• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

17 مارس2016م

أسئلة حائرة وإجابات شافية_مجلس الخميس بالأسكندرية 17-3-2016

.

شارك الموضوع لمن تحب

فضيلة الشيخ / فوزى محمد أبو زيد

الخميس 17/3/2016 موافق 7 جمادى الآخر 1437 هـ

الأسكندرية

 (أسئلة حائرة وإجابات شافية)

بسم الله الرحمن الرحيم:

السؤال الأول:

ما أسهل الطرق للوصول إلى الله عز وجل؟

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهي كأي محبة، فأنت لماذا تحب أي إنسان؟ لأنك عرفته وعرفت صفاته وعرفت أخلاقه وأُعجبت بها فتحب هذا الشخص لهذه الأوصاف وهذه الكمالات التي تجمَّل بها.

فنحن محتاجين إلى معرفة أوصاف سيدنا رسول الله الذاتية وليست الحسية، فالناس متوقفة عند الأوصاف الحسية، فالمدَّاحين والمنشدين واقفين عند الأوصاف الحسية، لكننا نريد الأوصاف النورانية، والأوصاف الذاتية والأخلاق القرآنية التي كان متجمِّل بها سيدنا رسول الله.

فالإنسان عندما يدرس هذه الأوصاف ويقرأها من كلام العارفين أو يسمعها من العارفين الأحياء الصادقين يُجذب لسيدنا رسول الله.

وهذا ما نسميه جذباً، ولكنه جذباً قلبياً، فالناس مُعتقدين أن الجذب هو أن الإنسان يترك الدنيا ويلبس الخيش ويضع لنفسه قيود ويذهب للصحراء، فليس هذا جذب، هذا خروج عن حد الإعتدال، لكن الجذب الصحيح:

[أن تُعلِّق القلوب بالحبيب المحبوب ولا يظهر شيئٌ من ذلك على الأجسام لجميع الأنام].

وهذا هو الحب الصحيح.

فإذا كنت تحب إنسانة وكل من حولك يلاحظون ذلك فتكون قد فضحتها، فهي نفس الكيفية، ولكن متى تكون محباً صادقاً بصدق؟ إذا كان كل من حولك لا يعرفون عنك شيئاً، لأنه في نفسك أنت فقط.

فهي تحتاج إلى ذلك، تحتاج إلى مطالعة سيرته وأوصاف حضرته ونعوت كمالاته، ومظاهر جمالاته وخاصة في كتاب الله، لأنه الوحيد الذي عرَّف برسول الله التعريف الذي ينبغي أن نعلمه في هذه الحياة.

بعد ذلك يُكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولذلك قالوا:

[لكل شيئٍ قوت، فقوت الأجسام الطعام، وقوت الملائكة طاعة الله، وقوت الأراوح والقلوب الصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم].

ولذلك تجد أن كل العارفين السابقين واللاحقين والمعاصرين الأساس الأول عندهم: الصلاة والتسليم على سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

فمنهم من كان يصلي ويسلم عليه كل ليلة ألف مرة، ومنهم من كان يصلي عليه خمسة آلاف مرة، ومنهم كان يُصلي ويسلم عليه سبعة آلاف مرة، ومنهم من كان يصلي ويسلم عليه عشرة آلاف مرة، ومنهم كان يصلي ويسلم عليه أربعين ألف مرة، وكل واحد على قدر جُهده واجتهاده.

وعندما يُصلي عليه يستحضر أنه بين يديه ـ فأنا أُصلي باللسان والقلب تائه في الأكوان، فهذا يأخذ أجراً وثواباً، وهو لا يريد أجراً ولا ثواباً، ولكنه يريد المنح والعطايا، فلابد من الحضور، فيستحضر أنه بين يديه صلى الله عليه وسلَّم أثناء الصلاة والتسليم عليه صلوات ربي وسلامه عليه، فيُصلي ويُسلم عليه إلى أن يتحقق صدقه فربنا يُعطِّف قلبه ويقول له:

“وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (الأحزاب).

هذا الرجل أصبح من المؤمنين الصادقين فبشِّره، فيراه مناماً على قدره وبعدها يبدأ في مواصلته، وبعدها يبدأ يوصيه، وبعدها يبدأ يدرِّس له، وبعدها يحدِّثه، وبعدها يوجِّهه، وبعدها يأخذ بيده إلى طريق الصفاء والنقاء ويرفعه إلى النور وعظيم الجمال والضياء والبهاء.

فهذه يا أخي هي السكة الوحيدة وهي حب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

الإمام أبو العزائم ماذا قال لنا في ذلك؟

فأنشد المنشد:

 

سر الوصول إلى الجناب العـــــــــــالي       حب النـــــــــــــــــــــــــــــــبي محمدٍ والآلِ

تُعطى القبـــــــــــــــــــــــول وترفعن لجنابه       وتنــــــــــــــــــــــال ما ترجوه من آمالِ

والفضـــــــــــــــــــل لا يُعطى لعلة عاملٍ       نزِّه إلهك عن ســـــــــــــــــــوىً ومثالِ

كم عاملٍ في ظُلمةٍ لا يشــــــــــــــهدن      إلا وســــــــــــــــــــــــــــاوس نفسه بخيالِ

والفضل فضــــــــــــــــــــل الله يُعطى منِّةً      بالحب في طه العزيز الغـــــــــــــــــــالي

         من لحظةٍ في الحب تشــــــــهد وجهه       وتفوز منه بسِّــــــــــــــــــــــــــــــره والحالِ

تُعطى العلوم وتشــــــــــهدن فتترجمن       بلســــــــــــان أهل لقرب والأبدالِ

تُعطى الجمـــــــــال فلا يراك مصدِّقٌ       إلا ويشــــــــــــــــــــــــــــهد نوره المتلالي

من أين هذا العــــــــلم والنور الذي       أُعطيته من لحظةٍ في الحــــــــــــــالِ؟

من حب قلــــــــــــــبي للحبيب محمدٍ       نلتُ المنى بل نلتُ كل آمـــــــــالي

بُشرى لمن عشـــــــــــقوا جمال محمدٍ       نالوا القبــــــــــــــول من الولي الوالي

أنا يـــــــــــــــــــــــا حبيبي في هواك مُتيَّمٌ       وشـــــــــــهود وجهك بغيتي ونوالي

واجـــــــــــــه بهذا الوجه مُضنىً مغرمٌ       يرجوا نوال القرب والإيصــــــــالِ

أنت الوســـــــــــــيلة أنت نور قلوبنا       أنت الضيا من حضرة المتعــــــالِ

ثم استطرد الشيخ:

من لحظةٍ في الحب تشــــــهد وجهه        وتفوز منه بسِّــــــــــــــــــــــــــره والحالِ

تُعطى الجمـــــــــال فلا يراك مصدِّقٌ       إلا ويشــــــــــــــــــــــــــــهد نوره المتلالي

تُعطى العلوم وتشــــــــــهدن فتُترجمن       بلســــــــــــان أهل لقرب والأبدالِ

من أين هذا العــــــــلم والنور الذي       أُعطيته من لحظةٍ في الحــــــــــــــالِ؟

من حب قلــــــــــــــبي للحبيب محمدٍ       نلتُ المنى بل نلتُ كل آمـــــــــالي

فماذا يحتاج هذا الموضوع كله؟ يحتاج للحب ـ ولكن الحب يكون من القلب، وليس الحب المظهري، لأن الحب المظهري فيه ناس كثيرين يقولون: نحن نحب النبي ويغنون للنبي، ولكنه بداخله ليس مُحباً للنبي ـ ومعذرةً ياكل مال النبي ـ فليس هذا بحب، لأن الحب هو الذي يقتضى منك أن تتابعه ةتمشي على منواله:

“قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله” (31آلعمران).

يعني أمشي خلفه، الحب الذي يجعلني أمشي وراءه صلوات ربي وسلامه عليه، فهذا طريق لا يوجد أيسر منه ولا أسهل ولا أقرب من هذا الطريق للوصول إلى فضل الله وإكرام الله وعطاء الله ومواجهات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهو حب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

إذا لم أستطع أن أستحضره، أبحث لي عن رجلٍ قريبٍ من حضرته وقريبٌ منه في هيئته وفي أخلاقه وفي سلوكياته وفي أحواله وأحاول أن أقترب منه وأستحضره، فهذا الذي يقربني من رسول الله، وهذا سرُّ تعلق الناس بالصالحين لأنهم أرقب إلى الناس شبهاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

فيتعلم منهم الأخلاق المحمدية والأصاف القرآنية التي كان عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لأن هؤلاء الناس يريدون أن يروا هذه الأوصاف في الحياة، وخاصة أن كثيرٍ من المرجفين يقولون:  أين نحن من رسول الله فهذا كان في زمنٍ غير زماننا الذي نحن فيه، فلو كان في زماننا لم يكن يفعل ذلك.

فلابد أن تكون هناك حججٌ في كل زمان ومكان، فالصالحين هم حجَّة الله في الكون على أهل الكون، فهي حجج الله وموجودة في زمانكم ومعهم أيضاً فتح الله حتى لا يكون هناك علِّة و لا حجة لأهل هذا الزمان:

“لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ” (165النساء).

وهذا ما قال فيه الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، قال:

[لا تخلُ الأرض من قائمٍ لله بحجة، إما ظاهراً مشهورا، أو باطناً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته].

لابد أن يُوجد أحدٌ قائمٌ بالحجة إما ظاهراً أو باطناً في كل زمانٍ ومكانٍ:

“فَلله الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ” (149الأنعام).

فهذا هو السبيل لمن أراد السبيل، وطبعاً من يتبع سيدنا رسول الله أو يتبع الداعي المقام من رسول الله وشرطه:

[حتى يُصحح التقرب إلى الله وينال مناه أن يتخلَّص أولاً من حظه وهواه].

مشكلة المشاكل التي يتعب منها الأحباب ويمكن زعلانين منا لأنه لم تتغير أحوالهم وذلك لأن كل واحد يمشي على هواه وفي نفس الوقت يريد أن ينال مناه، فيكف يتحقق ذلك؟ وهذا من الآخِر.

ولذلك أين المطيع؟ يعني الأحباب مع كثرتهم كمواحدٍ منهم المطيع؟ يُعد عل الأصابع، لأنه يقول لك: حاضر ـ نعم وبعد ذلك يمشي على هواه ويؤوِّل ويُفسِّر، ويقول: إن وجهة نظري كذا، أو يقول: يُخيَّل إليَّ أنه يريد مني كذا، ـ ولا اجتهاد مع النَّص، طالما هناك نصٌّ صريح فلم الإجتهاد؟.

أو يؤوِّل الأدب بطريقته الخاصة، وهل لك أدب وأصحاب رسول الله لهم أدبٌ آخر؟ وهل أصحاب الصالحين لهم أدبٌ آخر؟ أفلا تجعل نفسك مع الصالحين وتستريح؟

تريد الآداب الصحيحة؟ أنظر إلى أدبهم وامشي على منوالهم، لكن كل واحد الآن يأتي بآداب جديدة ويمشي عليها ويُبرر لنفسه بمبررات ويقول: أين الفتح أنا لي عشرين سنة ولم يُفتح عليَّ؟ وماذا أفعل لك؟ فالفتح يأتي في سِنَة وليس في سَنَة:

[لحظة الوصل كسِنة ولحظة الفصل كسَنة] ـ ولكنها تحتاج إلى التسليم الكلي والذي قال ربنا فيه:

“فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (65النساء).

لابد من التسليم الكلي، ولذلك الإمام أبو العزائم قال:

[من فاز بالتسليم فاز بكمال النعيم].

ولكي يتحقق المراد يجب بالتسليم الكلي، وهذا والحمد لله ما أكرمنا به مع شيخنا، فكان الواحد يُسلِّم تسليماً كلياً، فلا أفعل شيئاً صغيراً أو كبيراً إلا بعد إذنه، ولا أتأول فما كان يريده يقذفه في قلبي، فأعمل به على الفور، ولا أُحكِّم نفسي أو أحكم فيه بنفسي، فالنفس يأتي معها الهوى، والهوى المانع الأعظم لأي فتحٍ من الله عز وجل:

“أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ” (23الجاثية).

فهذه الموضوعات الحيوية في هذا المجال.

السؤال الثاني:

هل يوجد أحدٌ من الصالحين فرَّق بين الخاص والعام حتى لا نتوه في أمر خلط الخاص بالعام؟

الخاص والعام هذا أمرٌ واضح، ففي العام يعني في المساجد في الأماكن العامة نُظهر الشريعة وبصيص من الحقيقة مُغلَّفة بالشريعة لأنها مجالس شرعية، فإذا خطبتُ جمعة فتكون الخُطبة شرعية، وأضع فيها شيئاً من الحقيقة فلا مانع ولكن أُغلفها بالشريعة أيضاً.

ولكن هل على المنبر أقول: أن تفسير هذه الآية الباطني كذا؟ لا لا يصِّح، أقول التفسير الشرعي الظاهري كذا أولاً، وبعد ذلك أقول: ولبعض أهل الإشارات في هذا الموضوع رأيٌ، ورأيه كذا فمن قبله يقبله، ومن لا يقبله فهو حُرٌ وانتهى الأمر.

أو نجلس في مجلس عام ـ وفي مجلس عام يعني في الشارع أو في بيت حتى والناس كلهم حاضرين ـ حتى ولو مجلس ـ فالإمام أبو العزائم وضع شروطه في كتابه مذكرة المرشد والمرشدين فقال:

[على الداعي أن لا يدعو إلا من تتوسط أحوالهم].

فلو أعرف أن أحداً عنده وجدٌ شديد وبسرعة سينفعل ويُحدث فوضى، فقال: لا يكون ذلك في هذا المجلس الخاص.

إذا وجد أن المجموعة ستنفعل يتوقف في الحال حتى يعتدلوا.

إذن في المكان العام يجب أن نُظهر الإعتدال.

والحديث: وكذلك الحديث يكون عن الصلاة أوعن الصيام أوعن الزكاة أو عن الحج، أو شيئٍ تشريعي، وشيخنا الشيخ محمد على سلامة كان يقول:

[إذا جلستم مع العوام فتحدثوا عن علوم الرجل، ولا تتحدثوا عن الرجل وإذا جلستم مع الخواص فتحدثوا عن الرجل].

فإذا تكلمت مع العوام عنه فستحدث فتنة، وبعض إخواننا من آل العزائم كانوا يتحدثون في ذلك وكان بعضهم يقول على المنابر في الحديث:

(إن الله يبعث على رأس كل مائة عام ما يُجدد لهذه الأمة أمر دينها).

[وإمام هذا الزمان وإمام هذا الأوان فهو فلان الفلاني، ومن مات وليس في عُنقه بيعة لإمام زمانه مات ميتةً جاهلية].

فيسألني بعض الناس عن هذا الحديث فأقول لهم: نعم هذا الحديث يقصد أن من مات وليس في عُنقه بيعة تشريعية أي بيعة لهذا الحاكم هذا الزمن فمات ميتةً جاهلية لأن الناس بايعوه، فيجب أن تكون حكيماً في الرد:

[من أظهر ما لا يُطاق أوقع غيره في النفاق].

فالكلام الخاص يمكن أن يكون مع واحدٍ فقط، أو يكون مع مجموعة ولكن يكون معي الهيمنة، فالإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه كانت له جِلسةً خاصة مع بعض الأحباب، فكان يدخل هذه الجلسة الخاصة ويبدأ الجلسة بكلمة وهي كلمة السر لنا كلنا ولكن تأخذها أنت من الرجل العارف، ولا تأخذها أنت من نفسك وهي كلمة: يا ألله ـ بالمد الطويل ـ فيأتي المدد على الفور.

فكان يقول: يا ألله فالجالسين بعضهم ينام، فيُكلم الحاضرين في الفتوحات الإلهية الخاصة وبعد أن ينتهي يقول: يا ألله فمن نام يستيقظ.

فماذا سمعوا؟ لا شيئ ـ ولذلك هؤلاء كانوا حكماء فقد قال في مذكرة المرشد والمرشدين:

[لو جالستَ ألف رجلٍ من أهل مقام الإحسان وفيهم رجلٌ واحدٌ من أهل مقام الإيمان فلا عليك أن تُضيِّع ليلة بأكملها تتحدث في مقام الإحسان حتى لا تُبيح السر لغير أهله].

وانظر للحكمة البالغة، ألف رجلٍ في مقام الإحسان ومعهم رجلٌ من أهل مقام الإيمان فقال لك: تتكلم في مقام الإيمان.

وغير هذا يُحدث فتنة على الفور، ولذلك الفتن تحدث من كثير من إخواننا عندما يسمع درس منا في الجلسات الخاصة ويذهب ويقوله على المنبر، أو يقوله في مكان عام فيُحدث فتنة، وخاصة لأنه لا يقوله  كما نقوله، ولو واحد أراد أن يضغط علينا نأتي له بألف طريقة بعيدة عن هذه الحقائق، فلا يستطيع وهذا فضل من الله، لكنه عندما يقول يُخطئ ويتورَّط فلا يستطيع الخروج من هذه الورطة، فيعمل فتنةً لنا كلنا.

السؤال الثالث: مقولة تقول

“وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ” (175الأعراف).

فربنا وهبه منح إلهية فلم يكن قد انتهى من تزكية النفس، فلما وصل بلعام بن باعوراء ـ لأنه كان يرى العرش وما فيه ـ وكان إذا دعا الدعاء يكون مُستجاب الدعاء ويتبعه ستين ألفٌ ممن حوله ويتلقون على يديه، ولأنه لم تزكُ نفسه طلب من الله عز وجل أن يميت موسى ليحل محله.

فدعا، فقال له الله تعالى: أتدعوا على كليمي وصفيِّي؟ فالنفس لا زالت موجودة لأنه يريد الزعامة، وموسى لم يطلب الزعامة ولكن الله قد اختاره لها:

“وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” (39طه).

فلم يطلب لنفسه شيئاً، ولأن نفسه لم تصفو ولم تزكو فطلب أن يزاحم أخاه في المكانة، وطالما أن أخاه مازال موجوداً فلن يزاحمه، فيريد موت أخيه ليأخذ مكانته هذه.

وهذا يحدث كذلك مع نفر من أتباع الصالحين، كيف؟

مجموعة من أتباع الرجل الصالح إختار الشيخ منهم واحداً ليقوم مقامه بعد إنتقاله، فإذا كان الآخرين لا زالت نفوسهم لم تزكو فيظلون دائماً عندهم حسد كما حدث مع إخوة يوسف:

“اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ” (9يوسف).

فهي موجودة إلى يوم القيامة في كل زمانٍ ومكان ومع كل الصالحين، فعندما يرونه وقد نجح في شيئٍ يغضبون، وهي مصيبة فتنكسف أنوارهم وتتوقف أحوالهم وينقطع إمدادهم، ويكونوا أمام الناس هياكل فقط فيقول الناس: أنه كان مع الشيخ فلان أو صاحب الشيخ فلان، لكنه ليس عنده شيئ، لماذا؟ لأنه قد دخل عنده داء الحسد، وهذا الداء إذا دخل على القلب ينتهي الإنسان:

“أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ” (45النساء).

ليس من خيره فالخير في الدنيا، لكن من فضل الله وهو الذي نتكلم فيه الآن.

فهذه هي المصيبة الكُبرى.

فيحدث معه كما حدث:

“فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ” (175الأعراف).

ليس معه شيئٌ، فإن كلَّم الناس فيكون بكلمتين هو يحفظهم، لكن هل هناك كلام يأخذه؟ هل هناك إلهام يأتيه؟ لا ـ هل هناك فِراسة موجودة؟ لا ـ كلمات يحفظها ويرددها، لكن الأخوة الصادقين:

“وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ـ

فهي:

“إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ” (47الحجر).

سأل مقاطعاً: والقول الذي يقول: نعوذ بك من السلب بعد العطاء؟

أجاب الشيخ:

يعني يا رب زكِّينا تزكية كاملة حتى نُحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا حتى لا نُصاب بهذا الداء الذي يُصيب صاحبه بالسلب بعد العطاء.

فالسلب بعد العطاء سببه هذا الحسد، أتحسد أخاك؟ فالمفروض أنك تحرسه، فهل تحسد أخاك؟ لا ولكن تحرسه من عين الحاقدين والحاسدين ومن أهل الشر أجمعين، فيكون جالساً في المجلس يرى بعين البصيرة الحاقدين والحاسدين ويكبتها ويدعو الله أنه يغمضها لكي يحفظ أخاه وحال أخاه لأن أخاه يبلغ الرسالة ويؤدِّي الأمانة، ويكون أيضاً مشارك له في الأجر والثواب والفضل الكبير من الله عز وجل.

 فالنفوس الإمام أبو العزائم يقول فيها:

فطر النفوس تقودها لعناهـــــــــــــــا      والله بالشرع الشريف هداهـــــا

لولا الشريعة بينت سُبل الهُدى      ضلَّت نفوسٌ في سحيق هواها

والجسم آلات لها تســـــــــــــعى به      وبريدها الحسُّ الذي أرداهــــــــــا

ففطر النفوس كذلك، ولذلك الإنسان الذي يريد الله به خيراً لا يظهر إلا إذا أظهروه، ولا يتكلم إلا إذا آذنوه  ـ يعني بالحقائق ـ وحتى إذا آذنوه فيرى أنه عندما يتكلم يعلم أنهم هم الذين يتكلمون على لسانه، وهو يسمع مثله مثل غيره وينسب الفضل كله لله جل في علاه، وماذا يكون عند ذلك؟ يكون ميكروفوناً وهم يتكلمون فيه وانتهى الأمر.

السؤال الرابع:

من أراد الله فليجعل الخلق جميعاً خلف ظهره، فلا يسمع ولا يُلقي أُذنه لأحد ولو قيل له: أن فلاناً قال عنك كذا، لأنه لو سمع لفلان هذا قال عنك كذا وفلان هذا قال عنك كذا فلن يسلك، سيُشوِّش على نفسه، لأن أعزَّ ما أحافظ عليه هو قلبي، وأحرص ما أحرص عليه هو قلبي، فمالذي يُعكَّر صفوه؟ الكلام، ولذلك أبو العزائم قال ذلك:

فخلي الخلق خلفك ثم عامل     بصدقٍ ذات مولاك العلية

وقد كنتُ أحرص في البداية أن أدخل المسجد وأُصلي الجمعة مثلاً وأجاهد في هذه الجمعة أن لا أعرف من كان عن يميني ولا من كان عن شمالي ولا من خلفي، حتى أكون مشغولاً بالله فقط، من كان عن يميني وعن شمالي وغيره لا أريد أن أنشغل به ولا أعرفه.

لكن من يُصلي الآن وسمع أحداً جاء مسرعاً يريد أن يعرف من دخل في الصف، ويصلي بسرعة وينظر من الذي دخل، فكيف تكون هذه صلاة؟

وكنتُ أركب القطار من طنطا إلى القاهرة ـ عندما كنت طالباً ـ وأنا في الديوان أُغمضُ عينيَّا فلا أسمع من يتكلمون معي في الديوان، ولا أسمع القطار حتى يُوقظني ربنا عند شبرا فأعلم أن المحطة إقتربت، لماذا؟ لأن هذا تدريب عملي أن المرء لا يشغل نفسه بالخلق بالكلية.

وإذا رأيتَ الخلق مُقبلةً فــــــــــــــلا        تركن ركون مُقرَّبٍ من نــــــــــــــــار

فالخلق فتنة من أردتُ صدوده        وشهود أهل البعــــد في الأدوار

وإذا دعاهم أن يدُلُّوا غيرهـــــــم         قاموا بحولٍ منه لا بفخـــــــــــــــــــارِ

يدعون والرهبوت ملء قلوبهم        بالهدي هدي المصطفى المختار

وإلى وقتنا هذا لا أصعد المنبر أبداً إلا وأقول: يا رب ليس معي شيئاً أقوله؟ وماذا أقول لهم؟  وهل أنا معي شيئاً أقوله؟ يا عليم علِّم الجاهل ـ يا عزيز أعِزَّ الذليل ـ يا غني أغني الفقير، فلو وقفتُ عني فماذا أقول لهم؟ ولو قطعت خط الإمداد فمن أين يأتيني؟ لابد من ذلك وهذا الحال يجب أن يكون مع الإنسان دائماً:

أنا بمن في وجودي؟     من بالصفا أتحفني

بالله عز وجل فبدونه لا نستطيع أن نتحرك أو نذهب ولا نأتي، فيعيش الإنسان في هذه الحالة.

ولكن يبحث عن الخلق ويريد منهم من يحمده ويقول له: أنت اليوم أحسنت يا سيدنا الشيخ وأنت قلت خطبة عظيمة ولا الشيخ عبد الحميد كشك، وأنت اليوم قلت كذا ـ فلن تصلح هذه الحكاية، فلو سمع هذه الأشياء فقد ضاع وانتهى، لأن الخلق سيضيعوه.

لكن الإنسان يترك الخلق نهائياً، فيجب أن يدير ظهره للخلق.

الشيخ أبو اليزيد البسطامي قال عند رحيله:

[نظرتُ إلى الخلق فوجدتهم موتى فكبَّرتُ عليهم أربع تكبيرات] ـ صلى عليهم صلاة الجنازة، وذلك ليمشي إلى الله لابد من ذلك، لكن ينشغل بالخلق فكيف يصل إلى الحق؟

فإذا أراد أن يمشي مع الخلق فيقوم بمن تكلَّف بهم فقط فيقضي لهم مصالحهم، ومطالبهم ويكون واثقاً أنها لا تتم إلا بتوفيق الله ومعونة الله ورعاية الله عز وجل.

السؤال الخامس: ,,,,,,,,,,,, الأمور الكونية فوق الأمور العقلية؟

نحن إتفقنا على أن الحديث قال:

(تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذاته فتهلكوا).

فلو كلمتَ أحداً في هذه الأمور يقول لك: جئت بأشياء غريبة؟

قال صلى الله عليه وسلَّم:

(خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

إذا كلمت الناس أتكلم على قدر عقولهم، وأنظر بيئته وما يحتاجونه فأتكلم على قدرهم، وهل أنا الآن في الأسكندرية أتكلم على مستوى عقول أهل الأسكندرية، فآتي بأمثلة لهم مما في مدينتهم أو حولهم، والكلام الذي يُستساغ لهم.

ولو ذهبت إلى قرية، قال الإمام الشافعي: لا مانع أن تخطب بالعامية، لأنهم لن يفهموا اللغة العربية الفُصحى، وتكلم عن الغيط والمزروعات والأشياء التي عندهم، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:

(خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

لأنني لا يصِّح أن أُخاطب طلاب المرحلة الإبتدائية بمستوى الجامعة أو الثانوية، فهي نفس الحكاية، فأنظر إلى من أمامي وبالفراسة والإلهام وخبرتي أعيطهم على قدرهم.

فهذا بالنسبة لخطاب الخلق وبارك الله فيك.

صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid