• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

3 مايو 2001

مقام التوابين

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

…………………………………………………………………………………………

التائبون لهم مقام عالى               فازوا بنيل الحب والآمال

من محض رحمة الرحيم عز وجل، وواسع وسعة التواب سبحانه وتعالى، أنه خصَّ عباده التوابين بمقام عالٍ جداً جداً .. لا يبلغ وصفه الواصفون، يكفى قوله عز شأنه: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } (222- البقرة).

يحبُّ التوابين، والمفروض يحب الذين عملوا الأعمال الصالحة، والمقبلين عليه بالتجارة الرابحة، لكنه سبحانه يحب التوابين، دليل عظيم على رأفة ورحمة الله عز وجل بعباده المؤمنين. وإن كان سبحانه وتعالى يقول لسيدنا داود عليه السلام: ( يا داود أنين المذنبين أحبُّ إلىَّ من زجل العابدين).

لماذا يجب ربنا التوابين ويقبل عليهم؟ لأنه يجب القلوب المنكسرة إلى حضرته، ويقبل على أهل التواضع والتطامن والانكسار. وعندما قال سيدنا موسى عليه السلام: (يا رب أين أجدك؟) قال: (تجدنى عند المنكسرة قلوبهم من أجلى). وليس هناك شئ يكسر القلب أكبر من وَقْعِ الذنب، والإمام أبو العزائم رضى الله عنه بيَّن هذا السرَّ الربانى، وقال فى كلامه العظيم، إلهاماً من العليم الحكيم:

اسمعوا فالذنب سر الاقتراب      من هو المعلوم فى حلٍّ غياب

يَكْسَرُ الذنبُ القلوبَ بوَقْعِهِ      كسره قربٌ إلى نُورِ الكتاب

إذن سرُّ محبة التوابين أن قلوبهم إنكسرت، وخواطرهم تعطامنت وتواضعت لله عز وجل، وهولاء التوابين هم الذين أحسوا بالندم على الذنب، وشعروا بوخز الضمير، والتأنيب واللوم والتوبيخ، وأصبحوا داخلين فى قول الله عز شأنه: { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } (2 – القيامة) أنفسهم تلومهم لوماً شديداً على الذنب، فجعلتهم يشعرون بالمرارة والغصة، حتى كانوا كما وصفهم الله: { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ }  (118- التوبة)، والتائب فى هذه الحالة يحسُّ أنه لا يجب له شىء على أحد، وليس له قيمة عند أحد، لأنه شاعر بوقع الألم ووخز الضمير، والتأنيب الشديد لهذا الذنب، وقد يكون هذا الذنب ذنباً صغيراً، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يرى ذنبه كجبل فوقه سيقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب وقف على وجهه فاطاره بيده).

هذا الفارق بين الاثنين، التوابون الذين يحبهم الله من هذا الصنف الذى يحس بوقع الذنب، ويحس بالألم، وخائف من الله، ومحتار ماذا يقول لله سبحانه وتعالى؟ وماذا يقول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم لقاء الله، وهو واقع فى الذنوب العظام، والأوزار هذه.

كل هذا يجعله حاملٌ للهمِّ، والندم يؤثر فيه تأثيراً شديداً، وهذا يقول فيه سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه: (رُبَّ معصيةٍ أورثت ذلاًّ وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزّاً واستكباراً).

هذه أفضل من الطاعة التى تجعل أن صاحبها يظن أنه أفضل من جميع الناس ومن حوله، لأنه عابد وهم لا يعبدون، وهو يواصل الذكر والتلاوة للقرآن ليل نهار وهم لا يعلمون، فيُهىُّء له أنه أفضل منهم، فهذه النظرة تجعله يتكبر على خلق الله، أو يحسُّ فى نفسه الكبرياء، وهذه الصفات لا يحبها الله عز وجل من خلقه { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } (23- النحل).

هذه ضد هذه، يجب التوابين لأنهم منكسرين ومتواضعين، ولا يحب المستكبرين – مع عبادتهم ومع طاعتهم – لأن الله عز وجل هو المتكبر، ويريد من عبده أن يكون ذليلاً بين يديه، وهو عز وجل غنى، يريد من عبده أن يكون فقيراً، وهو عليم ويريد من عبده أن يكون جاهلاً بين يديه، وهو قوى ويريد من عبده أن يكون ضعيفاً بين يديه، وهو قادر ويريد من عبده أن يكون عاجزاً، هذه هى حلَّة العبودية. وأوصاف العبودية يقول سيدى أبو اليزيد البسطامى فى مشهد عالى – شاهد فيه جمال الحق، وسمع كلامه، وتفضل بجواره عز وجل، فقال: يارب بما يتقرب إليك العارفون؟ قال: (بما ليس فىَّ)، قال: ما الذى ليس فيك يارب؟ قال: الذل والفقر والفاقة.

الصفات التى يدخل بها الإنسان على حضرة الحقّ عز وجل، لا يتجمل بها لخلق الله، وإنما يتجمل بها لحضرة الله عز وجل، لأن الله يجب من خلقه من تجملوا بأوصاف العبيد، ومن تجملوا بحلة العبودية، ومن كانوا دائماً وأبداً يشعرون بالنقص بالنسبة للحضرة العلية.

نسأل الله عز وجل أن يجملنا بجمال هؤلاء الأقوام، وأن يمنحنا من عنده  النور التام، وأن يخصنا بلإتحاف والإكرام، وأن يجمعنا ظاهراً وباطناً على المصطفى عليه الصلاة وأتم السلام، بسر النبى صلى الله عليه وسلم وسر الفاتحة.

****************************************

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid