الحمد لله الذي أكرم هذه الأمة بما يحبَّه ويرضاه، ووفقهم لسبيل السعادة في الدنيا وطريق الفوز والفلاح والنجاح يوم لقاء الله.
وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له، جعل الإنسان درَّة الأكوان، وخليفة الرحمن. صاغه بيديه، وجمَّله بأوصافه، وكمَّله بعلومه الإلهية، وجعل له في دار الدنيا الدَّنية جنةً وارفةً تقيَّة، هي الزوجة الصالحة التي قال فيها لها خير البرية r: (ما استفاد المرء بعد تقوي الله U خيراً من زوجةٍ صالحة، إذا أمرها أطاعته، وإذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفظته)[1].
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُهُ ورسوله، إمام المتَّقين، ونبيُّ المرسلين، وناهجُ سبيل الهدي والرشاد لعباده الصالحين أجمعين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك علي سيدنا محمد مفتاح باب الجنة، وباب دار السعادة، وصاحب لواء الحسنى والزيادة.
صلَّي الله عليه وعلي أهله الغُرِّ الميامين، وصحابته المباركين، وكل من استجاب لهديه ومشي علي شرعه إلي يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين. أما بعد …
فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين: اعلموا علم اليقين أن زواج العبد المؤمن بشابةٍ تقيَّةٍ من عباد الله المسلمين؛ يَفْرَحُ بهما سكان الأرض، ويفرح لهما ملائكة السماء، وتنـزل الملائكة لتشهد هذه الأفراح، وتدعوا لهم وتكلِّلهم بالنجاح، لأنهم نفَّذوا سنَّة نَبِيِّ الكريم الفتاح – r. وقد وعد الله U الشباب – إذا أرادوا النكاح للعفاف – بأن يُعِينهم الله ويَمُدُّهُمْ بمدده الذي لا ينقطع[2]. ولذلك يا أحباب، تدبَّروا معي، وانظروا إلي شبابنا في بلدنا مصر كلِّها، واسألوا كلَّ شابٍ تزوَّج: كم أنفقت؟ يقول: كذا وكذا من المبالغ التي نراها طائلة!! وإذا سُئل: من أين أتيت بها؟ ومن أين جاءتك؟ يقول في أغلب الحالات: لا أدري!!
لأنه عندما صَدَقَ في نيَّته، وأراد أن يُنَفِّذَ سُنَّة حبيب الله ومصطفاه، فإن الله U يتولاه بمعونته وكفايته علي الدوام، سرَّ قول الله U: )وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( (3، 4الطلاق).
ولذلك ورد أن رجلاً من أصحاب حضرة النبيِّ r، وكان به فقر وفاقة، وقال: يا رسول الله، إني فقير وأريد أن أخرج من هذا الفقر. فقالr: تَزَوَّجْ. فتزوَّجَ الرجل ولكنه ظل علي حالته، فذهب إلي رسول الله r وقال: يا رسول الله تزوجتُ ولكن الفقر علي حالته فقال r: تَزَوَّجْ. قال: إني تزوَّجت. قال النبي: تَزَوَّجْ؛ فتزوج المرأة الثانية، فجلست الاثنتان معاً فقالت الأخيرة للأولى: أنجلس هكذا في المنـزل؟ إني أجيد الغزل، وأعلمك الغزل، ونشتري الصوف ونغزله وننسجه، وزوجُنا يبيعه. وعملا مصنعاً صغيراً في بيتهما، يغزلان الصوف وينسجانه، ويبعُه الزوج؛ فأغناهما الله U بِسِرَّ هذا الزواج المبارك الذي جعله الله U سُنَّةً طيِّبةً لأمة حبيبه ومصطفاه r.
وليس معني ذلك أن يفهم البعض أني أدعو إلي تعدُّد الزوجات؛ لا، فإنَّ الله U جعل حدوداً شرعية في آياته الإلهية، فإذا كان المرء لا يستطيع أن يفتح بيتين وينفق علي الاثنتين، ولا لديه القوة المالية والبدنية أن يعدل بين الاثنتين، فإن الله يقول له: )فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً( (3النساء)، أما الزوجة الثانية فجعلها الإسلام لِحكَمٍ تجلُّ عن الحصر، ومنها ما رأيناه في صغرنا وشبابنا -كأنْ يتزوَّج رجلٌ وينجب أولاداً ويموت وهو صغيرٌ، ويحتار إخوته مَنْ يُرَبِّي أولاد أخيهم؟ ومن يقوم بإعالتهم وإعاشتهم؟ فيدعون أحدهم للزواج من امرأة أخيه؛ ليتربي أولاد أخيهم في حجره، وتكون أمهم هي التي تقوم بمهامهم.
أو رجلُ تزَّوج فتاة – وهي صالحة، ولا يريد أن يفتقدها – ولكنها لأمر يعلمه الله لا تنجب، ولا يريد أن يطلقها لأنها محبوبة إلي نفسه، فلا مانع أن يتزوَّجَ أخري ليحظي بنعمة الولد التي جعلها الله U من النعم العظمي التي يفيضها علي الإنسان في دنياه: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( (46الكهف).
أو امرأة صالحة تزوَّجها ولكنها أُصِيبَتْ بمرضٍ لا تستطيع المعاشرة، وهو شابٌ لا يستطيع أن يحفظ نفسه، ولا يريد أن يفرَّط فيها لما قَدَّمَتْ له من خدمات وإكرامات؛ فأتاح له الإسلام أن يتزوج أخري؛ حتى يقضي شهوته في الحلال، ويحتفظ بالأولي.
هذه هي الأسباب التي أباح من أجلها الإسلام تعدد الزوجات، أما إذا لم تكن هذه الأسباب موجودة فينبغي على المؤمن أن يكتفي بواحدة.
ونحن جميعاً نعلم أن الحبيب r وهو الهادي والقدوة المُهداة لنا، انفرد بالسيدة خديجة رضي الله عنها، من سن الخامسة والعشرين إلي سن الخمسين – خمسة وعشرون سنة لم يتزوج غيرها – ولم يفكر بالزواج من غيرها، حتى لقيت الله U. وعندما لقيت الله U كان لابد له أن يتزوج بغيرها، فاختاروا له امرأة كبيرة في السِّنِّ لا مطمع فيها، ولكنها تقوم برعاية بناته صلوات ربِّي وتسليماته عليه. وكانت زيجاته الأخرى كلها لأسباب دينية ربانية، وليست لأسباب شهوانية ولا دنيوية.
أسال الله أن يفقهنا في الدين ويلهمنا رشدنا, وأن يجعلنا نتأسى ونقتدي بحبيبه ومصطفاه r، وأن يكشف عنا حجاب الجهل حتى نعلم علوم أهل اليقين. وأسأل الله U أن يبارك في الزوجين، وأن يجعلهما دائماً وأبداً في ألفة ومودة ومحبَّة علي الدوام، وأن يبارك له فيها، ويبارك لها فيه، ويبارك بينهما، ويخرج منهما الذريَّة الطيِّبة الحكيمة، ويجعلهما يكتفيان ببعضهما فلا ينظران إلى الآخرين، ويجعلهما دائماً بشرع الله عاملين، وبسُنَّة الحبيب مستمسكين، ويوسع لهم الأرزاق الحلال، ويغنيهم بفضله عن جميع الخلائق أجمعين.
وصلى الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبة وسلم
عندنا في الإسلام العَقْدُ لابد له من وليٍّ ولابد له من شُهُود. ونحن جميعاً شُهُودٌ على هذا العقد، والشُّهُود في نَظَرِ الإسلام لهم مواصفات كبيرة عند الفقهاء:
فالإمام الشافعي t يشترط لمن يشهد أيَّ شهادة ألا يكون قد نزع غطاء رأسه قطّ، وأن لا يكون قد أكل في الطريق أو في السوق – ولو مرة واحدة، وأن لا يُكتب عليه في عمره مرة كذبة واحدة. أين هذا الشاهد؟!!!! فأخذت الدولة بمذهب الإمام أبي حنيفة t الذي قال: قال r: (التَّوْبَةُ تَجِبُّ مَا قَبْلَهَا)[3]. إذا تاب الإنسان فإن الله يغفر له كل ما حدث منه، ولذلك نبدأ دوماً بالتوبة، فنقول جميعاً:
(نستغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحيّ القيوم ونتوب إليه، تُبنا إلي الله، ورجعنا إلي الله، وندمنا علي ما فعلنا، وعلي ما قولنا، وعزمنا علي أننا لا نعود إلي ذنب أبداً، وبرئنا من كل شيء يخالف دين الإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله). أصبحنا كلنا شهوداً علي مذهب الإمام أبي حنيفة، ولذلك الزواج عندنا علي مذهب مَنْ؟ علي مذهب أبي حنيفة t.
انتهى درس عقد القران
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
**************************
[1] رواه أبو داود والحاكم، وروى ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله).
[2] روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ثلاثة حق على اللّه عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل اللّه).
[3]أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين ، بقية حديث عمرو بن العاص ، برقم 17357 بلفظ : (إن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، ...).
1عقد قران بعد الدرس – مسجد الطومية – طفنيس
عقب صلاة العشاء الخميس 29 ربيع أول 1435هـ الموافق 30-1-2014م