، فقبل أن يرفيها بهذه القطعة، كانت ليست منه، ولكن بعد أن رفاها بها أصبحت منه.

فلا يوجد منا من يستطيع أن يصلي الصلاة التي من بدئها إلى ختامها حضور مع مولاه!! فلا بد من وجود السهو والغفلة والتقصير، ولذلك علَّم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه أن يستغفروا بعد الانتهاء من الصلاة، ويقول كل رجل منهم: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) ثلاث مرات. مم يستغفرون؟ لقد كانوا في طاعة!! كانوا يستغفرون من التقصير والقصور، والفتور الذي انتابهم في الصلاة، لعل الله يجبر ذلك ويتقبل منهم

إذن ما الذي يجبر التقصير؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الطويل: { إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، وَإنِ إنْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ يَكْمُلُ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَله على ذَلِك } (رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وفى رواية تميم الدارى رضى الله عنه فى جامع الأحاديث والمراسيل: { فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلاَّ قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَأُكْملتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، فَإِنْ لَمْ تُكْمَلِ الْفَرِيضَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَطَوُّعٌ، أُخِذَ بِطَرَفَيْهِ فَيُقْذَفُ بِهِ فِي النَّارِ}.

إذن النوافل تجبر الفرائض، وبذلك فهل تكون نوافل أم فرائض؟ تكون فرائض!!! إذن لمن تكون نوافل؟ تكون للفذَّ الذي يقول حضرة النبي في شأنه: {صَلاةُ الجَمَاعَة تفضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بسبع وعشرينَ درجة} (البخاري عن ابن عمر رضى الله عنهما). والفذُّ هو الذي ليس له نظير في عبادته ولا طاعته، ولا تقواه ولا خشيته لمولاه، وليس معنى الفذ من يصلي بمفرده.

فالنوافل كلها بالنسبة لنا تعتبر فرائض، إلى أن يمنَّ الله على الإنسان ويجبره، ويشغل باله عن جميع المشاغل، فيصلِّي صلاة العارفين؛ هنا فقط تكون نوافله نوافل قرب من حضرة ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ.

إذن الفرائض هي الباب الأول الذي يجب على الإنسان أن يوليه جلَّ اهتمامه وأكثر عنايته، ومن قصّر فإنما يكون تقصيره تقليلاً في مقامه، وتقليلاً من شأنه عند ربه عزَّ وجلَّ. وبعد أن يؤدي الإنسان الفرائض، يزيد في النوافل.

نوافل القرب

ما النوافل التى كان يتعهدها الصالحون لكي يحبهم الله؟ { لا يزال عبدي يتقرَّبُ إلىَّ بالنوافل حتى أحبَّهُ!!} هي نفس النوافل التي كان سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم بها ويعملها لله عزَّ وجلَّ، والنوافل التي مع الفرائض المفترضات، ورد فيها قوله صلَّى الله عليه وسلَّم فى معنى الحديث الشريف: { من صلَّى عشْرَ ركعات في اليَومِ والليلة بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنة } فقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يصلى: ركعتين قبل الصبح، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وأربع قبل العصر، واثنين بعد المغرب، واثنين قبل العشاء، واثنين بعدها.

فلو صلى الإنسان عشرة من هذه الركعات يبنى له قصر في الجنة، وقد ورد في العشر ركعات روايات عديدة أشهرها ، عن نافع رضى الله عنه ابن عمر رضى الله عنهما قال: (عشرُ ركعاتٍ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يداوم عليهنَّ: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر ) (عن ابن عمر رضى الله عنها فى مسند الإمام أحمد بن حنبل) وفى رواية أخرى مشهورة قال: (حفِظتُ عن رسولِ الله عَشْرَ ركعاتٍ كان يصليها بالليلِ والنهارِ: وذكر العشر ركعات) (سنن البيهقى الكبرى عنه رضى الله عنهما)

والسنن المؤكدة التى كان الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يتعهدها، ويوصي بها أصحابه، ما هي؟ يقول فيها سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه: { أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلم بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، ورَكعتَيِ الضُّحىٰ، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام} (صحيح البخاري)

أولاً: صلاة الوتر

والوتر لا بد منه . وحضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال في شأنه مارواه الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه فى مسند عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: (فأوتر بواحدة) وفى الرواية الأخرى: (أوتروا ولو بواحدة) فإن كنت مشغولاً فأوتر بركعة، المهم ألا تدع الوتر، فإما أن أصليه قبل أن أنام، وأما إذا كنت متحققا وضامناً لقيام الليل أؤخره إلى ما بعد القيام . وحتى لو صليته قبل المنام، وفتح الله عليَّ في قيام الليل، فلي أن أبدأ بركعة واحدة، وهذه الواحدة مع الواحدة التي صليتها وتراً سيكون الإثنان شفعاً، وأصلي ما شئت ثم أختم بالوتر، وذلك لكي لا يكون هناك تعارض بين الأحاديث.

فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث آخر ، قال ابن عمر رضى الله عنهما: ( من صلى بالليل فليجعلْ آخرَ صلاته وتراً، فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بذلك، فإذا كان الفجرُ فقد ذهبتْ كلُّ صلاة الليل والوتر)، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أوْتِرُوا قَبْلَ الفَجْر) (رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضى الله عنهما) يعني آخر صلاة قبل الفجر هي الوتر، وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث آخر: (لا وتران في ليلة) (جامع الأحاديث والمراسيل عن طلق بن على رضى الله عنه) فلا يصحُّ أن أصلي الوتر مرتين.

أبيِّن مرة ثانية وأقول: إن الصالحين جمعوا بين هذه الأحاديث بما يلي: إذا كنت لن أقوم الليل فأوتر قبل أن أنام، وإذا فتح الله علي أصلي ركعة، ثم أصلي ما شئت، ثم أختم بالوتر، المهم أن يكون الوتر مرة واحدة ولا بد من صلاة الوتر.

ولذلك فإني أعجب من كثير من أحبابنا الذين يتهاونون بصلاة الوتر ولا يصلونها!! إن الوتر من السنن المؤكدة. وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر أحياناً بواحدة، وأكثره ثلاثة عشر. فكان أحياناً يصلي ثلاثة ركعات، وأحياناً يصلي خمسة ركعات، وأحياناً يصلي سبعة، وأكثر ما ورد عنه ثلاثة عشر ركعة.

ثانياً: قيام الليل نور وشفاء

وكان يحافظ على القيام لأن الله قال له: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (79الإسراء). من يريد أن يكون له مقامٌ محمود، فعليه بقيام الليل وجعله الله فرضاً على حبيبه ومصطفاه، فقال له: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) (1، 2المزمل). ويقول في ذلك سيدي أحمد البدوي رضى الله عنه: (ركعتان في جوف الليل الآخر خير من ألف ركعة بالنهار).

وسبحان الله أن العلم الحديث في أيامنا هذه كشف لنا عن سر صلاة التهجد وذلك في حديث: (عليكم بقيام الليل).

 

إعجاز طبي في حديث: (عليكم بقيام الليل)

قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (عَلَـيْكُم بقـيامِ اللَّـيْلِ، فإنَّهُ دأَبُ الصالـحينَ قَبْلَكُمْ، وإنَّ قـيامَ اللَّـيْلِ قُرْبَةٌ إلـى الله تَعَالَـى، وتَكْفِـيرٌ للسيئاتِ، ومنهاةٌ عن الإثْمِ، ومَطْرَدَةٌ للدَّاءِ عن الـجَسَدِ) (حديث صحيح فى السنن الكبرى للبيهقى عن بلال رضى الله عنه، وروايات أخرى للترمذي وغيره عن أبي أمامة). وهذا الحديث من معجزاته صلَّى الله عليه وسلَّم: فالأطباء أثبتوا ذلك.

وقد كتب أحد أساتذة الأطباء في جريدة الأهرام المصرية نقلاً عن كتاب ألفه مجموعة من الأمريكيين جاء فيه: (إن القيام من الفراش في أثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل أو القيام بتدليك الأطراف بالماء – انظر هذا يشبه الوضوء – والقيام ببعض التمرينات الخفيفة – وهذا يشبه الصلاة – والتنفس بعمق – وهذا يكون في المناجاة- له فوائد صحية كبيرة). قال الأستاذ الطبيب: (والمتأمل لهذه النصائح يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء الصلاة عند قيام الليل!! وقد سبق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة على فوائد قيام الليل، وذكر الحديث)

وعن هذه الفوائد قال:

1- ثبت أن قيام الليل يؤدي إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزول وهو الكرتيزون الطبيعي للجسم خصوصاً قبل الإستيقاظ بعدة ساعات، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر الثلث الأخير من الليل، مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم والذي يشكل خطورة على مرضى السكر،

2- ويقلل كذلك من الإرتفاع المفاجئ في ضغط الدم مما يقي من السكتة المخية والأزمات القلبية.

3- ويقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي، الذي يحدث نتيجة لبطئ سريان الدم في أثناء النوم وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة السوائل أو زيادة فقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس،

4- ويؤدى قيام الليل إلى تحسن في حركة وليونة المفاصل، خاصة في مرض إلتهابات المفاصل وهو علاج ناجح لما يعرف بمرض ( الإجهاد المزمن ).

5- ويؤدى إلى تخلص الجسم من الجليسيرات الثلاثية نوع من الدهون التي تتراكم في الدم وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض ( شرايين القلب التاجية )، ويقلل من خطر الوفيات من جميع الأسباب.

6- وينشط الذاكرة، وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة، لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن وذكر للأدعية فيقي من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والإكتئاب وغيرها،

7- وكذلك يخفف من شدة مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفة.

هكذا ذكر الطبيب!! وهناك ابحاث أخرى، وصدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ومطردة للداء عن الجسم)، وبالتالي في القيام دواء وشفاء، ونور وجمال، وكمال وبهاء!! ولذلك فسيدنا جبريل نزل مرة لرسول الله بوصية عظيمة من حضرة الله قال فيها: ( يا محمدُ عِشْ مَا شِئْتَ فِانَّكَ مَيِّتٌ، واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَِانَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَِانَّكَ مُفَارِقُهُ، واعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ) (مجمع الزوائد عن سهلِ بنِ سعدٍ).

بعدها أرسل الحبيب رسالة (فاكس) لجميع الصالحين السابقين واللاحقين: من الذي يريد أن يكون من الوجهاء والعظماء يوم الدين؟ فلبت أرواحهم: نحن. وكان فحوى أو مضمون هذه الرسالة: (من َصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، رفعت له يوم القيامة الأعلام). وقال مرة أخرى: (بَشِّرِ الـمَشَّائِيْنَ فـي الظُلَـمِ إلـى الـمساجِدِ بالنورِ التَّامِّ يومَ القـيامةِ) (سهل بن سعد الساعديِّ سنن البيهقى الكبرى وصحيح ابن خزيمة). (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (17، 18الذاريات) فإن هذا هو الوقت الذي يتنزَّل الله فيه إلى السماء الدنيا، والتنزُّل يعني: يتنزل بفضله وكرمه، وخيره وبرِّه، ورحمته وعنايته، وليس معنى يتنزَّل أي يتنزل بذاته لأن الله لا يحيزه زمان ولا مكان، وينادي فيه: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مبتلى فأعافيه؟ هل من مسترزق فأرزقه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى مطلع الفجر.

رجال الليل

ومما يدل على مكانة رجال قيام الليل: ما ورد عن سيدي ابراهيم الدسوقي رضى الله عنه وأرضاه: أنه اعترض أحد قضاة الإسكندرية على مريديه، وأخذ في التشنيع عليهم، فأبلغ أحدهم الشيخ فأعطاه وريقة وقال له: أعطِها للقاضي ليقرأ ما فيها. فلما أعطى الوريقة للقاضي، أخذته العزة بالإثم فلم يفتحها ولم يقرأها، وظن أن هذا هراء، وقال: لا أقرأها حتى أجمع الجموع، فجمع جمعاً حاشداً ليقرأ عليهم الرسالة، وبعد أن جمعت الجموع وبدأ في الحديث والكيل على الصــالحين وأحباب الصالحين، قال بسخرية وتهكم واستهزاء: وهذا الذي يدعي أنه من الصالحين ابراهيم الدسوقي أرسل هذه الوريقة، وأريد أن أقرأها عليكم!! وفتحها وإذا فيها أبيات حِكَمِيَّة!! يقول فيه سيدي ابراهيم رضى الله عنه:

سهام الليل صائبة المرامي      إذا  وترت    بأوتار   الخشوع

وسهام الليل أي: الدعوات التي في جوف الليل الآخر، لأنها سهام تصيب في النحور.

سهام الليل  صائبة  المرامي          إذا   وترت  بأوتار    الخشوع

يصوبها إلى المرمى  رجالٌ             يطيلون السجود مع الركوع

إذا أوترن ثم رمين  سهماً             ما  يغني   التحصن    بالدروع

ومن العجب – وليس هناك عجب على أحوال الصالحين – أن الرجل عندما نطق: (إذا أوترن ثم رمين سهماً …. ) خرج من الوريقة سهم دخل في صدره وخرج من ظهره، ومات به في الحال!!! فسبحان العلي القدير!! كيف عقدت الأقدار موته بقراءة الأبيات!! وخروج السهم عند نطقه لألفاظ هذه الكلمة!! وهي كلمة (سهم)، لكن لا تعجب إذا سمعت قول الله: (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) (34الزمر).

فهذا هو وقت الفتح!! ولذلك كان مولانا أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه في بداية دعوته – عندما كان في المنيا، وكان يعمل أستاذاً للغة العربية – فكان يخرج يوم الخميس إلى أي بلدة من بلاد الله ويذهب على مسجدها، ويعلم الناس ما فتح الله عزَّ وجلَّ عليه به من أحكام دين الله، ومن الفقه في كتاب الله، ومن أسرار حديث رسول الله، ثم يصرُّ على أن يبيت في المسجد، فإذا كان وقت السحر كان يصعد إلى المئذنة ويناجي الله عزَّ وجلَّ، وكان من جملة هذه المناجاة:

إلهي بالتجلي في ساعة الأسحار         إذ أضاءت شموسه للسارى

فهذه أوقات مناجاة!! ولذلك فإن جميع الصالحين ينادى عليهم معسكر الجمع على حضرة الله في وقت الليل الآخر. ولذلك كانت أم سيدنا سليمان بن داود عليه السلام تقول له: (يا بني لا يكن الديك أفقه منك!!! فإنه يقوم لله عزَّ وجلَّ في جوف الليل الآخر).

وكان الصالحون يقومون عند سماع الديكة، وكانت هذه المنبهات التى تنبههم

إن لم تكن المنبهات في الصدور!! ولذلك قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه: (من لم يكن له في بدايته قومة، لم يكن له في نهايته جِلسة). من يريد أن يكون له جلسة (في مقعد صدق)!! أو ( مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)!!! لا بد أن تكون له قومة بالليل!! لأن هذا هو وقت الجمع على الله، وهذه هي السنة التي كان عليها سيدنا رسول الله.

فقد كنا نصلي القيام في رمضان، فيلزم يا إخواني أن نحافظ على القيام.

سؤال: والذكر؟!! الإجابة: إن الصلاة ذكر، لأنها شاملة لكل شيء، فيها ذكر، وفيها تلاوة قرآن، وفيها تفكر، وفيها تدبر، وفيها خشوع، وفيها خضوع، وفيها رياضة بدنية، إنها عبادة جامعة ، فخير الذكر ما كان في الصلاة: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (14طه)، وخير التلاوة، ما كانت في الصلاة: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) (29فاطر)، فالتلاوة هنا في الصلاة.

ثالثا: سبحة الضحى

والنفل الثالث الذي كان يتعهده ويحافظ عليه سيدنا ومولانا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: هو ركعتا الضحى، ووقتها بعد شروق الشمس بثلث ساعة إلى قبل الظهر بثلث ساعة.وأقلها ركعتان، ولا حدَّ لمنتهاها. والحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم علَّل وبيَّن سرَّ تعهده لها، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم مما علمه ربه: (يصبح على كل سّلامى من ابن آدم صدقة – وسلامى يعني فقارة- وعددها ثلاثمائة وستون فقَّارة –

وسبحان الله!! لم تُحصَ بهذا العدد إلا في العصر الحديث في علم التشريح!! وهي الفقرات التي بالظهر، والفقارات التي في اليدين، والفقارات التى في الجسم كله.

فكوني أستيقظ في الصباح وأجد أن هذه الفقارات تعمل!!! من الذي ليَّنها وشحَّمها لكي تؤدي عملها؟!! الله عزَّ وجلَّ!! فلو لم يزيتها ملك الملوك، أين أجد لها الزيت؟ هل يوجد هذا الزيت في أي صيدلية؟

من يحدث له خشونة من الذي يستطيع أن يزيت له هذه الخشونة؟!! والذي يحدث عنده تيبس، من الذي يستطيع أن يفك له هذا التيبس؟ لا يوجد!! ولذلك أنصح إخواني بهذه النصيحة التي أوصت بها جمعية الأطباء الأمريكيين حيث قالوا: إن المحافظة على الصلاة بالنظام الإسلامي تجعل الفرد لا يصاب بأي خلل في فقرات العمود الفقري!!!

وعندما أسمع الآن أن فلاناً مصابٌ بإنزلاق غضروفي؛ أعلم أنه غير محافظ على الصلاة في وقتها لأن أي مؤمن سيحافظ على فرائض الله ونوافل رسول الله كيف يصاب بالإنزلاق الغضروفي أو التيبس؟ لا يأتيه مثل ذلك ابداً، لأنها التحصينات الإلهية, فإذا ترك هذه التحصينات فتح على نفسه الباب في الوقوع في هذه الأعراض وهذه الأمراض، وحضرة النبي قال ذلك: (يُصْبِح عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ – وعددها ثلاث مائة وستون – فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. فتحير الناس كيف يأتون بالثلاثمائة وستون صدقة؟ فأشار إلى أنها سهلة ميسورة، فقال: وَيُجَزِىءُ، مِنْ ذَلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) (مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضى الله عنه).

يعني إذا صليت ركعتي الضحى تكون قد شكرت الله على تشغيل كل الفقرات التى في جسمك، وقدمت الشكر لله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (7ابراهيم) كما قال الله جل في علاه. فما الذي يضيرني بعد أن أفطر، أن أتوضأ وأصلي ركعتى الضحى؟!! وأخرج إلى العمل وأنا على وضوء، وأكون قد تسلحت بسلاح المؤمن الذي قال فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (الوضوء سلاح المؤمن)، وفى الحديث: ( لايحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) (الترغيب وفى الإرواء عن ثوبان رضى الله عنه). وإذا كنت مشغولاً أتوضأ، وبعد أن أَصِلَ إلى العمل انتهز أي فرصة وأصلي الركعتين، وبذلك أكون باركت مكان العمل حتى يؤمنني الله فيه من الخطر والزلل ومن أهل الشر والمنافقين!!

والصالحون قد عودوا أنفسهم على المداومة، ونحن لا نستطيع المداومة، فالإنسان غير الملتزم في العلاج الطبي يستمر على الدواء يومين أو ثلاثة ثم يتركه!! وهذا الأمر عينه طبقناه على الأدوية القرآنية والأشفية النبوية!!! لكن الصالحين عباداتهم دائمة، ولذلك لا يفرقون بين رمضان وغير رمضان: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) (37النور). هل ذلك في رمضان أم في كل وقت آن؟!! باستمرار وعلى الدوام. وهذه هي نوافل الصلاة.

رابعاً: دوام ذكرالله

والفريضة الأولى علينا جماعة المؤمنين هي: الشهادتان، (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله) وقد أمرنا الله أن نتلفظ بها في كل صلاة مرة أو مرتين في أثناء التشهد الأخير هل لها نوافل؟ نعم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (41الأحزاب). فلا يكفي أن أنطق بالشهادتين في الصلاة مرتين وحسب!! فماذا يمنعني في أثناء قعودي، أو ذهابي أو إيابي، أو نومي، من تحريك اللسان بذكر الله؟!!! قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (ما عمل آدمي عملاً قط أنحى له من عذاب الله، من ذكر الله) (مسند الإمام أحمد بن حنبل عن معاذ بن جبل رضى الله عنه)

من يا رسول الله من أصحابك في المكانات العالية؟ قال: (سَبَقَ المُفَرِّدُونَ!! قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا المُفَرِّدُونَ؟!! قالَ: المُسْتَهْتِرُونَ في ذِكْرِ الله، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ القيامَةِ خِفَافاً) (سنن الترمذى عَن أبي هُرَيْرَة)

خامساً: الصيام المسنون

أوله وأعظمه ما أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: { من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر } (عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه فى صحيح البخارى). والدهر يعني السنة، فإذا صام الستة متتابعين يجوز ذلك، ولو صامهم متفرقين يجوز أيضاً، المهم أن يصومهم خلال الشهر، وبعد ذلك يوجد حد أدنى وحد أعلى للصيام المسنون.

الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه فصَّل ذلك فقال: ( الحد الأعلى لصيام النوافل هي صيام يوم وافطار يوم )، وهو صيام داود عليه السلام. وسيدنا عبدالله بن عمر قال له رسول الله عندما صام الدهر: { قال: فصُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، فذلك صِيامُ داودَ عليه السلامُ، وهو أفضلُ الصيام. قلت: إني أطيقُ أفضلَ من ذلك، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا أفضلَ من ذلك} (عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه فى صحيح البخارى). وهذا كلام رسول الله.

والحد الأوسط صيام الإثنين والخميس، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يتعهده في بداية دعوته وكان يقول: (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (عن أبي هريرة تخريج المشكاة، التعليق الترغيب والإرواء)، وفي آخر حياته وعندما كبر سنه – ولكي يسنَّ للضعفاء والمرضى – كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر – وهذا هو الحد الأدنى، ويقول فيه صلَّى الله عليه وسلَّم: { ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَرَمَضَانُ إِلَىٰ رَمَضَانَ. فَهٰذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ } (صحيح مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وتمامه: « … صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَىٰ الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَىٰ الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ).

ولذلك قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه: “ولا يقل المريد عن ذلك”. أى لا يصح أن يمر عليه شهر بدون صيام الثلاثة أيام، فإذا صام الاثنين أو الخميس من كل أسبوع فإن ذلك يبلغه، وإذا صامهم متتابعين فلا بأس، المهم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأهم أن يحافظ على ذلك فلا يصوم سنة ثم يأخذ بقية عمره في سِِنَه هذا بالنسبة لأصحاب الأعذار.

أما بالنسبة للشباب: فعلى الشاب التقي أن يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً وخاصة الشاب الذي لم يتزوج، فلا يَقِلُّ عن الاثنين والخميس، والأفضل له أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لأنها وصية الحبيب التي يقول فيها: (يامعشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِِجَاء) (رواه البخارى وبقية الستة عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه)

(وِجَاءٌ) أى: وقاية – هل يصوم الثلاثة أيام فقط؟ لا، بل عليه صيام الإثنين والخميس، أو يصوم يوما ويفطر يوماً، أو يصوم الاثنين والخميس والثلاثة أيام البيض – الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري – وهذا هو الحد الأدنى للشباب.

لكن أصحاب الأعذار عليهم المحافظة على الثلاثة أيام من كل شهر، لأن هذا ما تعهده رسول الله ونحن نعمل بقول الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21الأحزاب)

سادساً: صدقة التطوع

والركن الرابع هو الزكاة لمن عليه الفريضة ومن ليس عليه زكاة.. عليه نفلها وهو الصدقة والصدقة يا اخواني هي باب القرب وسر كل عطاء وقد قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) (رواه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: …).

ولذلك لو جاء عبد بعبادة الثقلين وكان شحيحاً في الإنفاق، فقل له: ليس لك نصيب في كرم المليك الخلاق!! (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (9الحشر). وكان سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري رضى الله عنه يقول: (تصدق ولو بنصف تمرة كل يوم تكتب في ديوان المتصدقين، وصلِّ ولو ركعتين في جوف الليل كل ليلة تكتب في ديوان القائمين).

إنها دواوين تفتح كل يوم، ويلزم للإنسان أن تكون له صدقة دائمة لله عزَّ وجلَّ: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) (273البقرة). ومن لم يتمرن على الإنفاق لا يطمع في كرم الخلاق عزَّ وجلَّ: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ).

ولذلك كان سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه وأرضاه يقول:(أقبح القبيح صوفيٌّ شحيح)، لأن من خلق الله الكرم، واسمه الكريم، وليس من أخلاقه أو أسمائه البخيل، وهو كريم يحب كل كريم، (لأن الله يحب من خلقه من كان على خلقه). قال صلى الله عليه وسلم: (السَّخَاءُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ ، أَغْضَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصُنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَالْبُخْلُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ النَّارُ ، أَغْصَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى النَّارِ ) (جامع الأحاديث و المراسيل عن أَبي هُرَيْرَةَ).

ومن يريد أن يكون من أهل الغرف العالية في الجنة، ماذا يفعل يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: { إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنَها، وَبَاطِنُها مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّها اللَّهُ لِمَنْ أَطعَمَ الطَّعَامَ، وَ أَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ } (صحيح ابن حبان عن أبي مالك الأشعري).

وهذه يا إخواني هي أبواب الإكرام!! يكفي أن: ( والصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفِىءُ الماءُ النَّارَ ) (مجمع الزوائد عن معاذ بن جبل رضى الله عنه). ومن منا بغير خطيئة.. وأسرع شيء لمحو الخطيئة هو الصدقة، وربما يكون الاستغفار بغير حضور قلب يزيد الأوزار، لكن ما يطفئ هذه النار وهذه الأوزار هي الصدقة!! فمن يريد أن يحبه الله عليه أن يكون من المتصدقين والمكرمين والعطاءين.

سابعا: تلاوة القرآن

بقي شيءٌ يسير، وهو أن الإنسان لكي يحبُّه العليُّ الكبير لابد وأن يديم تلاوة كتابه. لأنه لا يديم تلاوة كتابه إلا أحبابه. وربنا يسَّر لنا الموضوع: وإذا كنت غير قادر على القراءة فأسمع، وإذا لم يكن لديك وقت على الإطلاق فعليك بجهاز تسجيل صغير، وأحضر مصحفاً مرتلاً واسمع بترتيب المصحف. مثلاً أثناء إفطارك في الصباح، وأثناء ارتدائك لملابسك عليك أن تستمع إليه فمثلا ستستمع إلى رُبعين ، فلا بأس، وعند عودتك استمع أثناء الغذاء ستستمع إلى ربعين، بذلك يكون نصف جزء.

أما إذا كان عندك سيارة فهي فرصة عظيمة، وتستطيع في هذه الحالة أن تسمع كل يوم جزء في الذهاب وجزء في العودة على مسجل السيارة وبالترتيب.

وقال في ذلك مولانا أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه: يجب أن لا يقل ورد المريد في طريقنا عن تلاوة جزء من القرآن في كل يوم. بحيث يختمه في كل شهر مرة، لأن الحد الأدنى أن يختم القرآن في كل شهر مرة، والحد الأوسط أن يختمه مرة كل أسبوعين، والحد الأعلى كل أسبوع مرة، والأرقي كل ثلاثة أيام مرة.

         فعلى الأقل يقرأ في كل يوم جزء بتدبر وتمعن وتفكر، فإن الله عزَّ وجلَّ يناجي التالي لكتابه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُحَدثَ رَبَّهُ فَلْيَقْرَإِ الْقُرْآنَ } (جامع الأحاديث والمراسيل عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنه).

القرآن الكريم تلاوة وسماعاً يشفي الأمراض بنسبة 95%

أجريت في أحد مستشفيات إيطاليا دراسة عجيبة حول إمكانيات العلاج من المرض عن طريق سماع آيات من القرآن الكريم!! أحضروا شريطاً مسجل عليه آيات قرآنية تتلى بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد, وأحضروا مجموعة من المرضي الإيطاليين, فأسمعوهم القرآن بصوت القارئ العربي. ماذا كانت النتيجة؟

وجدوا نسبة الشفاء بين هؤلاء المرضى وصلت إلى 95%، في حين كان سماع الموسيقي والدانص والموسيقي الصاخبة التي سمعها الآخرون من الفئة المعدة لهذا الغرض عادية جداً ولا يوجد تحسن في عينة البحث.

فقاموا بوضع شريط مسجل عليه آيات قرآنية بصوت قارئ عربي مسلم أسفل شجرة مثمرة, وشريط آخر به أو مسجل عليه موسيقي صاخبة, ماذا كانت النتيجة؟!!! وجدوا أن الشجرة التي سمعت القرآن الكريم كانت ثمارها أسرع نضجاً وأحلى مذاقاً، أما الشجرة الأخرى فكانت أبطأ نضجاً وأقل حلاوة في المذاق والطعم.

وما قصة الفتاه المغربية ببعيدة!!! فقد كانت مصابة بالأورام السرطانية، وذهبت إلى العديد من الأطباء من ذوي التخصصات الطبية المعنية بالأورام وكانت النتيجة بالطبع سيئة، الكل يحاول دون فائدة. لكن فجأة هداها تفكيرها حيث شعرت برغبة جارفة لأداء العمرة. ذهبت إلى مكة وعكفت هناك في الحرم المكي، فقامت بتلاوة وتدبر آيات القرآن الكريم وشرب ماء زمزم. استمرت على هذا الحال ما يقرب من شهر. وإذا بها تشعر بتحسن شديد في القوى والحيوية والنشاط. كانت المفاجأة العظيمة أنها شفيت بفضل القرآن الكريم.

وقد جاء أيضاً أحد الأبحاث الأمريكية في جامعة هارفارد – كما ذكرت صحيفة (العرب أون لاين): تؤكد أن تلاوة القرآن الكريم لها أثر مهدئ، وذلك بعد أن أجرت بحثاً على مجموعة مكونة من ألف رجل وامرأة – من العرب الأمريكيين الذين يجيدون العربية، ومن المسلمين الأمريكيين الذين لا يجيدون اللغة العربية – فوجدوا أن سماع القرآن الكريم المرتل يعمل على تغيرات فسيولوجية لا إرادية في الجهاز العصبي، ويساعد على تخفيف حالات التوتر النفسي الشديد، ويخفف حالات الكرب والحزن، ويبعث بالنفس إلى الهدوء والراحة والطمأنينة.

وقد وجد الباحثون أن لتلاوة القرآن الكريم أثراً مهدئاً على أكثر من 79% من مجموع الحالات التي قرأت القرآن الكريم، وتم رصد تغيرات لا إرادية في الأجهزة العصبية للمتطوعين الذين تم الاختبار عليهم، مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ، بالرغم من وجود نسبة 50% منهم لا يعرفون العربية جيداً.

وتبين أيضاً من البحث أن قراءة القرآن تعمل على تنشيط وظائف الجهاز المناعي للجسم. كما لاحظ الباحثون أن الأشخاص غير المتحدثين بالعربية شعروا بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الإستماع لآيات القرآن رغم عدم فهمهن لكثير من المعاني .

وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى التعبيرات الهادئة ذات الإيقاع البطيء الحنون والنغمات التي يخشع لها الوجدان – كترتيل الآيات القرآنية – يؤثر بطريقة إيجابية على الإنسان وصحته النفسية. وأوضح الباحثون أن هذه النغمات تعمل على تهدئة الأعصاب، وهو ما يؤدي بدوره إلى إبطاء التنفس وعدد ضربات القلب بصورة متوازنة، فيفيد أصحاب مرضى القلب والأزمات القلبية، بعكس سماع النغمات الصاخبة المرتفعة من موسيقى ذات إيقاعات سريعة، التي تساعد على سرعة التنفس وتحدث التوتر والانفعال وعدم التركيز.

         وأشار دكتور سيفن لوك الأستاذ بجامعة هارفاردإلى أن: نشاط الخلايا القاتلة بالجهاز المناعي والمسئولة عن التصدي للأمراض السرطانية يقل بشكل حاد مع انخفاض تأثير المواد المناعية المهمة التي لها دور في التصدي لهذا المرض أثناء تعرض الإنسان للانفعالات الحادة أو المستمرة والقلق والتوتر العصبي.

فلماذا إذن لا نجعل لأنفسنا فرصة للاستمرار والمداومة على قراءة القرآن الكريم؟ أو سماعه – لمن لا يجيدون القراءة – ولو لوقت قصير كل يوم؟ فالنفس كما تشتهي الشهوات مع ضياع العشرات من الساعات على جلسات السمر والجلوس على المقاهي، والتسوق ومشاهدة القنوات الفضائية التي تحتوي على الكثير من اللهو، فضلا عن أن معظم أغاني الفيديو كليب الراقصة التي تحرك رغبات الشباب وتساعد على الإثارة والفتنة.

نقول: لماذا لا نتحصن بكتاب ربنا؟ ونحاول أن نمنحه جزء قليل من وقتنا؟ فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول فى معنى حديثه أنه: (من أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة، ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن) ويقول: { مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ } (سنن الترمذى عنُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ).

ثامنا: الحج قـــربة

كيف نتقرَّب إلى الله بالحج؟ علما بأنه فريضة مرة واحدة وعالية التكاليف ومعظمنا لعدم الاستطاعة تسقط عنه هذه الفريضة فمن لا يملك الاستطاعة فليس عليه حج!! لكن الصالحون قالوا في ذلك: إن سيدنا رسول الله أعطانا فرصة للحج في كل يوم. كيف؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثة الصحيح: { منْ صلّى الفجرَ في جماعةٍ ، ثم قعدَ يذكرُ اللَّهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ، ثم صلى ركعتين ؛ كانتْ له كأجر حجّةٍ وعمرة }، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تامّةٍ، تامّةٍ، تامّةٍ } (مشكاة المصابيح (971) ـ 2 (13)).

ولذلك فإن هناك وقتان لا يزال الصالحون – في كل زمان ومكان – يحافظون عليهما اقتداء بالنبي العدنان، وهما: وقت السحر، والوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس. فلا ينامون في هذا الوقت، لأنه وقت لله، ولأن الله قال جلَّ في علاه: ( يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا بَيْنَهُمَا ) (جامع الأحاديث والمراسيل ( 15120)). لكن تأتي النفس وتحدثك وتقول أنك مازلت صغيراً في السن, عندما تخرج على المعاش أفعل ما تريد، فأقول لها: ومن أين لي أن أضمن ذلك؟

أو تحدثه نفسه: بأنك ذاهب إلى العمل، ولو فعلت ذلك ستنام في العمل، أجِّلْ هذا العمل ليوم الجمعة، وعندما يأتي يوم الجمعه تحدثه: أنك متعب، وهذا هو اليوم الوحيد الذي ترتاح فيه.

هذا يا اخواني هو حديث النفس لكي تكسل الإنسان وتجمده. لكن اعلم – علم اليقين – أنك لو أقبلت على الله بيقين، فإن الله يبارك في كل شيء لك، فأقل جرعة من النوم تكفيك: سيدنا الإمام عمر بن الخطاب عندما تولى الحكم قال: إن نمت نهاراً ضيَّعتُ رعيتي، وإن نمت ليلاً ضيَّعتُ نفسي. فسألوه: ماذا ستفعل؟ قال: (جعلت رضي الله عنه النهار لرعيتي والليل لربي). متى كان ينام إذن؟ كان ينام بعد شروق الشمس، لأنه عندما كان يجد بعض أصحابه يحيون الثلث الأخير من الليل وينامون بعد الفجر قال لهم: (فوالله للذي تنامون عنه أفضل من الذي تقومون فيه).

وكان بعد أن تشرق الشمس بثلث ساعة يصلي سنة الإشراق، ثم يضع رأسه بين ركبتيه ويخفق خفقات، فيقوم وكأنه نام طوال الليل، بل أحياناً كان يمسك الدُّرَّةَ ويضرب نفسه ويقول يا نفس طالما نمت. لأن المسافر يا إخواني دائما مستعجل:

حتى أن المسافر أحياناً قبل عودته يمكث يومين أو ثلاثة لا ينام، ويقول: عندما أرجع سأنام. ونحن كذلك، فكلنا مسافرون إلى الله عزَّ وجلَّ وسننام نومة طويلة.

إذن على الإنسان ألا يسلِّم لحديث النفس، لأنه عندما يمشي مع الله فإن الله عزَّ وجلَّ يجعل له مدداً في نومه، فلو كان قاعداً وغفا غفوة يقوم وكأنه نام يوماً وليلة، لأن الله عزَّ وجلَّ بارك له في هذا النوم.

وورد أن كثير من الأئمة كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء – مثل الإمام أبو حنيفة – ألم يكن يعمل؟! بل كان له عملان، فقد كان تاجراً لينفق على عياله وينفق على تلاميذه – لأن العالم في ذلك الوقت هو الذي كان ينفق على تلاميذه ولا يأخذ منهم – وكان مُعلِّماً يعلِّم الفقه والدِّين ابتغاء وجه الله!!

متى كان ينام إذن الإمام أبو حنيفة؟ كان ينام بعض ساعة بعد صلاة الظهر فقد قال صلى الله عليه و سلم: ( اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ ) (عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا فى جامع الأحاديث و المراسيل). وكأنه نائم طوال الليل. لكننا الآن ننام طوال الليل ونصلي الصبح وننام وانتابنا الكسل والوخم. لماذا؟ لأننا استسلمنا للنفس، ولابد من جهاد النفس، ويقول في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه:

وما النومُ إلاَّ الموت قَهْرُ لطيفتي           حَرَامٌ عَلَيْهَا النَّومُ لَيْسَتْ مِنْ التُّرْبِ

فالروح لا تنام، وإذا انتبهت الروح تأخذ الجسم معها، وأقل النوم يكفيها، فإذا أشفقنا على الجسم وتركناه يستسلم للنوم، هنا يكون الجسم هو المتحكم والنفس, وبذلك لا تصحو الروح إلا يوم ينادي المنادي: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء) (94الأنعام). ولا يصح ذلك. إذاً يجب على الإنسان أن يعلِّي عزيمته, لأن علو الهمة من الإيمان.

علُّو عزائمكم هيا واعشقوا         لتشاهدوا عدن الجنان وحورها

وبعض الصالحين تحدث لهم أحوال غريبة في هذا الباب: ففي قرية البرلس التابعة لبلطيم بمحافظة كفر الشيخ، كان هناك رجل من الصالحين اسمه (الشيخ عيسى) ومدفون في مسجد، وكانوا يسمونه (خفير البرلس) – يروي الإمام الشعراني في طبقاته عن هذا الرجل أنه مكث خمسة وعشرين سنه لم يذق فيها طعم النوم مرة واحدة. ولا تقل كيف؟ لأنها أحوال عالية لا يعلمها إلاَّ واهبها عزَّ وجلَّ. فإن الروح هنا علَتْ وسمتْ، والروح إذا علت وسمت، تريح الجسم من المنام، والمنام المقصد منه إراحة الأعضاء، وتعويض الأعضاء، وعمل صيانة شاملة لها، وذلك كله يقوم به الله عزَّ وجلَّ، ويأمر به الأعضاء وأنت في هذه اللحظات، لأن أمر الله عزَّ وجلَّ  بين الكاف والنون : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (82يس).

فمن يهتم بالنوم ويبحث عنه سينام، لكن الصالحين غير ذلك، كان الرجل منهم يسهر طوال ليله بين يدي مولاه، فإذا أصبح الصباح وضع زيتاً على شعره، ووضع كحلاً في عينه، وغسل وجهه، حتى يظن من يراه أنه اغتسل وخرج بعد نوم طويل، ولا يريد أن يعرف الناس أنه كان سهراناً.

وإذا ربُّك وفَّق وأعان، فأعلم علم اليقين أن هذا الكيان سيطويه الله عزَّ وجلَّ، ويمنحه القوة والعون من الرحمن ، ومادامت القوة والعون من الرحمن، فإن فضل الله عزَّ وجلَّ لا يحصيه زمان، ولا يحدُّه مكان، فاستمد العون من الله.

وهذه يا اخواني هي أحوال الصالحين في هذا الباب – وهذا هو المنهج الذي يمشون عليه لكي يعينهم الله، ويقويهم الله جلَّ في علاه. ولذلك نسمع عنهم أنهم يطوى لهم الزمان, ويطوى لهم المكان, ويبارك الله لهم في الطعام, ويبارك الله لهم في المنام, ويبارك الله لهم في القراءة، ويبارك الله لهم في الكتابة. لماذا؟ لأنهم عزموا عزماً أكيداً على طاعة الحميد المجيد عزَّ وجلَّ. لعلنا نحافظ على هذا المنهج ونديم عليه، لكي يحبنا الله جلَّ في علاه.

بشــائر المحبين

فإذا داوم المؤمن على هذه الأعمال، وحافظ على هذا المنهج: أحبَّه الله، ورزقه حبَّه، وجعله من المحبوبين لحضرته. وبشائر المحبين ليس لها حدُّ ولا عدُّ:

فقد ورد أن سيدنا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه – وكان من الذين حضروا غزوة بدر – لما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه بفتح مكة، كتب كتاباً بذلك إلى أهل مكة، وجاء بجارية عنده وأعطاها الكتاب، وقال لها: إذا أبلغتيه لأهل مكة فأنت حرة لوجه الله عزَّ وجلَّ.

وسارت في الطريق، ونزل جبريل وأخبر الحبيب، فأرسل خلفها سيدنا الإمام عليَّ وسيدنا الزبير بن العوام، فلحقاها بعد خروجها من المدينة، فقال لها الإمام عليٌّ: أخرجي الكتاب الذي معك. قالت: ليس معي شيء!! قال: والله ما كَذَبْنَا ولا كُذِّبنا، لتخرجن الكتاب أو لأكشفن عن سوءتك – يعني أفتشك، وكان تفتيش النساء عيباً في ذلك الوقت – فأخرجته من شعرها، فأخذوه وذهبوا إلى حضرة النبيِّ، فأحضر النبيُّ حاطباً – وذلك لأنها تعتبر خيانة عظمى – وقال له: ما الذي دعاك لذلك يا حاطب؟ فقال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق – وكان سيدنا عمر شديداً في الحق -. فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ( إنهُ شهد بدراً، وما يُدريك لعلَّ الله عزَّ وجلَّ اطَّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شِئتم فقد غَفَرتُ لكم.) (رواه البخارى عن علىٍّ رضي الله عنه) وفى رواية أخرى: (فقال: اعملوا ما شئتم. فهذا الذي جَرَّأَه ).

وهنا يدور سؤالك!! ومن جاء بعد بدر – من أمثالنا إلى يوم القيامة – ما نصيبهم من ذلك؟ والإجابة عن ذلك نجدها في هذا الحديث: {إذا أحب الله عبداً لم يضرُّه ذنب} كيف يتم ذلك ؟ يقول في ذلك كتاب الله: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) (16الأحقاف).

ولذلك أعطانا مولانا الإمام أبو العزائم ميزاناً نزن به الرجال، ما هذا الميزان؟ قال رضي الله عنه: (إذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الروحانية فلا تعبأ بسيئاته – أي لا تقف عند سيئاته، لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ فيهم: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ) (16الأحقاف). وإذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الحيوانية فلا تعبأ بحسناته – لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ في شأنهم: ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) (23الفرقان). المهم غلبة الحياة الروحانية.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من عباده المحبوبين المقربين، الآنسين بحضرته، المشغولين بالكلية بطاعته وعبادته، وأن يعيننا بعون ذاتي منه على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا في كل أوقاتنا وكل أنفاسنا بدوام ذكره والحضور بين يدي حضرته، وأن يجعلنا دوماً مع الحبيب المختار، ملحوظين منه بالأنوار، وأن يقذف في قلوبنا من ذاته البهية خالص الأسرار، وأن يجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

****************

الخميس 8 من شوال 1426هـ الموافق 10 من نوفمبر 2005م
بمقر الجمعية العامة للدعوة إلى الله بحدائق المعادي بعد صلاة العشاء.

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid