• Sunrise At: 5:28 AM
  • Sunset At: 6:22 PM

Sermon Details

5 أكتوبر 2022

صور ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

صور ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله الذي أكرمنا بهداه، وملأ قلوبنا بحب حبيبه ومصطفاه، وأشهدنا جماله وكماله في ورثته القائمين بالله لله، ورضي الله تبارك وتعالى عن مولانا الإمام محمد ماضي أبو العزائم الذي أكرمنا الله به في الدنيا، فأثلج صدورنا بعلومه الوهبية، وأشرق في قلوبنا بأنواره السرمدية، وأخذ بأيدينا بلا حَول منا ولا طَول إلى الحضرة المحمدية.

قرأت كل كتب السابقين – والحمد لله – عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الإمام أبو العزائم جاء بأمر جديد يقول فيه له: (عشقتك كشفاً لا سماع رواية) ليس من رأى كمن سمع، فوصَفه صلى الله عليه وسلَّم عياناً.

ولذلك يقف الإنسان منا مع عبارة صغيرة من كلمات الإمام أبي العزائم ويتوه أياماً كثيرة لما فيها من علوم لا تُعد ولا تُحد رغم قلة ألفاظها، ولم يكشف الستار أحد من السابقين كما رأينا وقرأنا وعلمنا عن أنوار سيد الأولين والآخرين كما أماط عنه اللثام هذا الإمام الوارث رضي الله عنه وأرضاه.

قرأت كلامه عن الحضرة المحمدية مرات كثيرة في كتابه (الطهور المدار على قلوب الأبرار) وفي كل مرة ينكشف لي معان جديدة في هذا المقام، فاستشففتُ شيئاً من الفهوم أحببتُ أن أشارككم معي فيه:

كل من يصف ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من السابقين واللاحقين يبدأ من ميلاده الخَلقي، يعني من ساعة الحمل والوضع والرضاع وما فيها من إرهاصات، فكل ما ظهر من آيات في هذه الفترة لا تسمى معجزات وإنما تسمى إرهاصات، لكن المعجزات تظهر على النبي بعد تكليفه بالرسالة.

هذه الإرهاصات لم تحدث للأولين ولا الآخرين، ويكفي فيها قول الإمام البوصيري وهو سيد القائلين في هذا الكلام عن حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم:

فاق النبيين في خَلق وفي خُلق

ولم يدانوه في علم ولا كرم

فمبلغ العلم فيه أنه بشر

وأنه خير خلق الله كلهم

لكن فوجئنا بفحل الفحول رضي الله عنه وأرضاه يأتي لنا بالميلاد الحقي، والميلاد القدسي، والميلاد النوراني الذي لم يكتب عنه أحدٌ من السابقين قليلاً ولا كثيراً، ويُعلمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم له صور لا تُعد ولا تُحد كلها مجملة بجمال الواحد الأحد تبارك وتعالى.

صورة الجمال الذاتي

أول الصور، صورة مجملة بالجمال الذاتي، واحتفى فيها الله بحبيبه قبل خلق الخلق، وقبل خلق الكائنات، فقد قال الله تبارك وتعالى له قبل خلق الملائكة الراكعين والساجدين والعابدين: ” قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ” (81الزخرف).

والعظمة في هذا الرجل وهو الإمام أبو العزائم أنه يميط اللثام عن أسرار القرآن وأنوار القرآن، لأنه صاحب البيان الأعظم للقرآن إلهاماً من حضرة الرحمن تبارك وتعالى، لا يتكلم بدون سند أو دليل، وإنما معه الدليل من القرآن، ومن سُنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلَّم مبيناً:

{ كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ }[1]

من أول من خلقه الله؟ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وماذا كان يصنع؟ كان يطوف حول العرش يحمد مولاه بمحامد يلهمه بها الله لا نستطيع تحمُلها لو سمعناها، كالمحامد التي يحمد بها الله عندما يسجد تحت العرش ويقول:

{ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ }[2]

فكان هذا الميلاد القدسي أو الميلاد الذاتي لحضرة النبي، وهذا المقام لم يستطع أن يلجه أمين الوحي جبريل، فإن أمين الوحي جبريل في رحلة المعراج وقف عند سدرة المنتهى، وقال: إلى هاهنا انتهى مقامي، وما منا إلا له مقام معلوم، قال: أهاهنا يترك الخليل خليله؟ فقال: أنا لو تقدمتُ قدر أنمُلة – يعني طرف الإصبع – لاحترقت، وأنت لو تقدمت لاخترقت، لماذا؟ لأن جبريل نوره ملكوتي ولا يستطيع أن يرتفع عن الملكوت قدر أنملة، لكن الحبيب نوره ذاتي: ” وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ” (29الحجر).

فالنور الذاتي هو الذي يخترق كل الآفاق، وهو الشمس التي ليس لها انمحاق، وهو القمر الذي يظهر جلياً في قلوب العشاق صلى الله عليه وسلَّم.

الصورة الروحانية

ثم بعد ذلك أظهر الله سبحانه وتعالى الصورة الروحانية للحضرة المحمدية، بعد خلق جميع البرية، فإننا في الخلق متساوين في الأرواح عند رب العالمين بعد سيد الأنبياء وإمام المرسلين: ” وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ” كلنا لم يستثني أحد: ” ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ” صوَّر الجميع، وبعد الخلق والتصوير خلق جسم آدم ونفخ فيه من روح حبيبه ومصطفاه: ” ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لادَمَ ” (11الأعراف).

فخلق الله أول ما خلق أرواح النبيين والمرسلين، وجاء بأُولي العزم منهم أولاً ليحتفوا بظهور الحبيب، وقال الله عن ذلك في أول سورة الأحزاب: ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ” ثم بدأ بأفضلهم وأكرمهم وأعظمهم: ” وَمِنْكَ ” وهذا أولاً، ثم ذكرهم بحسب الترتيب الزمني: ” وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ” (7الأحزاب) لم يقُل: وأخذنا منكم، وإنما قال: (منهم) إذاً الميثاق لحضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم والمُواثق له هو مولاه جل في عُلاه.

الاحتفاء الثاني والصورة الثانية لسيدنا رسول الله صورة ذاتية وصورة روحانية، لأن هؤلاء أرواح، وفيها يقول صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ }[3]

وهل يوجد إنسان ليس طيناً وليس روحاً؟ لا، فالإنسان طين مُجملٌ بالروح إذا اكتمل في الدنيا، وكان روحاً بغير طين قبل خلق الخلق وعند خروجه من الدنيا، لكن بين الماء والطين ماذا تعني؟ يعني لم يكن آدم، وكان صلى الله عليه وسلَّم مواجهاً لذات مولاه، يعلمه الله علوماً خصَّه بها، ويعبد الله عبادة انفرد بها ولم يشاركه في هذه العبادة سواه، ولم يدانيه أحد من الأولين ولا الآخرين ولا الملائكة ولا الجن في هذا المقام؛ مقام القرب من مولاه تبارك وتعالى: ” فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ” (9-10النجم).

ظهرت الصورة الروحانية أولاً لأُولي العزم من النبيين، ثم أظهرها الله لجميع الأنبياء والمرسلين، قال سيدنا أبو ذرٍّ رضي الله عنه: يا رسول الله كم النبيون؟ قال:

{ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ }[4]

المذكور منهم في القرآن خمسة وعشرين، لكن الله قال: ” مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ” (78غافر) لم يُذكروا كلهم في كتاب الله تبارك وتعالى، والذين ذُكروا كانوا بأمر من الله إلى حبيب الله ومصطفاه: ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ” (41مريم) من الذي يتكلم؟ الله، ويأمر سيدنا رسول الله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى ” (51مريم) ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ” (54مريم) ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ” (56مريم) الله الذي أمره أنه يذكر هؤلاء، لأن هؤلاء لهم مواقف تحتاج إليها الأمة لتفهمها وتفيدها في تقربهم إلى الله تبارك وتعالى.

جمع الله سبحانه وتعالى النبيين والمرسلين وهم أرواح نورانية، وقال لحبيبه خير البرية: ” وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ” (81آل عمران)

(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ) بالإسم الجامع لجميع الأسماء والصفات، لم يقُل باسم الرب ولكن باسم الله وهو الاسم الجامع لجميع الأسماء والصفات الجمالية والجلالية والكمالية.

(وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) الميثاق يعني العهد.

(لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ ” انظر إلى لطف العبارة، فلم يقُل نبي، ولكن (رسول) يعني هو رسول المرسلين والنبيين، فيقول الله في حق النبيين والمرسلين: (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ) ويقول لنا نحن كلنا: ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ ” (128التوبة) فوضعنا في هذه المنزلة العالية، فأصبحت الأمة وأفراد الأمة في منزلة النبيين والمرسلين بنص كلام رب العالمين.

(ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ) يعني لا شيء يُرفع إلا إذا وافق عليه.

قبول توبة التائبين

ولذلك عرَّفنا نحن أن من يُريد أن يتوب إلى الله من أي ذنب، ماذا يفعل؟ يقدم طلب إلى الله، هل ستقدم طلب في وقت السحر؟ أو في الكعبة المشرفة؟ أو على عرفات؟ لا، لا بد وأن يُرفع من سيد السادات: ” وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله ”  أيكفي هذا؟ لا، وماذا أيضاً؟ ” وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا ” (64النساء) لا بد من تزكية الرسول صلى الله عليه وسلَّم، هنا يجدوا اسم التواب واسم العفو واسم الرحيم، والأسماء الجمالية الخاصة بالتوبة للمسيئين من الأمة المحمدية.

ونفرض أنني لا أستطيع أن أذهب إلى المدينة المنورة، ماذا أفعل؟ كما فعل أبوك آدم عندما وقع في الخطيئة، قال صلى الله عليه وسلم:

{ لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا آدَمُ! وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: لأَنَّكَ يَا رَبِّ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكِ رَفَعَتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ وَإِذْ سَأَلْتَنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَلَوْلا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ }[5]

فهذا طريق سهل جداً، كما قال الإمام أبو العزائم على لسان الحضرة المحمدية:

فروحي لم تغب والروح نور

تواجه من أُحب بنور نوري

نور رسول الله يملأ الكون بأجمعه، فالإنسان عندما يتوسل إلى الله بسيدنا رسول الله يغفر الله له الذنب ويستر له العيب.

وهل هذا الكلام حدث في أصحاب النبي في حياة النبي؟ نعم، فالرجل الذي كُفَّ بصره وذهب يشكو حاله لحضرة النبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

{ أَوَتَصْبِرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجَلِّي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي، قَالَ عُثْمَانُ بن حنيف: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا، طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَر }[6]

وفي رواية أخرى:

{ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ، مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ }[7]

بعض المنكرين قد يقولون: هذا حدث لأن حضرة النبي هو الذي قال للرجل، فنقول لهم: عَنْ عثمان بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه:

{ أَنَّ رَجُلا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَاجَتِهِ، وَكَانَ عُثْمَانُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَشَكَى إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتَقْضِي لِي حَاجَتِي، وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ، ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرْفَعَ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَصَنَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَاءَ الْبَوَّابُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ }[8]

فاستجاب الله عز وجل له، لأنه تشفع إليه برسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) وهذا نص صريح بأن كل الأنبياء إمامهم ورسولهم الذي ينبغي أن يؤمنوا به هو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

نصرة الأنبياء للنبي

(وَلَتَنصُرُنَّهُ) أي توضحوا صفاته وأخلاقه وتشريعاته هو وأصحابه لأممهم، وإذا ظهر وأنتم في الدنيا ينبغي عليكم أن تؤمنوا به وتسلموا له وتناصروه صلى الله عليه وسلَّم.

ولذلك الأنبياء طلبوا تجديد البيعة بعد الرسالة، لأن الله قال: (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ) فجمعهم الله في بيت المقدس في رحلة الإسراء والمعراج وصُفُّوا في سبعة صفوف، وأمسك الأمين جبريل بيده الشريفة وقال له: تقدم فصلِّ بهم أنت الإمام لهم، كيف صلَّى بهم؟ لا شأن لنا بذلك ولا نشغل بالنا وفكرنا بهذا الأمر.

فالصلاة في اللغة معناها الدعاء، فقد يكون دعا وهم أمنُّوا عليه، أو صلَّى على ملة إبراهيم، فلا تشغل نفسك بهذا الأمر، المهم أنه الإمام لهم، فكان صلى الله عليه وسلَّم كما قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مخاطباً لحضرته:

صليت متوجهاً لله معتصماً

حتى بدا نور المفاضلة

أبوهم أنت يا سر الوجود ولا

فخر وسرهمُ قبل المعاينة

هو أبوهم وهو سرهم قبل أن يعاينوه، وذات الله عز وجل لا يراها أحدٌ على الإطلاق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولكن تُرى في أفق مبين، فكان هو الأفق المبين الذي تجلى عليه رب العالمين بأوصافه النورانية وأسمائه وصفاته الإلهية فكانت شاشة القرب للأنبياء والمرسلين، وقال لهم ربهم: (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).

الصورة النورانية

ثم بعد ذلك ظهرت الصورة النورانية التي أخذ الله فيها البيعة على الملائكة أجمعين، بعد أن أظهر جماله ونوره في ظهر آدم، وقال لهم الله تبارك وتعالى: ” اسْجُدُواْ لآدَمَ ” (34البقرة) والسجود هنا يعني التعظيم وليس كسجودنا الذي في الصلاة، فمن رأى طينة آدم مزينة بزينة رسول الله سجد لله، ومن رأى الطين كإبليس ولم يرى الزينة امتنع عن السجود لحضرة الله، وفي ذلك يقول الرجل الصالح سيدي علي وفا رضي الله عنه:

لو أبصر الشيطان طلعة نوره

في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأى النمروز نور جماله

عبد الجليل مع الخليل وما عند

لكن جمال الله جَلَّ فلا يُرى

إلا بتخصيصٍ من الله الصمد

ثم الصورة الدنيوية، ، ثم الصورة المعنوية، وهي صورة أخلاقه التي قال فيها رب البرية: ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقِ عَظِيمٍ ” (4القلم) خُلقِ مضاف والعظيم مضاف إليه والعظيم هو الله، فأنت على أخلاق الله سبحانه وتعالى.

وهناك صورة برزخية، وهناك صورة حشرية، وهناك صورة جنانية، صور لا تُعد للحضرة المحمدية، والذي يُريد أن يكشف الستار عنها يذهب للمواجيد العزمية فإن فيها عصارة القرآن، وفيها الأسرار التي لا تلوح إلا لأهل العيان، وفيها البيان لأهل البيان الذين يأخذون البيان عيان.

أسأل الله تعالى أن يشرق في قلوبنا بأنوار حضرته الذاتية، وأن يجعلنا من الذين لا يغيب عنهم طرفة عين ولا أقل، وأن يكرمنا من بحار جوده وفضله، وأن يجعلنا من أهل كمال وصله، وأن يجعلنا في الدنيا نتمتع بجمال مُحياه، وفي الآخرة نحظى بجواره ونتملى بالنظر في وجه الله، وفي الجنة نكون من أهل جواره أجمعين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] مسند الشاميين للطبراني وأبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[2] البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه

[3] مسند أحمد وابن حبان عن العرباض بن سارية رضي الله عنه

[4] الحاكم في المستدرك والطبري عن أبي ذر رضي الله عنه

[5] دلائل النبوة للبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[6] دلائل النبوة للبيهقي والدعاء للطبراني عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه

[7] جامع الترمذي وابن ماجة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه

[8] دلائل النبوة للبيهقي والدعاء للطبراني عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه 

الأحتفال بالمولد النبوى الشريف -مسجد الإمام أبو العزائم – القاهرة درس بعد صلاة العشاء

الأربعاء 9 من ربيع الأول 1444هـ 5/10/2022م1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid