• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

2 سبتمبر 2021

إجابات العارفين على أسئلة المريدين حلقة الخميس 2-9-2021

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

الحمد لله على جميل عطاياه، والصلاة والسلام على حبيب الله ومصطفاه سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

نجيب على الأسئلة الواردة من الأحبة، وهناك أسئلة وردتنا هذا الأسبوع يرجوا أصحابها سرعة الإجابة عليها، فبدأنا بها قبل الأسئلة التي وردت إلينا من قبل.

السؤال الأول:

نرجوا شرح قول الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ (24فاطر).

الجواب:

الله سبحانه وتعالى يبدأ الكلام بكلمة ﴿إنا﴿ وإنا حرف تأكيد وإذا أُضيف إليها الألف، يعني إنا حضرة الله بجميع أسمائنا وصفاتنا وجمالنا وجلالنا وكمالنا وكبريئانا أرسلناك، أرسلناك بالحق يعني بالدين الحق وهو دين الإسلام، لأن الدين عند الله هو الإسلام طبقاً لقوله عز شأنه:

﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الاسْلامُ (19آل عمران).

وكل الأنبياء السابقين نزلوا بالإسلام، وإنما كان صلى الله عليه وسلَّم صاحب الشريعة الخاتمة وهو وحده الذي أتى بالإسلام كاملاً تاماً:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِينًا (3المائدة).

ولكن الرسل والأنبياء السابقين كان كل رجلٍ منهم ينزل بالإسلام، أو من الإسلام المناسب لقومه على حسب ثقافتهم، وعلى حسب بيئتهم، وعلى حسب الأمراض المعنوية والإجتماعية االمنتشرة بينهم، ولم يكمل الدين ويتم الدين إلا على يد أمير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم.

ولذلك يقول الله تبارك وتعالى عن أبي الأنبياء إبراهيم وأولاده الأنبياء:

﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132البقرة).

إذاً الدين عند الله هو الإسلام.

أما التسميات التي سماها البشر فمغايرة لما وصف الله عز وجل به شرعه الذي أنزله على جميع الأنبياء، وعلى رسول الختام، فقال عن قومٍ:

﴿ الذين قالوا انا إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ (156الأعراف).

هم الذين قالوا ولم يقُل الله تبارك وتعالى، وقال عن قومٍ آخرين:

﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى (14المائدة).

هم أيضاً الذين وصفوا أنفسهم بالنصارى، نسبةً إلى الناصرة، واليهود من العودة فهُدنا يعني رجعنا إليك، فوصفوا أنفسهم باليهود لأنهم رجعوا إلى الله بعد العصيان، والآخرين نسبوا أنفسهم إلى الناصرة التي كانت مكان ميلاد عيسى نبي الله، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.

إذاً الدين الحق هو الإسلام، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه:

الرسل من قبل الحبيب محمدٍ      نوابه وهو الحبيب الهادي

موسى وعيسى والخليل وغيرهم     يرجون منه نظرةً بوداد

رغبوا يكونوا أمةً لمحمدٍ       وبفضله فازوا بكل مراد

وبمحكم القرآن عاهدهم له     أن يؤمنوا بسراجه الوقاد

فالحق هو الدين الإسلامي، أو هو القرآن الكريم الذي:

﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42فصلت).

أو هما معاً، فالإسلام والقرآن قرينان لا يفترق أحدهما عن الآخر أبد الآبدين.

ما وظيفة النبوة التي كلفه الله بها في هذه الآية؟

التبشير والإنذار، بشيراً ونذيراً، يبشر المؤمنين الذين يصدقون برسالته ويؤمنون بشريعته ويتبعون هديه وسنته بما لهم عند الله تبارك وتعالى في الدنيا من تحقيق نصر الله لهم، وفضل الله الذي يخصهم به دون غيرهم، وفي الآخرة ما لهم عند الله من جنات النعيم، ومن صور وألوان التكريم، وأعلاها وأعظمها شأناً الفوز بجوار النبي الكريم في جنة النعيم.

ويُنزل الذين حادوا الله ورسوله وكفروا بدين الله، ولم يؤمنوا برسالات الله بما جهَّز الله لهم من العذاب في الحياة الدنيا، عذاب الإستئصال، أو عذاب المحق، أو عذابٌ من أنواع العذاب التي أنزلها الله على أقوام المرسلين نتيجة تكذيبهم لأنبيائهم.

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا (40العنكبوت).

كل قومٍ كان لهم عذاب، ولهم في الآخرة عذابٌ شديد لأن الله سبحانه وتعالى وضَّح لهم وبين لهم حقيقة كل أمر، ولكنهم مشوا على حسب أهوائهم أو أهواء كُبرائهم وضلوا السبيل، فكان ذلك لهم هذا العذاب الذي يحذرهم وينذرهم منه نبينا صلى الله عليه وسلَّم.

ثم يبين الله تبارك وتعالى أن لله الحجة البالغة على الخلق أجمعين، إن كانوا قبل رسالات السماء، أو بعد رسالات السماء، كانوا في بلدان قريبة من أصحاب الرسالات أو بعيدة، فإن الله عز وجل يُرسل لجميع الأقوام رسلاً مبشرين ومنذرين ليرجعوا إلى الله، ويؤمنوا بتوحيد الله تبارك وتعالى.

﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ ـ وامة يعني قوم ـ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (24فاطر).

يعني أرسل الله تبارك وتعالى فيها نذير يحذرهم وينذرهم من عذاب الله.

وليس شرط النذير أن يكون هنا في الآية النبي، فإن العقل الذي جعل الله عز وجل به ميزة الإنسان عن غيره من الكائنات، يدل دلالة واضحة وفيها إنذارٌ للإنسان على توحيد حضرة الرحمن تبارك وتعالى.

وكذلك لو تدبر الإنسان في نفسه، أو فيما حوله من الأكوان، ورأى ما يجريه الله عز وجل من الموت والحياة، ومن الأمور التي يعجز العقل ويعجز النقل ويعجز الفكر ويعجز العلم عن أيضاحها، كل هذه نذرٌ ينذر الله بها الكائنات، لئلا يكون للناس على الله حجة.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

 

السؤال الثاني:

هل رقي المريد في شيخه بأن يقربه الله فيكشف له حقيقة شيخه؟ أم يرقيه في نفسه بأن يكشف له الله حقيقة نفسه؟

الجواب:

الحقيقة أن هذا السؤال متشابك، فإن المريد يمر بكل هذه الأطوار، فإذا أحب الله عبداً كما قال بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه:

[إذا أحب الله عبداً دلَّه على أوليائه، وكشف له عن خصوصيتهم، وحجبه عن بشريتهم] فيكاشفه الله تبارك وتعالى على قدره بما يتحمل من أحوال هؤلاء الأولياء الصالحين، ويُبين لهم بعض منازلهم عند سيد الأنبياء والمرسلين، وبعض درجاتهم عند أهل الله في عالين وعليين،  ليلجأوا إليهم، ويسألوهم أن يدلوهم بالله على الله تبارك وتعالى عملاً بقول الله:

﴿ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59الفرقان).

فإذا ترقَّى المريد وعرف الشيخ المربي، وإلتزم به ولازم مجالسه، ولازم تعاليمه ووصاياه ونصائحه، عرَّفه الله تبارك وتعالى بنفسه.

إذاً لا معرفة للنفس إلا بعد معرفة الإمام المرشد المربي الروحاني المعرفة الحقية، وليست قاصرة على المعرفة البيانية، أو المعرفة الحسية أو المعرفة العقلية.

ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنا أجمعين:

﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32النجم).

لا يستطيع الإنسان أن يزكي نفسه، فالإنسان ولو كان من كبار الأطباء والحكماء لا لايستطيع أن يُشخِّص داءه، ويصف لنفسه دواءه، ولكن لابد أن يعرض نفسه على طبيبٍ إختصاصي مثله، يُشخص له الداء، ويكتب له ويصف له الدواء الذي به يتم الشفاء.

إذاً لا يستطيع الإنسان تزكية نفسه، لأن التزكية وظيفة أمير الأنبياء والمرسلين، في قول الله تبارك وتعالى:

﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151البقرة).

والتزكية هذه كانت دعوة أبو الأنبياء إبراهيم لنبينا لشدة حاجة المؤمنين الصادقين إليها:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ (129البقرة).

إذاً التزكية لا تكون إلا من حضرة النبي، أو وارثٍ زكَّاه النبي وأعطاه الإذن بأن يُزكي غيره من المؤمنين والمؤمنات.

بعد هذه التزكية يعرفه نفسه، لذلك قال بعض الصالحين:

[إن الوقوف بين يدي العبد الصالح، كالوقوف على جبل عرفات، لأن الإنسان عندما يجلس بين يديه متأدباً خاشعاً يعرف نفسه].

ولا يعرف الإنسان حقيقة نفسه إلا بمعاشرة ومجالسة الصالحين، فيكشف الله له عن حقيقة نفسه، وكما قيل في الأثر:

(من عرف نفسه فقد عرف ربه].

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعرفنا المعرفة الحقية الربانية أجمعين.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

السؤال الثالث:

ما فضل الصبر مع الشيخ؟ وهل يستطيع الإنسان أن يمشي في طريق الله نَفَسَاً بغير مدد الصبر من حضرة الصبور سبحانه وتعالى؟

الجواب:

إذا كان الله تبارك وتعالى يقول عن القوم الصادقين، حينما خرجوا لله عز وجل مجاهدين ألهمهم الله أن يقولوا في الدعاء:

﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا (250البقرة).

فكان الصبر يأتي إمداداً لمن يحبه الله ويجتبيه، ويريد أن يرفعه إلى مقامات الصالحين والمقربين، وقد قال الله عز وجل جازماً في درجات الجنة، وفي الدرجات العلية الوهبية عند حضرته:

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ـ أي ما يُلقى هذه الدرجات ـ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35فصلت).

وقال الله سبحانه وتعالى لمن عنده رغبة أن يكون شيخاً للناس، أو يكون إماماً للأبرار والمتقين، أن يتضرع بالصبر العظيم لقوله عز وجل:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ (24السجدة).

فيتدرج الإنسان في درجات الصابرين مع الله سبحانه وتعالى، فيصبر كما صبر أُولوا العزم من المرسلين والوارثين والمقربين أجمعين، كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلَّم.

وخطابه لنبيه:

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ (35الأحقاف).

يعني إجعل صبرك يعادل ويساوي صبر أولو العزم من الأنبياء والمرسلين أجمعين، أنظر إلى هذه الدرجة العُظمى، ولما كان صلى الله عليه وسلَّم متدثراً بثياب العبودبة لله، ولا يرى لنفسه قدراً ولا منزلةً عند مولاه، ولا يرى أنه يصنع أو يفعل شيئاً إلا بتوفيق الله ومعونة الله وحول الله وطول الله، قال الله سبحانه وتعالى له:

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ ﴾ (127النحل).

أي أن الله عز وجل هو الذي يُمد بمدد الصبر الجميل.

﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18يوسف).

والصبر الجميل هو الصبر الذي ليس فيه شكوى، ولا فيه منازعةٌ للنفس، ولا فيه إلقاء اللوم على حضرة الربوبية، بل تسليمٌ كامل لأقدار الله، وما يجريه الله تبارك وتعالى على العبد، حتى ينال ما يرجوه وما يُرضي حضرة الله تبارك وتعالى، يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه متحدثاً بلسان الحضرة الإلهية:

تريد أن ترى حُسني وترقى    بلا حربٍ شديدٍ لا يكون

والحرب الشديد هنا مع النفس ومع الحق، ومع الحاسدين ومع المنافقين، ومع همزات الشياطين، حربٌ متعددة المواقف يقول فيها الله عز وجل:

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاشْهَادُ (51غافر).

تريد بأن ترى حُسني وترقى      بلا حربٍ شديدٍ لا يكون

فمن رام الوصوال إلى جنابي     أصفيه ـ والتصفية تحتاج إلى صبرٍ طويل ـ أصفيه وفي هذا فتونٌ

إذا أكرمه الله وجعله يتجاوز هذه الفتن والمحن ولا يقع فيها، كان من المطلوبين لحضرة الله، وخصَّه الله بما خصَّ به حبيبه ومصطفاه من العطاءات الإلهية ومن المنح الربانية.

فالصبر مطلوبٌ للمريد من بدايته، وإن المرشدين الصادقين دائماً وأبداً يبدأون باختبار الطالبين الصادقين في أمورٍ تحتاج إلى الصبر الطويل، كأن يُنزله في غير مكانته وينظر هل يرضى بذلك؟ أو لا يُسلم لذلك؟

رُوي أن سيدي إبراهيم الشلقامي رضي الله عنه ـ ساكن أبا الوقف التابعة لمركز مغاغة في محافظة المنيا ـ وكان شيخاً من أكابر الشيوخ أهل المكاشفة، وكان تلميذه النجيب سيدي أبو الليل وهو الآن في بني مزار قُطباً يُزار بعد أن نجح في الإمتحان.

فكان الشيخ يأمرهم عند تناول الطعام إذا كان هناك لحمٌ أن لا يأكلون إلا إذا وزَّع الشيخ بنفسه عليهم اللحم، فكان يُوزع اللحم على المريدين فيُعطي لإبنه النجيب أبو الليل عظمة يأكل فيها، وبعد فترة طالت وهو لا يتغير ولا يتحوَّل، جاء ذات يوم وأعطاه قطعة لحم، فنظر فيها ثم قال: يا سيدي إن هذا ليس نصيبي ـ لأنه عُوِّد أن نصيبه عظمة ـ قال: أنت نجحت فكل اللحم، فكان هذا إختبارٌ له في البداية.

فالمريد في بدايته يريد أن يكون موضع عناية الشيخ ومن حوله، فإذا أهملوه ولم يراعوه ولم يستقبلوه، ربما يجد في نفسه شيئاً ويتركهم ويُولي هارباً، وهو بذلك لم ينجح في هذا الإختبار.

وربما يأمره شيخه وهو رجلٌ من الأكابر أن يكنس المكان، فيستعظم أن يكنس المكان فيُطرد من هذه الحضرة وهي حضرة الجنان، يقول فيها حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم:

(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا).

وربما يأمره أن يجهَّز ليتناول الطعام عنده، فإذا جهَّز الطعام وخرج من المسجد وأمسك فيه رجلٌ من الفقراء، فيأمره أن ينقل الطعام من منزله إلى منزل هذا الفقير، فإذا تغيَّر أو تحوَّل، يقول له: هذا فراق بيني وبينك.

فاختبارات المريدين في البدايات تكون في هذا الصبر الجميل الذي يحتاج إلى تعود الإنسان على تحمل المشاق والمصاعب حتى يصل إلى مراضي الله.

وما من نبيٍّ من الأنبياء عرفنا سيرته إلا ونظرنا إلى قدر ما تحمله من الصبر، في بدايته عند تأهيله لدعوة الله، وعند قيامه بدعوة الخلق إلى الله.

وكذا الصالحون أجمعون يحتاجون إلى الصبر في البداية ليُأهلوا أنفسهم ويصفُّوا قلوبهم، ليصلوا إلى ما يحبه لهم الله من المنازل العلية، وبعد ذلك يلاقون الشدائد التي لا يتحملها أحدٌ من البشر في سبيل تبليغ دعوة الله، ولا يرجون من وراء ذلك إلا رضاه سبحانه وتعالى.

إذا الصبر هو عُكاز المريد الذي يتوكأ عليه في كل حركاته وسكناته، بل هو عُكاز المؤمن الذي يريد به أن ينجو من فتن الدنيا وامتحاناتها وبلاءاتها، وأن يتحرى الحلال ويبتعد عن المعاصي والشبهات والحرام، فهذه وهذه تحتاج إلى صبرٍ طويل، لينجو من دخول النيران، ويحظى بدخول الجنان.

فما بالكم بمن يريد أن يخلع الله عليه خلع الرضوان، وأن يكون من أهل الكشف والعيان، إن هذا يحتاج إلى صبرٍ طويل، لا نستطيع أن نصفه كله في هذا الوقت القصير.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُجملنا بخُلق الصبر في كل أحوالنا، والصبر عن معاصي الله، والصبر على طاعة الله، والصبر على الفتن التي تقع بنا وحولنا فيى هذه الحياة، والصبر على المكاره في إبلاغ دعوة الله، وأن يجعل هذا العمل خالصاً إبتغاء وجه الله.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الخميس: 2/9/2021 موافق 25 المحرم 1443 هـ  – دار الصفا الجميزه

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid