مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الهادي لأقوم سبيل والكاشف لخير طريق يسلكه أهل الجد والإجتهاد ويسير عليه أهل التحقيق والرشاد،و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جعله الله للناس في الدنيا قدوة وأسوة وإماماً، وفي الآخرة شفيعاً لجميع الخلائق يوم العرض على الملك العلام صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام وأصحابه ذوي الأخلاق الطيبة والشمائل الكريمة ومن تبعهم على ذلك إلى يوم الدين، وألحقنا بهم على خير أجمعين آمينيا رب العالمين، وبعد …

قد بدا لنا مع مطلع شهر ربيع الأول 1435هـ شدة حاجة الأحباب بل والمسلمين أجمعين إلى معرفة أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخلقية والخُلقية، والإحاطة ببعض خصائصه صلى الله عليه وسلم الظاهرة والباطنة.

وهذا الجانب هو ما عني به جامعوا أحاديث الشمائل المحمدية وأولهم وأشهرهم الإمام الترمذي رضي الله عنه المتوفي سنة 279هـ  في كتابه “الشمائل المحمدية”، وما بعده كان شرحاً وتفسيراً لهذا الكتاب.

وقد رأينا أن نجمع هذه الأوصاف والشمائل المحمدية الظاهرة والباطنة من مظانها ونبسطها بأسلوب سهل قريب التناول للمعاصرين حيث أنها:

1. عن طريقها يتأسس الإيمان وعظمة النبي صلى الله عليه وسلموعلو مكانته، وعصمته ووضاءته وصدق لهجته وأمانته وشجاعته وعدله ووفورة عقله وصدق بلاغه عن الله تعالى ورحمته ورأفته وعفوه وصفحه وحسن سياسته وحسن سمته واقتصاده وحرصه على أمته وعلى الخلق جميعاً، وتحصيل ذلك لازم إيماناً واعتقاداً.
2. قد ثبت واستقر أن متابعة النبي صلى الله عليه وسلمشرط في العبادة، وذلك أن الاجماع منعقد على شرط الاتباع له فيما فرضه سنه رب العزة سبحانه وافترضه على المسلمين من عبادات وأعمال، وقد تجملت أحاديث الشمائل الأحاديث المتعلقة بتقواه وعبادته، وكذلك اعتنت بالأحاديث التى تتحدث عن أحوال معاشه اليومية، وفيها الكثير من سلوكه مع ربه مما هو عبادة وسلوكه مع الناس مما هو معاملات يلزم لمن أتى شيئاً منها أن يكون متبعاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم وإلتزمه إذ هو المعلم وهو الصورة المثلى للعبد حالة تقواه.
3. جمعت كتب شمائل النبي صلى الله عليه وسلمعدداً كبيرا من الأحاديث الكاشفة عن أخلاقه السامية، وقد كان المثال الكامل التام من البشر، وقد اعتبره الله عزوجل قدوة وأسوة ونموذجا حياً ومنهجاً متحركاً لمن ينشد المثال الأخلاقي في أتم صورة بحكم الذكر الحكيم:

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم والآخر) (12 الأحزاب)

4. تتعرض أحاديث الشمائل لأحوال معاشه صلى الله عليه وسلموهي ما يطلق عليه اليوم “برامج التربية وإدارة الأسرة” لأنها تتحدث عن شأنه في بيته وخدمة أهله وملاطفته للأولاد وتقديره لأزواجه وغيرهم مما يلزم المسلم المعاصر الأخذ به وترجمته إلى واقع عملي.
5. ورد فيها كثير من النصوص تعالج معاملته لأصحابه وللصغار من البنين والبنات والأرامل وذوي الإعاقة وأصحاب الحاجات، وينبغي استثمار هذه الشمائل في قضايا العمل الإجتماعي المعاصر مثل: أ- تنظيم المجتمع ب- الخدمة الإجتماعية  ج- رعاية ذوي الإعاقة  د- أخلاق الرعاية.
6. تغطي أحاديث الشمائل في عدد من الأبواب مساحات كبيرة من مفهوم التحضر والعمران مثل: أ- متاع البيت وأساسه ب- الأطعمة والأغذية ج- الطب والدواء والعلاج  د- العطور والرياضة هـ -الملابس والثياب  و- البيئة (النبات والحيوان وغيرها) ز-الفنون والجماليات ح-الآداب كآداب الأكل والكلام والمجالس والتواصل وغيرها.
7. خير دليل يحتاجه السالك في طريق الله وأفضل دستور يلزم للواصل والمتمكن وطالب المزيد من فتح الله وفضل الله هو العمل بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلمفي هذه الشمائل والتخلق بأخلاقه المباركة ونشدان الصفاء القلبي الذي كان عليه فذلك هو الباب الوحيد للتعرض لنفحات الله وإكرامات الله وعطاءات الله عزوجل.

وقد سقنا هذه الأحاديث على هيئة محاضرات تربوية للثلة المباركة من السالكين الذين يرجون وجه الله والدار الآخرة، واستمرت هذه المحاضرات لمدة عام وقد رأينا بعد طلب الأحباب أن نجمعها في هذا الكتاب تيسيراً للراغبين وتسهيلاً لمن يريد الإطلاع على بعض جمالات سيد المرسلين ونرجوا من الله عزوجل أن يتقبل منا هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يجازي كل من أعاننا على إعداده أو إبلاغه أو طباعته بخير وفتح ونصر على النفس الأمارة وإعزاز وتمكين، وصلى الله على سيدنا محمد إمام الذاكرين وسيد الشاكرين والرحمة العظمى للخلق أجمعين في الدنيا ويوم الدين وآله وصحبه أجمعين.