Sermon Details
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السؤال الأول:
ما الفرق بين عين القلب، وعين الروح؟ وكيف أفتحهما؟
الجواب:
هذا السؤال في حد ذاته ليس بكافٍ، فإن العيون التي جعلها الله عز وجل في الإنسان الذي إختاره خليفةً عن حضرته في الأكوان، عيونٌ كثيرة:
أولها: عين الحسِّ، وهي العين التي في الرأس، وسُميت عين الحس لأن الإنسان لا يشهد بها إلا المحسوسات، ولكن لا يستطيع أن يشهد بها الغيبيات، ولا ما في باطن المحسوسات.
وتُسمى أيضاً عين الظاهر، لأن الإنسان لا يرى بها إلا المظاهر الظاهرة التي فيه، والتي في الأكوان.
وهناك عين القلب وعين القلب يقول فيها الإمام ابو العزائم رضي الله عنه وأرضاه:
بعين الروح لا عين العقــــــــــــــــــــــــــــول شهدتُ الغيب في حال الوصول
فعين القلب هي التي يشهد بها الإنسان الأنوار الإلهيات القائمة بها الكائنات، فإن كل كائنٌ في الوجود عُلواً وسُفلاً قائمٌ بسرٍ من أسرار الله، وفيه نور من أنوار حضرة الله، لا يرى هذا السر، ولا ينكشف على هذه الأنوار إلا من أنار الله بصيرتهم، وكشف الله عز وجل عن سريرتهم، ولذا قالوا:
﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (46الحج).
وهي تُسمى أيضاً عين المعاني، لأن الإنسان يرى بعين الرأس المباني، ويشاهد ما فيها من المعاني بعين القلب، إذا أدنوه وقربوه وألبسوه حُلل التهاني.
فعين القلب يرى بها الإنسان الغيبيات الإلهية في كل ما حولنا وما فينا من العناصر الكونية، ويرى فيها أيضاً ما في العوالم العلوية من عوالم الملكوت، ومن عوالم الجنة ومن عوالم أُخرى لا يعلم مداها إلا الله، ويكشفها لهؤلاء، وهؤلاء هم المقربون والصادقون من عباد الله عز وجل المخلصون، والذين يقول فيهم الله سبحانه وتعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ ـ أي يتلو القرآن ـ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾ (17هود).
يتلو باللسان ويشهد بالقلب وبالجنان أنوار الله تبارك وتعالى التي جعلها لنا في القرآن، ويُسموا هؤلاء أهل العيان:
فأهل العيان للحق هم أفرادٌ، يعني أفرادٌ معدودون تفضل الله عز وجل عليهم بالمعاينة أو بالمشاهدة بعين القلب إذا صفت عين القلب:
عين القلب إذا صفت من وهمٍ وشبهاتٍ تشاهد الغيب مسروداً بآياتٍ
وهناك عين السر، وعين السر يشهد بها الإنسان الحقائق النورانية والروحانية للنبي العدنان، فإنه صلى الله عليه وسلَّم لا يُرى إلا بعين السر، وعين السر هي فيها السر الإلهي الذي من أجله إختصنا الله بخلافته، وجعلنا من أهل رعايته وعنايته، وجعل نبينا صلى الله عليه وسلَّم قريبٌ منا قرب القرابة نراه عياناً ونراه مناماً، ونراه عِياناً في المقامات الروحانية والنورانية التي تتجدد في كل أنفساه، وفي كل أنفاس الكون خِلعةً وهِبةً من رب البرية سبحانه وتعالى.
وهناك عين النفخ عين الروح يشاهد بها صاحبها تجليات الله عز وجل التي يتجلى بها على ملكوته وعلى ملكه، وعلى قلوب عباده الصالحين، وهذه العين أي عين الروح يشهد بها الإنسان العوالم الروحانية التي تسري في كل العوالم العلوية، وتتنزل إلى العوالم السفلية، ويرى بها التجليات الإلهية التي يتجلى بها الله سبحانه وتعالى على المخصوصين من عباده، فإن الله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله يتنزل لعباده في الثُلث الأخير من الليل).
ويتنزل يعني يتجلى لهم، فيقول:
(هل من سائل فأُعطيه؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل مستغفر فأغفر له؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى مطلع الفجر).
[صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ولذلك قال سادتنا الصالحون:
[إن الأسحار هي أوقات التجليات الإلهية لعباد الله المقربين من الله عز وجل لأرواحهم، فيتمتعون بهذه المشاهدات، ولا يريدون أن يتركوها لحظةً ولا أقل].
هؤلاء عباد الله الذين يتمتعون بهذه المشاهد الروحانية بعين الروح التي جعلها فيهم حضرة السبوح سبحانه وتعالى، وهؤلاء أهل الكمال.
أما أهل المشاهد الأكملية: فيتفضل الله تبارك وتعالى عليهم بعينٍ قدسية تنظر إلى الأسماء الإلهية وفعلها في الحياة العُلوية والدنية، وقد تنظر لمحاتٍ إلى حضرات الذات العلية، وفيها يقول الله تبارك وتعالى على لسان الإمام أبي العزائم رضي الله عنه:
في العبد عينٌ تراني في حال قُرب التداني
إذا قربوه وأدنوه ووصل إلى شميمٍ من مقام:
﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ (9النجم).
قد يرى من الحقائق الإلهية ما لا يستطيع أن يُبيح به حتى للملائكة المقربين من أهل العوالم العلوية، وهذه العين أي العين القدسية، وهي التي يتفضل الله بها علينا جميعاً في الحياة الأُخروية لنتمتع بمشاهدة الذات العلية، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إنكم سترون ربكم يوم القيامة ـ فقالوا: كيف نرى ربنا؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في وضح النهار؟ قالوا: لا ـ قال فكذلك ترون ربكم يوم القيامة).
[البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه].
فالعوام يوم قيامتهم بعد موتتهم العزرائيلية، وخواص الخواص بعد أن يُميتوا أنفسهم، ويحيوا الحياة الروحانية القلبية، ويفنوا عن الدنيا الدنية بالكلية، يتمتعون بهذه المشاهد العُلوية، عاجلةً لهم في حياتهم الدنيوية، بينما غيرهم لا يرونها إلا في الحياة الأُخروية.
نسأل الله عز وجل أن يفتح لنا هذه العيون، وأن يجعلنا داخلين في قول الله لحبيبه ومصطفاه:
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ (48الطور).
وصلى الله وبارك وسلَّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
دار الصفا الجميزه طنطا الخميس: 19/8/2021 موافق 11 المحرم 1442 هـ لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت