• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

13 اكتوبر 2020

أحسن الحديث سورة الزمر الآيات 21-22

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

أحسن الحديث

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

” أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الارْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لاولِي الالْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلاسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ” (21-23الزمر).

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله الذي خصَّنا بالذكر الحكيم، وأقامنا بفضله وجوده لا بعملنا في هذا المقام الكريم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي وصفه مولاه للمؤمنين فقال: ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ” (128التوبة) اللهم صل وسلم وبارك عليه، وارزقنا أجمعين السعادة بالتسليم لما جاء به من عند الله، وزدنا من خيرك وبرك فوفقنا للعمل على هداه، وأنعم علينا أجمعين فاجمعنا عليه في الدار الآخرة يا الله.

الآيات الكونية

إذا نظرنا إلى آيات القرآن التي نزَّلها لنا الرحمن تبارك وتعالى نجد عجباً، نجد آيات العبادات والأحكام التي هي هم معظم جماعة المؤمنين لا تزيد عن ثلاثمائة آية في كتاب الله، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، لكن الآيات الكونية التي تتحدث عن قدرة الله تبارك وتعالى في هذه الأكوان، نجدها أكثر من ألف وثلاثمائة آية، منها ما يتكلم فيها المولى في علم الفلك والنجوم والشمس والقمر، ومنها ما يتكلم فيها في البحار، ومنها ما يتكلم فيها في الأنهار، ومنها ما يتكلم فيها في الأشجار، كل هذه النواحي العلمية وغيرها مفصلة في كتاب الله.

لماذا؟ لأن هذه الآيات هي التي تزيد إيمان المؤمن، وإذا تدبر فيها زاد يقينه في الله تبارك وتعالى، ولذلك ما يُسمى بعلم التوحيد أو علم الكلام، كيف كان يُدَرِّسه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لصحبه الكرام؟ كان يسميه كما سماه الله علم الآيات، يقرأ لهم الآيات الكونية، وهذا غير الآيات القرآنية، فالآيات الكونية هي الموجودة في الآفاق كلها، ويشرحها لهم، ويبينها لهم صلى الله عليه وسلَّم، حتى قال سيدنا أبي ذر رضي الله عنه:

{ لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا }[1]

لا يوجد شيء في الأكوان إلا حدَّثهم به النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم، وهي الوسيلة المثلى لتربية الأجيال الجديدة على الإيمان بالله واليقين في الله، وعلى خشية الله والخوف من الله تبارك وتعالى في كل حال.

وهذه ذكرها الله في القرآن في مواضع عديدة وسماها آيات: ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ” (190آل عمران) آيات يعني علامات أو دلائل على قدرة من يقول للشيء كن فيكون، ولكن هذه الآيات للذين يستخدمون عقولهم في التفكر والتدبر في خلق الله تبارك وتعالى.

عبادة التفكر

عبادة التفكر من العبادات العالية والغالية التي كان يقوم بها الأنبياء في خلواتهم مع الله تبارك وتعالى، وهي إلى الآن وما بعد الآن عبادة الأفراد من الصالحين والمتقين، لأنها عبادة الأنبياء، ويقول فيها صلى الله عليه وسلَّم:

{ لا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ }[2]

ويقول صلى الله عليه وسلَّم أيضاً:

{ تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ }[3]

وفي رواية أخرى:

{ فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً }[4]

 والساعة في كلام النبي يعني لحظة، ولذلك نوصي دائماً أحبابنا والمسلمين أجمعين أن يشاهدوا برامج الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وحببوا فيها أولادكم واجعلوهم يتابعوها ليزيد يقينهم في الله وإيمانهم بالله تبارك وتعالى.

وتبدأ بنفسك معهم، فلا تقُل لهم شاهدوا ولا تجلس معهم، لأنك بمجرد أن تدير ظهرك سينشغلوا بشيء آخر، لأنهم يحبون الملاهي ويريدون الأغاني والمسلسلات والممنوعات – حفظنا الله وإياكم وأولادنا وأولادكم وأولاد المسلمين أجمعين – فأحسن وسيلة وطريقة لزيادة الإيمان هي هذه الأشياء.

والآيات التي معنا من ضمن الآيات، بدأها الله بمخاطبة الحبيب صلى الله عليه وسلم: ” أَلَمْ تَرَ ” والخطاب للحبيب هو الخطاب للأمة، فأي خطاب في القرآن لرسول الله، يكون خطاب لكل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

هندسة الماء

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ” يبين الله في هذه الآيات هندسة الماء؛ الهندسة التي لو تدبر الإنسان فيها يتعجب من دقة تنظيم القدرة الإلهية، ومن عجيب تنسيق الطاقة الربانية في ايصال الماء وحفظ الماء إلى جميع الأحياء، هل يوجد حي يستطيع الإستغناء عن الماء؟ لا يستطيع أي شيء حي الإستغناء عن الماء أبداً، قد يستطيع الإنسان الاستغناء عن الطعام عدة أيام، لكن لا يستطيع الاستغناء عن الماء أكثر من بضع ساعات.

الماء الذي نصوم عنه في رمضان، وآخر النهار نقبل عليه متلهفين، حتى نزيل الظمأ والعطش، لأن أهم شيء نحتاجه شربة الماء، ولا نستطيع الحياة من غيرها أبداً.

فالله يبين لنا الماء الذي في هذا الكون كله، والذين يدرسون العلوم والكيمياء يعرفون أن أربع أخماس الكرة الأرضية مياه، وحوالي الخمس يمثل اليابسة والأرض، هذه المياه لأننا لن نستغني عنها جميعاً، كيف حفظها الله من العطن ومن الجراثيم والميكروبات ومن الفيروسات ومن العفن؟ وكيف ينزلها ويوجهها إلى كل الجهات لكل الأحياء في كل الأماكن في أرض الله؟ هذه هي قدرة الله تبارك وتعالى.

خزَّن الله تبارك وتعالى الماء في البحار المالحة والمحيطات، وأنا أقول البحار المالحة لماذا؟ لأنه جعل فيها ملح يحفظها مما ذكرناه، فلو كانت مياه عذبة ستتعفن، ويحدث فيها كل الأشياء التي ذكرناها، لكن حفظها بالملح.

فخزان الماء في الكرة الأرضية يكون في المحيطات الواسعة والبحار المالحة، ويأخذ منها رب العزة بقدر، حتى ينزل بقدر على البشر والحجر والشجر وكل شيء حي على هذه البسيطة.

فيسلط الله تبارك وتعالى الشمس على الماء فتسخن ظاهر الماء إلى أن يتحول إلى بخار ويصعد إلى السماء، ويرسل الله تبارك وتعالى الهواء، فيجمع ذرات الماء ويكون منها سحباً، والسحب تمشي، ويُهيئ الله تبارك وتعالى بقدرته في هذه السحب ماس كهربائي إلهي ليُنزل المياه، وهذا الماس هو الذي نسميه البرق، وهو عبارة عن شُحنة سالبة مع شحنة موجبة تحدث هذه الشرارة، وهذه الشرارة تُحدث طاقة حرارية جبارة، فتكثف البخار مرة ثانية وتحوله إلى ماء.

أين خط السير؟ لا يعلمه ولا يعرفه إلا ملك الملوك تبارك وتعالى، هل توجد دولة تستطيع أن تستكثر لنفسها من هذه السحب ومن هذا الماء بغير إذن الله؟ مستحيل.

فينزل الله تبارك وتعالى الماء على الأرض، وجعل له فيها مسالك: ” فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ “ وانتبه للآية، جزء من الماء يمشي على سطح الأرض وهو الذي نحتاجه، وجزء يمشي في باطن الأرض وهذه الينابيع، وهي تخرج للأماكن المحتاجة في الصحراء.

الصحراء الغربية بمصر والتي فيها الواحات، من أين تأتيهم المياه؟ من الأرض، ويوجد في مصر نهر النيل، وهناك نهر قادم من تشاد ويمر بليبيا ويمشي تحت الصحراء الغربية، والعالم الفضائي البارز الدكتور فاروق الباز عندما نشر صور من الفضاء لهذا النهر قال: هذا النهر به مياه قدر نهر النيل عشرات المرات، ويكفي ملايين الأفدنة لأكثر من مائة عام، أين يمشى؟ ” فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ “.

إذا وجد أن هؤلاء الناس فقراء ومساكين وليس لديهم أجهزة لاستخراج الماء يعمل قوة دفع في باطن الأرض فيخرج الماء كنافورة مياه، ويحتاروا ماذا يصنعون حتى لا تُغرق المياه هنا و هنا!!.

وإذا كانوا مقتدرين يجعله قريباً من سطح الأرض فيحفروا ويخرجوا المياه حتى يكون لهم دور في هذا العمل.

والمياه التي تزيد عن هذا الحد يحفظها الله مجمدة عند المحيط المتجمد الشمالي، والمحيط المتجمد الجنوبي، وهذه المياه المجمدة جهزها الله ليوم، نسأل الله أن ينجينا في هذا اليوم، لأننا ليس عندنا شيء منها، هل يوجد عندنا مياه مجمدة كهذه المياه؟ لا، ولماذا وجود هذه المياه هناك؟ إذا أراد الله تبارك وتعالى إهلاك هؤلاء الأقوام، يسلط الشمس على هذه الثلوج فتنزل سيولاً لا يستطيع أحد إيقافها، وحتى أعتى السدود التي صنعوها إن كان في روسيا أو في غيرها، ستأخذ السدود في طريقها.

ألم يُغرق فيضان النيل سدوداً في السودان؟! وهذا فيضان بسيط، لكن الكتل الثلجية التي هي من غير حساب في هذه المنطقة الثلجية في أوروبا، تُغرق كل أوروبا إذا أراد الله تبارك وتعالى لهم ذلك.

اختلاف الزروع

” ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ “ نحن نروي الأرض بالماء، ومن خصائص الماء أنه ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، فليس له طعم كالسكر ولا مر ولا غير ذلك، وليس له لون، ولا رائحة، والهواء الذي يرسله الله لهذه النباتات أيضاً نفس الوصف، ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، والأرض التي نضع فيها البذور ويزرع الله فيها النبات هل فيها سكر؟! لا، فلو زرعنا فيها قصب السكر، هل ستأخذ من مخازن السكر التي فيها؟! لا يوجد فيها مخازن سكر.

فالأرض ليس فيها هذه الأشياء، والماء ليس فيه هذه الأشياء، والهواء ليس فيه هذه الأشياء، ولكن: ” صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ” (4الرعد) إن كان عندك حديقة صغيرة ستجد هذه شجرة برتقال، وهذه شجرة يوسفي، وهذه شجرة ليمون، وهذه شجرة مانجو، من أين أتوا بالطعم؟! ومن أين أتوا باللون؟! ومن أين أتوا بهذا الحجم؟! ومن أين أتت رائحة هذه الفاكهة؟! لنعرف أن هذه قدرة القادر تبارك وتعالى.

ولأنه يحبنا نوَّع لنا هذه الأشياء حتى لا نملُّ، لأنه لو جعل كل الفاكهة فاكهة واحدة حتى ولو كانت تفاح، سنأكل منه أسبوع أو أسبوعين ونملُّ، لكنه نوَّع، وفي التنويع فإن كل فاكهة فيها مصلحة لك.

فالفاكهة التي في الصيف تحتاجها في الصيف، لأن فيها مياه كثيرة لأنك تحتاج المياه كالبطيخ وفصيلته كلها، والتي في الشتاء تكون مملوءة بفيتامين سي كالبرتقال واليوسفي وما شابهه، لأنك في الشتاء تحتاج لفيتامين سي لزيادة المناعة.

وأفضل شيء للإنسان بعد الصيام أوالجوع الطويل التمر، وكذلك هو أفضل شيء للأمهات بعد الوضع.

فالفاكهة ليست لنأكل طعاماً لذيذاً فقط، لكن فيها فوائد لا نستطيع حصرها ولا تعداد بعضها، لندرك فيها وبها قدرة الرحمن تبارك وتعالى فيزداد عندنا الإيمان.

وهذا ما يجب أن نشرحه لأولادنا، لا نتركهم يأكلون وهم غافلين، فأقول لهم إذا أكلوا يوسفي مثلاً: هل يوجد مصنع في الكرة الأرضية يستطيع صُنع قشرة كهذه القشرة التي صنعتها القدرة الإلهية؟! هل التكنولوجيا اليابانية أو الروسية أو الألمانية تستطيع صنُع شيء كهذا؟ مستحيل، فهي حافظة للثمرة، وفي نفس الوقت تجد بينها وبين الفصوص اتصال أعصاب وخيوط دقيقة توصل له الغذاء من بدايته وهو صغير إلى أن يكبر، والغذاء كما قلنا ليس فيه طعم ولا رائحة ولا شكل، فمن أين يأتي هذا كله؟ من قدرة من يقول للشيء كن فيكون: ” ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ” وليس ألوانه فقط المختلفة، ولكن ألوانه وأحجامه وأشكاله وطعومه.

وبعد ذلك: ” ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا “ إذا تركنا هذا النبات بدون مياه يهيج ثم يصفر، يعني يكبر وتنتهي حياته.

” ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا “ لِم أتى لنا بمصفراً ثم أتى بحطاماً؟ هذا مثل ضربه لك يا أيها الإنسان، كالمثل الذي قاله في سورة الكهف: ” وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ” (45الكهف) مشابه لنفس المثل، وأنت نفس الأمر، ينزل الماء من سماء الرجل في أرض المرأة، فيُكوِّن الله به رجلاً، ليس في طاقة كل القوى والقدر أن تصنع له حتى ظُفراً، فلو ضاع الظُفر من الذي يقدر أن يخرج له ظُفراً مثله؟ لا أحد.

ثم ينزل، وبعدها يكبر، ثم طفل صغير، ثم شاب بعد ذلك، ثم يصبح رجلاً، ثم بعد ذلك يشيخ فتراه مصفراً، وبعد ذلك تنتهي رسالته، أليس هذا الإنسان؟!.

الله زرع لك هذه النباتات بأنواعها، وأنت زرع الله، أنت تجني ثمار النباتات، والذي يجني ثمارك حضرة الله تبارك وتعالى، فإذا كانت الأعمال صالحة فإن الثمار تكون جيدة، وجزاؤه جنات تجري من تحتها الأنهار.

إذا وجدت عندي في الحقل بعض الحطب الذي ليس فيه فائدة، فأقول هؤلاء للنار.

نفس الأمر للكافرين والمشركين الذين لم يؤمنوا بالله ولم يقتدوا بحبيب الله ومصطفاه، هم زرع ولكنه زرع خائب، وإن كانوا في الدنيا ما شاء الله في الأجساد والألوان وكل ما تشتهيه الأنفس، لكن ليس له ثمر، كالزرع الشيطاني الذي يخرج في الحقول والذي ليس له ثمر، فما نتيجته؟ يلقيه الله سبحانه وتعالى في جهنم وبئس القرار.

” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ “ ينبهنا الله لكي نتفكر ونتدبر في هذه القوى والقُدر الإلهية، فنحمد الله ونشكر الله ونرجع إلى الله تبارك وتعالى.

شرح الصدر للإسلام

يجب أن تحمدوا الله آناء الليل وأطراف النهار، لماذا؟ لأنكم دخلتم في قول الله: ” أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلاسْلامِ “ شرح الصدر يعني يوسعه، من الذي وسَّع صدرك لقبول الإسلام وتعاليم الإسلام واتباع سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام؟ هل يوجد أحد من الأطباء يعرف يعمل هذا؟! هل يوجد دواء موجود يفعل هذا الشيء لأي إنسان؟! لا يوجد: ” مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ ” (17الكهف) هذه كلها من الله.

ولذلك عندما جاء جماعة من الأعراب ومنُّوا على سيدنا رسول الله وقالوا: نحن أسلمنا معك، وجاهدنا معك، وعملنا كذا وكذا ونحن معك، فأمره الله أن يقُول لهم: ” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلايمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” (17الحجرات).

هذا الإيمان فضلٌ من الله، وإكرامٌ من الله، ماذا كنا قد فعلنا حتى يختار لنا ربنا الإسلام ويجعلنا مسلمين؟! لا شيء لأنه قد جعلنا مسلمين من قبل القبل: ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” (110 آل عمران) كنتم قبل خلق الزمان والمكان خير أمة أخرجت للناس.

فلو تخلى الله عنا لحظة وترك لنا حفظ الإيمان، هل منا من يستطيع أن يضمن حفظ الإيمان في قلبه؟! لا، فنحن ندعوه آناء الليل وأطراف النهار ونقول: يا رب احفظ علينا الإيمان حتى نخرج منها مسلمين.

حتى أنبياء الله، فنبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام قال: ” تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ” (101يوسف).

وعندما تروا دعاء القنوت الذي ندعوه في صلاة الصبح الوارد عن رسول الله تجد أمراً عجباً من حبيب الله ومصطفاه، واسمع ماذا قال سيدنا رسول الله في بدايته:

{ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ }[5]

لنعلم علم اليقين أن الإيمان فضل من الله، وأن حفظ الإيمان على حضرة الله، لا يستطيع أحدٌ منا حفظ الإيمان إلا إذا حفظه له مولاه تبارك وتعالى.

قد يقول قائل أنا سأحافظ على الإيمان، وسأحافظ على الصلاة، وسأحافظ على الصيام، وسأُخرج الزكاة، فمن الذي يضمن لك هذا؟ وهل يوجد واحد منا يضمن لنفسه أن يؤدي فريضة واحدة لله من غير توفيق الله ومعونة الله؟! تذهب لتنام، ويُلقي عليك المنام وتظل حتى الظهر، من الذي يوقظك ساعة الأذان؟! وينبهك إلى القيام بمناجاة الرحمن؟ ويذكرك بأركان بالوضوء؟ ويذكرك بأركان الصلاة؟ ماذا تقرأ وأنت واقف؟ وماذا تقول وأنت راكع؟ وماذا تقول وأنت ساجد؟ أليس كذلك؟.

لو أن العليم عز وجل أنساني ماذا أفعل؟ وماذا أقول؟ لا أعرف كيف أركع، ولا أعرف هل الركوع الأول أم السجود، فالأمر كله يحتاج إلى رعاية الله وعناية الله وتوفيق الله.

” فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ “ النور الذي معنا، والذي هو سبب كل الخير والبركة والذي هو نور الإيمان، هو فضل من الله، وإكرام من الله، يقول فيه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: ((لو كُشف عن نور المؤمن العاصي، لملأ ما بين السماء والأرض، فما بالكم بالمؤمن المطيع؟!))

فلما خصَّك الله بنور الإيمان، وضع لك كل المنازل القيمة والعالية والراقية في القرآن، لماذا؟ وضع فيك نور الإيمان، ونور الإيمان فضل من الرحمن سبحانه وتعالى.

ولذلك أمر الله المؤمنين أن يتذكروا هذه النعمة؛ يتذكروا النعم الظاهرة كالزرع والمياه والأصناف التي نراها من حولنا، ويتذكروا النعم الباطنة كنعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ونعمة القرآن ونعمة النبي العدنان ونعمة الهداية: ” وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ” (20لقمان).

خطورة قسوة القلب

لم يتركنا، ولكن يوالينا بالتوفيق والمعونة والحول والطول تبارك وتعالى، ولذلك قال لنا: ” فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله “ وهناك قراءة أخرى: ” فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذِكْرِ الله ” عندما تشاهدوا هذه النعم، وتشاهدوا الآخرين ستعرفون فضل الله عليكم، هؤلاء الآخرين إذا ذكرت الله عنده يتركك وقد يسخر منك أو يستهزئ بك، فتحمد الله أن الله رزقك قلباً تقيا نقياً رقيقاً ورحيماً، ومستجيباً لله تبارك وتعالى، ولسيدنا محمد الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم.

من القاسية قلوبهم؟ الكافرين والمشركين، ولذلك مهما يدَّعون أن عندهم شفقة وعطف ويقولون لنا نريد شفقة بالحيوانات، نريد رحمة بالحيوانات، لكن أين رحمتكم وشفقتكم أنتم بالإنسان؟! لا توجد، فقلوبهم قاسية، ولأن قلوبهم قاسية يفرون ويهربون من ذكر الله تبارك وتعالى.

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حذرنا من هؤلاء تحذيراً شديداً تأكيداً لتحذير الله سبحانه وتعالى، فقال صلى الله عليه وسلَّم لنا لننتبه:

{ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي }[6]

دخل في قسوة القلب، ولذلك إياك أن تجلس أي مجلس في بيتك مع أولادك وزوجتك، أو في عملك مع زملائك، أو في أي زمان ومكان، وتقوم بدون أن تذكروا الله، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً }[7]

وفي رواية أخرى:

{ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا قَامُوا عَنْ أَنْتَنِ مِنْ جِيفَةٍ }[8]

تخرج منهم رائحة كريهة للملكوت الأعلى، لذلك لا بد إذا جلسنا أن نذكر آية من كتاب الله، أو نذكر حديث من أحاديث رسول الله، أو نقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وإذا نسيت فكما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ الْآنَ كَلَامًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا خَلَا، فَقَالَ: هَذَا كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجَالِسِ }[9]

إذا قلتم هذه الكلمات كانت كفارة للغو الذي حدث في المجلس، لكن إن كان في المجلس سب وشتم ولعن، فهذه قضايا وجنح تتحول للمحكمة الإلهية.

الشاهد أننا لا نجلس في أي مجلس إلا إذا كان فيه شيء من ذكر الله، أو آية من كتاب الله، أو الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

الذين أبعدوا أنفسهم عن طاعة الله والإيمان بدين الله قال فيهم الله: ” أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ “ هؤلاء في ضلال بيِّن واضح، نسأل الله تبارك وتعالى الحفظ والسلامة.

[1] مسند أحمد ومعجم الشيوخ عن أبي ذررضي الله عنه

[2] معجم الطبراني ومسند الشهاب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

[3] الفوائد المجموعة للشوكاني

[4] العظمة للأصبهاني عن أبي هريرة رضي الله عنه

[5] جامع الترمذي وسنن أبي داود عن الحسن بن علي رضي الله عنهما

[6] جامع الترمذي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما

[7] مسند أحمد وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه

[8] شعب الإيمان للبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[9] سنن الدارمي وأبي داود عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه

درس بعد صلاة العشاء المنيا – مغاغة 26 من صفر 1442هـ 13/10/2020م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid