ودائماً خلافات أهل الظاهر مع العارفين والصالحين حول هذه الحقيقة، يقولون: لا يوجد علم إلا في الكتب، تسألهم: ألا يوجد علم إلهامي؟ يقولون: لا ـ لماذا؟ يقولون: لأنه لو كان موجوداً لأخذناه، يعني أنت لم تأخذ الوسيلة التي توصلك إليه والموجودة في كتاب الله، والكلام واضح:
“وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله” (282البقرة9).
من الذي يعلم هنا؟ الله ولا واسطة، لا ملائكة ولا بشر ولا غيره، وإنما ينزل العلم من رب البرية إلى القلوب التقية النقية.
وربنا بعث رجلاً نبي من أُولي العزم، وأولي العزم هم الخمسة الكبار الأنبياء، وكان كليماً لحضرة الله، ولأن الله كلفه بالرسالة يكون معه علوم الشريعة، فيريد أن يجمع عليه علوم الحقيقة، فأرسله لرجل غير معروف، لا معروف إسمه ولا معروف عنوانه ولا مشهور، رجل تستطيع أن تسميه مغمور، حتى يتعلم منه علوم المعرفة وأسرار العلوم الإلهية الربانية الإلهامية.
هذه العلوم ممن تعلمها؟ من حضرة الله عز وجل، أين هذا الرجل؟ وكيف يصل إليه سيدنا موسى؟ والرجل غير معروف والناس لا يعرفوه، ولم تكن له ساحة، ولا ينزل البلاد ليشتهر فيها بإلقاء الدروس والعلوم، وإنما الحقائق الإلهية مكنونة في صدره لا يُظهرها إلا لمن عرَّفه به ربه عز وجل.
كما قال الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه عن هؤلاالرجال:
[يحفظونها في صدورهم حتى يودعونها في قلوب أشباههم وأمثالهم].
فلا يعطوها لأحد لا لمن يستحقها ويستطيع تحملها.
أين هذا الرجل؟ قال له: عند مجمع البحرين، وما العلامة؟ قال له: تمشي وتأخذ طعامك معك وعندما تشعر بالجوع وتشعر بالتعب تعلم أن الرجل موجود في هذا المكان.
مشى سيدنا موسى ومعه تلميذه سيدنا يوشع بن نون، وأخذوا معهما سمكة كبيرة وشووها، ووضعها التلميذ في وعاء ـ مقطف ـ وبعد فترة ـ وقد قال سيدنا موسى: سأمشي حتى ولو مكثتُ ثمانين سنة ـ سأمشي حتى أصل لهذا الرجل، حتى أتعلم منه علم الحقائق، بعد فترة أحسَّ بالتعب فقال للتلميذ هات الغداء:
أنا شعرتُ بالتعب، فقال له التلميذ: أنا نسيت أن الحوت أثناء مسيرنا نزل إلى البحر، فقال له موسى: كيف نزل إلى البحر؟ فقال له: كان هناك رجلٌ يتوضأ وتناثر من ماء وضوئه على الحوت، فاحتيا الحوت من أثر ماء الوضوء، ونزل في البحر وقد نسيت أن أعرفك، فقال موسى: نرجع مرةً ثانية ونقابل هذا الرجل وهذا ما نريده، وما اسمه؟ اسمه الخضر لأنه لو مرَّ على موضع جاف إخضَّر بأمر الله عز وجل، وإذا مرَّ بقلبٍ جافٍ أنبت الله عز وجل فيه خضرة الإيمان ورقَّاه إلى درجات العرفان، لماذا؟ لأن الله عز وجل جعل معه هذا السر الخفي الإلهي الوفي.
رجعا فوجدا الرجل نائماً على كومٍ من الرماد وعليه غطاء، ولا حرس ولا خُدَّام ولا حوله أحد، فألقى موسى عليه السلام، فقال: عليك يا موسى يا بن عمران، فقال موسى: وكيف عرفتني؟ قال: عرفني بك الذي أرسلك إليَّ.
الذي بعثك لي وهو لله عز وجل:
“نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ” (3التحريم).
قال له موسى: أنا أريد أتتلمذ على يديك، هل أنت موافق على تُعلمني:
هل أتبعك على لتعلمني مما عُلمت رشدا؟
ولم يقل: علماً، لأن الرُشد هو علم الحقائق الذي يكون من عالم النور، وهو غير العلم الظاهر الذي يُكوَّن من السطور، علمٌ من السطور وعلمٌ من النور، وهذا شيئٌ، وهذا شيئٌ آخر، فهناك كتاب منشور والكل يقرأه، ولكنَّ هناك كتاب يقول فيه الله:
ولم يقل: يقرأه، وإنما قال: يشهده، والشهود يكون بعين البصيرة وعين السريرة التي أعطاها الله عز وجل من الذات المحمدية المنيرة نوراً من حبيب الله ومصطفاه يرفع به عز وجل عنه الحُجب حتى يتمتع بالجمال الذي يُليحه له مولاه جل في علاه.
وهذه هي قراءة العارفين في كتاب رب العالمين، وتكون شهوداً يقول فيها الإمام إبو العزائم رضي الله عنه:
علم غيبٍ عن شـــــــــــهودٍ لا بعلمي أو بعمــــــــلي
بل بفضـــــــــــــــــــــــــل الله ربي وبطه خير رُســــــــــــــــــــــــلِ
وأنا عبدٌ ظلـــــــــــــــــــــــــــــــــــومٌ أعلموني بعد جهـــــــــــلي
كشفوا لي الحُجب حتى أشهدوني نور أصـــــــــــلي
فهذا علم المعرفة وهذا العلم العادي، فهذا إسمه علم وهبي، والآخر إسمه علم كسبي، يكتسبه الإنسان بالسماع ومصاحبة العلماء، أو بالقراءة والمداومة عليها في المراجع والكتب التي كتبها السادة العلماء، ولذلك قالوا:
[ليس الصوفي الذي قرأ كتب القوم ثم تحدث بها].
وهذا ليس صوفياً، ولكنه متصوِّف، لأنه يقرأ الكتب ويقول، وكثير في زمننا هذا من الناس يحبون أن يُظهروا للناس أنهم من العارفين، فماذا يفعل؟ يبحث عن الكتب الصعبة في كلام القوم كالفتوحات المكية لإبن عربي، أو كتب السهروردي أو كتب الجيلي ويقرأ ويتحدث منها ليقول الناس: إنها علوم لم نسمعها قبل ذلك، لا.
الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه، كان دائما يجلس مع تلاميذه والذين يري فيهم هذه الملامح فيقول لبعضهم: تكلم يا بني يا فلان، فيتكلم، والآخر: تكلم يا فلان، فيتكلم، فيقول لهم:
[حدثونا بما فتح الله عليكم ولا تحدثونا عن غيركم].
يريد لمن يتكلم أن يتكلم بالفتح الذي وصل له من الله والخاص به، لكن تتكلم عن فلان وعن فلان، فما لنا وهذا الكلام؟ لأن الكلام الوارد عن الأئمة كان لأهل زمانهم، ولمن حولهم في عصرهم وأوانهم، لكن في كل زمان رجال تتنزل عليهم من موارد القرآن علومٌ إلهية مناسبة لمن حولهم من أهل هذا الزمان، ومن أهل هذا المكان حتى يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها.
وأين هذا الكلام؟ في قول الله:
“ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ” (19القيامة).
فسنُبيِّن على ألسنةِ من؟ العارفين والحكماء الروحانيين والأئمة المرشدين والورثة للأنبياء والمرسلين وخاصة الوراث لسيد الأولين والآخرين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم.
السؤال الثاني: هل الخضر عايش في كل زمان؟
هذه مسألة خلافية إختلف فيها سلفنا الصالح، فبعضهم قال: خضر موسى عايش لآخر الزمان، وبعضهم قال: ـ وأنا أرى أن هذا الرأي هو الأصوب ـ أن لكل زمانٍ خضر، أي رجلٌ يكون في مقام الخضر قائمٌ مقامه إلى يوم الدين.
لكن لو كان خضر موسى عايش، كان يلزمه أن يأتي لرسول الله ويجدد العهد على يديه، وهذا لم يثبت تاريخياً، لأنه لو كان عايش كان يلزمه أن يأتي لرسول الله مادام حضر رسول الله ـ لأنهم كانوا يأمرونهم بذلك ـ أن يحضر ويجدد العهد على يد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
لكن الرأي الأصوب لهذه القضية أن لكل زمانٍ خضر، يعني رجلٌ جمع الله عز وجل له علم الحقائق الإلهية، وأقامه على الشريعة المحمدية، ويجعل على يديه خرق العوائد في قضاء الحاجات الضرورية للمحبين والمريدين في أوقات الشدة التي تنتابهم، وهذا يحدث في كل زمان ومكان، فترى واحد مسافر في الطريق وضل الطريق، ينادي: يا رجال الله، فيجد واحد يقول له: هذا هو الطريق، وهو لا يعرفه لأنه يأتيه في صورة شخص عادي، فيسأل من هذا؟ يقولون:
هو القائم في هذا الزمان في مقام الخضر عليه وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم السلام.
تعقيب: وهل يكون الرجل خافياً يا مولانا؟
يكون خافياً ولكن ليس عن أهله، لأنه لو ظهر بحقيقته فالناس لن تتحمَّل، لأن من يراه يحدث له هلع أو يحدث له فزع أو أي شيئ من هذا القبيل، فيظهر في صورة أُناس عاديين، ولذلك أشار إلى هذه الحقيقة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقال:
(إذا ضاع لأحدكم شيئٌ بعرض الفلاة ـ أي في الصحراء ـ فليقل: يا عباد الله أغيثوني فإن لله عباداً يغيثون الخلائق).
وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، بمعنى أنه ذهب لمكان ما وواحد أخذ ما معه من مال، ويحتار أين أذهب؟ فيُفاجأ بأحدٍ يأتيه ويعطيه بعض ما يحتاجه على الفور، وأكثر تواجد هذا الرجل ومن معه ـ لأن معه مجموعة ـ يكون في بيت الله الحرام عند أداء مناسك الحج.
ولذلك لم نسمع أبداً أن أحداً مات في الطواف أو في السعي، لماذا؟ لأن الواحد لو مات في الظروف العادية في هذا الزحام تطأُه القدام ويموت، ولكن هؤلاء لا يراهم أحد فمن يقع يشدوه ويقيموه ويوقفوه ولا ينتبه لهم أحد ولا يلحظهم.
فهؤلاء رجال الله الذين يسموهم: القائمين بهذا الكون للصادقين والمتقين والمريدين والمحبين لتحقيق قول رب العالمين:
“وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ” (الطلاق).
السؤال الثالث:
معجزات سيدنا رسول الله موجودة من زمنه وفي كل زمانٍ وفي كل مكان تحدث معجزات لرسول الله موجودة ومشهورة.
وفي هذا الزمن الذي نحن فيه سيدنا رسول الله حدثنا عما يحدث في زمننا وهذه من معجزات لرسول الله، وأشياء رأيناها رأي العين، وهذه واحدة منها فقط بإلهام من رسول الله على سبيل المثال:
(إذا كان آخر الزمان يخرج من أمتي شبابٌ حُداث الأسنان ـ يعني شباب صغار ـ سفهاء الأحلام ـ أي ليس معهم عقول سليمة ـ يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يمرق أحدهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان).
ألم يحدث هذا الكلام الآن؟ فهذه معجزة واضحة وضوح الشمس لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ومن يحاربونه الآن هؤلاء الجماعة؟ المسلمين أهل لا إله إلا الله.
تعقيب: من ينكرون الوسيلة؟
أجاب الشيخ: موضوع الوسيلة موضوع آخر، ففكرهم ضحل.
لكن المصيبة فيمن يقتِّلوا المسلمين ويذبحوا المؤمنين ويعرفون أنهم مسلمين، وأين اليهود يا جماعة؟ يقولون: لم يأمرنا الله أن نقاتل اليهود، وهل أمركم أن تقتِّلوا المسلمين؟ يقولون: نعم.
لم تتركون تحرير بيت المقدس وتحاربون في سينا؟ فيقولون: ندخل مصر أولاً ثم نذهب إلى بيت المقدس بعد ذلك، من أين أتوا بهذا الكلام وبهذه السخافة؟
كما حضرة النبي قال:
(سفهاء الأحلام) ـ يعني سفهاء القول.
فمعجزات حضرة النبي مستمرة إلى يوم القيامة ولا تنتهي، وفي كل نفسٍ من أنفاس الكون معجزات لا تُعد ولا تُحد تؤيد حبيب الله ومصطفاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لأن كل كرامة لوليٍّ هي معجزة للنبي الذي يتبعه هذا الولي، والأولياء موجودين وكراماتهم ممدودة ومشهودة.
فكل كرامة لولي من الأولياء فهي معجزة للنبي صلى الله عليه وسلَّم، لأنها أتته بسبب إتصاله بحضرة النبي، وتأييد حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم له، وكأن حضرة النبي يقول: يا قوم إتبعوا هذا الرجل فهو على الصواب وأنا أؤيده بالمعجزة التي ظهرت على هيئة كرامة لهذا الولي.
السؤال الرابع:
لا نحب أن نسمع كلام الُمحرِّفين، فلا نردده ولا أحب أن نتناقش فيه، وهؤلاء إسمهم المرجفون في المدينة كما قال ربنا، وهؤلاء لا نقرا أقوالهم ولا نتناقش فيها مع أحد، ولا نثيرها في أي جلسة من الجلسات، لأن فتنة هذا لزمان في هذه الأفكار ـ الأفكار الشاذَّة، ونحن علينا ما أجمع عليه علماء المسلمين، فالأفكار الشاذ لا شأن لنا بها.
يا أخي الدليل العملي موجودٌ فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عندما ذهب إلى بيت المقدس ورُفع إلى السماء في المعراج ـ لكلام هذا وأمثاله ـ الصخرة تعلقت في قدمه، وهذه الصخرة كبيرة، وحجمها تقريباً أربعة متر في أربعة متر مكعب، فتعلقت في قدمه وصعدت قليلاً حوالي ستة أمتار أو ثمانية أمتار، فأشار إليها صلى الله عليه وسلَّم فوقفت في مكانها.
ولم يكن هناك شيئٌ يحملها من تحتها، وكان الناس من الصالحين يذهبون إلى بيت المقدس، وكانوا ينعمون بالسرور والسعادة بالمبيت تحتها، إلا أنَّ اليهود قاتلهم الله دخلوا بيت المقدس ودخلوا في الحسابات الحسية، أنها ستقع على أحد وتحدث مشكلة فبنوا لها أعمدة، لكنها إلى سنة ثمانٍ وأربعين كانت موجودة كما هي.
وهذه أول علامة ظاهرة تدل على أن الإسراء كان في هذا المسجد، وليس المسجد المبني هناك، لأن المساجد هناك كثيرة وكان هو في المسجد إسمه مسجد الصخرة، والذي فيه الصخرة المعلقة في بيت المقدس.
ونحن وُجدنا في عالم الفضائيات، والفضائيات تريد أن تجذب المشاهدين فتأتي بالجماعة المهلوثين في أفكارهم لكي يعرضوا أفكاراً شاذة مخالفة لإجماع المسلمين ليثيروا فضول المشاهدين ويحققوا نسبة مشاهدة أعلى، ويُعطوهم أجراً على هذا.
ونحن مبدأنا الذي نمشي عليه هو أن نمشي على ما أجمع عليه علماء الإسلام، قال صلى الله عليه وسلَّم صلى الله عليه وسلَّم:
(عليكم بالجماعة ومن شذَّ فهو في النار).
فنحن مع رأي الجماعة ومثل هذا لا نعيره إهتمام ولا نسمح بالحديث فيه ولا الكلام في شأنه، ولا التناقش فيه فنكون قد جعلنا له وزناً.
يعني من البلاء الذي أحزننا في العام الماضي في شهر رمضان ـ أيضاً قناة فضائية استضافت الشيخ الجفري بارك الله فيه ـ والرجل استجاب لهم، وما كان ينبغي أن يستجيب وعملوا له ثلاثين حلقة بمناقشة الإلحاديين، وهذا ما أظهر الإلحاد، فكوني أجلس مع الملحد وأتناقش معه فقد جعلتُ له وزناً وعملت له كيان وقيمة.
لكن سيدنا مالك رضي الله عنه عندما جلس في مسجد العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وجاءه رجل يسأله في مثل هذه المسألة، ففعل مثلما فعل سيدنا عمر إذا ما جاء من يسأل في أمورٍ تشكك الناس في دينهم وفي عقيدتهم كان يأمر بإخراجه ونفيه خارج المدينة ولا يسمح له بالحديث أبداً.
فالرجل قال له: ما معنى: الرحمن على العرش إستوى؟
فالإمام مالك كان صاحب بصيرة، فنظر إليه فعرف ما قصده وما نيته، فقال:
[الإستواء معلوم، والكيف مجهول والبحث عنه بدعة، وأظنك منافق فاخرج] ـ حتى لا تثير الأسئلة التي تسبب مشاكل وفتن للمسلمين، فقال له: قم من هنا.
فنحن كلنا دائماً نُبرِّئ ساحتنا من مثل هذا الكلام، وكل الكلام الذي فيه تخريب يا إخوانا نبعد عنه بالكلية لأننا مع الإجماع الذي أجمع عليه علماؤنا من عصر نبينا إلى هذا العصر المبارك الذي نحن فيه الآن.
التوضيح واضح في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحديدة ملقاه في أرضٍ فلاة).
كلهم كحديدة في أرض واسعة بالسبة للكرسي، والكرسي إلهي واسع وسع السماوات والأراضين كلها، هيئته وكيفيته فهذه أمورٌ غيبية لا يعلمها إلا رب البرية، ونحن قال لنا ربنا وأمرنا:
“الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ” (3البقرة).
ثم عاد فقال:
(ما الكرسي في العرش إلا كذرة رملٍ في صحراء شاسعة).
فماذا تكون هيئة العرش؟ ثم يقول رب العزة: أن صفة من صفات الله تسع كل الذي خلقه الله عُلواً وسُفلاً:
“وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (156الأعراف).
فهذه السماوات وهذه الأرض، والسماوات سيدنا رسول الله وضحها وقال:
(مابين السماء والأرض كمسيرة خمسمائة عام، و ما بين كل سماء وسماء كمسيرة خمسمائة عام، وما يحيط بكل هذه السماوات والأرض كلها عالم إسمه عالم الكرسي، واللبس جاءنا من تخيلنا أن الكرسي ككرسي مثل هذا، لا ـ هو عالم إلهي اسمه عالم الكرسي، لأن الله عز وجل كرَّس فيه مظاهر قدرته ومظاهر حكمته.
والكرسي بالنسبة للعرش كما سمعنا، والكرسي والعرش والجنة والنار، وكل مخلوقات الله كلها داخلة في صفة واحدة من صفات الله عز وجل، فما صفات الله التي نعرفها والتي لا نعرفها والتي حضرة النبي قال فيها:
(اللهم إنا نسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك).
فهذه صفات فوق طاقة العقول، والعقول لا تستطيع أن تتحمل إلا ما تطيقه من الأقوال والنقول التي تسمعها وتتدبرها بالعقول، والعوالم الأخرى تحتاج إلى إطلاع القلوب، والعوالم العلية القدسية تحتاج إلى سياحة الأرواح، وما فوقها يحتاج إلى الفناء بالكلية فيتفضَّل عليه الكريم الفتاح بنورٍ من نوره يرى به ما يليحه الله عز وجل له، فكل شيئ له أدوات، وليس معنا أدوات تدرك هذه الغيوب الإلهية.
السؤال السادس: هل ربنا علمنا القرآن أولاً قبل الخلق لقوله تعالى:
كُتبت في القلوب من الأزل، وليست هذه القلوب، ولكنها الحقائق النورانية العالية التي هي حقيقة الإنسان فهذه كتب فيها الرحمن القرآن والإيمان وعلوم الرسالة والإسلام، فعندما يأتي الواحد منا هنا يتذكَّر من العلماء العاملين أو من خير النبيين صلى الله عليه وسلَّم و رضي الله عنهم أجمعين.
(إن الله خلق لخلق في ظلمة ثم رشَّ عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور وُفق واهتدى، ومن لم يُصبه ذلك النور ضلَّ وغوى).
ما الذي يجعلنا نتهدي إلى الإيمان؟ ونحب القرآن؟ ونُقبل على طاعة الرحمن؟ الجزء الذي فينا من نور النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم، رشَّ عليهم من نوره وكانت لنا نحن فقط.
من لم يُصبه ذلك النور فلو أتيت له بكل العلماء السابقين واللاحقين فلن يتحول ولن يتغير، لماذا؟ لأن هذا النور لم يُصبه.
وهذا النور يُعتبر بمثابة جهاز الإستقبال الذي يستقبل موجة الإيمان وقناة حضرة الرحمن التي جاء بها النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
التليفزيون الذي ليس فيه جهاز استقبال ـ والقنوات كلها موجودة في الجو ومعنا هنا القنوات كلها ـ لكن كيف تظهر؟
لابد لها من شاشة ومعها جهاز استقبال، جهاز الإستقبال الذي معك الذي يستقبل إرسال الإيمان، وعندما يسمع القرآن يخشع، ويخضع ويستجب لله، هذا الجهاز نورٌ من نور النبي العدنان ونور النبي العدنان من نور حضرة الرحمن عز وجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم في الحديث:
(إن في القلب لغيب، وإن في الغيب لسر، وإن في السر لنور، وإن في النور لأنا).
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(أنا من الله والمؤمنون من نوري).
فالمؤمنين حقائقهم ـ وليست الأجسام فليس لنا شأنٌ بالأجسام ـ حقائقهم من نور رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
السؤال الثامن: ما علاج الخمول والكسل؟
علاج الخمول والكسل:
أولاً: أن يستيقظ الإنسان قبل الفجر ولو بقليل، فيتوضأ ويُصلي ما تيسر من الركعات لله في جُنح الظلام، ثم ينتظر حتى صلاة الفجر ويصلي الفجر في جماعة ويُحيي هذا الوقت إلى شروق الشمس بطاعة الله:
بتلاوة القرآن أو بذكر الله أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم أو بالتسبيح أو بالتحميد أو بأي عملٍ صالح إلى شروق الشمس، ومع ذلك يحافظ على صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع تأسياً برسل الله.
من يفعل ذلك فالخمول يتلاشى والكسل سيذهب ويكون ليس كمثله أحد في النشاط ولا في الحركة في طاعة الله أو في عبادة الله، أو حتى الحركة في هذه الحياة في العمل إن كان لنفسه أو لأهله أو لغيره إن شاء الله رب العالمين.
وهذا الذي حرص عليه سيدنا رسول الله ليربي عليه أصحابه، لابد وأن يُصلي ولو ركعتين في جوف الليل، وهاتان الركعتان قال فيهما صلى الله عليه وسلَّم:
(من اسيقظ من اللل وأيقظ أهله وصليا ركعتين لله عز وجل كُتب من الذاكرين لله كثيراً والذاكرات).
ولو حتى ركعتين، ولكن المهم هي المداومة ـ أفعل هذا شهر أو شهرين ثم أُكسِّل فيعود الكسل مرةً ثانية، لكن أعمال الصالحين يديمون عليها ولا يملون منها لأنهم يتذوقون الطاعة وحلاوة العبادة، ومن ذاق عرف، ومن عرف ما انحرف، وإنما يظل على الطريق السديد خلف النبي الرشيد صلى الله عليه وسلَّم كلما رأى من العطاءات يستزيد من ذلك.