Sermon Details
أوصاف الرجل الصالح المربي[1]
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله والصلاة والسلام على نور الله الدال على الله، وباب الله المفتوح للعارفين من عباد الله، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
خير دليل على سبيل الوصول للعارفين والواصلين هو قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام، والقصة بما فيها ومن فيها نحن بحمد لله استوفيناها شرحاً وأسراراً في كتابنا (أسرار العبد الصالح وموسى عليه السلام) والكتاب موجود لمن أراد أن يستزيد إن شاء الله رب العالمين.
صحبة العارفين
هل لا بد للمرء من صُحبة العارفين؟ أهل اليمين يكيفهم العمل بما عرفوه من شرع رب العالمين، وترك المعاصي بالكلية، والإقبال على الطاعات بالصدق وإخلاص النية، لينالوا الجنة العالية عند رب البرية تبارك وتعالى، وهؤلاء قوم: ” وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ” (90الواقعة).
لكن هناك جماعة آخرين ذكرهم الله في القرآن، وذكر أنهم لا يريدون روضات الجنان، ولا يخافون من النيران، وكل مرادهم القرب من حضرة الكريم الحنان المنان تبارك وتعالى، وأن يكونوا من صفوة أصحاب النبي العدنان في الدار الآخرة وفي الجنان، وهذه فيها خاصة أخرى، هؤلاء لا بد لهم من العرفاء ليسلكوا بهم الطريق الذي يوصلهم إلى ما يبغون ويحقق لهم ما يريدون.
بين الشريعة والحقيقة
الأولون وهم أهل اليمين علموا الشريعة وعملوا بها ففازوا وجازوا، أما المقربون فلا بد لهم بعد الشريعة من معرفة الحقيقة، فلا بد من الاثنين معاً حتى يتحقق المراد.
الشريعة لعالم الظاهر وهذه نمشي بها فه المظاهر، والحقيقة لأنه سيسير بقلبه أو بروحه في عوالم الباطن وعوالم النور الإلهي.
في عوالم الظاهر الطرق عليها لافتات إرشادية، وسيسأل الناس فيعطوه الدليل، لكن الذي يريد أن يذهب لملكوت الله، مَن الذي يأخذ بيده ويوصله لما يرجوه؟ العارفون.
وهل يستطيع أن يذهب إلى الملكوت بهذا الجسم الطيني؟ لا، فعلى الأقل كما نشاهد بعضنا في حال الصفاء، ينام الجسم وترقى الروح في عالم الفتوح، وحسب فتح الله لها والإخلاص والصدق مع الله وحُسن المتابعة لسيدنا رسول الله يكون جزاؤها أو ثوابها أو فضلها.
الجنة بالعمل، وإذا عمل الإنسان عملاً قبله الله ترجمه له إلى حسنات يجدها نعيماً في جنة الله عند لقاء الله.
لكن المواهب الربانية التي يطلبها وتشتاق لها الأرواح التقية النقية يريد أن يدخل في قول الله: ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ” (30فصلت) يريد أن يصل إلى هذا المقام، ولم يقُل: تنزل عليهم، ولكن قال: (تتنزل) يعني باستمرار ويحدث حوار بينهم.
هل هذه العين سترى الملائكة؟! لا، لأن هذه أرواح نورانية لا تراهم إلا العين النورانية إذا فتحها لك رب البرية تبارك وتعالى، وهي موجودة والحمد لله في كل إنسان، ولكن يأتي رمد الذنوب وهواء العيوب فيجعل هذه العين لا تُبصر الغيوب فتحتاج لعلاج، ولذلك قال الله لحبيبه صلى الله عليه وسلَّم: ” وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ” (175الصافات) أنت عالج هذه الأمور حتى يشاهدوا ما غاب عن العيون الحسية، ويروه بالأعين القلبية التي هي وحدها لها الحق في الاطلاع على هذه الغيوب النورانية الإلهية.
رحلة موسى للعبد
يريد أن يكون كالرجل الذي أرسل الله سيدنا موسى له، فسيدنا موسى كان نبياً من أولي العزم، ومعه الشريعة كاملة نزلت عليه، لكن يحتاج إلى الحقيقة، فأمره الله أن يذهب لهذا الرجل حتى يتعلم منه الحقيقة، وسأله قومه: من أعلم الناس يا موسى؟ قال: أنا، ولم ينتبه إلى أن: ” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ” (76يوسف) فعاتبه ربه وأمره أن يذهب لهذا الرجل.
وهذا الرجل غير مشهور، وليس له عنوان معروف، وليس له ساحة ولا مريدين ولا شيء أبداً، رجل ممن حضرة النبي قال فيهم:
{ كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ }[2]
قد تزدريه العيون لكنه له عند ربه مقام مكنون، كيف يذهب إليه موسى؟ أمره أن يذهب إليه ماشياً لا يركب، ويأخذ معه فتاه وهو يوشع بن نون تلميذه الأول، ويأخذا معهما سمكة مشوية في مقطف، فإذا شعر بالجوع وتعب من المشي يعلم أن هذا الرجل في هذا المكان.
مشى سيدنا موسى من الجيزة وهي بلده، ومعه سيدنا يوشع حامل المقطف وفيه السمكة المشوية وظل يمشي حتى وصل إلى دمياط عند مجمع البحرين، فمجمع البحرين كانت دمياط، وإلى الآن رأس البر عندها التقاء النيل مع البحر الأبيض المتوسط.
ولذلك بعض العلماء غير الفقهاء يقولون: مجمع البحرين عند شاطيء العرب عند الخليج العربي، وهل سيدنا موسى ذهب إلى الخليج العربي؟! لا، هل ذهب للعراق؟! لم يحدث، فهو من مصر لمدين ورجع إلى مصر، ومن مدين ذهب إلى فلسطين وجاءه أجله في سيناء، فلم يتجاوز هؤلاء تاريخياً، وأثبت التاريخ ذلك في القرآن والتوراة، لأنهما معهما التاريخ الصحيح للأحداث، فلم يثبت أن موسى ذهب إلى هناك، لكنه كان في مصر ورسالته لأهل مصر، والعبد الصالح كان في مصر.
ومجمع البحرين يعني مجمع المياه العذبة والمياه المالحة، وكانت عند فرع دمياط في رأس البر الآن، وهي الجزء الخارج ويسمونه اللسان، فيه تختلط المياه العذبة بالمياه المالحة، مع عدم الاندماج بالكلية، ويظل هناك فارق.
وسيدنا موسى قال: سأذهب إلى هناك حتى ولو مشيت ثمانين سنة: ” وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ” (60الكهف) والحقبة ثمانين سنة، فلما وصل هناك شعر بالجوع، فقال لغلامه: ” آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ” (62الكهف) وهذه العلامة، فقال الغلام: ” فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ” (63الكهف).
أين نسيته؟ قال له: ونحن على شاطئ البحر كان هناك رجل يتوضأ، فطارت منه قطرات من المياه ونزلت على السمكة فاحتيت وقفزت في البحر، قال له: هذا هو الرجل الذي نريده، هيا بنا نرجع له.
فرجع موسى لسيدنا الخضر، وكما تحكي بعض الروايات أن كلمة الخضر لقب، لكن هو اسمه التاريخي (بليا بن ملكان)، لكن لماذا سُمي الخضر؟ لأنه كان إذا مشى على أرض اخضَّرت مواضع قدميه، وهذا كان تأييد له من الله سبحانه وتعالى.
وبالطبع كلما ذهب إليه عبد اخضر قلبه في طاعة الله والإقبال على مولاه سبحانه وتعالى، فالظاهر علامة تدل على ما في الباطن.
فذهب إليه سيدنا موسى ووجده نائماً على كوم رماد، لا قصر ولا فيلا ولا حتى عشة ولا ساحة ولا خدم ولا شيء، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: وعليك السلام يا موسى بن عمران، قال: كيف عرفتني؟ قال: عرفني بك الذي أرسلك إليَّ، ثم قال له:
{ يَا مُوسَى إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ }[3]
ومن تأييد الله لعباد الله الصالحين أن يضرب لهم الأمثال الواقعية عملياً أمام الحاضرين، فأثناء ما كان يتكلم معه جاء عصفور يشرب من البحر، فقال له:
{ مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ }[4]
الأدب في الطلب
ثم قال له: ماذا تريد؟ وهنا نرى في صحبة العارفين الأدب، الأدب قبل الطلب، كما ورد في بعض الأثر: (ليس من أخلاق المؤمن الملق – يعني التذلل – إلا في طلب العلم).
الإنسان لا يُذل نفسه ولا يُقبِّل إلا يد أبيه وأمه أو معلمه، لأن هؤلاء لهم هذا الأمر، هذا مربي الجسم، وهذا مربي العقل إذا كان في العلم الدنيوي، أو مربي القلب والروح إذا كان في علوم الحقائق والحكم الإلهية.
فماذا قال له؟ قال له بأسلوب استعطاف: ” هَلْ أَتَّبِعُكَ ” (66الكهف) لم يقُل له: أنا نبي والله الذي أرسلني، لا يجوز هذا الكلام مع رجال الله، لكن قال له: ” هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” (66الكهف) لم يقُل علماً، ولكن (رشداً) والرشد هو علم الحقائق، فعندما تكلم الله عن سيدنا إبراهيم قال: ” وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ” (51الأنبياء) لأنه لو كان علماً لم يقُل من قبل، لكن الحقائق يعرفها من قبل، وعلَّمها له مولاه تبارك وتعالى.
ردَّ عليه الخضر وقال له: ” إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ” (67-68الكهف) هذه أمور لم تعرفها فكيف تمشي معي فيها؟! لنعلم أن علم الحقائق يُنتقى له أهله وليس أي أحد يريد أن يتعلم الحقائق نعلمها له، سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام كان يقول:
{ لَا تَطْرَحِ اللُّؤْلُؤَ إِلَى الْخِنْزِيرِ فَإنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَصْنَعُ بِاللُّؤْلُؤِ شَيْئًا، وَلَا تُعْطِ الْحِكْمَةَ مَنْ لَا يُرِيدُهَا، فَإنَّ الْحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْهَا شَرٌّ مِنَ الْخِنْزِيرِ }[5]
كيف تُعلِّمها له؟ سيُسيئ لك، فالحكمة تكون لأهلها، قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا تَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، كُونُوا كَالطَبِيبِ الرَّفِيق يَضَع الدَّوَاءَ فِي مَوْضِعِ الدَّاءِ }[6]
أولاً: أدب الاستئذان
الاستئذان أولاً ومعه الإنكسار وذلة الطلب، وهذا ما لاحظناه في كبار المشايخ من الصالحين عند بداية سلوكهم في طريق الله تبارك وتعالى، لو جاء ومعه علم ومملوء علم، فماذا يتعلم؟ لا شيء، لكن لكي يدخل على الرجل الصالح فإن أول أدب من الآداب أن يتخلى عن علمه الذي حصَّله، وعن عمله الذي قام به، فهو قادم بلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فإذا رأى أن له علم فلن يأخذ شيء.
هذه زجاجة مملوءة فهل أقول لك: املأها!!، فبماذا تملأها بعد ذلك؟! لكن إذا أردت أن أملأها ماذا أفعل؟ أُفرغها أولاً مما فيها.
سيدي أبو الحسن الشاذلي طاف الكون كله يبحث عن العارف الذي يأخذ بيده إلى مولاه، فجاء من بلاد المغرب إلى تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى الحجاز إلى العراق، وفي بلاد العراق قال له سيدي أبو الفتح الواسطي: جئت تبحث هنا عن القطب والقطب عندك في بلاد المغرب؟ فرجع مرة ثانية، وكل ذلك ماشياً.
فيقول بعض الناس: هذا الرجل لماذا يحتاج للقطب؟! هو يشتغل بنفسه ويجتهد ويعمل، لكن كما قلنا: من يعمل يصل للجنة ويأخذ درجات عالية في الجنة، لكن المنح الإلهية والاصطفاءات الربانية تحتاج لعين وهبية تأخذ من يد المصطفى خير البرية، وتناول المرادين بهذه العطية، قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ }[7]
هذه الأمور ما ثمنها؟ ليس لها ثمن، فالذي يريد أن يرى حضرة النبي في المنام، البعض يقول له: صل على النبي وأكثِر، بعضهم يقول له: صل ألف مرة، وبعضهم يقول صل عشرة آلاف مرة، ويصلي ولا يرى شيئاً، لأنه لا يوجد ورد أن من يصلي على حضرة النبي بأي صيغة أو بكذا عدد يرى النبي، لكن رؤية النبي هي منَّة ومنحة وفضل من الله عز وجل، لا يوجد عمل يوصل إليها، من الذي يأخذ المنحة؟ الذي يرشحوه ويهذبوه ويرقِّقوا قلبه ويجملوه إن شاء الله تبارك وتعالى.
رجع سيدي أبو الحسن الشاذلي لشيخه، وكان على أعلى جبل بجوار مدينة طنجة الآن في بلاد المغرب، وهو الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، أو بن بشيش على اختلاف الروايات، وبمجرد أن صعد قال له: مرحباً بك يا علي يا ابن عبد الجبار يا ابن كذا يا ابن كذا، حتى أوصل نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم!!، هؤلاء الناس يرون بعين الله، كما قال الله:
{ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا }[8]
ولا حرج على فضل الله تبارك وتعالى، فقال له: انزل واغتسل، وكان تحت الجبل عين ماء، فاغتسل ثم صعد، قال له: انزل واغتسل، فنزل واغتسل مرة ثانية، وفي المرة الثالثة قال له: انزل واغتسل، قال: ففهمت أنه يريدني أن أغسل قلبي من العلوم التي حصَّلتها، والأعمال التي عملتها، وأرجع له مجرداً من الحول والطول، فلما رجع قال له: جئتنا فقيراً وسنأتيك بغنى الدنيا والآخرة، ولكن ماذا يعطيه لو جاءه غنياً؟ لا شيء.
نفس الأمر مع سيدنا موسى، أول شيء في الآداب مع صحبة العارفين من الآية القرآنية، أن يدخل الإنسان عليهم فقير: ” رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ” (24القصص) ليس معي شيء، ويتذلل إليه ويضرع إليه، وانظر شروطك التي تريدها، وأنا مستعد أن أنفذها.
نبي ومن أُولي العزم يطلب من هذا الرجل الفقير أن يملي شروطه ويعده أنه سينفذها؟ لماذا؟ لأنه يعلم أن الله أرسله لحاجة لا بد له منها، وهي أن يُحصِّل علوم الحقيقة: ” قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ” (69الكهف).
ثانياً: طاعة الشيخ المربي
أول الآداب التي تعاهد نفسك بها أنك لا تعصي له أمراً، وهو لا يطلب أمراً لنفسه، ولكن يطلب أمراً لينفذه من شرع ربه ومن سنة نبيه، ولذلك هذا الرجل لو كان حتى قطب الوقت وخرج عن الشريعة طرفة عين، أقول له: هذا فراق بيني وبينك، لأنه لا بد أن يكون هو على الطريق القويم المستقيم خلف نبينا الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم.
ثم ذكر له الشروط: ” قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ” (70الكهف) ليس علماً، ولكن (ذكراً) لتأخذ الحكمة العالية في هذه الأحداث التي يجريها من يقول للشيء كن فيكون تبارك وتعالى.
ولذلك الصالحون قالوا: (المريد في البداية يعطيه شيخه فسحة أن يسأل عما يريد، فإذا سلك ملَّك نفسه لشيخه فلا يسأله عن شيء أبداً) والأمور التي تأتيه بداخله؟ والخواطر التي تأتيه؟ والأفكار التي تدور بفكره؟ قالوا: في هذه اللحظات لا يحوجه الشيخ إلى سواه، فبمجرد أن يجلس مع الشيخ حتى ولو في مجلس عام كمجلسنا هذا فكل إجابات الأسئلة التي حضَّرها تبدأ تنساب كسلاسل من ذهب من فم العارف إلهاماً من الله تبارك وتعالى.
وهذا يحدث مع العارفين والوقائع فيه لا تُعد ولا تُحد، فلو حكينا عن هذه الوقائع سنمكث كثيراً ولا ننته منها.
وبدأت الصحبة معه، وتفصيل الصُحبة والأحداث التي حدثت والعبر منها والأسرار التي فيها ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (أسرار العبد الصالح مع موسى عليه السلام) المهم أنه في النهاية تحقق، فأصبح عالماً بالشريعة وعالماً بالحقيقة.
فطن لهذا الأمر العلماء الأجلاء منذ القرن الثاني الهجري إلى عصرنا هذا، ولذلك تجد معظم مشايخ الأزهر حصَّل ما ينبغي الحصول عليه من العلوم الشرعية، ولا يكتف بذلك فيبحث عن عالم بالله لأخذ العلوم الحقية والعلوم الوهبية والعلوم اللدنية.
لكن الأدعياء كثير، فهل أذهب لأي رجل؟ لا يا أخي فكتاب الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فأتى لك بأوصاف الرجل التي فيها إنصاف حتى لا تحتار ولا تسأل يميناً ولا شمالاً.
أوصاف الشيخ المربي
الشرط الأول: الرحمة والعلم:
قال تعالى: ” آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ” (65الكهف) الرحمة أولاً وبعد ذلك العلم.
رجل عالم جليل ولكنه جاف وغليظ وخشن، فهل أذهب إليه؟ لا، أو هل أذهب إليه حتى في الأسئلة الشرعية؟ لا، لأن العالم الشرعي المحقق ميسر، قال صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ }[9]
إنه مسكين ييُسر على نفسه ويُشدد على غيره، لكن العلماء المتحققين على منهج النبي الأمين كان يُشدد على نفسه ويُيسر على غيره، يصومون صيام الوصال فيقول لهم:
{ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!!، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي }[10]
وهكذا قس على ذلك بقية السنن الواردة عن حضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.
فأول شيء أن بكون عنده فيض رحمة بالغة، وهذه الرحمة يقول فيها الله: ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ” (165الأعراف) فتجد في معاملته حنان وشفقة وعطف ورفق ولين، وهذه معاملة أكابر الصالحين.
وهذا الذي أدعو الأحبة أن يكونوا عليه أجمعين، عندما أجد واحداً يعامل إخوانه بخشونة أو بشدة أو بغلظة أستاء استياءًا بالغاً، لأن هذه لا يجب أن تكون في مجالس الصالحين أبداً، فمجالس الصالحين كلها رفق ولين ومودة ومحبة وحنان ورأفة وشفقة وعطف
حقيقة العلم اللدني
وبعد الرحمة العلم: ” وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ” (65الكهف) كيف أعرف أن هذا العلم لدني؟ إذا كان علم نازل من عند الله في الوقت والحال بدون تحضير ولا قراءة كتب ولا اطلاع في مجلدات، لم أسمعه من عالم ولم أقرأه في كلام عالم، ومع ذلك لا يخرج عن الشريعة الغراء طرفة عين ولا أقل، لماذا؟ لأن بعض الأدعياء يحفظ كلام سيدي محي الدين بن العربي، حتى يقول الناس: هذا الرجل فصيح وأتى لنا بكلام لم نسمعه من قبل، وهو كالبغبغاء يحفظ الكلام ويقوله، لكن لا يعرف معانيه، ولم يذق الأسرار التي فيه.
نريد من ذاق الأسرار حتى يذيقنا هذه الأنوار، فهذا شرط العلم الوهبي والعلم اللدني النازل طازجاً من عند الله.
وأصحاب هذا العلم وهم الأنجاب والأقطاب لا يتفاخرون به، ولا يتباهون في الحديث فيه، ولا يرجون من الخلق ظهوراً، ولا يطلبون منهم شيئاً صغيراً ولا كبيراً، وإنما شعارهم: ” إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ” (9الإنسان).
الشرط الثاني: عدم طلب الأجر:
قال لنا الله: ” اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ” (21يس) مشيت مع رجل ولكن وجدته يقول لي: أنا أريد كذا، واقضي لي كذا، واشتري لي كذا، فهذا لا أتبعه، لأن شرط هذا الرجل أن يكون غنياً بالله، والله عز وجل يغنيه به عن جميع من سواه، كان الشيخ أبو العزائم رضي الله عنه يقول: (شيخك من يعطيك لا من يأخذ منك).
فمن يأخذ منك شيء يكون رجل دعيٍّ في طريق الله تبارك وتعالى، وما أكثر الأدعياء وخاصة في هذا الزمان.
ولكن الثاني لا يرجو من الناس جزاءًا ولا شكوراً، لا يرجوا إلا رضاء الله ويرجو نظرات وداد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
الشرط الثالث:الجمع بين الشريعة والحقيقة:
أن يكون جامعاً بين البحرين، بحر الشريعة وبحر الحقيقة، جمع العلمين، فيُفتي في شريعة الله إذا عجز المشرعون والفقهاء عن الإفتاء، لأن الله يُلهمه بما فيه الشفاء لهذه الفتوى إن شاء الله، ومعه أيضاً بحر الحقيقة، الشريعة يبذلها للخلق أجمعين، والحقيقة لأهلها؛ أهل الخصوصية الذين خصَّهم بهذا الفضل رب العالمين تبارك وتعالى.
الشرط الرابع: الإذن بالدعوة:
فهل يجوز لطبيب أن يفتح عيادة في أي مكان بدون تصريح من نقابة الأطباء؟ لا، وإلا يكون هذا الطبيب مزوراً.
كذلك لا يجوز لأي إنسان أن يدعو إلى الله بغير إذن من حبيب الله ومصطفاه: ” وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ ” (46الأحزاب) لا بد أن يكون معه إذن صريح من سيدنا رسول الله، وكان على ذلك الصالحين أجمعين.
سيدنا الإمام الجُنيد رضي الله عنه وأرضاه فتح الله عليه بالعلوم الوهبية، فقال له أحبابه: حدثنا لننتفع بما فتح الله به عليك فيسكت، فذهبوا إلى شيخه السري السقطي فقالوا له: مُر الجُنيد أن يحدثنا بما فتح الله به عليه، فقال: يا بني حدثهم بما فتح الله به عليك، ولكنه لم يفعل لأنه كان ينتظر الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، مع أن الشيخ أمره لكنه يريد الإذن من رسول الله، وطبعاً هو في هذا الوقت كان على صلة برسول الله، يعني يراه في المنام، إلى أن أتاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في المنام وقال له: يا جُنيد حدِّث إخوانك بما فتح الله به عليك، وكان ذلك قبل الفجر بساعة، فاستيقظ وذهب إلى بيت الشيخ ودق الباب ليعلمه، فبمجرد أن دق الباب قال له: نحن الذين أرسلناه إليك.
ذهب للمسجد يصلي الظهر، وصلاة الظهر في العادة يكون العدد محدود لانشغال الناس بالأعمال، وإذا بالمسجد غاصٌ بأهله، وإذا بهم يذهبون إليه ويقولون له: يا جُنيد حدثنا بما فتح الله به عليك، لماذا؟ قالوا في هذا المقام: (إذا أقامك أعانك).
ما سر الإقامة؟ الإعانة، رأيت رجلاً معان من الله أعلم أنه مُقام، والثاني يريد أن يقيم نفسه، فهل يُقام؟ لا يُقام إلا إذا أقامه الملك العلام تبارك وتعالى.
وبمجرد أن بدأ الدرس قام إليه رجل معمم، وكان عادة العرب في هذا الزمان حتى يكون فارقاً بينهم وبين النصارى لبس العِمامة، وهذا الكلام رأيناه في القُرى إلى وقت قريب، آباؤنا كانوا يعملون هذا وأجدادنا، وكان يُروى فيها حديث:
{ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ }[11]
وفي الأثر: (تعمَّموا فإن الشياطين لا تُعمَّم) والنصارى كانوا يمشون برؤوس عارية، فقال هذا الرجل: يا جُنيد ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
{ اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ }[12]
فسكت الجُنيد لحظة ثم قال له: معناه أنه آن أوان إسلامك يا نصراني، هو نظر بماذا؟ بعين البصيرة طالما أخذ الإذن:: ” قُل هَذهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ” (108يوسف) لست وحدي فقط ولكن كل من يمشي ورائي يمشي على هذه البصيرة من فحول الأقطاب والأولياء والعلماء.
فقال له الرجل: لقد امتحنت قبلك سبعين رجلاً بهذه الطريقة ولم ينجح واحد منهم، كان يمتحنه هل هو وليٌّ أم لا؟ هل ينظر بنور الإيمان أم لا؟.
سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وُلد في إيران من بلاد العجم وتربى هناك، والأعاجم يكون عندهم لكنة في الكلام ليست فصيحة في اللغة العربية، فجاءه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهو في بغدادفي المنام وقال: يا عبد القادر حدِّث الناس لينتفعوا بعلمك، قال: قلت يا سيدي إني رجل أعجمي ولا أُجيد العربية، قال: افتح فاك، ففتح فاه فتفل فيه سبع مرات، وذهب إلى المسجد في صلاة الظهر، وإذا بالمسجد كما كان مع السابق غاصٌّ بأهله وأتوا له بالكرسي وقالوا له: حدِّثنا يا عبد القادر بما فتح الله به عليك.
يقول: فارتُجَّ عليَّ، يعني حدثت لي رهبة، وإذا بي أرى الإمام علي، وهذا كان في اليقظة جهاراً وقال: يا بني حدِّث الناس بما فتح الله به عليك، قال: قلت يا سيدي أنا رجلٌ أعجمي ولا أُجيد العربية، قال: افتح فاك، فتفل فيه ستّ، قال: قلت: لِمَ لم تُكمل السابعة؟ قال: أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فكلهم على هذه الشاكلة لا يتكلم إلا بعد أن يأتيه الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم صريحاً.
وإذا كان المريد صادقاً فإن الله عز وجل يُبرز له آية من ذلك على الفور، حتى يأخذ اليقين من البداية ولا يكون متشككاً.
هؤلاء هم الصالحون الذين يجب أن نذهب إليهم ونتودَّد إليهم ونتعرف عليهم، ونُسلِّم لهم ليعرفونا ما لم نكن نعلم، حتى نصل إلى مقام كريمٍ من مقامات القرآن، إما مقام: ” وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله ” (282البقرة) وإما مقام: ” أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ” (17هود) وإما مقام: ” إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ” (33آل عمران) في السابق، وفي اللاحق: ” اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ” (75الحج) مقامات كثيرة في القرآن، هذه المقامات يعطيها الله عز وجل لأهل الخصوصية لحسن اتِّباعهم لوارث للحضرة المحمدية.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الفصل الثالث
شرح قصيدة (في صحبة العارفين) للإمام أبو العزائم رضي الله عنه[13]
الإمام أبو العزائم رضي الله عنه كان له من الله ومن رسول الله منحٌ إلهية خصَّه بها الله دون سواه، وكان من هذه المنح أن أكرمه الله عز وجل بالموت شوقاً في رسول الله، والفناء عن أوصافه الذاتية بأوصاف رسول الله، وهذا ما نسميه الفناء.
وكلمة الفناء يعني فنى عن كل أوصافه بأوصاف حبيبه، وليس لنا شأن الفلسفة، كل ما في الأمر أنه شاهد أوصافه هو وأتى بأوصاف حبيبه واتصف بها.
حالة الوجد
فكان الله عز وجل يتجلى على قلبه بقصائد، هذه القصائد منها قصائد في مقامات البداية، ومنها قصائد في المقامات العالية.
كيف كان يقولها؟ كان يحدث له حالة وجد شديد، وفي حالة الوجد كانت تخرج المواجيد، لذلك سماها (مواجيد) لأنها ناتجة عن الوجد الذي في قلبه لله ولرسوله، ويُكرم الله من حوله فيكتبونها، والمطبوع له منها فقط عشر مجلدات كبيرة.
ومع أنها كانت تأتي إلهام فوري كانت لا تخرج عن قواعد اللغة العربية، ولا عن ميزان العروض الشعري، والألفاظ العربية الفُصحى، وبعض القصائد كانت أحياناً تزيد عن مائة وخمسين بيتاً، وتأتي كلها مسلسة خلف بعضها، والكُتَّاب يكتبون خلفه رضي الله عنه.
ما هذا الوجد؟ ليعرِّفنا أن أساس الفتح الإلهي والإلهام الرباني أن يزيد الوجد والحب في القلب لحضرة النبي ولله تبارك وتعالى.
حتى أن الإنسان عندما يزيد في الحب قد ينسى نفسه، وقد ينسى من حوله، وقد لا يلاحظ القاعدين والجالسين من شدة الوجد الذي عنده، فيقول رضي الله عنه:
أبوح إذا علا شوقي بوجدي |
فيعلوني الغرام وفيه رشدي |
ولما أن سكنتم في فؤادي |
جُذبت إلى الولي بغير جَهد |
يعني عندما يعلو شوقي أبوح وأتكلم، وهذا الكلام يخفف الوجد، فلو لم يكن هذا الكلام لن يستطيع أن يتحمل ومن حوله لن يستطيعوا أن يتحملوا أحوالي.
لما سكن رسول الله في القلب على الدوام وأصبح لا يغيب عنه، جُذب إلى الله سبحانه وتعالى جذبة المحبة، وهي أعلى الجذبات في طريق الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين.
ولذلك يقول لنا: الذي يريد أن يصل إلى الفتوحات عليه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
{ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ }[14]
يعني لا يكون له هوى يخالف ما جاء به، أنت هواك مال وهواك الدنيا وهواك أن تشتري سيارة شكلها كذا، وهواك تبني فيلا شكلها كذا، فهذا هواك أنت، لكن الذي يُريد المقامات العلية يكون هواه كهوى سيدنا رسول الله، وهوى سيدنا رسول الله في رضاء الله، وانظر إلى قول الله له: ” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ” (144البقرة) لم يقل: نرضاها، لكن (ترضاها) أي أنت الذي ترضاها، ولذلك السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول له:
{ مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ }[15]
يعني ما يريده يعطيه له الله بدون طلب، لأن هواه أصبح هوى الله، لكننا كل واحد منا له أهواء مفرقة، ولذلك الرجل الصالح الحلاج الشهيد يقول:
كانت لقلبي أهواءٌ مفرقةٌ |
فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي |
تركتُ للناس دنياهم ودينهم |
شغلاً بحبك يا ديني ودنيائي |
الدنيا كلها أصبحت خلفي لأن هواه أصبح هوى واحد لله سبحانه وتعالى.
يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
مَرْقَى الْوصُولِ إِلَى الْـمَقَامِ الأَكْمَلِ
حُسْـنُ اقـْتِدَاءٍ بِالْوَلِـيِّ الْكَـامِلِ
صِـدْقُ الْإِرَادَةِ فِـي اتِّـبَاعِ سَبِيِلِهِ
إِذْ كُلُّ فَـضْـلِ اللهِ صِـدْقُكَ لِلْوَلِيِّ
كـُنْ أَنْـتَ هُـوَ فِـي قَصْـدِهِ ومُرَادِهِ
وَكُـنِ الْذَّلِيلَ لَهُ وَمَـنْـزِلُـهُ عَـلِي
أَسْرِعْ إِذَا أَيْقَنْـتَ أَنَّ مُــرَادَهُ
فِـي أَمْـرِهِ وَبَـدَا لِقَلْبِكَ كَالْجَّلِـي
لَا تَفْعَلَـنْ غَـيْـرَ الْـمُـرَادِ لَـوْ أَنَّـهُ
أَبْـدَي لَـكَ الْأَمْـرَ الْشَّـدِيْدَ بِمُجْمِلِ
وَإِذَا فَعَلْـتَ الْأَمْـرَ وَهْـوَ مُخَالِفٌ
تُـبْ نَـادِمَـًا مِـنْـهُ بِغَـيْـرِ تَأَوُّلِ
فَلَـهُــمْ شُـــؤُونٌ لَا يَلُـوحُ خَفِيُّهَا
إِلَّا لـِمَيْـتٍ عَـنْ هَـــوَاهُ بَمَعْـزِلٍ
قـَدْ يَـأْمُـرُونَ بِغَـيْرِ مَـا هُـوَ قَصْدُهُمْ
وَمُـرَادُهُمْ يَـــبْدُو لِفَـرْدٍ عَـــامِلٍ
طَوْرَاً تَرَاهُمْ وَالْبَشَاشَـةُ حَـالُـهُمْ
وَمَقَـامُـهُمْ حَقًـا بِأَرْهَــبِ مَـنْـزِلٍ
آَنًـا تـَرَاهُـمْ فِـي انْقِبَاضٍ ظَاهِـرٍ
وَشُـهُــودُهُمْ يُنْبِـي بِـسِـرِّ تَجَمُّـلِ
فَاحْذَرْهُمُو فِي قَبْضِهِمْ أَوْ بّسْطِهِمْ
وَكُـنِ الْـوَلِـيَّ لَـهُـمْ بِـسِـرِّ تـَـنَـزُّلِ
وَابْـذُلْ لَـهُـمْ قَـبْلَ الْإِشَـارَةِ كُـلَّ مَا
تَمْلُكُـهُ مــِنْ مَــالٍ وَجَـاهٍ وَاصِـلِ
وَلَدَى الْإِشَـارَةِ فَـابْذُلْ الْنَّفْسَ الْتِي
تُعْطَـىَ بِـهَـا وَجـهُ الْـجَـمِـيلِ الأَوَّلِ
وَكُــنِ الْـمُقَصِّـرَ دَائِمًـا لَـوْ أَنَّـهُـمْ
رَفَعُـوكَ أَعْلَـىَ رُتْبَةً أَوْ مَـنْزِلِ
وَإِذَا بَذَلْتَ الْنَّفَسَ فِـي مّرْضَاتِهِمْ
فَتَحَقَّقْ الْتَّقْصِـيـرَ كُـــلَّ تَـسَـاهُلِ
وَبِذَاكَ تُعْطَىَ الْفَضْلَ وَالْرِضْوَانَ مِنْ
مَـوْلَاكَ بِالْـزُّلْفَى وَإِحْسَــانِ الوَلِيْ
يـَاذَا الْعَطَـايَـــا وَالْـهِــبَاتِ فَوَفِّقَـنْ
رُوحِــي لِـتَحْظَى بْالْجَّمِيلِ الأَزَلِيْ
جَمِّـلْ حَبِيبِـي ظَـاهِـرِي مَـعَ بَاطِنِي
بِجَمَـالِ فَـضْـلِكَ يَا مُجِيـبَ السَّائِلِ
وَعَلَى الْحَبِيبِ الْـمُصْطَفَى شَمْسُ الهُدَى
مِنْكَ الْصَّـلَاةُ مَعَ الْسَّـلَامِ الْأَكْمَلِ
الشرح
حسن الاقتداء
مَرْقَى الْوصُولِ إِلَى الْـمَقَامِ الأَكْمَلِ
حُسْـنُ اقـْتِدَاءٍ بِالْوَلِـيِّ الْكَـامِلِ
المراقي للتلاقي، المراقي يعني الدرجات التي يترقَّى فيها الإنسان في مقام المعية أو في مقام العندية أو في المقامات اللدنية، وهذه مقامات التكريم الإلهية.
مقام المعية: ” إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ” (128النحل) وهذا مقام أهل الإحسان.
ومقام العندية: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ” (206الأعراف) وهذا مقام أهل اليقين.
ومقام اللدنية يكون وراثة كلية لخير البرية، لأنه صاحب: ” وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ” (6النمل).
وكل مقام من هذه المقامات فيه آلاف المقامات، ولكن هذه من علوم المكاشفات، وليست من علوم الكلام ولا علوم الكتابة، تحتاج من الإنسان أن يعالج عين بصيرته ويطهر سريرته حتى يرى الأشياء عين عيان، فيدخل إلى مقامٍ يقول فيه الرحمن: ” الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الانْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ” (1-4الرحمن).
هذه المقامات الأكملية؛ ما الذي يوصِّل إليها؟ (حُسْـنُ اقـْتِدَاءٍ بِالْوَلِـيِّ الْكَـامِلِ) لم يقُل حسن الاقتداء بالنبي، لكن حُسن الاقتداء بالولي الكامل، من الولي الكامل؟ الذي جمع بين الشريعة الحقيقة، وهو على الصراط المستقيم، لا يغيب عن مولاه طرفة عين ولا أقل، ولا تزلُّ قدمه عن اتباع الشريعة طرفة عين ولا أقل، و لا يخالف الشريعة أبداً في نَفَس من أنفاسه.
وهذه الصورة الحية التي تُقرب لنا كيفية اتِّباع الحبيب، أنا أريد أن أتَّبع رسول الله حق الاتِّباع، وأريد أن أتِّبعه في أوصافه وفي أخلاقه القرآنية، كيف أتَّبعه فيها؟ أبحث عن رجل أحسن اتِّباعه ومشى على نهجه وأصنع كصنيعه.
لكن إنسان لم ير كُمَّل العارفين ويريد أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلَّم مثلاً في مقام خذ العفو وأعرض عن الجاهلين، كيف يقتدي به؟! لن يستطيع، لكن عندما يرى رجلاً من العارفين تعرض لكثير من الجاهلين، وكيف كان يتعامل معهم؟ فيقلده ويتابعه لأنه صورة حية في ظاهره للنبي الأمين صلى الله عليه وسلَّم.
أوضحها بمثال آخر: واحد يريد أن يكون في كرم النبي الأمين، وكان صلى الله عليه وسلَّم كما قال البوصيري: (كالبحر في الكرم) حتى أنه من شدة كرمه كان إذا نفد ما عنده وجاءه سائل، يقول له:
{ مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ، فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالا، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَرَفَ الْبِشْرَ فِي وَجْهِهِ لِقَوْلِ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ }[16]
فكيف أرى هذه الصورة؟ لا بد أن يكون هناك صورة تمثل الحضرة المحمدية على قدره لا على قدر رسول الله، وعلى قدر الزمن الذي أنا فيه الآن، لأن الزمن يختلف عن الزمن الذي كان فيه رسول الله، وأتابعه وأقلده في هذه الأشياء.
فأنا في الحقيقة لا أستطيع أن أقلد رسول الله مباشرة، فماذا أفعل؟ أقتدي بولي كامل أولاً، وبعد أن أُحسن اقتدائي بالولي الكامل وتنطبع فيَّ صورته أنتقل بعد ذلك فأشهد الحقيقة المحمدية بعين القلب والفؤاد، فهذه ترقية أخرى، وأتابع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لكن عياناً وليس بياناً، كما كان يحكي بعض السلف الصالح، كان يقرأ باب وضوءه صلى الله عليه وسلَّم فيغيب عن حسه ونفسه ويرى الحبيب صلى الله عليه وسلَّم عند وضوئه وهو يتوضأ، فهنا يتابعه عن عيان، لكننا كيف نتابعه عن بيان؟ فهنا ستدخل أفكار وتدخل العقول ولن نستطيع أن نتابعه كل المتابعة، لأنه صلى الله عليه وسلَّم قال الله لنا فيه: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ” (21الأحزاب).
صدق الإرادة
صِـدْقُ الْإِرَادَةِ فِـي اتِّـبَاعِ سَبِيِلِهِ
إِذْ كُلُّ فَـضْـلِ اللهِ صِـدْقُكَ لِلْوَلِيِّ
أهم سلاح يتسلح به العبد الذي يريد في طريق الله الفلاح والنجاح الصدق، الصدق في ماذا؟ الصدق قولاً وعملاً، قولاً أولاً لأنه يدرب نفسه أن لا يكذب أبداً، ولذلك أنا أعجب عندما أرى من يدَّعي أنه مريد في طريق الله ويكذب، كيف تكون في طريق الله وتسلك مع الصالحين من عباد الله وتكذب؟ فالحبيب صلى الله عليه وسلَّم كان يقول:
{ إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا }[17]
حتى في المزاح، وكانت وصية الأمهات الصالحات في العصور الفاضلة لأولادهن: إياكم والكذب أبداً، لأن المرأة كانت عند النبي وطلبت من ابنها أن يأتيها بشيء وتعطيه تمرة، فراح وجاء فأعطته التمرة، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
{ أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذِبَةٌ }[18]
لو لم تعطها له لكُتبت عليها كذبة، ولحاسبها الله عز وجل عليها يوم القيامة، فماذا نفعل نحن الآن؟ الكثير يقول لابنه: هات لي هذا الطلب وسأعطيك كذا فيأته به، فيقول له: سأعطيك في المرة القادمة، فيفقد الثقة في أبيه، وإذا كرر الأمر يقول له: لا، لأنك تضحك عليَّ.
لكن أريد أن أربيه على القيم، والكون كله شرقاً وغرباً لا يحييه إلا القيم الإسلامية، والكون شرقاً وغرباً في شديد الاشتياق إلى القيم الإسلامية، ولكنهم يريدون أن يروها في المظاهر الإسلامية، وعندما يشاهدون ويقرأون عن القيم الإسلامية ويشاهدون المظاهر الإسلامية وهي غير متحلية بالقيم الإسلامية يفقدون المصداقية في دين الله تبارك وتعالى.
أقامت دولة الإمارات معرضاً إسلامياً كبيراً في لندن، ودخل رجل إنجليزي كان مثقفاً ومطلع على الإسلام ليزور المعرض، فذهب إليه المرشد ليريه ما في المعرض، فقال له: أنا قارئ عن الإسلام وقارئ عن المسلمين، لكن دينكم يأمر بالصدق وأنتم كاذبون، دينكم يأمر بالوفاء وأنتم خائنون، دينكم يأمر بكذا وأنتم غير مطبقون، وظل يكلمه في هذا الأمور.
فأصبحنا نحن صورة سيئة لا تدعو للإسلام بل تسيئ للإسلام، المفروض أن أكون صورة إسلامية، ونحن نقول: أننا أهل التصوف نحاول أن نكون صورة مصغرة للقيم الإسلامية، حتى نشد غير المسلمين، وحتى المسلمين لن يدخلوا المساجد ليشاهدونا، فأين يشاهدونا؟ في المعاملات وفي البيع وفي الشراء وفي العمل، وهذه التي تُظهر جمال الإسلام وقيم الإسلام.
ولذلك أذكر أن سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وأرضاه وكان في بلد من بلاد فارس إسمها جيلان الآن، واستحب العلم من صغره، ولما حصَّل العلوم التي في بلده، قالوا له: لم يعد لك علم إلا في بغداد، وكان يتيماً ليس له إلا أمه وأخٌ له، فطلب من أمه أن تأذن له أن يذهب إلى بغداد ليطلب العلم، فوافقت وقالت له: أبوك ترك لك أنت وأخوك ثمانين ديناراً، خذ الأربعين نصيبك، وسأخيطهم لك في ثوبك من الداخل، لأن الطرق كانت مليئة بقطاع الطرق، لتستطيع أن تنجو بهم، ولكن عاهدني أولاً على الصدق ولا تكذب أبداً فعاهدها، وانظروا للأمهات اللاتي نقول عليهن جاهلات، والأمهات المثقفات الآن، أين هؤلاء وأين هؤلاء؟!
سافر مع قافلة، لكن طلع عليهم قطاع طريق وأخذوا كل ما مع القافلة، ووصلوا عنده فسألوه: ماذا معك؟ قال: معي أربعين ديناراً، فأخذوا يسخرون منه لأنه لا يمكن لأحد أن يقول ما معه، فأخذوه لزعيم العصابة، فسأله: ماذا معك؟ قال: أربعين ديناراً، قال له: قل الصدق، قال: هاهم، قال له: ولِم لم تكذب؟ قال: لأن أمي أخذت عليَّ العهد أن لا أكذب أبداً، وانظر لبركة الصدق، الرجل التفت لعصابته وقال لهم: إذا كان هذا لم يكذب لأن أمه عاهدته على الصدق، فماذا نفعل مع الله وعهدنا مع الله؟! أنا تائب وردوا هذا المال لهذه القافلة، وإن كنتم تحبون أن تكونوا كما أنتم فأنتم أحرار، قالوا: نحن معك أيضاً، فتابوا على يد طالب العلم ببركة الصدق.
فالصدق في الطريق هو أساس كل صلاح ونجاح وفلاح، لأن الصدق سيطهرك من الرياء، ولن تفعل شيئاً ليراه الناس، فأنت تريد:
ليت الذي بيني وبينك عامر |
وبيني وبين العالمين خراب |
ليس لي شأن بالناس، والصدق سيخرجك من مرض العُجب، ولن تُعجب بنفسك، والعُجب آفة الآفات فترى ما قدمت لا يساوي شيئاً عند ملك الملوك تبارك وتعالى، ماذا فعلت أنا؟ وهل أستطيع أن أعدُّ نعمه التي أنعم بها عليَّ؟! وهل نعمة واحدة من التي أنعم بها عليَّ تكفيها كل عباداتي ولو مكثت في الأرض إلى يوم الدين؟ لا.
فتخرج من مرض الرياء، وتخرج من مرض الكِبر، وتخرج من مرض العُجب .. تخرج من هذه الأمراض التي تحجب الناس عن طهارة القلوب، وعن المكاشفة بما يريده لهم حضرة علام الغيوب تبارك وتعالى، فالصدق هو العُكَّاز الذي تمشي عليه، والإمام أبو العزائم يقول:
الصدق نور يقين كشف حقيقتي |
به تنجلي الأسرار حال الشهادةِ |
سيدنا أبو بكر سُمي الصِدِّيق لماذا؟ لأنه صدَّق برسول الله، ونحن نريد أن نبلغ مقام الصديقية فلا بد لنا من الصدق إن شاء الله.
توحيد المراد
كُنْ أَنْتَ هُوَ فِي قَصْدِهِ ومُرَادِهِ
وَكُنِ الْذَّلِيلَ لَهُ وَمَنْزِلُهُ عَلِي
هذه المحطة التي يقع فيها كثير من المريدين، أنت لك مراد والشيخ له مراد، حتى تنجح ماذا تفعل؟ تنفذ مراد الشيخ وليس مرادك، فمرادك أنت هو الحجاب الذي يحجبك عن دخولك في صفوة أولي الألباب، وهذه العقبة الكؤود أمام عدد كبير من طلاب طريق الله سبحانه وتعالى.
لكن أنا إذا أردت سرعة الوصول للعبد الموصول أفرغ القلب مما سوى الله:
فرغ القلب من سوانا ترانا |
يا مريداً جمالنا وهوانا |
بعد تفريغ القلب من الشهوات والحظوظ والأهواء وعدم التعلق بها ولم يعد له إلا هوى واحد هو حب النبي وحب الرجل الصفي وحب الله تبارك وتعالى ونعم الولي:
إذا صفا القلب من وهمٍ وشبهاتٍ |
يشاهد الغيب مسروداً بآياتٍ |