Sermon Details

إحتفاء أهل الإيمان بليلة النصف من شعبان[1]
الحمد لله الذي وفقنا لما يحبه ويرضاه وجعلنا من أهل طاعته ورضاه، وأسأله U أن يجعلنا دائماً و أبداً ممن يفتح لهم باب المناجاة وينير قلوبهم لذكر الله, ويرزقهم الاستقامة في كل أنفاسهم إلى يوم لقاء الله … والصلاه والسلام على بدر التمام ومصباح الظلام ومسك الختام وسيد جميع الأنام والشفيع الأعظم لجميع الخلائق يوم الزحام سيدنا محمد وآله الكرام وأصحابه العظام ووراث نوره في الدنيا إلى يوم الزحام. آمين.
مشروعية الإحتفال بليلة النصف من شعبان
هذه الليلة يا أخواني اختلف الناس في زماننا فقط في الاحتفال بها، وإن كان في الأزمنة الماضية الفاضلة لم يختلفوا أبداً في إحيائها، وظن البعض الذين منعوا إحيائها، و بعضهم كرّهوه، وبعضهم تجرأ على الله وحرّم الاحتفال بها أن ذلك لأن الاحتفال ليس بسنة … ماهى السنة ياإخوانى ؟ السنة هي بيان رسول الله r بقوله أو بفعله أو بإقراره. هذه هي السنة: إما أن يقول وإما أن يفعل وإما أن يقرّ من يفعل كل ذلك هو السنة … أليس كذلك!
و هذه الليلة قد أمر الحبيب r بقوله بإحيائها وقام بنفسه فيما ثبت من الروايات الصحيحة بإحيائها فأما بقوله e فقد قال e :
{ إذا كانت ليلة النصف من شعبان نزل الله U لغروب شمسها إلى السماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض جميعاً إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو مصرّ على معصية أو شارب خمر أو زان, فإذا كانت هذه الليلة فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا }[2] هذه هي السنة القولية .. وفى رواية أخرى : { إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا، وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي، فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ، فَأَرْزُقَهُ، أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، أَلاَ كَذَا، أَلاَ كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ }[3] فغير الموفقين قالوا هذا الحديث حديث ضعيف ولا يجب أن نأخذ إلا بالحديث القوي! كيف ذلك.
دَأب العلماء الأجلاء جميعاً منذ عصر رسول الله r إلى عصرنا هذا و من القواعد الأصولية في علم الأصول، أصول الفقه الذي هو مادة التشريع الإسلامي: يؤخذ بالحديث الصحيح المتفق على صحته في الأحكام الفقهية التشريعية التي تهم المسلمين في كل أمور حياتهم في الزواج وفي الطلاق وفي الميراث وفي البيع وفي الشراء، ولا نأخذ إلا بالأحاديث المجمع على صحتها، لكن بالنسبة للاجتهاد في طاعة الله فمبدأهم في علم الحديث (يؤخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) … لماذا؟ لأنك لن تسيئ إلى أحد إذا عملت هذا العمل, و لن تضر أحداً باستزادتك من هذا الفعل وإنما هذا فعل خاص لك وفي نفسك ولا يضر أن تعمله في أي وقت … وخذوا أمثلة على ذلك:
الاجتماع للدعاء! هل هناك مانع شرعي من جمع المسلمين للدعاء في أي وقت وفي أي مكان؟ في أي زمان تنتاب المسلمين شدة يجب عليهم أن يجتمعوا للدعاء ولقوله r { يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَةِ }[4]، وفي أي زمان لأن الدعاء ليس له وقت كراهة، بعد صلاة الصبح، بعد العصر، في أي وقت يدعون الله U، وعلى وضوء أو علي غير وضوء لأن الدعاء لا يشترط له الطهارة الحسية بالوضوء وإنما أساس قبوله الطهارة القلبية لتطهير السر والقلب لله U .. إذاً ما الذي يمنع من الدعاء في هذه الليلة؟
قراءة سور من القرآن في أي ليلة ما الذي يمنعها؟ وإذا كان بعضهم يمنع قراءة القرآن للآخرين لا أقول للأموات … كما يقولون ولكن أقول للأحياء والأموات … فإني يجوز لي أن أقرأ القرآن لرجل حيٍّ وأهبه له، ونفترض أن هذا القرآن ثوابه لم يصل إليه !! فهل لا يصل ثوابه إليّ وأنا الذي أتلوه؟!!!
يحرِّمون قراءة الفاتحة وتكرارها كما كررناها اليوم !! كررنا أم الكتاب لو لم تكن تستجاب فأي شئ يستجاب ؟ فقد قيل للإمام أبي الحسن الشاذلي t أيقبل الله U منا قراءة الفاتحة؟ فقال t : (كيف لا يقبلها وهي كلامه منه خرج وإليه يعود) إن لم يقبل كلامه فأي كلام يقبل؟ فالذين يقولون أن هؤلاء يقرأون الفاتحه خمسين مرة وما في هذا لو كررت الفاتحة خمسين مرة بمفردك أليست تلاوة لكتاب الله؟ ألم يكن رسول الله r يأخذ الليلة كلها من بدأها إلى ختامها في ترديد آية واحدة من كتاب الله؟ وكل مرة لك الثواب كل حرف بعشر حسنات!! لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف, فأنت طالما تتلوها فأنت تتعبد لله بخير عبادة يقبل عليها الله !! قال فيها r: {أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي تِلاَوَةُ الْقُرْآنِ } [5]. اجتماعنا هذا ماذا يقول فيه الحبيب r؟ :{ لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللَّهَ تعالـى- ولم يحدد زماناً ولا مكاناً – إلا حفَّتْهُمُ الـمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، ونَزلَتْ عَلـيهِمُ السَّكِينَةُ، وذكَرَهمُ اللَّهُ تَعالـى فِـيـمَن عِنْدَهُ } [6].
من يتألى على الله فيزعم أن هذا الحديث لا ينطبق على مجلسنا أو المجالس المباركة في هذه الليلة … الحديث واضح وصريح.
اجتهاده r في ليلة النصف من شعبان
أما عن احتفائه r بنفسه بهذه الليلة ففيه عدة أمور:
الأمر الأول هو استجابة الله تعالى له e فيها ، فقد ورد فيه أن الله استجاب له فيها مرتين المرة الأولى مرة بمكة قبل الهجرة، والمرة الثانية بالمدينة.
أما في مكة فعندما طلب منه أهل مكة آية، وقالوا يا محمد سل ربك أن ينزل لنا آية نراها ونؤمن بك أجمعين، فسأل الله تعالى فنزل في هذه الليلة الأمين جبريل وقال: يا محمد قل لهم إن يجتمعوا في هذه الليلة يروا آية، فاجتمعوا حول الكعبة، ولم يكن حول البيت بناءاً إلا الكعبة فكانوا يصلون ورءوسهم إلى السماء وموضع الصفا والمروة لم يكن إلا أحجار الجبلين، وكانت خارج البيت، فالبيت كان الجزء من الكعبة إلى زمزم ومكشوف فاجتمعوا والقمر في هذه الليلة بدر كامل فأشار r إلى القمر بإصبعه فانشق نصفين[7]، نصف على الصفا، ونصف على المروة فأخذوا يغمضون عيونهم ويفتحونها فيجدونه وقد ظل على حالته، فذهبوا إلى بيوتهم وجلسوا ردحاً من الزمن ثم رجعوا فوجدوه على هيئته، ومع ذلك ما زادهم إلا تكذيباً وكانوا كما قال الله فيهم ] {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [ (2القمر).
وقالوا شيبتنا يا محمد بسحرك، فقال بعض عقلائهم ننتظر حتى يأتي مَنْ هم مسافرون، فجاءوا بعد حين فسألوهم فقالوا نعم رأينا في هذه الليلة أن القمر قد انشق نصفين، ومع ذلك كذبوا ولم يؤمنوا لأنهم لم تسبق لهم من الله U الهداية والعناية فتلك هى المرة الأولى.
أما المرة الثانية فكانت في المدينة عندما كان يتطلع إلى الله، ويرجو من الله أن يولِّه قبلة أبيه إبراهيم u ، وفي هذا اليوم وعند صلاة الظهر وكان قد دعاه إلى وليمة غذاء قوم يسمون بني سالم بن عوف فقال آتيكم بعد صلاة الظهر، قالوا لا، تأتي عندنا وتصلي في منازلنا حتى تحلّ علينا البركة وافترشوا في منازلهم في ساحة أمام المنازل فراشاً وأذن لصلاة الظهر وصلى بهم r ركعتين تجاه بيت المقدس وعندما كان في التشهد الأوسط نزل عليه الوحي بقول الله U ] قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [ وحتى لا نظن أنه خطاب خاص به، عمّنا ببقية الخطاب فقال ] وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ 3 [ (144البقرة) ، فالتفت النبي r عندما قام إلى الركعة الثالثة تجاه الكعبة وصلى مَنْ خلفه بصلاته، فصلوا هذه الصلاة الفريدة ركعتين تجاه بيت المقدس والأخيرتين تجاه بيت الله الحرام، وروى فى الحديث:
{ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.}[8]، فهم لم يكملوا الصلاة ولم ينتظروا حتى يستوثقوا منه بل اتجهوا بمجرد سماعهم إلى بيت الله الحرام … فانظر إلى تعظيم المسلمين لأمر إخوانهم بمجرد أن قال لهم هذا القول وهم في الصلاة لم يجادلوه! ولم ينتظروا حتى ينتهوا! بل فوراً اتجهوا وهم في الصلاة إلى بيت الله الحرام تصديقاً لأخيهم المؤمن الذي بلَّغهم عن رسول الله r.
والأمر الثانى هو تعبده e في هذه الليلة المباركة واجتهاده فى الصلاة و الدعاء ، وفى ذلك ورد فيما رواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه أن السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها وكانت ليلتها، إذ جاء النبي r إليها ونام بجوارها والتحفا معاً بلحاف واحد، ثم قال يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبد لربي في تلك الليلة؟ فقالت يا رسول الله إني أحبك ولا أحب فراقك ولكن أؤثر هواك على هواي فاعبد ربك كما تريد، فخرج r واستبطأته فخرجت تبحث عنه فوجدته في البقيع ساجداً يقول في سجوده:
{ أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخْطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ إلَيْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ خَاسَ بِكِ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ، فَقَالَ: أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هذِهِ؟. قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إنَّ اللَّهَ U يَطَّلِـعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ }[9]
وفى رواية أخرى لعائشة y فى هذه الليلة :{ فَمَا زَالَ قَائِماً وَقَاعِداً حَتّىٰ أَصْبَحْتُ، فَأَصْبَحَ وَقَدِ ٱضْطُّهِدَتْ قَدَمَاهُ وَإنِّي لأَعْمُرُهَا وَأَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَلَيْسَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالىٰ لَكَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة! أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدَاً شَكُوراً } [10]
إذن هذه الليلة أخبر عنها المصطفى r وأمرنا بقوله أن نحييها ونصومها ونجتهد فيها فى الدعاء : { إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا، وَصُومُوا نَهَارَهَا }[11] .وأحياها e بفعله مجتهداً بشدة فى الدعاء والقيام كما أوردنا خبر السيدة التقية النقية السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيه الصديق.
كما استجاب الله U له فيها في مكة وفي المدينة، فخبرها محقق وما جيئ فيها يقين لا يتذبذب عنده لأى مؤمن قوي الثقة بربه U، كل ما هنالك أن هذا الاجتماع الذي نحن فيه الآن لم يحدث في زمانه ولم يجتمع e مع إخوانه في هذه الليلة في هذا الاجتماع، لكن الاجتماع مشروع ما دام لطاعة الله، وعبادة الله في أي ظرف وفي أي مكان.
صيام الأيام البيض
أما الصيام فمن نوى الصيام فإن الليالي التي نصوم فيها هي الليالي البيض، والأيام هي الأيام البيض والأيام البيض هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيامها مسنون عن أبينا آدم u فقد ورد فى فتاوى بن حجر أنه لما خرج من الجنة اسوَّد جسمه، فصام يوم الثالث عشر فابيض ثلث جسمه، فصام يوم الرابع عشر فابيض ثلث جسمه، فصام يوم الخامس عشر فابيض جسمه كله ولذلك تسمى الأيام البيض لأنها بيضت جسم آدم أو لأن القمر بضوءه يبيض فيها وجه الأرض ولذلك فمن صامها فإن الله يبيض قلبه من سواد الدنيا.
كل ما هنالك وما علي أن ألاحظه إذا صمت اليوم الخامس عشر فإن كان يوم جمعة لابد أن يسبقه يوم أو يلحقه يوم لكراهة إفراد الجمعة بمفرده بصيام، وأن لا أنوي فيه الاستنان برسول الله r لأنه لم يرد خبر صحيح بأنه صامه، أنوي الاقتداء به في صيام الاثنين والخميس لأنه صامهما، فالصيام المسنون هو الذي صامه، والصيام المستحب هو الذي أمر بصيامه ولم يصمه، فصيام عاشوراء مسنون لأن الرسول صامه r وصيام يوم تاسوعاء مستحب لأنه لم يصمه وإنما قال لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر، لكنه لم يصمه.
إذن صيام يوم الخامس عشر من شعبان مستحب فلا يجوز أن أنوي به الاقتداء برسول الله لأنه لم يصمه أو أن أنوي به صياماً مسنوناً، لكنه صوم مستحب، لكن هل هو من الأيام التي يحرم فيها الصيام؟ الأيام التي يحرم فيها الصيام يوم العيدين ويوم الشك على قول بعض الأئمة، و هل هو من الأيام التي يكره فيها الصيام؟ أبداً ! … إذاً ما الذي يمنعني أن أصوم أي يوم شئت لله U؟ ( ملاحظة تركنا تخريج أحاديث صيام الأيام البيض لإشتهارها).
حقيقة الدعاء الوارد في ليلة النصف
فمن هنا اتفق الأئمة العلماء الفقهاء على الاحتفال بهذه الليلة، وعلى قيام ليلها بالعبادات، بعضهم كان يتلو سورة يس ويدعو بما تيسر ،والدعاء الذي يقرأ من هذه الكتب المنشورة ليس عن رسول الله r ،وإن كان وارداً عن سيدنا عبد الله بن مسعود t.ونصه الوارد فى كتب الحديث هو . { كَانَ إِدْرِيسُ النَّبيُّ عَلَيْه السَّلام يَدْعو بِدَعْوَةٍ، كَانَ يَأْمُرُ أَنْ لاَ تُعَلمُوهَا السُّفَهَاءَ، فَيَدْعُونَ بِهَا، فَكَانَ يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ، وَيَا ذَا الطُّولِ وَالإنْعَام، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، ظَهْرَ الاَّجِينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأُنْسَ الْخَائِفِينَ، إِني أَسْأَلُكَ، إِنْ كُنْتُ فِي أُم الْكِتَابِ شَقِيّاً، أَنْ تَمْحُوَ مِنْ أُم الْكِتَابِ شَقَائِي، وَتُثْبِتَنِي عِنْدَكَ سَعِيداً، وَإِنْ كُنْتُ فِي أُم الْكِتَابِ مَحْرُوماً، مُقَتَّراً عَلَيَّ فِي رِزْقِي، أَنْ تَمْحُوَ فِي أُم الْكِتَابِ حِرْمَانِي، وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَاثْبُتْنِي عِنْدَكَ سَعِيداً مُوَفَّقاً لِلْخَيْرِ كُلهِ } [12]
وما يعترضون عليه فيه هى الجملة التي تقول (اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً فامحو الله شقاوتي) والرد هنا أن هذا ليس بشئ غريب ولا عجيب لأن الله قال في القرآن ] يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ( [ (39الرعد)، لم يقل محا الله وإلا كان انتهى المحو وانتهى الإثبات ولكنه جاء بصيغة المضارع لأن المحو والإثبات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: ] يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [ (39الرعد) يعني يغير ويبدل كما يريد ] لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [ (23الأنبياء).
ونحن نرى المحو والإثبات كل يوم وكل ليلة فكنا هنا بالنهار محى الله النهار وجاء الآن بالليل وسيمحو الآن الليل ويأتي النهار ] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [ (12الإسراء)، فالليل والنهار محو وإثبات مستمر، يمحو الله كل ليلة عباداً فيميتهم، ويثبت عباداً فيولدون، فالولادة إثبات والموت محو، يمحو الله المزروعات التي نحصدها، ويثبت المزروعات التي نبذرها، يمحو الله الذنوب التي نستغفر فيها، لو أنكرنا المحو والإثبات فكيف يغفر لنا الله يمحو الذنوب، ويثبت الحسنات ] فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [ (70الفرقان)، بل حتى في القضاء فهناك قضاء مبرم، والذي أبرمه لا يعلمه إلا هو! وهناك قضاء معلق لا يعرفه أيضاً إلا هو، فالتقدير بيدي العلي القدير، والمقادير الذي وضعها هو صاحب التقدير وهو U منه البدء وإليه المآب وإليه المصير، فهذا الدعاء وارد عن سيدنا عبد الله بن مسعود وليس فيه شئ يعترض عليه في دين الله U الصحيح والمعتدل .
صلاة التسابيح
ومنهم من كان يحييها بصلاة التسابيح لأن النبي r قال فيما رواه أبو داود والترمذي لعمه العباس t { يَا عَبَّاسُ يَاعَمَّاهُ أَلاَ أُعْطِيكَ؟ أَلاَ أَمْنَحُكَ؟ أَلاَ أَحْبُوكَ؟ أَلاَ أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ إذا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ الله لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطْأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ عَشْرَ خُصَالٍ أَنْ تُصَلِّي أَربَعَ رَكَعَاتٍ ثم بين له كيفيتها وهيئتها وقال: فإنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيهَا في كلِّ يَوْمٍ فَافْعَلْ، فإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فإِنْ لَمْ تَفْعَل فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً }[13]. ولذلك نجد بعض الصالحين يجتمعون لصلاتها كل أسبوع بعد عشاء الخميس باستمرار في جماعة، وبعضهم يصليها في الليالي الفاضلة: ليلة النصف، وليلة السابع عشر من رمضان (ليلة بدر) والليالي الوترية من العشر الأواخر من رمضان:
{ فَالْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ } [14]، وليلتى العيدين لقوله r { مَنْ أَحْيَا ليلةَ الفِطرِ وليلةَ الأضحى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يومَ تَمُوتُ القُلُوبُ }[15] ، وليلة عرفة، وليلة عاشوراء، وليلة المولد. الليالي الفاضلة التي قال فيها الحبيب r: { مَنْ أَحْيَا اللَّـيَالِـيَ الأَرْبَعَ وَجَبَتْ لَهُ الـجَنَّةُ: لَـيْـلَةَ التَّرْوِيَةِ، وَلَـيْـلَةَ عَرَفَةَ، وَلَـيْـلَةَ النَّـحْرِ، وَلَـيْـلَةَ الْفِطْر }[16]
والصلاة كلها تسابيح لله U ولها روايتان، ونحن نصلي كي نأخذ الحسنيين، فنصلي ركعتين على رواية، وركعتين على الرواية الثانية، فالرواية الأولى بعد تكبيرة الإحرام يقول المرء (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) خمس عشرة مرة، ثم يقرأ الفاتحة وسورة أو ما تيسر من الآيات، ويكرر التسبيح عشر مرات وهو واقف، وفي الركوع عشر، وبعد سمع الله لمن حمده وهو واقف عشر، وفي السجود عشر، وبين السجدتين عشر، وفي السجدة الثانية عشر، فيكون في الركعة خمس وسبعون تسبيحة، أما الرواية الثانية فبعد تكبيرة الإحرام يفتتح الصلاة بقراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن ثم يقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) خمس عشرة مرة، ثم يركع فيقول عشراً ، ثم يرفع من الركوع فيقول عشراً وهو واقف، وعشراً في السجدة الأولى، وعشراً بين السجدتين ، وعشراً في السجدة الثانية فيتبقى عليه عشراً، يقولها قبل قيامه للإتيان بالركعة الثانية، وقبل قراءته للتشهد في الركعة الثانية، فنصلي ركعتين بالرواية الأولى وركعتين بالرواية الثانية لنجمع الحسنيين.
وأوصي الصالحون بالإكثار من الاستغفار في هذه الليلة وخاصة سيد الاستغفار { اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِيِ وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ فَاغْفِرْ لِي فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ }[17]، وأوصوا بأن يقضيها الإنسان في طاعة الله، لا يشغل أي جزئية من الوقت فيها بسهو أو غفلة، فلا يشاهد فيها تلفازاً ولا يقضيها في قيل وقال أو لهو أو لغو أو لعب، بل يجعل هذه الليلة كلها مع الله ومع أحباب الله ومع طاعة الله U، أسأل الله U أن يوفقنا لفعل الخيرات وعمل الطاعات والمحافظة على النوافل والقربات وأن يجعل أوقاتنا كلها في رضاه وأن يحفظنا من الغفلة والسهو النسيان ويجعلنا من أهل الفكر والذكر والحضور، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كيفية إحياء ليلة النصف من شعبان
آداب الاستعداد لليلة.
1– التوبة، 2- العفو عمن ظلمك، 3- بر الوالدين وصلة الرحم.
4- الطهارة الظاهرة والباطنة. 5- التوسعة على الأهل والأولاد فيها. 6- الإكثار من قول : يا غفور يا رحيم يا تواب يا كريم يا الله.
إحياء ليلة النصف من شعبان
إذا غربت شمس ليلتها أسرع المسلمون إلى صلاة المغرب وبعدها يصلون ست ركعات يسألون الله تعالى بين كل ركعتين بالدعاء الذي يرد على البال وعقب كل دعاء يقرأون سورة يس لقوله r { مَنْ قَرَأَ سُورَةَ يسۤ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ مَغْفُوراً لَهُ}[18].
إحياؤها عند السلف الصالح
-
صيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، مع التضرع إلى الله عقب كل صلاة في الأيام الثلاثة بهذا الدعاء: {{ اللهم لك الحمد ولك الشكر، كما تحب وترضى، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أسألك أن تصلي وتسلم وتبارك على ذات حبيبك ومصطفاك سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة، والنجاة من النار، لا تدع لي ولا لأحد من إخواني ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين، ] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [(285-286البقرة) [10 مرات] وفي كل مرة تكرر ] أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ مائة مرة ثم يصلي على رسول الله r.}}.
-
صلاة ست ركعات بعد كل مغرب في الأيام الثلاثة والدعاء بين كل ركعتين بهذا الدعاء (لبيك وسعديك والخير كله بيديك لا إله إلا أنت لك الحمد ولك الشكر حتى ترضى أسألك يا منزل القرآن في ليلة الفرقان يا قابل التوب وغافر الذنب يا من سبقت رحمتك غضبك ووسعت كل شئ، أسألك أن تجعلني يا إلهي ممن سبقت لهم حسناك وقدرت لهم عنايتك.إلهي. إلهي. إلهي، اجعلني ممن غفرت لهم ذنوبهم وسترت عيوبهم ووسعت لهم أرزاقهم.إلهي. إلهي. إلهي، اسعدني بإحسانك وفرحني بفضلك ورحمتك واعزني بعنايتك، وفّ يا إلهي ديني واصلح لي ذريتي واجعلني باراً بوالدي وصالاً لرحمي رحمة لإهلي وإخواني وأولادي وجيراني واحفظني يا إلهي من المعصية وأسبابها، ومن الأمراض ومن شر الأشرار ومن كيد الفجار، واهلك أعدائي وادفع عني شرورهم وكن لي ومعي، ] لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (87) سورة الأنبياء ، يا حي يا قيوم يا باسط يا ودود يا معطي يا وهاب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-
صلاة التسابيح عقب صلاة العشاء ليلة النصف.
-
صلاة مائة ركعة جماعة في جوف ليلة النصف، وقراءة سورة الإخلاص (عشر مرات) في كل ركعة.
-
الإكثار من ترديد سيد الإستفغار (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).