• Sunrise At: 5:30 AM
  • Sunset At: 6:21 PM

Sermon Details

31يناير2014

خطبة جمعة_مظاهر الجمال والكمال فى أخلاق رسول الله

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب
………………………………….

الحمد لله رب العالمين، أنعم علينا وعلى المسلمين أجمعين برسولٍ صادق الوعد أمين، جعله إماماً للأنبياء ونبياً للمرسلين، وكأن الله عزَّ وجلّ علا بشأننا، ورفع قدرنا، فجعله رسولاً لنا كما هو رسولٌ للنبيين وللمرسلين.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يجتبي من خلقه من يشاء، ويصطفي من عباده من أحبه، ومن أحبه قرَّبه إليه، ومن قرَّبه إليه جعله هادياً للخلق إليه، فيجمع بالحقِّ الخَلْقَ على الحقّ، ويكون رسولاً للملك الحقّ، ويكون مؤيداً في كل أحوال دعوته بالإخلاص والصدق.

وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، رسول الثقلين، وإمام القبلتين، الذي أرسله مولاه إلي الجنِّ والإنس والعالم أجمع، وقال في شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (28سبأ)

اللهم صلِّي وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وأنعم علينا بحُسن إتباعه، واجعلنا في الدنيا من خيار أتباعه، واجعلنا في الآخرة من أهل شفاعته، وارزقنا جميعاً جواره في الجنة أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.

إخواني جماعة المؤمنين:

كلنا والحمد لله نُحِبُّ الله عزَّ وجلّ حُبَّاً جمَّاً، أكثر من أبنائنا ومن زوجاتنا، ومن آبائنا وأمهاتنا، ومن أنفسنا ومن كل شيءٍ في حياتنا، وأراد الله عزَّ وجلّ – وهو الحكم العدل – أن يضع ميزاناً لهذا الحُبِّ لله، يزن به كلُّ مؤمنٍ حُبَّه لله، ليعلم مقامه وقدره عند مولاه عز وجلّ.

فالحب دعوى تحتاج إلي دليلٍ وبرهان، فقدَّم الله عزَّ وجلّ الدعوى وطلب عليها منا جميعاً الدليل والبرهان، فخاطب سبحانه وتعالى كل أهل الإيمان – كما استمعنا من أخي القارئ الكريم – وقال لنا عزَّ وجلّ أجمعين: الذي يُحِبُّ الله الدليل على حُبِّه لمولاه، والبرهان على شدِّة حُبِّه لله، هو تحقُقِّه بالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، مع العلم – علم اليقين – أن الدرجات عند الله في الدنيا والآخرة لأتباع رسول الله تكون على قدر متابعتهم لحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

فأغلب المسلمين والحمد لله – ونحن منهم – يتابع رسول الله في هيئات الصلاة، وإن كنا نجد عُذراً لنا لأننا لا نستطيع أن نتابعه في حركات قلبه بين يدي ربِّه وهو في الصلاة، فلا نستطيع أن نشابهه في خشوعه لله، ولا نستطيع أن نقترب من خوفه من مولاه، ولا نستطيع أن نحضر بين يدي الله في الصلاة كالهيئة كان عليها حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

وكلنا يتابعه في الصيام، وكلنا يتابعه في الزكاة، وكلنا يتابعه في أعمال الحج إلي بيت الله جلَّ في عُلاه، ومن يفعل ذلك ويتابعه في العبادات، فهذا له قدرٌ وقسطٌ من الأجر والحسنات، وله مقامٌ عظيمٌ في الجنات، ويكون من أهل اليمين، وما أدراك ما أهل اليمين؟ وما لهم في جنة النعيم إن شاء الله: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ(90، 91الواقعة).

لكن الدرجة العُظمى في متابعة حضرته، والمقام الأكبر في متابعة سنته، في متابعته صلى الله عليه وسلَّم في تعامله مع الخَلْق، وفي أدبه من الحقِّ، في خُلقه العظيم الذي مدحه عليه وأثنى عليه به المولى الكريم، وقال عنه ولنا في شأنه في القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم). وكان أصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين يجعلون هذا الميدان ميدان التنافس في القربات، وميدان التنافس في الأعمال الصالحات، والميدان الذي ينالون به أرفع الدرجات عند رفيع الدرجات، وأعلى المقامات عند ذي العرش عزَّ وجلَّ.

فإن مكارم الأخلاق هي الخصوصية التي من أجلها بُعِثَ هذا النَّبِيُّ إلى الناس، فقد كشف عنها صلى الله عليه وسلَّم فقال: (إنما يُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق)[1]، وكان صلى الله عليه وسلَّم يحرص كل الحرص على أن يُربِّي أصحابه أجمعين على ذلك، أن يربيهم على القول السديد، وعلى الفعل الرشيد، فلا يخرج من ألسنتهم كلمة شاذَّة أو فظة أو غليظة تُغضب الآخرين. انظر إليه صلى الله عليه وسلَّم وقد حدث خلافٌ هامشيّ بين أبي ذرٍ رضي الله عنه وبلالٍ الحبشي، فغضب أبو ذرِّ ومن شدِّة غضبه قال صائحاً لبلال: يا ابن السوداء، فغضب النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم غضباً شديداً، وقام وانتفض، وقال موجهاً القول لأبي ذرٍّ: (أتعيره بأمه!! إنك امرؤٌ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء فضلٌ على ابن السوداء إلا بتقوى الله والعمل الصالح)[2]. حتى هذه المقولة التي يكثر تردادها بيننا، كان النَّبِيُّ لا يسمح بوجودها بين أحبابه وأصحابه المباركين أجمعين، حتى بين زوجاته – وأنتم تعلمون الزوجات أو النساء عامة يكون بينهن الغيرة، والغيرة تكون شديدة بينهنَّ إذا كنَّ زوجات لرجلٍ واحد.

وكانت إحداهنَّ تتحدَّث عن السيِّدة صفية زوجة النَّبِيِّ، وكانت في الأصل يهودية إلا أنها أسلمت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فأخذت تتحدَّث عنها والنَِّبِيُّ يُثني عليها، فلما وجدت أن كلامها لا يزيده إلا ثناءاً عليها، قالت: وماذا يُعجبك فيها؟ إنها قصيرة، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم – ولم يكن لغضبه حدٌّ: (لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَتْ بماء البحر لأفسدته)[3]. كلمة: (إنها قصيرة)!!!. فما بالكم بالكلمات الشديدة العظيمة التي نسمعها في ربوع المسلمين وعلى ألسنة المؤمنين، وتُوجَّه للمؤمنين، ولا تُوجَّه للكافرين ولا إلى المشركين، وإنما تُوجَّه إلى المؤمنين الذين جعلهم الله أخوة ورفقاء في الآخرة في جنة النعيم!!! ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10الحجرات).كل المؤمنين أخوة في دين الله عزَّ وجلّ وعند الله سبحانه وتعالى.

رسَّخ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم الأخلاق التي ينال بها المرء أعلى الرُتب عند الكريم الخلاَّق في حياتهم الدنيا لنتابعه فيها، لنفوز معه صلى الله عليه وسلَّم في الدار الآخرة. كان صلى الله عليه وسلَّم كما وُصِفَ في الكتب السماوية – وُصِفَ في التَّوراة، ووُصِفَ في الإنجيل – فكان في وَصْفِهِ فيهما: (النَّبِيُّ الذي يأتي من بعدي اسمه أحمد، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء، ويفتح به أعيناً عُمياً وآذاناً صُمَّاً)[4]. كان هذا وصفه صلى الله عليه وسلَّم في هذه الكتب السماوية.

وكان من يُريد من هؤلاء القوم أن يدخل في دين الإسلام، يختبر هذه الأخلاق النبوية، فإذا تحقَّق منها، دخل في دين الله وأعلن الشهادتين.

كان النبي صلى الله عليه وسلَّم ـ وهذا مثالٌ واحدٌ في ذلك – كان يمشي بين أصحابه فجاءه قومٌ وشكوا إليه الفقر، وأنهم أصبحوا لا يجدون شيئاً يأكلونه أو يشربونه، فسأل خازن بيت ماله – وهو بلال: (هل عندك شيء؟ قال: لا، فسأل أصحابه الذين حوله: هل عند أحدكم شيء؟ وهنا تدخل هذا اليهودي – وكان عالماً من عُلماء اليهود اسمه زيد بن سعنة – فقال: يا رسول الله إنِّي أقرضك تمراً لتُعطيه لهؤلاء المحاويج، فأرسله وأرسل معه نفراً من أصحابه ليأخذوا منه هذا التمر، ليس لنفسه وإنما لفقراء المسلمين ومساكين المؤمنين الذين هم في حاجة إلى الطعام، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم صلوات ربي وتسليماته عليه.

وجاء الرجل بعد ذلك قبل الميعاد بثلاثة أيام والنَّبِيُّ بين أصحابه، وأمسكه من مجمع ثيابه ورجَّه رجَّاً شديداً، وقال: يا بني عبد المطلب إنكم قومٌ مُطلٌ – أى: لا تدفعون الحقوق – وإنِّي خبيرٌ بكم، فغضب عمر رضي الله عنه – وكان ذا حميِّة لدين الله  ولحبيب الله ومصطفاه – وأمسك بسيفه وعلا به ليقطع به عنقه، وقال: يا رسول الله إئذن لي أن أقطع عُنق هذا الكافر. فانظر إلي الحبيب وإلى جمال أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلَّم، قال: (يا عمر، كلانا أولى بغير هذا منك، تأمره بحُسن المطالبة، وتأمرني بحُسن الأداء، يا عمر: خذه وأعطه ما له وزده عشرين صاعاً جزاء ما روَّعته).

فإنه لما رأى السيف مرفوعاً على رأسه اعتراه وانتابه خوفٌ شديد، فأعطه زيادة عشرين صاعاً من التمر نتيجة هذا التخويف وهذا الترويع، فأخذه عمر وذهب ليُعطيه فلما استوفى ما له وزاده ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلَّم له، قال: يا عمر هل تعرفني؟ قال: لا – قال: أنا زيدٌ بن سعنة، قال له: الحبر؟ والحبر يعني العالم عند اليهود ـ قال: نعم، قال: ما الذي جعلك تصنع هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ قال: يا عمر إنِّي اختبرت أوصاف النَّبِيِّ الموجودة عندنا في التوراة، ولم يبقَ فيها إلا وصفٌ واحدٌ أردت أن أتأكد منه اليوم، وقد تأكدت منه الآن، قال عمر: ما هو؟ قال: عندنا في التوراة في وصفه: [لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلماً]. كلما زاد جهلاً كلما زاد الحبيب صلى الله عليه وسلَّم حلماً، لأنه كما قال الله في شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107الأنبياء).

قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن أقربكم منِّي مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون)[5]، أو كما قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد له ربِّ العالمين، الذي أكرمنا وكرَّمنا وجعلنا من عباده المسلمين، وأعلى شأننا عند خلقه وبين جميع الأمم فجعلنا خير أمة أخرجت للناس أجمعين، وشرَّفنا في الموقف العظيم، فجعلنا أول أمةٍ تُحاسب، وأوَّل أمة تدخل الجنة، وجعل حسابنا بفضله، وحساب الأمم الأخرى بعدله، كل ذلك إكراماً لحبيبه وصفيه صلى الله عليه وسلَّم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل دعوة الإسلام ودعوات كل الأنبياء والمرسلين للحضِّ على مكارم الأخلاق ومجامع الصفات، وأعلن على لسان نبيِّنا الكريم: (أن الله يُحبُّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ كان على خُلقه).

       وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسوله، نبيُّ الرحمة الذي كان يُعبِّر عن ذاته فيقول: (أنا نَبِيُّ الرحمة). اللهم صلِّى وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، واجعلنا من أهل رحمته، واجعلنا من الموصوفين في كتاب الله: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29الفتح).

أيها الأخوة جماعة المؤمنين:

جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم الباب لمن أراد أن يكون من المقربين، أو من أهل المنازل العالية عند ربِّ العالمين، وأعلى المنازل أن يكون الإنسان مِنَّا في الآخرة مع النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم في منزلة واحدة ودرجة واحدة، بيَّن النبيُّ ذلك، فجعل ميزان ذلك مكارم الأخلاق، فالمسلم الذي يريد أن يلحق هذه المنازل ويدخل في قول الله: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(88، 89الواقعة). عليه أن يتخلَّق بما أمر سيِّد الأولين والآخرين.

سُئل النبي صلى الله عليه وسلَّم عن المسلم؟ فأعطانا التعريف والميزان الذي نزن به الأفراد، لنعلم حقيقة كل مسلم، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[6]. يسلم المسلمون من لسانه، فلا يسُبُّ أحداً، ولا يشتم أحداً، ولا يغتاب أحداً، ولا ينُّم بين اثنين، ولا يُوقع بين طائفتين أو شخصين أو عائلتين أو شعبين، ولا يخرج من لسانه إلا القول العفُّ الذي لا يؤذي أحداً.

وشبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم هذا المسلم بتشبيه عظيمٍ، فقال صلوات ربي وتسليماته عليه: (مثل المؤمن كالنحلة: لا تقف إلا على طيِّب ولا يخرج منها إلا طيِّب)، وفي رواية: (مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيباً، ووضعت طيباً، وإذا وقفت على عود هشٍّ فلم تفسد ولم تكسر)[7]. فلا يقف إلا على مجالس الخير، مجلس الذكر، مجالس القرآن، مجالس العلم، مجالس الصُلح، مجالس الهُدى والنور، ولا يخرج منه إلاَّ الكلام الطيب الذي فيه شفاءٌ للناس، كالعسل الذي يخرج من النحل. فكلامه يشفي الصدور، فإذا خاطب إنساناً عنده ضائقة كان كلامه بلسماً له يجعله يستشعر بقرب تفريج الضائقة، وإذا حدَّث مُصاباً جعل الحُزن يُمسح منه ويعيش حياته الطيبة. وإذا حدَّث غاضباً شكم غضبه وتجمَّل بالحلم، ويكون كلامه بلسماً وشفاءً للمسلمين أجمعين.

(سلم المسلمون من لسانه ويده)، لا تكتب يده شكوى كيدية في مسلمٍ يريد إلحاق الأذي به بدون دليلٍ أو بيِّنة، وما أكثر هذا في ربوع المسلمين الآن، لا يرفع السلاح على مؤمن، حتى ولو كان سِكِّيناً صغيراً أو خنجراً أو غيره، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (من حمل علينا السلاح فليس منا)[8].

وسُئل صلى الله عليه وسلَّم: هل لقاتل المسلم توبة؟ قال: (لا، ليس لقاتل المسلم توبة)[9]، لأن المؤمن لا يروِّع المؤمن، ولا يجعل المؤمن يعيش خائفاً وجلاً من إخوانه المؤمنين، أين يجد الأمن والأمان إذا كان يُروَّع في بيته؟ ويُروَّع في بلده، والذي يُروِّعه إخوانه المسلمون!! لو أن الذي يُروِّعه الكفار واليهود لهانت عليه الشُقَّة، فهم أعداء الله ورسوله، لكن الذي يُروِّعه يزعُم أنه يصلِّي لله، وأنه بفعله هذا يجاهد في سبيل الله، وأنه يبغي من ورائه درجة الشهادة عند الله، وهؤلاء كذبوا فيما قالوا، لأن الذي يُكّذِّبهم هو كلام الله وأقوال وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (لا ينبغي لمؤمنٍ أن يُروِّع مؤمناً)[10].

انظر إلي حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم ولِمَ قال هذه العبارة؟!! دخل مسجده المبارك، وبعد أداء الصلاة بحث مؤمنٌ عن حذائه فلم يجده، لأنه كان هناك رجلٌ يمزح معه فأخذ حذاءه ووضعه في مكانٍ آخر بدون علمه، فغضب الرجل وأخذ يبحث عن حذائه، فلما رأى شدة غضبه له أتي له بحذائه، فغضب النبيُّ وقال: (لا ينبغي لمؤمنٍ أن يُروِّع مؤمناً). إذا كان من نقل الحذاء من موضعه – ولم يسرقه – قد روَّع هذا المؤمن كما قال الحبيب الأول صلى الله عليه وسلَّم، فما بالك بمن يسرق المؤمنين؟!! ويقطع الطريق على المؤمنين؟!! ويُثبَّت المؤمنين السائرين على الطريق ويستلبهم ما معهم؟!! ولا يفعل ذلك ولا يستطيع أن يفعل ذلك مع الكافرين، إن هذا يا إخواني إذا حكمنا عليه بحديث رسول الله، أفعاله هذه تقول: أنه ليس من المسلمين: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[11].

أما المؤمن فقد قال فيه: (ليس المؤمن بسبَّاب ولا لعَّان ولا فاحش ولا بذيء)[12]. المؤمن الذي يراقب الله ويخشاه، ويعلم أنه يسمع حديث لسانه بل ويسمع باطنه ونجواه، يستحي أن يخرج من فيه قولٌ يُغضب الله، يستحي أن يقول لفظة خادشة للحياء، أو لفظة فيها غُبنٌ لمؤمنٍ من المؤمنين الأحياء، فما بالكم بالأموات؟

إن النبيَّ أدَّبنا مع الأموات فقال: (أذكروا محاسن موتاكم)[13]. ما لقومٍ من المؤمنين ينتهكون عرض المؤمنين السابقين، ويُقبِّحون هذا العالم ويُشنعون على هذا الولى، مع أنه مات وموجودٌ في عالم البرزخ؟

هل هذا هو الأدب الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ علمنا إذا أردنا أن نذكر الأموات نذكر مزاياهم، نذكر محاسنهم، نذكر أعمالهم الطيبة، نذكر أخلاقهم الحسنة، وكما وارت الأرض أجسادهم فالمؤمنون يُوارون عورات إخوانهم التي خرجت منهم في حياتهم الدنيا، أدباً معهم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

من سار على ذلك وكانت أخلاقه كذلك، فذلك يكون عند الله من المقربين: إذا كان يوم القيامة فلو كان من أهل الميزان، يقول فيه النبيُّ العدنان: (تجدون أثقل شيءٍ في موازينكم يوم القيامة خُلقٌ حسن)[14]، فالخُلُق الحسن هو الذي يُثقِّل الميزان.

وإن كان خُلُقه يتابع فيه الحبيب فسيكون يوم القيامة في منزلة قريبة من الحبيب، (إن أقربكم منِّي مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً – يعني المتواضعون لخلق الله – الذين يألفون ويؤلفون)[15]، يألفهم الناس لحُلو حديثهم، ويألفون الناس لصفاء قلوبهم وطهارة نفوسهم. بينما قال الحبيب في أضدادهم: (المؤمن إلفٌ مالوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)[16]، الذي يحترز منه الناس ويأخذون منه حذرهم، ويبتعدون عنه من زلقة لسانه، أو خوفاً من شروره وآثامه، هذا يقول فيه النبيُّ أنه لا خير فيه: (لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف).

هذا النهج الكريم الذي وضعه النبيُّ العظيم، ويُبلِّغ أعلى درجات التكريم، لو اتبعناه في حياتنا لأصلح الله جميع شئوننا، ولأصبح مجتمعنا خير مجتمعٍ في الأرض، يصير أهله كما يقول فيهم النبيُّ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضوٌ منه، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى)[17].

جماعة المؤمنين نحن في حاجة إلى ثورة للرجوع إلى أخلاق نبيِّنا، وإلى أخلاق المسلمين الأولين، وإلى أخلاق الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، حتى يُصلح الله شأن هذا المجتمع، ويُغيِّر حالنا إلى أحسن حال، لأن التغيير مُعلقٌ بذلك.

نسأل الله عزَّ وجلّ في هذا الوقت المبارك الميمون، أن يُحٍّسِّن أخلاقنا، وأن يُهذِّب طباعنا، وأن يُذهب فساد نفوسنا، وأن يُطهِّر قلوبنا، وأن يرزقنا الوُدَّ والحبَّ لبعضنا، وأن يجعلنا أخوة متآلفين متوادِّين متباذلين متعاونين على البرِّ والتقوى في كل وقتٍ وحين، وأن يقضي على المفسدين في هذا البلد، وأن يقضي عليهم قضاءاً مُبرماً، وأن يجعل مصر كلَّها في صلاحٍ وإصلاح، وأن يتولاهم برعايته وعنايته، وأن يُغدق عليهم خيره وبرِّه على الدوام، ويغنيهم عن الحاجة إلى الأعداء واللئام، ويجعلهم في غنيٍ من الله عن جميع الأنام.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا ربَّ العالمين.

اللهم وليِّ بلادنا رجلاً يقوم بشريعتك، ويُصلح شأن العباد والبلاد، ويقضي على الفساد والإفساد، وينتقم من اليهود والكافرين ومن عاونهم أجمعين، ويكون على يديه جمع العرب والمسلمين، حتى يكونوا أمة واحدة أمام الكافرين والمناوئين.

اللهم بارك لنا في زروعنا، وبارك لنا في ضروعنا، وبارك لنا في أولادنا وبناتنا، وبارك لنا في مائنا ونهرنا، وبارك لنا في كل شيءٍ لنا أو حولنا، واجعلنا مباركين أينما كنا وحيثما كنا يا أكرم الأكرمين.

 عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

*****************

                       

            

[1] رواه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[2] رواه الإمام البخاري عن أبي ذرٍ رضي الله عنه.

[3] راوه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها.

[4] البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

[5] رواه الإمام الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

[6] رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه.

[7] البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[8] البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه.

[9] روى النسائي عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا، وقرأت عليه الآية التي في الفرقان: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق)، قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم)(النساء).

[10] البزار عن بن عمر رضي الله عنهما.

[11] رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما

[12] رواه البخاري في الأدب وأحمد وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

[13] رواه أبو داود والترمذي عن عمران بن أنس

[14] سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها

[15] مكارم الأخلاق للطبراني عن جابر رضي الله عنه.

[16] البيهقي في الشعب عن جابر رضي الله عنه.

[17] البخاري ومسلم وأحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

………………………………..

                خطبة الجمعة بالمسجد العتيق- طفنيس المطاعنة – محافظة الأقصر
 31/1/2014م الموافق 30 ربيع الأول 1435هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid