• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

26 فبراير 1993

خطبة جمعة_فضائل شهر رمضان

،

شارك الموضوع لمن تحب

الخطبة الثالثة[1]

فضائل شهر رمضان

الحمد لله ربِّ العالمين، جعل شهر رمضان موسماً للخير لعباده الصائمين، ومائدة ممتدة بالرحمة والبركة على المؤمنين أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يصبُّ الخير صبَّا على عباده في شهر رمضان احتفاءاً بنزول كتابه العليِّ الكبير وهو القرآن.

سبحانه سبحانه .. يغلق فيه أبواب النيران ويصفد فيه المردة والشياطين، ويفتح فيه أبواب الجنان لأمة سيدنا محمد أجمعين. ينظر إليهم فلا يعذبهم، ويقبل عليهم فيستجيب دعاءهم، ويحقق رجاءهم، ويغفر ذنوبهم، ويخرجهم من هذا الشهر الكريم وقد غفر لهم كل ما تقدم من ذنوبهم. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، رسم لنا المنهج القويم، والهدى المستقيم، الذي به ننال رضاء الله عز وجل في الصيام والقيام، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وكل من تبعهم بخير إلى يوم الدين.

أما بعد.. فيا أيها الأخوة المؤمنون: مهما تحدثنا، ومهما تكلمنا، فلن نستطيع أن ننوه بفضائل شهر رمضان علينا، لأن الله عز وجل أخفى أجر الصائمين، فلا يطلع عليه ولا يعلمه إلا هو عز وجل، حتى الملائكة الحفظة الكرام الكاتبين الذين يسجلون أعمالنا، ويكتبون حركاتنا وسكناتنا، لا يعلمون أجر الصيام!! فيرفعون الأمر إلى الله، ويتساءلون ويفوضون الأمر لحضرة الله، ماذا نسجل لعبادك المؤمنين من الثواب؟ فيقول الله عز وجل لهم: {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عز وجل : إِلاَّ الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}[2]. يعني سجِّلوا عمله، ولا تسجلوا ثواب عمله، فأنا الذي أحدد بذاتي وبعظمتي وبجمالاتي ثواب أجره على صيامه، لأنه يترك شهوته وشرابه وطعامه من أجلي!!

ولكن حسبنا أيها المسلمون والمسلمات أن نعلم بعض مقتطفات من فضائل هذا الشهر علينا، لنزيد هيبة له وتعظيماً، وإقبالاً عليه بالطاعات والخيرات، رجاءاً في الثواب والفضل من الله عز وجل.

فحسبنا أن السُّنَّة فيه تُسَجَّلُ لنا بفريضة فيما سواه، والفريضة فيه تكتب لنا بثواب سبعين فريضة فيما سواه، ويكفينا أن الله عز وجل ينزِّل من لوحه المحفوظ في كل ليلة كشفاً به ستمائة ألف من الصائمين[3]، موقَّع أسفل الكشف بخاتم رب العالمين: [هؤلاء عتقاء الله عز وجل في هذه الليلة من النار]. فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نَزَلَ كشفٌ يماثل جميع الكشوف التي نزلت خلال الشهر فضلاً من الله عز وجل وبركة على عباده المؤمنين.

وهذا العمل الكريم – وهو العتق من النيران، وضمان دخول الجنان – بِمَ يناله الرجل منا؟ بشئ يسير يقول فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: {مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ}[4]. إذا فطَّر الرجل منا عبداً صائماً في رمضان غفر الله له ذنوبه، وأعتق رقبته من النار، ونزل في كشوف الرضوان – التي تنزل من حضرة الرحمن وفيها أسماء عتقاء الله من النيران – وكان له مثل أجر هذا الصائم!

وإذا كان بعضنا يتعلل بأنه لا يجد ما يفطِّر الصائم عليه، فقد قالوا مثل ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يُعْطِي اللَهُ هذا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى تَمْرَةٍ، أَوْ عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ}. فكون الإنسان منا يعطي صائماً تمرة، أو يسقيه شربة ماء، يغفر الله له ذنوبه، ويعتق رقبته من النيران، ويكون له مثل أجر الصائم!!

وأظن هذا أمرٌ يسير علينا وإن كانت النفوس كَثُرَ شحُّها في هذه الأيام، رغم وفرة الخيرات، وكثرة البركات!! وقد كان آباؤنا – الذين نعدُّهم في زماننا جهالاً – كانوا علماءاً بالله، وبدين الله، فقد كانوا يتنافسون في تلك الطاعات، ويحاول كل واحد منهم أن يفتح بيته في رمضان للفقراء والمساكين، أو لذوي الأرحام، حتى تتأتى زيارة الأهل لأهلها، فتتوثق عُرَى المودة، وتتجدَّد المحبَّة، وتذهب الإحن من الصدور.

هذا لمَنْ يفطِّر الصائم على تمرة، أو على شربة ماء!! فما بالكم بمن يشبعه، ويجعله يأكل حتى يشبع؟ يقول في ذلك صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِماً، سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ}[5]. وأظن الرجل الذي يمر عليه شهر رمضان ولا يشبع فيه صائماً – بعد معرفة هذا الثواب العظيم – عاجزاً ومحروماً من فضل الله عزَّ وجل، لأنه أمر يسير، وأجر كبير، من العلي الكبير عزَّ وجل.

ومن هنا يا إخواني وضع لكم نبيُّكم الكريم نهجاً مباركاً للصائمين.

ما هذا النهج النبوي الذي نسير على هديه؟

يبدأ الإنسان صيامه بطعام السُّحور، والسُّنَّة فيه أن يكون قبل الفجر بوقت قصير، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: { لا تَزَالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما عَجَّلُوا الإفْطَارَ، وأَخَّرُوا السُّحورَ}[6]. فنؤخِّر السُّحور ولا نتركه، ولو على جرعة ماء، لقوله  صلى الله عليه وسلم: { تَسَحَّرُوا، فإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكةً }[7]. وكان يقول لأصحابه: { هَلُمُّوا إِلَىٰ الغِذَاءِ الْمُبَارَكِ }[8].

والسُّنَّة أن يتسحر الإنسان قبل الفجر بنصف ساعة أو بثلث ساعة، ثم يأتي لصلاة الفجر ليأخذ أجر هذه الصلاة العظيمة من الله عزَّ وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَلَّىٰ أَرْبَعِينَ يَوْماً صَلاَةَ الْفَجْرِ وَعِشَاءَ الآخِرَةِ فِي جَمَاعَةٍ، أَعْطَاهُ اللَّهُ بَرَاءَتَيْنِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةً مِنَ النفَاقِ}[9].

ومن هنا أنصح إخواني بأن يديموا على صلاة الفجر في رمضان، فإذا كانت ليلة العيد أخذوا حذرهم أن يحرمهم الشيطان من صلاة الفجر في جماعة في تلك الليلة، حتى لا يكتمل العدد أربعين، فيأخذون شهادة من رب العالمين بالبراءة من النار، والبراءة من النفاق. فعلى من يقوم لصلاة الفجر الآن، أن يواظب على الأقل ليلة العيد، وعشر ليال بعدها ليأخذ هذه البراءة العظيمة من النار ومن النفاق .. براءة من الله عزَّ وجل.

وفي أيام شهر رمضان … علينا في هذه الأيام بالهدي النبوي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ}[10].

والرفث هو الكلام المتعلق بالنساء، أو الكلام في شأن الجماع، أو مداعبة النساء، وهذا مُحَرَّمٌ على المسلم في نهار رمضان طوال هذا الشهر الكريم، فلا يجب أن يتكلم مع رفاقه في شأن النساء، أو عن النساء، ولا يجب في نهار رمضان أن يتكلم مع زوجته بكلام في شأن الجماع، أو يقترب منها مداعباً حتى لا يقع في مشقة وعنت!! فالله عزَّ وجل يطلب من المسلم أن يحفظ صيامه بحفظ جوارحه في هذا الشهر الكريم.

(ولا يصخب)، والصخب هو رفع الصوت في جدال، أو في خصومة، أو في حديث. فإذا تكلمنا في نهار رمضان، فمِنْ أدب الحديث في نهار رمضان أن لا يرفع أحدنا صوته سواءٌ كان يتكلم مع أخيه، أو يجادله في أمر، أو يتناوش معه في مشكلة. فإذا وصل الأمر إلى درجة الغضب فعليه أن يُذَكِّرَ نفسه، ويُذَكِّرَ أخاه ويقول: (اللهم إني صائم) يذكَّر نفسه بأنه صائم، حتى لا يزيد في الغضب، فيفعل ما حرَّمه الله عزَّ وجل، ويذكِّر الذي يجادله أو يحاججه حتى يرجع عن سخطه وعن رفع صوته، فيتأدب بآداب الله التي سنَّها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان.

أما رفع الصوت بالسَّبِّ أو الشَّتم أو اللعن، فقد قال في ذلك صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ، ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}[11]. وحذرنا في حديث آخر فقال: {إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا}[12].  

فإذا قلت لأخيك – ولو على سبيل المزاح أو المداعبة: يا كافر، أو يا نصراني، أو يا يهودي، صعدت إلى السماء فتغلق أمامها أبواب السماء، فترجع إلى الذي قلتها فيه، فإن كان كافراً كما ذكرت نزلت عليه، وإلا رجعت عليك، ولا ترجع إلى الإسلام إلا بعد التوبة، توبةٌ جديدة وتشهُّدٌ جديد واستحضارٌ جديد لله عزَّ وجل!!

وكذا إذا قلت له: يا نصراني أو يا يهودي، ذهبت إلى السماء فتغلق أمامها الأبواب، فترجع على صاحبها فإذا كان في الحقيقة نصرانياً أو يهودياً نزلت عليه، وإذا كان مسلماً – كما نحن معشر المسلمين – يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، رجعت على الذي قالها. ولذا قال صلى الله عليه وسلم :{ مَنْ قَالَ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، وَمَنْ رَمَى رَجُلا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلا حَارَ عَلَيْهِ }[13] .

فقول المسلم لأخيه ياكافر أو يا يهودي أو يا نصراني يخرج من دينه، ولا يرجع إليه إلا وقد سلب منه شئ، لا يعود إليه أبداً إلى يوم القيامة. يعني لا يرجع إيمانه الصحيح الذي كان عليه قبل أن يقول هذه الكلمة، أو يتفوه بها، لأنه تكلم بكلمة عظيمة نَهَى عنها الله، وحذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً ما على الصائم في نَهَارِ رمضان؟ عليه أن يطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: {نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وَصَمْتُهُ تَسْبِيحٌ، وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ، وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ، وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ} [14]. فعليه أن يشغل نفسه بالتسبيح لله، أو بالاستغفار لله، أو بذكر الله بأي صيغة، أو بتلاوة القرآن إن كان حافظاً أو قارئاً. فإن كان غير حافظ أو غير قارئ، يستمع إلى محطة القرآن الكريم فقد قال صلى الله عليه وسلم: {الدَّاعِي وَالْمُؤَمِّنُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ، وَالْقَارِىءُ وَالْمُسْتَمِعُ فِي الأَجْرِ شَرِيكَانِ، وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلمُ فِي الأَجْرِ شَرِيكَانِ}[15] .

وإذا كان بمفرده يردِّد ما يحفظه من كتاب الله، ولو سورة الفاتحة فإنها أمُّ القرآن، فلو قرأها الإنسان وردَّدها في طريقه أو في مجلسه أو في عمله فإنها تكفيه لأنها أم القرآن، أو يقرأ سورة الإخلاص فإنها تعدل ثلث القرآن، فإذا قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كلَّه مرة واحدة. أما إخواننا الذين لايريدون القراءة فيكفيهم حتى سورة (يس) يجوِّدها أو يحسن تلاوتها ويقرأها فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ الله لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ} [16].

وإذا كان لا يحسن التلاوة ويجتهد فإن الملائكة تصحِّح له كلامه قبل أن يصل إلى الله عزَّ وجل، وله أجرٌ عظيم يقول فيه الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم: {المَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرةِ، وَالَّذِي تَتَعْتَع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ – يعني يقرأه بمشقَّة بالغة – فَلَهُ أَجْرَانِ اثْنَانِ}[17]. وهذا شهر القرآن وقد قال الله فيه: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{ (185-البقرة)، لينبهنا على أن هذا الشهر هو الشهر الذي يجب علينا فيه أن نتزود فيه من القرآن، وأن نكثر من قراءة القرآن بأي كيفية وبأي طريقة، ولا عذر لواحد منا بعد هذا البيان الذي قد بيَّناه.

وعليه أن يكثر فيه من الصدقة فقد سئل صلى الله عليه وسلم: ما خير الصدقة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {خير الصدقة ما كانت في شهر رمضان}[18]. وقد كان صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة، يجود بما عنده لأن هذا الثواب مضاعف عند الله عزَّ وجل.

ثم عليه ألا يشغل نفسه في رمضان بِلَهْوٍ ولا لَعِبٍ، ولا غفلة ولا غيرها من وسائل اللهو أو وسائل التسلية التي تذيعها الإذاعة أو التي يعرضها التليفزيون، فإنها تسوِّد القلوب وتحرمها من فضل وبركات علام الغيوب عزَّ وجل. يقضي الإنسان نَهَاره في الطاعة، فإذا لم يستطع فعليه أن ينام قليلاً ليستعين بالنوم على قيام الليل، على أن لا يقضي نَهَاره كلَّه نائماً!! فإن مَنْ قَضَى نَهَاره كلَّه نائماً فاته أجر الصيام، لأنه فاتته الحكمة التي من أجلها فرض الصيام على هذه الأمة!

فإذا كان غروب الشمس فعليه أن يعجِّل الفطر، ويجعل فطره على تمرات مبلولة بالماء، أو على تمرات فقط، أوعلى شربة ماء إن لم يجد. ثم يعجِّل الصلاة إذا كان أهله يتحملون إنتظاره، أما إذا كان أولاده صغاراً ولا يتحملون الانتظار فعليه أن يفطر معهم – وهذا هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم – على أنه بعد الإفطار مباشرة يسارع إلى الصلاة، ولا يريح نفسه ويقول ما زال الوقت بعيداً ممتداً للعشاء. وإنما بعد الفطر مباشرة يسارع إلى الصلاة، ثم ينتظر العشاء.

فإذا صلى العشاء لا تفوته صلاة القيام فعَنْ عَلِيَ رضى الله عنه قَالَ: {أَنَا حَرَّضْتُ عُمَرَ رضى الله عنه عَلى الْقِيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَظِيرَةً يُقَالُ لَهَا حَظِيرَةُ الْقُدْسِ يَسْكُنُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ: الرُّوحُ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالى فِي النُّزُولِ إِلى الدُّنْيَا، فَيَأْذَنُ لَهُمْ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِأَحَدٍ يُصَلي، أَوْ عَلى الطَّرِيقِ إِلاَّ دَعَوْا لَهُ، فَأَصَابَهُ مِنْهُمْ بَرَكَةً. فَقَالَ عُمَرُ رضى الله عنه: يَا أَبَا الْحَسَنِ فَتُحَرضُ النَّاسَ عَلى الصَّلاَةِ حَتَّىٰ تُصِيبَهُمُ الْبَرَكَةُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْقِيَامِ}[19].

فهؤلاء الملائكة يمسون الذين يصلون صلاة القيام. ولا عليك أن تصلي ما استطعت فقد قال الله عزَّ وجل: } فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ { (16-التغابن). فقد روي أن سيدنا عمر جمع أصحابه على صلاة القيام وصلاَّها بهم أُبَيُّ بن كعب عشرين ركعة، وهذا أفضلها وهذا خيرها لمن عنده عزيمة، أما المرضى أو الشيوخ أو المسنين أو الضعفاء فيستطيع الواحد منهم أن يصلي ثماني ركعات، لما ورد عن السيدة عائشة في قولها: { مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً }[20]. ثمان قيام، وثلاث الشفع والوتر. ومن لا يستطيع أن يصلي الثمان فلو صلى ركعتين نال أجرهما، ولو صلى أربعاً نال أجرها، وإن استكثر فقد استكثر من الخير، على أنه يحرص على ألا يفوته هذا البرّ. وإن لم يستطع أن يصلي كل ليلة يصلي ليلة ويرتاح ليلة، فإن لم يستطيع فعليه أن يواظب في العشر الأواخر على الأخصّ فهي التي تأكد فيها صلاة القيام، عكس ما يفعله شبابنا فهم يحافظون عليها في أول الشهر، فإذا جاء العشر الأواخر تركوها، مع أنها هي الوقت المؤكد لصلاة القيام انتظاراً لليلة القدر.

وعلينا بعد ذلك – في هذا الشهر الكريم – أن نخرج الأضغان والأحقاد والأحساد من قلوبنا، والشحناء والفساد من نفوسنا، وعلينا أن نَصِلَ فيه ذوى أرحامنا، وأن نَصِلَ فيه من قَطَعَنَا، وأن نعفو فيه عمن ظلمنا، وأن نعطي فيه من حرمنا، وأن نكسو فيه العراة من المسلمين، وأن نتفقد فيه الفقراء واليتامى والبائسين.

قال صلى الله عليه وسلم: {أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشيكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهِ الْخَطَايَا وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً فَإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ}[21]. وقال صلى الله عليه وسلم: { التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ } [22].

 ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين الذي هدانا للإسلام، واصطفانا وأعاننا على الخير سبحانه وتعالى. ونسأله أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.

أما بعد فيا إخواني جماعة المسلمين سئل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل عمل أتقرب به إلى الله عزَّ وجل؟ فقال صلى الله عليه وسلم:{عَلَيْكَ بالصَّوْمِ، فإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء}[23].

يعني لا تجعل أيام وشهر رمضان كالأيام التي قبل رمضان والأيام التي بعد رمضان. لكن يجب أن يظهر نور الطاعة على وجوه الصائمين، وأثر الإقبال على الله على قلوب المسلمين، فترى المسلمين منهم مَنْ يمسك مصحفاً، ومنهم من يتصدق على مسكين، ومنهم من يذكر الله، ومنهم من يستغفر الله، ومنهم من يصل ذوي رحمه. المهم أنه يتقلب في طاعة من الطاعات آناء الليل وأطراف النهار. فإذا لم يستطع أن يفعل الطاعات فنوم الصائم عبادة! أي ينتظر في بيته، ولا يجلس على النواصي والطرقات، حتى لا يكثر في صحيفة سيئاته من الأوزار والسيئات.

وعلينا في هذا الشهر أن نكثر من الصدقات، وأن نتحرى بها الفقراء الذين قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ الْمُتَعَفِّفَ أَبَا الْعِيَالِ}[24].  فالمسكين الذي عنده مرض ولا يستطيع أن يأتي بثمن علاجه، ولا يشعر به أحد!! أو المسكين الذي يبني ولا يستطيع أن يكمل بنيانه، ولا يحس به أحد!! أو المسكين الذي يريد زواج ابنته، ولا يجد شيئاً يجهزها به، ولا يعطف عليه أحد !! أما السائلين والطائفين، فيكفيهم شئ يسير من الصدقات – وليس من الزكاة المفروضة – وعلينا أن نعي جيداً أن لا نذهب إلى مصلى العيد إلاَّ وقد أخرجنا صدقة الفطر كاملة عمن نعولهم.

   نسأل الله أن يوفقنا فى هذا الشهر المبارك للصيام والقيام، وأن يطهرنا فيه من الذنوب والآثام، وأن يقبل علينا فيه بخالص الطاعة للملك العلام.

ونسأله سبحانه أن يغفر لنا ذنوبنا ما قدمنا وما أخرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا منها وما أبطنا.

كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل فى هذا الشهر الكريم نطقنا ذكراً، وصمتنا فكراً، ونظرنا عبرة.

ونسأله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا لتلاوة القرآن، وأن يوفقنا للعمل بالقرآن، وأن يحيى بنا جميعاً سنَّة النَّبىِّ العدنان.

اللهم اغفر لعبادك المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات، يا رب العالمين.

اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وارفع مقتك وغضبك عنا يا رب العالمين.

اللهم ببركة هذا الشهر الكريم انصر عبادك المسلمين المقاتلين يا أحكم الحاكمين. اللهم انصرهم بما شئت وكيف شئت، وأيدهم بمدد من عندك يا رب العالمين.

عباد الله، اتقوا الله: } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (90- النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

***************************************
[1]  كانت هذه الخطبة بمسجد سيدي عيسى الشهاوي بالجميزة مركز السنطة – غربية – 5 رمضان 1413هـ/  26/2/1993م.
[2]  رواه أحمد والنسائي والبخاري من حديث أبي هريرة.
[3] إشارة للحديث :{إن لله تعالى عز وجل في كل ليلة من رمضان ست مائة ألف عتيق من النار فإذا كان آخر ليلة أعتق بعدد مَنْ مضى.} (هب عن الحسن، مرسلا).كنز العمال
[4] رواه ابن خزيمة والبيهقي من حديث سلمان.
[5] رواه أحمد عن أبي ذر.
[6] رواه النسائي من حديث المقدام بن معد يكرب.
[7]  خرجه مسند الشهاب عن ابن عباس.
[8] مصنف ابن أبي شيبة عن أبي رهم السماعى
[9] الْخطيب وابن عساكر وابن النَّجَّار عن أَنسٍ رضَي اللَّهُ عنهُ
[10] رواه البخارى ومسلم
[11] رواه الترمذي عن ابن مسعود وقال حديث حسن.
[12]  رواه مسلم في صحيحه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده عن ابن عمر.
[13] صحيح مسلم و فتاوى السبكي، وغيرها 
[14]  ورد في الفتح الكبير عن عبد الله بن أبي أوفى.
[15] رواه ابن ماجة في سننه والطبراني في الكبير عن أبي أمامة.
[16] رواه الترمذي والدارمي عن أنس.
[17]  رواه البخاري من حديث عائشة.
[18] رواه الترمذي مرفوعاً.
[19] جامع الأحاديث والمراسيل
[20]  رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن عائشة.
[21] رواه الطبراني عن سلمان.
[22]  أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.
[23] رواه ابن حبان في صحيحه والنسائي في سننه وابن خزيمة في صحيحه عن أبي أمامة.
[24]  رواه ابن ماجة والفتح الكبير عن عمران بن حصين.

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid