• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

22 نوفمبر 1985

مولد رسول الله ….مولد الأخلاق

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

……………………………………………………………………….

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا رسول الله، ورضي الله تبارك وتعالي عن أصحابه وأتباعه، وكل من اقتفى هداه، وسار علي طريقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. (وبعد) ….

 إخواني وأحبائي: استمعت معكم إلى أخي الفاضل وهو يحدثنا عن الأخلاق، وفي الحقيقة أن ميلاد رسول الله صلي الله عليه وسلم هو ميلادٌ للأخلاق الكريمة، وميلادٌ للأخلاق الحسنة، وميلادٌ للصفات الجميلة. لم يكن هناك صفات جميلة سمع عنها العالم، أو رواها التاريخ، قبل ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نذراً يسيراً علي يد إخوانه من الأنبياء والمرسلين السابقين، ولكن تجد العالم كله يقف مكتوفاً أمام أخلاق رسول الله صلي الله عليه وسلم!!!

رَجُلٌ آذاه قومُه أشدَّ الإيذاء، يسبُّونه ويؤذونه حيناً، ويشتمونه حيناً، ويعرِّضون به حيناً، ويرمون الأشواك في طريقه، ويأتي بعضهم ببقية الحيوانات ويضعها عليه وهو ساجد، ثم بعد ذلك كلِّه ينزل جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال ويقول له: (يارسول الله .. هذا ملك الجبال، وقد أمره الله أن يكون طوع أمرك ورهن إشارتك، فمُرْهُ فليفعل ما تريد) – ملك الجبال ها هو جاهز، ويفعل ما يريد – فيقول له ملك الجبال: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، أنا طوع أمرك، ورهن إشارتك، فإن شئتَ أُطبق عليهم الأخشبين).

ما هذان الأخشبان؟ مكة قرية بين جبلين، يعني في وادي تحت الجبلين، حواليها من هذه الناحية جبل، وفي هذه الناحية جبل، وهي في الوسط، لو أن هذين الجبلين ينطبقان علي بعضهما فأين ستكون هي؟!!!! إذاً انتهت – قال: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين – الجبلين هذان الجبلان اللذان يحدان مكة، كانوا يسمونهما الأخشبين.

ماذا كان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال له: (لا، إنما بعثت رحمةً .. ولم أبعث نقمة). أنا لم آت لهم بالعذاب، ولم آت لهم بالنقمة أو بالشرور والعذاب، أنا آتٍ لهم بالخير العام، (إنما بعثت رحمة … ولعل الله يخرج من بين أصلابهم من يوحد الله سبحانه ويعبده). فهؤلاء هم صحيحٌ كفار، لكن من أصلابِهم أنوار!!! فأنا سأصبر على كفر الأباء من أجل ما في ظهورهم من نور الأبناء. وليس هذا فقط، بل قال: (اللهم اهدِ قومي – يدعو لهم!!! بماذا يدعو لهم؟ بالهداية!!!! إنهم يؤذوه ويعاندوه، ويريدون أن يحطموه، مع ذلك يلتمس لهم العذر عند الله فيقول – فإنَّهم لا يعلمون)!!!!! ياسلام على رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم!!!!!

يلتمس لهم العذر عند الله؟!! نعم، بقوله: (فإنَّهم لا يعلمون). ولذلك سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه يقف عند روضته صلى الله عليه وسلم ويقول له: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نوح عليه السلام دعا علي قومه فقال: ﴿رب لا تذر علي الأرض من الكافرين دياراً. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ﴾ (26-27نوح)، ولو شئت لدعوت أنت عليهم لأهلكهم الله سبحانه وتعالي!!!! وربنا يقدر أم لا؟!!! وسيدنا عمر الذي يقول له هذا الكلام – ولكنك قلت: ( ربِّ اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون)!!! لم يطلب لهم الهداية فقط، بل يلتمس لهم أيضاً العذر!!!! مثل ما يكون عندك ابن غاوي مشاكل وعامل مشاكل مع الجيران، و يأتوا يشكون إليك ضربهم وآذاهم وشتمهم، فأنت لا تضربه بل تلتمس العذر له.

فرسول الله يلتمس لقومه الكفار العذر، لماذا؟ من فرط رحمته صلي الله عليه وسلم بنا، ومن شدة شفقته علينا، ومن جميل ودِّه إلينا، ومن كثرة عطفه وحنانه علينا، فإنه أشفق علينا وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا!!!! ولذلك يخاطبه أمير الشعراء أحمد شوقي، فماذا يقول له؟

فإذا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أمٌّ وأبٌ                    هَذانِ فِي الدُّنْيَـا هُمَا الرُّحَمَاءُ

فأنت أرحم بنا من الأب والأم. يمكن الأب والأم يرحماني وأنا طفل صغير، لكن لما أكبر وامنع عنهما أي شيء من البر يغضب الاثنان مني!! ويحصل هذا الكلام يا إخواني، لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم – مع شدة آذاهم، ومع شدة جهلهم ـ لم يدعُ عليهم، ولكن دعا لهم!!! وليس هذا وفقط، بل يلتمس لهم العذر!!! ويقول: (ربِّ اغفر لهم فإنَّهم لا يعلمون). هؤلاء أناسٌ لا يعرفون شيئاً يارب، فلا تعذبهم لأنهم لا يعلمون.

فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم رحمة للكافر والمؤمن – ليس رحمة للمؤمن فقط، بل رحمة حتى للكافرين!!!! لماذا؟ قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم كانت الأمة التي تُغضب نبيَّها يهلكها الله فوراً، فمنهم مَنْ أهلكهم بالريح – وهم عاد، أهلكهم الله بالطاغية – وهم قوم هود. ومنهم من نزل فيهم سيدنا جبريل بالعذاب حمل القرية والبلاد التي حولها – كلهم – علي طرف جناحه إلي أن وصل بهم إلي السماء السابعة، وأبقاهم هكذا حتى سمع الملائكة أصوات الديكة، وبعد ذلك قلب القرية علي رأسها فنزلت إلي الأرض السابعة!!! قوم من؟ وقوم سيدنا لوط: (خسفنا بهم الأرض)، ومنهم من أغرقه الله مثل فرعون وجنوده: (فمنهم من أغرقهم – في البحر) (40العنكبوت)، (واترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون) (24الدخان). هؤلاء القوم كتب الله عليهم الغرق، ومنهم ومنهم ومنهم … إلي ما لا نهاية. ساعة ما يَغْضَبُ نبيُّه عليهم، يصبُّ عليهم الله سبحانه وتعالي البلاء والعذاب صبًّا.

ولما أُرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحم الله الخلق به صلي الله عليه وسلم !!! ففي ليلة الإسراء والمعراج قال: (يارب، أهلكت الأمم قبلي، بعضهم بالخسف، وبعضهم بالمسخ، وبعضهم بالغرق، فماذا أنت فاعل بأمتي؟). رسول الله صلي الله عليه وسلم يخاف علينا – هذا كلام من؟!!! كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومع من؟!!! .. مع الله .. خائف علينا أن يحدث لنا مثل ما حدث للأمم السابقة. يقول: يارب الأمم التي قبلي بعضهم أغرقته، وبعضهم خسفت بهم الأرض، وبعضهم أهلكته بالريح، وبعضهم أهلكته بكذا، فماذا أنت فاعل بأمتي؟ خائف علينا!!! فقال له الله سبحانه وتعالي: (ولسوف يعطيك ربك فترضي ) (5الضحى).

سنعطي لك كل ما تريده كله حتى ترضي. وهو صلى الله عليه وسلم بما يرضي؟ أجاب سيدنا جعفر الصادق بن سيدنا علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنه الذي هو سبط رسول الله. يقولون له: قال الله لجدك صلي الله عليه وسلم: (ولسوف يعطيك ربك فترضي) (5الضحى)، ما الذي يرضي رسول الله ؟ بماذا يرضي رسول الله؟ فقال: (لا يرضي رسول الله صلي الله عليه وسلم وواحد من أمته في النار). كيف يرضي وواحد من أمته في النار؟ لأن ربنا قال لازم نرضيك، فربنا يعطيه ما يطلبه إلي أن يقول له لقد رضيت. هذا معني (ولسوف يعطيك ربك فترضي) , خذ الذي تريده حتى ترضي.

لذلك كل واحد من الأنبياء له شفاعة، لكن الكل شفاعته محدودة، لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم  له شفاعات متعددة، فعند بدء وقوف الخلائق في أرض الموقف وجهنم ترمي بشرر كالقصر، شررها عالي مثل القصر، تري الناس والناس يقفون في فزع وفي خوف، أين يذهبون ؟ يقولون نذهب لأبينا آدم – فيقولون له: اشفع لنا، فيقول لهم: أنا لست لها – لا أقدر ولكن اذهبوا إلي نوح عليه السلام، يذهبون إلي نوح: تعال خلصنا، يقول أنا لا أقدر، ولكن اذهبوا إبراهيم عليه السلام، فيذهبون إلي إبراهيم عليه السلام، كذلك يقول اذهبوا إلي موسي، فيذهبون إلي سيدنا موسي عليه السلام، يقول لا أقدر، اذهبوا إلي عيسي، فيذهبون إلي سيدنا عيسي – وهو آخر الأنبياء قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم – فيقول: اذهبوا إلي محمد صلي الله عليه وسلم، فيقولون يا رسول الله: اشفع لنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: أنا لها، أنا لها. أنا جاهز، أنا صاحب هذا الموضوع، أنا الذي أقدر علي هذا الموضوع، اطمئنوا كلكم.

من الذي يطمئن العوالم كلها يوم القيامة؟ رسول الله صلي الله عليه وسلم. ومن الذي سوف يأمنهم كلهم من الخوف؟ رسول الله صلي الله عليه وسلم. يقول لهم: (أنا لها ..)، يقول اطمئنوا خلاص، وآمنهم من أي شيء؟ (وآمنهم من خوف) (4قريش). فيقوم فيسجد بين يدي الله سبحانه وتعالي ويقول: (ثم أشكر الله تعالي بمحامد يلهمنيها الله سبحانه وتعالي في تلك الساعة – لا أحد يعرف ما عددها ولا نوعها ولا صنفها. نحن نسجد، وماذا نقول في السجود؟ (سبحان ربي الأعلي)، ولكن ماذا يقول هو في سجوده هذا؟ لا أحد يعرف، لأن هذا أمر خاص بينه وبين الله يلهمه الله هذا الكلام.

فيقول له: (يا محمد .. ارفع رأسك، وَسَلْ تعطَ، واشفع تشفع) ماذا تريد؟ ما تريده كله سنعطيه لك، الذي تشفع فيه نشفعك فيه، ما تريده أنا سوف أعطيه لك!!! (ارفع رأسك، وسل تعطَ، واشفع تشفع)، فأقول: (يارب .. _ لا يقول نفسي، ولا يقول أهل بيتي، ولا يقول نسائي، ولا يقول أولادي، بل يقول: (يارب أمتي .. أمتي)، همُّه كله فِيمَنْ؟ في الأمة!!! فيقول: (يارب .. أمتي .. أمتي)، فيقول: اتجه إلي النار فأخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، وفي رواية أخرى مثقال – نصف حبة – يعني حبة من قمح. الذي كان في قلبه وزن حبة في النار، انظر إلي العفو!!! وزن حبة قمح أو شعير، فيقول: فأتجه إلي النار فأخرجه.

ثم أرجع فأسجد بين يدي الله، فيقول: (يا محمد .. ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، فأقول: (يارب .. أمتي .. أمتي)، فيقول: اذهب إلي النار وأخرج منها من كان في قلبه مثقال خردل من الإيمان .. الذي في قلبه وزن ذرة، والذرة وزنها حتى الميزان لا يستطيع أن يوزنها، لأنها أقل من الجرام، وهي حاجة صغيرة جداً لا تري بالعين المجردة، لا تظهر إلا بالميكروسكوب المكبر جداً جداً . لكن هذا فضل الله:

قم إلي النـار وطأها          وانه وامر يا سعـيد

لو ترد أطفأت ناري         أو ترد يمح الوعيـد

 أمتي والناس طـراً          فيناديـه الحميــد

يا حبيبي قِرْ عينـاً         فأنا  البَـرُّ   الودود  

لا تخف عليهم أبداً. فيرجع ثانية فيسجد بين يدي الله تعالي مرة أخرى، فيحمد الله بحامد – يلهمنيها في تلك الساعة – ثم يقول: (يا رب:  إئذن لي فيمن قال لا إلـه إلا اللـه)، قال: ليس ذلك لك، أو قال: ليس ذاك إليك، أنا أكرم الأكرمين، وأنا أرحم الراحمين، أخرجوا منها من قال: (لا اله إلا الله محمد رسول الله).

ويأتي جميع الأنبياء ولهم منابر حوال العرش، يقول صلي الله عليه وسلم: (يجلس الأنبياء علي منابرهم حول عرش الرحمن إلا أنا)، لماذا لا يجلس بين الأنبياء على المنابر؟ يقول: أتردد بين الميزان والصراط لآخذ بأيدي أمتي وأدخلهم الجنة. فالأنبياء كل واحد جالس مسرور على منبره، أما أنا فيقول: أنظر هذا المؤمن، ميزانه رجح أم لا؟ وتارة على الصراط ويرى المؤمن الثانى يا ترى مرَّ أم لا؟ هذا لنرى حرصه وشفقته وعطفه صلي الله عليه وسلم على الأمة المحمدية.

فلما أسرى الله به قال: (يارب أهلكت الأمم، بعضهم بالخسف، وبعضهم بالقتل، وبعضهم بالمسخ، فماذا أنت فاعل بأمتي؟)، فيقول: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (5الضحى). فيقول: (يارب اجعل حسابَهم إلىّ لا يطلع على مساوئهم أحد غيري)، حتى لا يرى أحد من الأمم ذنوبهم غيرى، لا يريد أن يفضحنا في الأمم: ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) (8التحريم). لا يريد أن يحدث لنا هذا هناك يوم القيامة، لأن هذه فضيحة،  إذا كان الذنب سوف يطّلع عليه الكل سيكون فضيحة كبيرة،

يقول: يارب اجعل حسابهم إليّ – لئلا يطّلع على مساويِهم أحد غيري، فيقول الله سبحانه وتعالى: (هم عبيدي – وأنا أرحم بِهم منك، وأولى منك بِهم، ولا يطّلع على مساويِهم أنت ولا غيرك – أنا لهم ما عاشوا، وأنا لهم ما ماتوا، وأنا لهم في القبور، وأنا لهم في النشور)، يقول له: (قد رضيت).

ويأتى الحساب … وأنا وأنت كيف يكون حسابنا؟ يقول رسول الله: الأمم السابقة كلها كيف تتحاسب؟ علانيةً، كل واحد عايز منادى، فينادى المنادى على رؤوس الخلائق: ليخرج فلان ابن فلان، والحق سبحانه وتعالى يأمر الملائكة الكرام أن تريه نسخته وهو أعلم – الخلائق كلها تتفرج عليه من ساعة ما ولد إلى أن يتوفاه الله، منهم من يرونه وهو يزنى، ويروه وهو يسرق، ويشوفوه وهو يقتل، ويروا هذه الفضائح كلها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس من يذوب وجهه حياءاً من الله عزَّ وجلّ)، لحم الوجه!!

أما نحن كيف يحاسبنا؟ عندما يحاسب الله هذه الأمة المرحومة برحمة الله وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتى ربنا على شريط كلاًّ منا – شريط العمل –  يقص من الشريط الذنوب والخطايا ـ  وماذا يعرض؟ يعرض الشريط – وليس هناك أناس تتفرج – ليس فيه إلا الصلاة، أو الزكاة والحج، أو تلاوة القرآن الكريم، أو الذكر، أو عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو الصلح بين المتخاصمين، ليس فبه إلا الحسنات، وبعدم ينتهى الشريط يعرض عليه الجزء الذي قصه من الشريط بينك وبينه فقط، ويقول لك: أليست هذه مساويك؟ فتقول: نعم يا رب – وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيقول: (أنا سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أسترها اليوم مثل ما سترتك في الدنيا أنا أسترتها عليك اليوم)، خلاص، لماذا هذا يا اخوانى؟!! هذا ببركة من؟ ببركة رسول الله صلى الله علبه وسلم.

فرسول الله من رحمته بنا أنه تضرع إلى الله فأنْهى الله الخسف، وأنْهى الله الغرق، وأنْهى الله الخسف، وأنْهى الله جميع أنواع العقوبات التى كان ينزلها فى الأمم السابقة. حتى على الكافرين فى زماننا والذين يأتوا من بعدنا إلى قيام الساعة، حتى الكفار ذهبوا لرسول الله .. لماذا ذهبوا إليه ؟ حتى لا يُغرقوا ويُحرقوا ولاتُخسف بهم الأرض .. لماذا؟ لأنهم جاءوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولذلك الكفار لما جاء لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين، فمِنْ عنادهم وإصرارهم ماذا قالوا؟ (قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب إليم) (32الأنفال).

سبحان الله!! لو أن هؤلاء الناس عقلاء لقالوا: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه) .. أليس من المفروض أن يقولوا هكذا؟ لكن هؤلاء يقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أنزل علينا حجارة من السماء). ترى ماذا قال الله لهم؟ قال: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) – لن أعذبَهم وأنت بينهم، (لأجل عين تكرم ألف عين)، فما دمت أنت فيهم لاينزل العذاب أبداً.

إذاً هو صلى الله عليه وسلم ساعة إرساله هى نهاية العذاب، .. ليس لأجلكم أنتم، مع أنهم هم الذين طلبوا العذاب بأنفسهم .. لكن لأجل نبيِّ الرحمة: ( ومأرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (107الأنبياء). والعالمين: كل ما سوى الله سبحانه وتعالى، هذا كان رحمة خالص ليس هناك عذاب بعده، ولا يكون هناك مسخ ولا خسف ولا قتل، لماذا؟ سأبعده أنا خالص.

والذين كانوا قبل ذلك: ( وجعل منهم القردة والخنازير ) (60المائدة)، أصبحوا فى الصباح، وجدوا أنفسهم قردة وخنازير .. أين ذهب هذا الكلام ؟!! لأن فيهم رسول الله .. انتهى عصر العذاب والتعذيب، ( وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) (33الأنفال) – فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف علينا، وقال: وبعدين لما أرفع إلى الرفيق الأعلى؟ فقال الله له: لا تخف، هذا لك ولمن بعدك، ( وماكان الله معذبَهم وهم يستغفرون) (33الأنفال). أى إذا لزموا الاستغفار، فليس هناك عذاب ينزل. طمأنه الله وأعطى له الأمان، حتى أن ملائكة السماء كانت فى شدة الكرب، وفى شدة العناء خوفاً من الله سبحانه وتعالى، لأنهم لا يعلمون ما يُختم لهم بعد ما حدث لزعيمهم إبليس!! فابليس كان طاووس الملائكة، كان زعيم الملائكة، ولما طرد من رحمة الله، كلهم خافوا خوفاً شديداً، وكانوا فى كرب شديد، حتى أن الله سَمَّاهم الكروبيين – نسبة إلى الكرب، والكرب الخوف. 

متى جاءتْهم الطمأنينة؟ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزل قول الله: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (107الأنبياء)، من الذى كان ينزل بالوحى على الرسول؟ الذى كان يأتى بالوحى على الرسول جبريل عليه السلام، ولما نزلت هذه الآية: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )، فرسول الله يسأله قال: (يا أخى يا جبريل، هل أصابك شيء من هذه الرحمة الشاملة؟ وهو رحمة الله ..

يارحمة ظهرت للخلق أجمعهم      ياشمس فضل لكل الكون قد ظهرت

يانعمة عمَّت الدنيا بأجمعـها      ياآية للهدى والنور قد تُليـــت

فتنزل هذه الرحمة، هل أصابك شىء منها يا أخى ياجبريل؟ قال: نعم، أين؟ قال: كنت فى كرب شديد، وعناء شديد، حتى نزل عليك قول الله سبحانه وتعالى: ( وإنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين ) (19-21التكوير). فمن ساعة ما نزلت كلمة (أمين)، أخذنا الأمان!! قال لهم ربنا: وجب لكم الأمان، نالوا الأمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.

حتى أن الملائكة الكرام أمِِنُـوا برسول الله!! تغيَّرت أحوالهم، وتبدَّلت أطراحهم وأحزانهم إلى أفراح!! ولذلك لما جاء فى ليلة الميلاد – ليست الدنيا فقط كانت كلها أفراح، بل كان الملكوت هو الذى كله أفراح، ساعة ما قالوا: ولد رسول الله، الملكوت كله صار أفراحاً- لماذا؟ لأنه جاءهم الأمان ، جاءهم الضمان خلاص، لم يعودوا يخافون من شييء، (لاخوف عليهم ولا هم يحزنون).

حتى الحيوانات، لما جاء ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحت به، واحد من الأعراب يحكى: كان راعى غنم، فجاء ذئب يخطف واحدة من الغنم، فطلع يجرى وراءه، فالذئب وقف وقال له: أتحرمنى من رزقى؟ فتعجب الرجل وقال: أذئبٌ يتكلم؟!! (هل هناك ذئب يتكلم ؟!!) ، فقال له الذئب: والأعجب من ذلك أنك هنا والنبىُّ الأمىُّ الخاتم يدعو إلى الله حول الكعبة وأنت لا  تشعر به؟!! (الأغرب من هذا أن النبيَّ، خاتم الأنبياء حول الكعبة وأنت لا تشعر به ولا تدرى، وقاعد ترعى الغنم!!)

فالحيوانات بشرت به فى القفار بعبارات عربية .. لماذا؟ لأنه جاء حتى رحمة للحيوانات .. حتى الحيوانات؟!! نعم .. لما ترى وصاياه بالحيوانات، وصايا غريبة، إذ يوصينا نحن فيقول: (إذا ذبحتم فأشحذوا المدية، وأحسنوا الذبحة، وألقوها على جنبها الأيمن) – أريحوها على جنبها الأيمن، وحمَّوا السكينة جيداً لكى لا تتألم، وأسرعوا فى الذبح، ولا تذبحها أمام أخواتِها حتى لا يرون هذا المشهد ويتالموا. حتى فى الذبح؟!!  حتى فى الذبح!! حتي في القتل، يقول: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، حتي لو فى حاجة تريد أن تقتلها فلا تعذبْها، واقتلها فوراً فى الحال.

كان العرب يخرج الرجل من بيته ويركب الدابة، ويأتي واحد يقابله راكب دابة أخرى، ويظل الاثنان يتكلمان ساعة أو ساعتين، وهذا راكب وهذا راكب، يقول لهما: لا، (لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسى) ، تريدان أن تتكلما أنت تنزل وأنت تنزل، رحمة .. رحمة لكل ذي كبد رطبة، حتي الحيوانات؟!! حتي الحيوانات.

فرحم صلى الله عليه وسلم الحيوان عندما أمر بالرفق به، الرفق فى معاملته، باحسان معاملته، وجعل لكل ذى كبد رطبة، حتى الرجل الذى كان يمشى فى الصحراء ووجد كلباً عطشان، فنزل فى البئر وشرب، والكلب لا يعرف كيف يشرب؟ فماذا فعل؟ خلع خفَّه وملأه ماء، وسقى به الكلب. أتعرفون ماذا فعل به؟ دخل الجنة برحمته على هذا الكلب!! لأجل أنه سقى كلباً شربة ماء. هذه رحمة رسول الله..

فلو وضعنا نعمة الإيمان فى كفة ووضعنا النعم والالآء كلها فى كفة، أيهما أعظم يا إخواني؟!! مثال: ربنا هدانى للإيمان وجعلني مؤمناً، وبعدين كثر عليَّ المشاكل، وأصابني بالأمراض، وأصابني بالهموم والغموم .. وواحد تاني – فى أمريكا مثلاً – عنده ناطحات السحاب، وعنده طائرات وعنده أموال وعنده بواخر وعنده كذا وكذا، وعنده أولاد وعنده قصور، وعنده ما لذَّ وطاب، لكن حرمه من الإيمان. أيهما أعظم فى النعمة؟.. مَنْ الذى أخذ نعمة أعظم ؟.. صاحب الايمان ..

ولذلك رسول الله ضرب مثلاً، بل هى الحقيقة يقول: (إذا كان يوم القيامة – بعد ما يجتمع الكل فى مؤتمر عام، سيكون فى أول القيامة عرض – عرض إلهى، هذا العرض يجمع الله فبه كل القوى الإلهية، كل المخلوقات الربانية، يكون واقف فيه كل البشر والملائكة وحملة العرش، والأنبياء والمرسلون، والصديقون والشهداء والصالحون، وأهل الجنة وأهل النار، وليس هذا فحسب ولكن الجنة تأتى بجزء من طيباتها، والنار بجزء من آثارها فى هذا العرض، الكل سيكون موجوداً فى هذا العرض الأكبر، ولذلك سُمِّى هذا يوم العرض. وكل ذلك سيعرض فيه؟!! نعم.

أين مكان العرض؟ فى أرض ليست كهذه الأرض، أرض من فضة، صنعها الله سبحانه وتعالى ، ملخص لهذا العرض، والمنصة الرئيسية يجلس فيها الأنبياء والشهداء والصديقون والصالحون.

أين يجلس هؤلاء؟ فى المنصة، وعلى أي شىء يجلسون؟ قال: على الآرائك .. ( على الأرائك ينظرون )، … يتفرجون فقط، ليس لهم شأن بالعرض، ولكن جالسين فقط (على الأرائك ينظرون. تعرف فى وجوههم نضرة النعيم) (23-24المطففين)، ليس هذا فقط، بل قال: ( يسقون من رحيق مختوم ) (25المطففين) .. من الذي يسقيهم ؟ ( وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ) (21الإنسان)..( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقبى الدار ) (23-24الرعد)، جالسون فى المنصة الرئيسية، ( لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً) (13الإنسان)، تكييف ربَّاني!! العرض .. والذي في العرض أهل اليمين، وأهل الشمال والكفار وكل المخلوقات من حيوان وطيور وهوام وحشرات، كل المخلوقات تتجمع فى هذا العرض لأنه عرض عام لابد أن يحضره كل من خلقه الملك العلام سبحانه وتعالى.

وفى هذا العرض العام: ( على الأرائك ينظرون. تعرف فى وجوههم نضرة النعيم. يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك ) (23-26المطففين)، يأتى على المنصة .. يقول ربنا للملائكة: احضروا إلىَّ أكثر واحد تمتع بالحياة الدنيا، وأكثر واحد شقى وتعب فى الحياة الدنيا. وفى هذا الوقت كل الخلائق كأن على رؤوسهم الطير، ( وخشعت الأصوت للرحمن فلا تسمع الا همساً ) (108طه).

والهمس هذا ممن؟ من الذين مثلنا؟!! لا، من الملائكة، تقول: قف هنا، تعالى هنا، الكلام بالهمس من الملائكة أدباً مع الله، وليس من كلنا،  لأن هناك كلام ليس باللسان، ولكن كلام بالجوارح. أليس كذلك يا إخواني ؟ قال تعالى: ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانو يكسبون ) (65يس). فساعة ما يحضروا يوم القيامة .. يأتون على هذا الفم ويشمع بالشمع الأحمر .. فلا ينطق .. من الذى ينطق؟ ولذلك هذا الكلام – الهمس – من الذى يتكلم به؟ قال: الملائكة، والكلام بالهمس. وقال: الملائكة تقف فى الميدان، وعلى المنصة الرئيسية، والجميع ثبوت.

ثم يؤمر بالأول الذى كان عنده قصور، وأنهار وأشجار، وأموال وطائرات، وكذا وكذا، كل هذه الأشياء التي يتمتع بها أهل أمريكا وروسيا وغيرهم وأمثالهم، وقارون وهامان وغيرهم، لأن هؤلاء أئمة أيضاً، ولأجل ذلك يأتى بإمامهم: ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) (41القصص). فيأتي بإمام من أئمة أهل النار، تمتع بما لم يتمتع به إنسان، منذ أن خلق الله الأرض إلى أن ورثها، ويقول له: هل ذقت شقاءاً قط فى حياتك هذه كلها؟ هل رأيت أى شقاءًا ؟ ألم ترمد عينك يوماً؟ ورأسك ألم يأتي لها صداع؟ ألم تتوجع في يوم ما؟ فيقول: لا والله يا ربي، ما ذقت طعم الشقاء.

فرسول الله جزأ كل جرء من الأجزاء: منها جزء من سقر، وجزء من الحطمة، وجزء من سجين، وهى أنواع موجودة من كل صنف من هذه الأصناف موجود فى العرض. وأيضا الجنة موجود  من كل صنف من أصنافها فى هذا العرض: جزء من نعيم القدس، وجزء من نعيم الفردوس، وجزء من نعيم عدن، وجزء من الفردوس الأعلى، كل جزء من أجزاء الجنة فيه نعيم آخر، وشكل آخر، وصنف آخر. 

فربنا ماذا يقول للملائكة؟ اغمسوه غمسة فى النار – لم يقل: أدخلوه فى النار – ولكن قال: أغمسوه – غمسة بسيطة – وأخرجوه ثانية. فيغمسوه غمسة فى النار ويأتون به. حالته تبدلت، وتبدلت نهائياً. وربنا يقول له: ماذا جرى لك؟ هل ذقت نعيماً قطّ؟ هل ذقت فى حياتك نعيماً قبل هذا؟ فيقول: لا والله يارب ماذقت نعيماً قطّ – والنعيم الذى كنت فيه لا شيء بالنسبة لهذا الجحيم. والثانى – الذى تعذب وشقى – يغمس فى الجنة غمسة واحدة فيقول: ماذقت شقاءاً قطّ. فلحظة واحدة تُنسيه أشقى شقاء شقاه إنسان فى الدنيا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

***********

 

مغاغة في 22/11/1985 المولد النبوي

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid