Sermon Details
السؤال الثالث:
ما فضل الصبر مع الشيخ؟ وهل يستطيع الإنسان أن يمشي في طريق الله نَفَسَاً بغير مدد الصبر من حضرة الصبور سبحانه وتعالى؟
الجواب:
إذا كان الله تبارك وتعالى يقول عن القوم الصادقين، حينما خرجوا لله عز وجل مجاهدين ألهمهم الله أن يقولوا في الدعاء:
﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا ﴾ (250البقرة).
فكان الصبر يأتي إمداداً لمن يحبه الله ويجتبيه، ويريد أن يرفعه إلى مقامات الصالحين والمقربين، وقد قال الله عز وجل جازماً في درجات الجنة، وفي الدرجات العلية الوهبية عند حضرته:
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ـ أي ما يُلقى هذه الدرجات ـ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ (35فصلت).
وقال الله سبحانه وتعالى لمن عنده رغبة أن يكون شيخاً للناس، أو يكون إماماً للأبرار والمتقين، أن يتضرع بالصبر العظيم لقوله عز وجل:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ (24السجدة).
فيتدرج الإنسان في درجات الصابرين مع الله سبحانه وتعالى، فيصبر كما صبر أُولوا العزم من المرسلين والوارثين والمقربين أجمعين، كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلَّم.
وخطابه لنبيه:
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ (35الأحقاف).
يعني إجعل صبرك يعادل ويساوي صبر أولو العزم من الأنبياء والمرسلين أجمعين، أنظر إلى هذه الدرجة العُظمى، ولما كان صلى الله عليه وسلَّم متدثراً بثياب العبودبة لله، ولا يرى لنفسه قدراً ولا منزلةً عند مولاه، ولا يرى أنه يصنع أو يفعل شيئاً إلا بتوفيق الله ومعونة الله وحول الله وطول الله، قال الله سبحانه وتعالى له:
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ ﴾ (127النحل).
أي أن الله عز وجل هو الذي يُمد بمدد الصبر الجميل.
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ (18يوسف).
والصبر الجميل هو الصبر الذي ليس فيه شكوى، ولا فيه منازعةٌ للنفس، ولا فيه إلقاء اللوم على حضرة الربوبية، بل تسليمٌ كامل لأقدار الله، وما يجريه الله تبارك وتعالى على العبد، حتى ينال ما يرجوه وما يُرضي حضرة الله تبارك وتعالى، يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه متحدثاً بلسان الحضرة الإلهية:
تريد أن ترى حُسني وترقى بلا حربٍ شديدٍ لا يكون
والحرب الشديد هنا مع النفس ومع الحق، ومع الحاسدين ومع المنافقين، ومع همزات الشياطين، حربٌ متعددة المواقف يقول فيها الله عز وجل:
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاشْهَادُ ﴾ (51غافر).
تريد بأن ترى حُسني وترقى بلا حربٍ شديدٍ لا يكون
فمن رام الوصوال إلى جنابي أصفيه ـ والتصفية تحتاج إلى صبرٍ طويل ـ أصفيه وفي هذا فتونٌ
إذا أكرمه الله وجعله يتجاوز هذه الفتن والمحن ولا يقع فيها، كان من المطلوبين لحضرة الله، وخصَّه الله بما خصَّ به حبيبه ومصطفاه من العطاءات الإلهية ومن المنح الربانية.
فالصبر مطلوبٌ للمريد من بدايته، وإن المرشدين الصادقين دائماً وأبداً يبدأون باختبار الطالبين الصادقين في أمورٍ تحتاج إلى الصبر الطويل، كأن يُنزله في غير مكانته وينظر هل يرضى بذلك؟ أو لا يُسلم لذلك؟
رُوي أن سيدي إبراهيم الشلقامي رضي الله عنه ـ ساكن أبا الوقف التابعة لمركز مغاغة في محافظة المنيا ـ وكان شيخاً من أكابر الشيوخ أهل المكاشفة، وكان تلميذه النجيب سيدي أبو الليل وهو الآن في بني مزار قُطباً يُزار بعد أن نجح في الإمتحان.
فكان الشيخ يأمرهم عند تناول الطعام إذا كان هناك لحمٌ أن لا يأكلون إلا إذا وزَّع الشيخ بنفسه عليهم اللحم، فكان يُوزع اللحم على المريدين فيُعطي لإبنه النجيب أبو الليل عظمة يأكل فيها، وبعد فترة طالت وهو لا يتغير ولا يتحوَّل، جاء ذات يوم وأعطاه قطعة لحم، فنظر فيها ثم قال: يا سيدي إن هذا ليس نصيبي ـ لأنه عُوِّد أن نصيبه عظمة ـ قال: أنت نجحت فكل اللحم، فكان هذا إختبارٌ له في البداية.
فالمريد في بدايته يريد أن يكون موضع عناية الشيخ ومن حوله، فإذا أهملوه ولم يراعوه ولم يستقبلوه، ربما يجد في نفسه شيئاً ويتركهم ويُولي هارباً، وهو بذلك لم ينجح في هذا الإختبار.
وربما يأمره شيخه وهو رجلٌ من الأكابر أن يكنس المكان، فيستعظم أن يكنس المكان فيُطرد من هذه الحضرة وهي حضرة الجنان، يقول فيها حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا).
وربما يأمره أن يجهَّز ليتناول الطعام عنده، فإذا جهَّز الطعام وخرج من المسجد وأمسك فيه رجلٌ من الفقراء، فيأمره أن ينقل الطعام من منزله إلى منزل هذا الفقير، فإذا تغيَّر أو تحوَّل، يقول له: هذا فراق بيني وبينك.
فاختبارات المريدين في البدايات تكون في هذا الصبر الجميل الذي يحتاج إلى تعود الإنسان على تحمل المشاق والمصاعب حتى يصل إلى مراضي الله.
وما من نبيٍّ من الأنبياء عرفنا سيرته إلا ونظرنا إلى قدر ما تحمله من الصبر، في بدايته عند تأهيله لدعوة الله، وعند قيامه بدعوة الخلق إلى الله.
وكذا الصالحون أجمعون يحتاجون إلى الصبر في البداية ليُأهلوا أنفسهم ويصفُّوا قلوبهم، ليصلوا إلى ما يحبه لهم الله من المنازل العلية، وبعد ذلك يلاقون الشدائد التي لا يتحملها أحدٌ من البشر في سبيل تبليغ دعوة الله، ولا يرجون من وراء ذلك إلا رضاه سبحانه وتعالى.
إذا الصبر هو عُكاز المريد الذي يتوكأ عليه في كل حركاته وسكناته، بل هو عُكاز المؤمن الذي يريد به أن ينجو من فتن الدنيا وامتحاناتها وبلاءاتها، وأن يتحرى الحلال ويبتعد عن المعاصي والشبهات والحرام، فهذه وهذه تحتاج إلى صبرٍ طويل، لينجو من دخول النيران، ويحظى بدخول الجنان.
فما بالكم بمن يريد أن يخلع الله عليه خلع الرضوان، وأن يكون من أهل الكشف والعيان، إن هذا يحتاج إلى صبرٍ طويل، لا نستطيع أن نصفه كله في هذا الوقت القصير.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يُجملنا بخُلق الصبر في كل أحوالنا، والصبر عن معاصي الله، والصبر على طاعة الله، والصبر على الفتن التي تقع بنا وحولنا فيى هذه الحياة، والصبر على المكاره في إبلاغ دعوة الله، وأن يجعل هذا العمل خالصاً إبتغاء وجه الله.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
******************************
الخميس: 2/9/2021 موافق 25 المحرم 1443 هـ – دار الصفا الجميزه
لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت