• Sunrise At: 4:53 AM
  • Sunset At: 6:57 PM

Sermon Details

1 مايو 2001

تكريم العاملين عند رب العالمين

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

……………………………………………………………………..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على حبيب الله ومصطفاه، الشفيع الأعظم لنا أجمعين يوم أن نلقى الله، سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه، وكل من والاه إلى يوم الدين، آمين يا رب العالمين. (أما بعد)

 فيا إخوانى ويا أحبابى بارك الله فيكم أجمعين

اليوم عندنا عطلة من الأعمال الرسمية بمناسبة عيد العمال، وهذا يذكرنا ويفكرنا بحقيقة يجب ألاَّ يغفل عنها أى مسلم، أننا عمال عند حضرة الواحد المتعال عز وجل، ويكون لنا يوم اسمه يوم تكريم العمال: { جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ } (9- آل عمران)، وأعدَّ الله عز وجل للعاملين المخلصين الصادقين فى هذا اليوم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من الأجر والثواب والتكريم، من الكريم الوهاب عز وجل.

فنريد أن نعرف مع بعضنا بعض مظاهر التكريم الذى يكرم الله بها بعض العاملين المُجِّدين فى هذا الدين. من الذى يكتب التقارير؟ ومن الذى يرشحهم لتكريم العلى القدير عز وجل؟ سن التعيين- لكل واحد منا يتعين فيه تلقائياً – هو وقت البلوغ، إذا كان احدى عشر، أو اثنى عشر، أو ثلاثة عشر، على حسب ظهر علامات البلوغ فى جسمه. فى الحال يحرر الله عز وجل له عقداً بأنه عامل من عمال الله عز وجل، ويوكِّل به كراماً كاتبين، يتناوبون أوقات اليوم والليلة فى متابعة ومراقبة الإنسان. وردية تعمل من الفجر إلى العصر، ووردية تعمل من العصر إلى العشاء، والوردية الثالثة من العشاء إلى الفجر. ولوقام الإنسان فى ليل أو نَهار أحدهما يجلس عند رأسه والآخر عند قدميه. لأنَّهم لايأكلون ولايشربون، ولايتزوجون ولاينامون،  لا أحد منهم يحتاج إلى أن يأكل وجبة أو أن يدخل الخلاء، لأن الله حفظهم من هذه الأعراض الدنيوية، وقال فيهم عز شانه: {كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } (11، 12 – الإنفطار).

لماذا وصفهم بأنهم كرام؟ لأنهم لا يسارعون لتسجيل الخطأ والذنب والوزر، لكن يسارعون فى تسجيل البرِّ والخير والحسنة والطاعة، وعندما يقوم رجل بذنب أو وزر، يقولون لبعضهم: انتظروا عليه ربما يعود، ربما يتوب، ربما يستغفر فيغفر له الغفار، فينتظروا عليه حتى يعود. وعندما يسلمون الوردية إلى التى تليها يعرِّفوا أهل الوردية القادمين بأن هذا الرجل أصاب ذنباً ولم نكتبه حتى الآن، فاصبروا عليه وأمهلوه إلى ست ساعات، كما ورد فى بعض الروايات. ومن الذى يعمل ذنباً ولا يرجع لنفسه، ولا يراجعه عقله فى ست ساعات؟ لأن الرجل إذا وقع فى ذنب فى ساعة الغضب، ولم يعُدْ إلى نفسه ولامها، وبعد ثلث ساعة أو نصف ساعة ويعود ويقول: أنا كنت غلطان، وأسأت، وسامحونى، فإن الله سبحانه وتعالى لا يريد منا إلا أن الإنسان يحس ويعرف ويشعر أنه أخطأ فى حق نفسه وفى حق ربه عز وجل. وافرض أنه لم يستغفر ولم يتب، ولكنه أحس فى نفسه أنه ندم، وأنه أخطأ، فيقول ربنا عز وجل: أنا أريد منه ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: ( الندم توبة)، طالما ندم خلاص.

هؤلاء الملائكة يسجلون كل يوم صحيفة من ساعة صلاة الفجر إلى أن ينام المرء، صحيفة يسجلون فيها أعمال الإنسان، وبعد ذلك لا تحول إلى ملف أوراقه، ولا توضع فى الدوسيه الخاص به إلا إذا عرضوها على الناظر العام لجميع الأنام، لابد أن يؤشر عليها حتى توضع فى الملف، وهو لا يؤشر على أى صحيفة إلا إذا اطلع على ما فيها ويراجعه، وهم لا يكتبون وإنما يصورون، هذا المجلس لا يكتبون فلان ولا فلان حضر وإنما يصورون هذا المجلس من بدايته إلى نهايته، ويضعوه فى الصحيفة، والذى يفتح الصحيفة يرى هذا الدرس وأنت جالس، أين تجلس، وإنما يزيد عن التصوير العادى أن النية ظاهرة ومكشوفة، نية الإنسان عند العمل، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعرض على أعمالكم كل ليلة، فإن وجدت خيراً حمدت الله على ذلك -يعنى يقول خلاص – وإن وجدت غير ذلك استغفرت الله عز وجل لكم)

يعنى يقول صلى الله عليه وسلم: أمهلوه .. ربما يتوب أو يعود، ورواية الحديث عند البزار والطبرانى والترمذى رضى الله عنهم: (ربما تأتى ليلة النصف من شعبان – لأن الملائكة لها ست ساعات – ولكنه صلى الله عليه وسلم له أمر آخر، ربما يأتى عليه رمضان ويتوب ويعود، وربما يخرج إلى بيت الله الحرام حاجاً فيغفر الله له كل ما تقدم فى أيامه كلها من الذنوب.

هذه الأوراق لا توضع فى الملف إلا إذا خرج النفس الأخير ولم يتب الإنسان منها للعلى الكبير عز وجل فإن الله يؤجل لنا التوبة حتى النفس الأخير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار-ويده ليست مثل أيدينا هذه، وإنما يفتح أبواب التوبة، وأبواب العفو، وأبواب المغفرة، للتأبين والمستغفرين والنادمين – ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، حتى يموت الإنسان. إذن باب التوبة مفتوح على الدوام، يمكن الواحد إذا فعل شيئاً فى عمله وأعطوه جزاء، يقولون له أمامك شهرين حتى ترفع هذا الجزاء، وبعد ذلك ليس من حقك أن تقدم التظلم، ولكن هنا من حقك أن تقدم التظلم حتى النفس الأخير!! { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } (105- التوبة) والعمل الصالح – فى الحال- جهاز المكافأت الإلهية الربانية يخرج مكافآت سخية للعاملين، منها مكافآت فى الدنيا، ومنها أوسمة ونياشين توزع عليهم يوم لقاء رب العالمين عز وجل. يعنى أنا آخذ من ثمار العمل فى الدنيا؟ نعم، ربنا هو الذى قال ذلك، أين هى؟  { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ما هى الثمرة فى الدنيا؟ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً – هل هذا هو الأجر وفقط؟ يقول لنا: بل هناك عطايا أخرى – وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ – فى الآخرة } (97- النحل).

لهم أجر وجزاء آخر من العلى القدير عز وجل. فيعطيه فى الحال، يعطيه بركة فى المال، بركة فى الزرع، صحة فى الأجساد، سعادة فى البال، برًّا فى الأولاد والعيال، طاعة فى الزوجة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته فى نفسها وماله وولده. كل هذه مكافآت عاجلة غير الأجر العظيم الذى قدره المولى العظيم، الذى يوزعه علينا يوم التكريم، يوم يجمع الله عز وجل الناس ليوم لا ريب فيه.

وماذا عن الذنوب؟ يؤجلها حتى تخرج من هذه الحياة، وإذا وجد الإنسان لاهياً ويتمادى فى الذنوب والعصيان، فيصدر أمراً للملائكة المسخرين أن يختبروه ويبتلوه ببعض الأشياء الصغيرة فى الدنيا، ومعها يمدُّوه بمدد اللطف من حضرة اللطيف، حتى يمحو الذنوب، ويستر العيوب، ويغفر لهم علام الغيوب عز وجل. فإذا كان ماشياً وتعثر، هذه العثرة لها حساب، فيقول رب العزة: أغفر له بها ذنب كذا وكذا، وإذا دخل فى رجله شوكة وقال: آه وأخرجوا له هذه الشوكة بملقط أو غيره، طالما شاكته أوجعته فإن الوجع هذا يكفِّر به من خطاياه، إذا جاءته مشكلة أو معضلة فى يوم من الأيام والمشكلة أرهقته ولم ينم طول ليله، أو مغبون، أو تعبان أو مهموم، كل هذا الوقت وكل هذا التعب يكفِّر به خطاياه.

لأن الله لم يترك الذنوب على حالها، ولكن ينزلها ربنا رويداً رويدا، ولكننا لم ننتبه لماذا ضيق على الرزق وأصابنى المرض؟ لماذا كل هذا؟ حتى ينزل الذنوب التى علىَّ لقول الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: (ما أصاب المؤمن وصب – يعنى تعب – ولا نصب ،ولا ألم ولا غم، ولا هم، حتى الشوكة يشتاكها، إلاَّ كفر الله عز وجل بها من خطاياه).

إلى متى يارسول الله؟ قال: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض وليست عليه خطيئة)، وهو نعم يتعجبن وعندما يخرج من الدنيا وهو حزين، ويعتقد أن عليه أطنان من الذنوب، وعليه شهور وسنين من العقاب من أجل الجرائم الذى ارتكبها والذنوب، يخرج من الدنيا وليس عليه شئ، فماذا يقول؟ يقول:{  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ – لماذا؟  إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } (34- فاطر).

 لاحظوا الاسمين: غفور – للذنوب التى ارتكبناها، وشكور – يزيد فى الأجر والثواب على المحامد والطاعات والصالحات التى عملناها، ولا يأخذ صالحة ولا طاعة إلا إذا إستثمرها لنا وينميها لنا فى الجنة. والنبى صلى الله عليه وسلم – ليلة الإسراء والمعراج – لما دخل الجنة كان ينظر إلى المشاريع الإستثمارية التى لنا فى الجنة، مشاريع عظيمة جداً جداً، حتى أن الواحد منها يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (إن المرء ليتصدق بالشئ لا يلقى له بالاً – حاجة بسيطة …)

السيدة عائشة رضى الله عنها لما سمعت هذه الأحاديث هى وأصحاب سيدنا رسول الله، كانت تتصدق بأشياء بسيطة ولا نعطى لها بالاً، جاءها سائل وأعطته حبة من العنب، فقالوا لها: أتتصدقين بحبة عنب؟ قالت: إن فيها لمثاقيل كثيرة من الحسنات لو تعلمون، وهذا ما علمنا إياه النبى صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ولم يقل بتمرة، ربما تأكل نصف تمرة وتتصدق بالنصف الآخر، فتنال من الخيرات ما لا يخطر على بال.

(إن المرء ليتصدق بالشئ لا يلقى له بالاً يجده يوم القيامة كجبل أحد، فيقول: لمن هذا يارب؟ فيقول: لك، فيقول: كيف يارب ولم أعمله؟ فيقول: هذه صدقتك الذى تصدقت بها فى يوم كذا، أخذناها وربيناها لك فصارت كما ترى).

إذن كل الأعمال التى تقوم بها فإن جميع البنوك الإستثمارية (الربًّانية) تأخذها، وماذا تعمل بها؟ تستثمرها، ولا تظل كما هى، وما من مسلم عمل حسنة ويجدها يوم القيامة حسنة، إنما على الأقل يجدها سبعمائة الف حسنة، ويضاعف الله عز وجل لمن يشاء. إستثمار العزيز الغفار للمؤمنين الأخيار والأبرار، جزاءاً كريماً من عنده سبحانه وتعالى، لأننا أمة المختار صلى الله عليه وسلم.

ولما قال لنا: { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } ( 105- التوبة)، بعض ساداتنا العلماء قالوا: وهذا رأى فيه شئ من الشدة، يعنى يأخذ الإنسان باله عند العمل، أن الله عز وجل يراه ويطلع عليه، حتى يصلحه ويجوده ويحسنه لله عز وجل، وما الذى بجود العمل لله – يا إخوانى؟ ليس الهيئة فقط، أساس الإجادة والثواب والإفادة: النية. إذا كانت النية فيها إخلاص، أو إذا كانت النية فيها صدق، إذا ليس فى العمل رغبة فى الرياء أو السمعة أو الشهرة، { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا – ويأخذ باله من – وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (110-الكهف). هى الأعمال التى نتكلم عنها كلها، أن يكون العمل لله، ليس لأحد من البشر، ولا أحد من الخلق، ولا حتى يبسط نفسه، ولا يزهو ولا يتعجب بنفسه، إنما يعمل هذا العمل حتى يرضى الله عز وجل عنه.

هذه هى الأعمال التى يزيدها وينميها ويزكيها، ويجد الإنسان الشئ القليل كثيراً، ولذلك النبى صلى الله عليه وسلم فى درس عملى أحضر رجلاً من الذين يعملون عند الله وقال له: يا أبا ذر لا تهتم بالكثرة – يعنى أن تصلى فى الليلة الف ركعة، أو تصوم الدهر كله، ولكن: (يا أبا ذر أخلص يكفك القليل من العمل). هذا هو الأمر الذى يحث عنه الإنسان، فإذا كان العمل فيه الإخلاص يأخذه وينميه ويزكيه ويربيه، ولا يكون مثل عمل الناس العادين، لأن فيه الإخلاص لله عز وجل، { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (14- غافر). شرط العمل عند الله أن يكون خالصاً، ومن يقم بالأعمال التى طلبها منا الله وعملها حتى يعجب الناس، أو ليرضى غرور نفسه، قال رب العزة: لا، الحقُّ عز وجل لا يقبل هذه الأعمال ويردها على صاحبها، وقال: ( أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل لى عملاً وأشرك فيه غيرى تركنه له).

نلاحظ أن الأعمال التى يقبل عليها ذو الجلال والإكرام لابد أن نوزنها بميزان الإخلاص، وهذا ميزان أدق وأحس من الميزان الحساس، الذى يوزنون عليه الذهب، وأن الإخلاص سرٌّ من أسرار الله فى قلب الإنسان، ومن الذى يوزن؟ أنا الذى أزن!! وهذه هى الجزئية التى قالها سيدنا عمر رضى الله عنه: (زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم). بماذا أزن هذه الأعمال؟ بالإخلاص، إياك أن تهتم بالكم، ولكن أهتم بالكيف، وقبل أن تفكر أن تعمل عملاً لله انظر إلى نيتك فى هذا العمل، ما النية فى هذا العمل؟ وهل أنت متوجه به لله أم لا ؟

هذه هى القضية الأساسية التى يجب أن يعيَّها كل مؤمن فى يوم العمل على امتداد الآجال، إلى أن نلقى الواحد المتعال  عز وجل، وسيدنا الإمام الغزالى رضى الله عنه كان حوله أصحابه ومريديه، فلما بدأ ينظر إلى العالم الآخر المقبل عليه، وفى هذه اللحظات يبدأ الإنسان يرى ويرى – عندما يركب رجل الطائرة وذاهب الى السعودية مثلاً متى يعلم أنه وصل؟ عندما يرى البحر، وبرى المبانى، ويجد المكان الذاهب إليه- وكذلك عند الموت بالنسبة للإنسان، يرى المكان الذى هو مقبل عليه، يرى المكان الذى يستريح فيه إلى يوم الدين، وجائز أن يرى المكان المجهز ليجلس فيه أمام رب العالمين، وجائز يرى المزارع التى إستثمرها له ربه فى جنات النعيم، ويقال له: إطمئن أنت لك هنا مزارع عظيمة وقصور مشيدة وجنان وكذا وكذا، أين كل هذا؟ { تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (43- الأعراف)  بالعمل، ولكن العمل ربنا سبحانه وتعالى يزيده أكثر، لذلك عند دخول الجنة ويروا مالهم يقال لهم: { نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } (58- العنكبوت) نعم العمل ونعم الأجر، فإن الله يأخذه ويستثمره ويكبره ويعظمه.

وهناك أناس يعطيهم أجراً عظيماً، وأناس يعطيهم الله أجراً كريماً، وهناك أناس يعطيهم ربهم أجراً عظيماً وكريماً، كل هذا فى كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. الذى يعطيه الأجر العظيم يكون فى جنة النعيم، لأن هناك وسعة من القصور، والحور والنور، والبهاء والسرور. والذى يأخذ المقام الكريم يعطيه مقاماً كريماً فى يوم العرض والجزاء، منزلة عظيمة حتى يباهى به سيد الأنبياء، وحتى يراه أهل الموقف ويعلمون علم اليقين أن هذا عبد أكرم الله عز وجل بالقيام بطاعته، وبذكره وشكره وحسن عبادته، فكرَّمه الله عز وجل وجعل له منزلة عالية فى هذا اليوم العظيم، منهم من يجلس على المنصة الرئيسية تحت ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، جالس على كرسى من كراسى العظمة الإلهية، والذى ليس له مثيل  فى حياتنا الكونية، فكل ما خطر ببالك فهناك بخلاف ذلك، والناس الآخرون فى الكرب والحساب، والعناء والشدائد والأهوال، وهذا جالس فى ظل العرش { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } (23، 24 – المطففين)، والملائكة يطوفون عليهم ويقدمون لهم { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ. خِتَامُهُ مِسْكٌ } (25، 26 – المطففين)، ويأتى الرجل منا تظهر عليه علامة العمل ظاهرة عليه وواضحة، فنأتى نحن كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فينا: (تبعث يوم القيامة أمتى غراً محجلين من أثر الوضوء)، له نور هنا ظاهر، وله نور فى رجليه، ونور فى كل عضو مسه الماء، ولذلك قال: (من استطاع منكم أن يطيل غرنه فليفعل)، فيعلمون أنه كان المصلين.

هذا النور يكون على قدر إخلاصه وصدقه وطاعاته لله عز وجل، ومن هو مثلى يقول عنهم: (أقل المؤمنين نوراً من يضئ له يوم القيامة إبهام قدميه) يرى له قدمه فقط، لأنه  { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور ٍ} (40-النور). وليس هناك نور إلا نور المؤمنين، لأنه لا يوجد هناك شمس ولا قمر ولا كهرباء، ولا مصابيح ولا شموع، هو نور الطاعة فقط، وأما رجال الله الصالحين، قال عنهم صلى الله عليه وسلم : (إن من أمتى رجالا يضيئ نوره لأهل الموقف) من شدة بهائه، وجمال وجهه، ونوره الذى عشاه به ربه عز وجل. وهناك أعظم من هذا؟ قال: هناك رجال لهم منزلة عالية، اسمهم أهل الغرف، يقول فيها رب العزة: { غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (20- الزمر) مجارى أنهار الجنة، تجرى من تحتها الأنهار، ما شكلها يا رسول الله؟ قال: (يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها) من الذين يسكنون هذه الغرف؟ قال: (لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام) أهل الغرف كيف يكون شكلهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (يتراءى حسنهم لأهل الجنة كما تتراءى النجوم فى السماء لأهل الأرض). يراهم أهل الجنة كما نرى نحن النجوم فى السماء، من جمال طاعتهم وصدقهم وإخلاصهم لله عز وجل.

فيكون الإنسان منا ونور الصلاة غامر الأعضاء التى كان يمسها بالماء إستعدادا للدخول على مولاه، ونور الصيام يخرج من فمه رائحة يشمها كل أهل الموقف مع شدة الزحام رائحة مسك – ولكن مسك ليس مثل الذى بين أيدينا الآن، فيقولون رائحة من هذا؟ فيقولون: رائحة فلان بن فلان، الذى كان يصوم شهر رمضان لله عز وجل، والذى كان يقوم الليل. قال فيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من صلى بالليل والناس نيام رفعت له يوم القيامة الأعلام). الملائكة تزفُّه يوم القيامة بالأعلام، لأنه من الذين قال فيهم الله: { كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }  (17، 18- الذاريات). والإنسان الذى كان يغتسل فوراً من الجنابة، لا يؤخر ولا يكسل، الجو اليوم برد، أو كذا، أو كذا، وهذا يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (يأتى الرجل من أمتى وقد احتوشته الزبانية – أمسكوا به يأخذونه إلى جهنم – فيأتيه غسله من الجنابة، فينقذه منهم ويجلسه بجوارى)، يجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يكون شكله وحاله؟  { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } (69- النساء)، ويكون هذا فى هذا اليوم – يوم تكريم العمال – وتكريم العمال مع الوجهاء والعظماء، وجزاء العاملين إظهارهم فى مقام كريم فى الموقف العظيم، وجزاؤهم بما أعدَّه الله لهم من ثمرة العمل من الثواب العظيم والنعيم المقيم فى جنة النعيم. هذا موجود، وهذا موجود، هذه هى يا إخوانى بإختصار شديد، لأن الكلام فى هذا الأمر يحتاج إلى آلاف السنين، حتى نوفى الأعمال، وكل عمل منا كيف تكون هيئته فى الجنة؟ ويوم لقاء الله؟ يحتاج من المؤمن إذا عرفه وعمله أن يظل طوال أنفاسه متوجهاً بإخلاص وصدق إلى ربه عز وجل.

نسأل الله عز شأنه أن يجملنا بجمال عباده المخلصين، وأن يجعلنا فى الدنيا من عباده الصادقين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا بقبول حسن، وأن يتفضل علينا بأن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر لنا عيوبنا، ولا يخرجنا من الدنيا إلا وقد صحَّ متابنا، حتى نكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

*********************

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid