• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

23 ديسمبر 2021

ازالة المتشابهات فى ايات القران

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

إزالة الشبهات عن بعض الآيات الواردة في حق النبي صلى الله عليه وسلَّم

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

لما كان القرآن الكريم فيه آياتٌ محكماتٌ هُن أم الكتاب وأُخر متشابهات، فنتناول في حلقتنا هذه إزالة الشبهات عن بعض الآيات التي وردت في حق النبي صلى الله عليه وسلَّم من المتشابهات.

عصمة الأنبياء

هذه الآيات متماثلة في كتاب الله، نقتطف منها جزءاً يسيراً للأحباب ليمشوا على هُداه، والأصل الذي نمشي عليه مع نبي الله وأنبياء الله ورسل الله هو العصمة؛ أن الأنبياء والمرسلين أجمعين عصمهم الله تبارك وتعالى من الذنوب، ومن الزلات، ومن الهفوات، ومن الغفلات، ومن أي شيء يحدث للإنسان في أي زمان ومكان لأنهم في عصمة الله على الدوام.

كما نشهد الله تبارك وتعالى أننا نُشهده عز وجل أن عصمته للأنبياء منذ ولادتهم قبل أن يُبلَّغوا بالرسالة، وعند نزول الوحي عليهم لتبليغ الرسالة، وبعد ذلك فهم معصومون على الدوام من قبل نشأتهم، إلى أن بلغوا رسالات الله تبارك وتعالى لجميع الأنام.

معنى (ضالاً) في سورة الضحى

من هذه الآيات المتشابهات قول الله تبارك وتعالى في سورة الضحى: ” وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ” (7الضحى) وقد تحدثنا عنها فيما سبق بحديث أهل الحقائق، ولكن لا بد أن نتحدث عنها بما تأوَّله المفسرون أجمعون عنها، والمفسرون لهم فيها آراء كثيرة، وهذه الآراء تكون على حسب تعدد الفهم للغة، أي أن الكلمة اللغوية وهي كلمة (ضالاً) لها أكثر من معنى، فكل مفسر من المفسرين أخذ المعنى الذي راق عنده، وفسر عليه هذه الآية في حق سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

فبعضهم قال: (ضالاً) يعني ضالاً عن معاني النبوة، أي أنه كان لا يعرف معاني النبوة حتى هداه الله تبارك وتعالى إليها وعلَّمه إياها، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي }[1]

وبعضهم أخذ رواية تاريخية وردت في كثير من كتب السِيَر قال فيها صلى الله عليه وسلَّم: ((ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع، وكاد الجوع يقتلني، فهداني الله)).

وبعضهم قال كلمة (ضالاً) تعني مغموراً، أي أنه كان مغموراً وغير معروف في فجاج مكة وبين أهلها، حتى جعله الله سبحانه وتعالى عَلَماً يهتدي به الأنام إلى الملك العلام سبحانه وتعالى.

وبعضهم قال كلمة (ضالاً) تعني فريداً، أي أنه كان صلى الله عليه وسلَّم فريداً من نوعه في عبادته وإقباله على ربه، وفي جهاده في تبليغ رسالات ربه تبارك وتعالى.

وبعضهم قال إن هذا الخطاب هنا لقومه، أى هم كانوا ضُلالاً والخطاب موجه لهم في شخص الرسول صلى الله عليه وسلَّم حتى هداهم الله تبارك وتعالى على يديه إلى شريعة الله سبحانه وتعالى.

ولما كانت كلمة (ضالاً) تعني مُحباً، فقد قال إخوة يوسف لأبيهم كما أخبر الله عز وجل: ” تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ” (95يوسف) وضلالك يعني حبك القديم ليوسف وأخيه.

فقالوا: إنه كان محباً صلى الله عليه وسلَّم لمعرفة الله سبحانه وتعالى والإقبال عليه، فهداه الله به إليه.

وبعضهم قال كلمة (ضالاً) يعني ناسياً، فهو صلى الله عليه وسلَّم في ليلة المعراج من شدة ذهوله عندما تجاوز سدرة المنتهى نسى ما يخاطب به ربه تبارك وتعالى، فذكَّره الله عز وجل ما يخاطبه به، فقال: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله تبارك وتعالى.

وبعضهم قال: إن الله خاطبه ويقصد بالخطاب قومه، لأنهم كانوا ضُلالاً، فهم المخاطبون بهذا الخطاب وليس أهل مكة فقط، وإنما العرب جميعاً كانوا ضُلالاً عن النهج القويم والدين المستقيم، فهداهم الله به وعصمه الله سبحانه وتعالى من ضلالهم وإفكهم وبعدهم عن الله تبارك وتعالى.

وبعضهم قال: (ضالاً) يعني متحيراً في بيان ما أُنزل إليه من ربه، كيف يُبلغ هذا إلى قومه؟ وكيف يدعوهم إلى الله؟ فهداه الله عز وجل كما قال: ” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ” (44النحل) هداه إلى البيان الذي يدعو هؤلاء الأقوام إلى حضرة الرحمن سبحانه وتعالى.

النور الذي وضعه الله عنه

ومن هذه الآيات كذلك قول الله تبارك وتعالى: ” وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ” (2-3الشرح) ما الوزر الذي وضعه الله تبارك وتعالى عنه؟ اختلف في ذلك السادة المفسرون على تأويله، والفتح الذي فتح الله تبارك وتعالى به عليهم، فمنهم من قال: الوزر هو تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر عند القيام بها، لأن أعباء النبوة ثقيلة، وقد قال فيها الله تبارك وتعالى: ” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ” (5المزمل) وصف الرسالة بأنها ثقيلة، فوضع الله عنه وخفف الله عنه هذا الثقل، وحمل الله تبارك وتعالى عنه هذه الأعباء، وأعانه بعونه على إبلاغ رسالات الله.

ومنهم من قال: إن هذا الوزر لما شبَّ بين قومه وكانوا على ملة أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، ولكنهم كانوا قد غيروا كثيراً مما كان عليه دين إبراهيم، ولم يكن يستطيع أن يغير ما وجدهم عليه من البعد عن الدين الحنيف، إلى أن أنزل الله عليه رسالته، وأمره أن يبلغهم بأن يتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً، فغيَّر بأمر الله وبمعونة الله ما حرفوه من دين إبراهيم خليل الله.

والدليل على ذلك أن أهل مكة والعرب معهم كانوا يقفون عند المزدلفة في يوم عرفة، ولكن الأمر الغريب والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلَّم بمفرده كان هو الذي يقف بعرفات، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه رسالة السماء ليرد المناسك إلى مناسك إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.

ومنهم من قال أن الوزر الذي أنقض ظهره أنه كان يخاف أو يخشى أن يكون عليه ذنبٌ فيحاسبه به عليه الله، وهذا من شدة خشيته من الله، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يقول:

{ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً }[2]

وفي رواية أخرى:

{ أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ }[3]

فمن شدة خشيته كان يحاسب نفسه حساباً شديدا، ويخاف بعد ذلك أن يكون هناك ذنب لا يعلمه فيحاسبه الله تبارك وتعالى عليه، فخفَّف الله عنه ذلك ووضع عنه وزره، أو وضع عنه ذنبه الذي لو كان لغفره الله تبارك وتعالى له.

ومن ذلك أيضاً في هذا المعنى أن سره كان مشغول بدعوة الله، وكان دائماً وأبداً يحرص على تنفيذ شريعة الله، وكيف يتم ذلك؟ وكيف يكون ذلك بين العرب القساة الجفاة الغلاظ؟ ولكن الله تحمل عنه ذلك، وأعانه على ذلك حتى خفف عنه وزره صلوات الله تبارك وتعالى عليه.

أيضاً من هذه المعاني الجميلة، أن الله عز وجل لما أنزل عليه القرآن كان على الدوام يخشى أن يتغير أو يغيره بعض الذين يأتون بعده، كما غيروا التوراة وغيروا الإنجيل، فخفف الله عنه وقال له: ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” (9الحجر).

وآخر هذه المعاني أن ذنوبه هي ذنوب أمته، لأن الله قال له: ” وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ” (19محمد) فخاف على ذنوب أمته أن لا يتقبل الله تبارك وتعالى استغفارهم، وأن يحاسبهم عليها حساباً شديداً، فوضع الله عنه وزره هذا وبشره بأنه: ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ” (2الفتح).

المغفرة والاستغفار

الآية الثالثة وهي في هذا المقام: ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ” (2الفتح) وهل النبي صلى الله عليه وسلَّم – وهو المعصوم – ارتكب ذنباً حتى يغفره له الله تبارك وتعالى؟ لا، ليس الأمر كذلك، قال بعض المفسرين الذين يفسرون بعقولهم، ليغفر له الله ما كان على سهو وغفلة، وهو صلى الله عليه وسلَّم منزهٌ عن السهو وعن الغفلة، فإن الله عز وجل قال له صلى الله عليه وسلَّم: ” سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى ” (6الأعلى) عصمه من النسيان، فكيف ينسى أو يسهو صلوات ربي وتسليماته عليه؟!.

وعندما كان يسهو مثلاً في الصلاة كان ذلك لحكمة تشريعية، يقول فيها صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنِّي لا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ }[4]

للتشريع، فعندما نُسِّي من قبل ربه لشغله بالنظر إلى جماله وبهائه سبحانه وتعالى، كان ذلك ليعَلِّم من خلفه كيف يستدركون الصلاة إذا فاتهم ركن من أركان الصلاة، أو سُنَّة من سنن الصلاة، ولذلك قال الرجل الصالح:

يا سائلي عن رسول الله كيف سها

والسهو من كل قلب غافل لاه

قد غاب عن كل شيء سره فسها

عما سوى الله فالتعظيم لله

وبعضهم قال في هذا وهو يكاد يكون محقاً: ليغفر لك الله ما تقدم وهو ذنب أبيك آدم، وهذا يصدقه الحديث المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا آدَمُ! وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: لأَنَّكَ يَا رَبِّ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكِ رَفَعَتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ وَإِذْ سَأَلْتَنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَلَوْلا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ }[5]

فغفر الله له ما تقدم من ذنب آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، وما تأخر من ذنوب أمته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، مُتَابٌ عَلَيْهَا، تَدْخُلُ قُبُورَهَا بِذُنُوبِهَا، وَتَخْرُجُ مِنْ قُبُورِهَا لا ذُنُوبَ عَلَيْهَا، تُمَحَّصُّ عَنْهَا ذُنُوبُهَا بِاسْتِغْفَارِ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا }[6]

وقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً }[7]

فإن الله يغفر لأمته ببركته صلوات ربي وتسليماته عليه.

ومن العارفين من قال: إن المراد من قول الله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ترك الأَوْلى، فإنه صلى الله عليه وسلَّم معصومٌ من الذنوب، لكن الأمر قد يكون فيه الحسن والأحسن، فإذا ترك الأحسن وأخذ بالحسن، يكون قد ترك الأَوْلى، وهذا قد يكون ذنباً يتوب منه صلى الله عليه وسلَّم.

وقال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلَّم في المنام وقلت يا رسول الله إنك تقول:

{ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ }[8]

فما الغين الذي يكون على قلبك؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم: غين الأنوار لا غين الأغيار يا مبارك.

أي أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يترقى باستمرار في مقامات القرب من الله، فكلما علا في مقام استغفر من المقام الذي كان فيه قبل ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلَّم يريد أن يكون دائماً كما قال له ربه: ” وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” (114طه).

ولذلك قال الإمام السبكي رضي الله عنه: إن المراد من هذه الآية (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) تشريف النبي من غير أن يكون هناك ذنب، فهي آية تدل على تشريف النبي وشرفه، وعِظم مكانته عند ربه تبارك وتعالى.

تقوى الله

ومن جملة هذه الآيات أول سورة الأحزاب: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ الله وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ” (1الأحزاب).

وهل كان النبي صلى الله عليه وسلَّم يحتاج إلى هذه النصيحة وإلى هذا الأمر وهو أتقانا وأتقى الخلق كلهم قبلاً وبعداً؟ لا والله، ولكن هذه الآية تحتاج إلى تأويل، فأمر الله له بالتقوى قد يكون لاستدامة الحضور، أي داوم على الحضور مع الله على الدوام، فلا تشغلك أعباء الرسالة، ولا تشغلك أعباء الزوجات، ولا تشغلك أعباء المسلمين عن الحضور بقلبك وروحك وكلك مع رب العالمين تبارك وتعالى، فتكون هنا التقوى هي استدامة الحضور مع الله تبارك وتعالى رغم الشئون التي ينزل فيها ويفعل بها.

وكذلك يزداد علمه بالله، وفي كل ساعة يزيد رقيه إلى مولاه، فيحتاج إلى تقوى مجددة في منازله التي ينزله فيها الله، فإن لكل مقام تقوى، فيحتاج إلى مزيد من التقوى في المقامات التي يترقى فيها إلى الله سبحانه وتعالى.

وكأن الله تبارك وتعالى يقول له كما يقول بعض المفسرين: دم على التقوى، أي استمر على هذه التقوى وهي أنه لا يشغلك عن الله شاغلٌ طرفة عين ولا أقل.

وقال بعض المفسرين: الخطاب مع النبي والمراد أمته، لأن الله عز وجل يخاطب الأمة في رسولها، كما يوجه رؤساء الأعمال الخطاب إلى أي رئيس في أي زمان ومكان، فالخطاب له وموجه إلى مرؤوسيه الذين يحكمهم ويشرف عليهم، ولكن الخطاب للتعظيم يذهب إلى هذا الرئيس الذي يحكم هؤلاء.

فالخطاب في هذه الآية لأمته، أي اتقوا الله، إذا كان النبي أمره الله بتقوى الله، فما بالكم؟! أي تحتاجون أن لا تكلوا ولا تملوا من تقوى الله سبحانه وتعالى.

سورة عبس

أما الآية التي وقف عندها كثيرٌ من الناس وهي قول الله تبارك وتعالى:” عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الاعْمَى ” (1-2عبس) ويقولون: إن هذه الآية عتابٌ من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم عندما كان جالساً مع قوم من الكافرين يحاول أن يهديهم ويرشدهم إلى دين الإسلام، وجاء عبد الله بن أم مكتوم وكان أعمى يقول: يا رسول الله أرشدني، يا رسول الله زكني، فالرسول صلى الله عليه وسلَّم تغير، لماذا تغير حضرة النبي؟ لأن عبد الله بن أم مكتوم كان غير موفق في هذا الذي فعله، فمن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلَّم وإن كان هو أعمى ولكنه كان يسمع حوار النبي مع هؤلاء، فعليه أن يترك المكان، ولا يأت إلى النبي يخاطبه وهو مع هؤلاء، ولكنه فعل هذا، فكأن الله عز وجل يقول لحضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم: لِمَ لم تعلمه الأدب أن لا يدخل عليك ومعك قومٌ آخرين؟!، فكان ينبغي عليك أن تعلمه هذه الآداب، كما تعلم الجميع الآداب الواجبة عليهم في كل موقف من المواقف.

وقال بعض المفسرين: الأعمى هنا ليس عبد الله بن أم مكتوم، ولكن الأعمى الكافر الذي كان يتحدث مع النبي لأنه كان أعمى البصيرة: ” فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” (46الحج).

وإن كان هناك قومٌ يستندون إلى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان كلما قابل عبد الله بن أم مكتوم يقول له: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، فهذا من باب التأديب والتهذيب والتربية لأمته حتى يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلَّم، فلا يظنوا أنهم معصومين، ولا يظنوا أنهم وصلوا إلى حد الكمال، فصاحب الكمال المعصوم يعتذر لابن أم مكتوم، مع أنه لم يحدث بينه وبينه شيء، بل كان عبد الله هو الذي أخطأ في الذهاب إليه ومعه هؤلاء.

فالرسول صلى الله عليه وسلَّم لا نجد في هذا الخطاب عتابٌ له، ولا لومٌ له: ” عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الاعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ” (1-3عبس) ربما يقول له مولاه تبارك وتعالى كنت ينبغي أن تنظر بعين بصيرتك لترى أيهما الذي يقبل التزكية، وأيهما المعرض الذي لا يقبل التزكية، فتقبل على من يريد التزكية وتترك غيره، ولكنه كان يبلغ رسالات الله إلى الكافرين كما أمره الله، ويدعوهم إلى دين الله كما كلفه الله، فكان يفعل أمراً أمره به مولاه، فهو في كلتا الأمور غير ملام ولا معاتب صلوات الله تبارك وتعالى عليه.

عفا الله عنك

ومن الآيات أيضاً قول الله تعالى: ” عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ” (43التوبة) جاء قومٌ من المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وطلبوا منه أن يستأذنوا أن لا يذهبوا معه إلى القتال، فأذن لهم وهو يعلم بعلم الله أنه لو أذن لهم أو لم يأذن لن يذهبوا، فقال الله تبارك وتعالى له وما أجمل هذا العتاب: (عَفَا الله عَنْكَ) فقدم الخطاب بالعفو (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).

أي أنهم كانوا حتى لو لم تأذن لهم لن يذهبوا، ولكنك كونك أذنت لهم فيكون ذلك بمثابة عُذر لهم عند الله تبارك وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلَّم لأنه كان رحمة مهداه، فكان يخفف الأعباء حتى عن الكافرين، وجعله الله تبارك وتعالى رحمةً للخلق أجمعين.

فعفا الله عنك، أي ليس عليك ذنب، لأنك اخترت الأفضل والأحسن، وإن كان هذا في نظر البعض خطابٌ فيه لومٌ أو عتابٌ، فهذا مخطئٌ ولا يفقه قواعد اللغة العربية ولا خطابات الحضرة العلية للحضرة النبوية.

أسرى بدر

أيضاً عندما كان صلى الله عليه وسلَّم في غزوة بدر وأسروا من الكافرين من أهل مكة سبعين، وقتلوا منهم سبعين، وكان صلى الله عليه وسلَّم من دأبه أن يشاور أصحابه فيما يفعل – وهذا ما يجب أن نسير عليه أجمعين – فقعد ومعه أبو بكر وعمر وعلي، وأخذ رأيهم في الأسرى، فقال أبو بكر: يا رسول الله إنهم أهلٌ وأقارب نأخذ منهم فداء، يعني مال نتقوى به، ونتركهم لعلهم يدخلون في دين الله ولا نقتلهم كافرين، وقال عمر: أرى غير ما رأي أبو بكر، أرى أن تعطيني فلاناً قريـبي فأقتله، وتعطي أبو بكر فلان قريب له فيقتله، وتعطي علي أخاه عُقيل فيقتله، وهكذا.

فاختار النبي صلى الله عليه وسلَّم لفرط رحمته، ولتخيير ربه له في كل شئونه رأي أبي بكر، وأخذ منهم الفداء، واستند في ذلك كما تقول إحدى الروايات، أن جبريل عليه السلام نزل على حضرته وقال: يا رسول الله خيِّر أصحابك إما أن يأخذوا الفداء ويُقتل منهم سبعين رجلاً في مرة قادمة، وإما أن يقتلوهم ولا يُقتل منهم أحد، فأجمعوا على أن يأخذوا الفداء على أن يُقتل منهم سبعين فيما بعد.

ولذلك كان من العجب أن المسلمين في غزوة أحد بعد بدر مباشرة قُتل منهم سبعين كما وعد رب العالمين تبارك وتعالى.

هذا الأمر جعل النبي صلى الله عليه وسلَّم في صبيحة اليوم التالي ينزل عليه قول الله: ” مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الارْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَالله يُرِيدُ الاخِرَةَ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (68) (67-68الأنفال).

ظنت طائفة من العلماء أن هذا عتاب للنبي، وخاصة أنهم ذكروا أن النبي عند نزول هذه الآيات أخذ يبكى هو وسيدنا أبو بكر، فجاء سيدنا عمر وقال: يا رسول الله خبرني فيما تبكيان، إن كان أمراً يستحق البكاء بكيت معكما، وإن كان أمراً لا يستحق البكاء تباكيت معكما، فقال صلى الله عليه وسلم:

{ الَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ }[9]

وأصحابه المقصود هنا الذين يقول فيهم الله: ” تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ” (67الأنفال) القوم الذين من بينهم ويريدون عرض الدنيا، وليس الرسول صلى الله عليه وسلَّم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلَّم عندما فعل ذلك كان يعلم علم اليقين أن الله أحل له ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم في جملة ما فُضِّل به على الأنبياء والمرسلين:

{ وَأُحِلَّتْ لي الغنائم، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي }[10]

فهو يعلم أن الله أحل له الغنائم ولذلك فعلها صلوات ربي وتسليماته عليه.

وأما قول الله تعالى: ” لَوْلا كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (68الأنفال) إما أن يكون الكتاب هو اللوح المحفوظ، وهو الذي سبق فيه من الله سبحانه وتعالى تحليل فداء الأسرى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكأن الله يقول لنبيه: لقد شرفناك بأمر لم يفُز به غيرك من الرسل السابقين، فإنا منعنا عنهم أجمعين الفداء في الأسرى، ولم يحل ذلك إلا لك ولأمتك، فهذا فضلٌ من الله على رسول الله، وعلى أصحابه أجمعين صلوات ربي وتسليماته عليه.

ولذلك قال الله تعالى للمسلمين أجمعين: ” فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا ” (69الأنفال) أي أن هذه الآية كانت تأكيداً لما يعلمه رسول الله من إحلال الغنيمة لحضرته، وللمسلمين أجمعين بعد ذلك تشريفاً وتعظيماً له، وتشريفاً لأمته صلوات ربي وتسليماته عليه.

الكتاب والإيمان

أما قول الله سبحانه وتعالى: ” مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ” (52الشورى) فقد قال بعض المفسرين في هذه الآية: ما كنت تدري الإيمان على التفصيل، وفصَّله لك العلي الكبير في القرآن الكريم.

وقال البعض الآخر: ما كنت تدري كيفية الدعوة إلى الإيمان، فقد فصَّل لك الله في القرآن كيف تدعو الخلق إلى الإيمان، مرة يقول لك: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ” (125النحل) ومرة يقول لك: ” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ” (108يوسف).

أو كأن الله يقول له: إنك قبل بلوغ الرسالة ونزول الوحي عليك لم تكن تعرف الإيمان، وهذا حق، لأنه لم يكن يعرف الإيمان بمعناه التشريعي الإسلامي إلا بعد نزول الوحي.

وقيل معنى آخر: ما كنت تدري أهل الإيمان، ولكن عند إبلاغ الرسالة عرَّفه الله بأهل الإيمان الذين أعانوه على تبليغ دعوة الله وآمنوا به وبالله سبحانه وتعالى.

أو أن المراد به شرائع الإيمان ومعالمه وهي كلها إيمان، فهذه كلها يا أحبة معاني لقول الله تبارك وتعالى: ” مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ” (52الشورى).

سورة التحريم

الآية التي نختم بها حديثنا هي أول سورة التحريم: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (1التحريم) وسبب نزل ذلك كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ: لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا }[11]

والمغافير شيء يشبه عسل النحل ولكنه كريه، كان ينشأ على الأشجار في الصحراء، فحرم الرسول على نفسه أن يأكل العسل، فعاتبه الله سبحانه وتعالى وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) وانظر إلى حُسن الختام (وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أن الله غفر لك هذا الأمر لحُسن نيتك ولطيب سريرتك.

وهذا يدلنا على أن هذا القرآن كتاب الله، وأن الله كان يوجه حبيبه عند كل أمر كما نرى في كتاب الله، فلو كان الكتاب من عند غير الله لطُمثت هذه الآيات وما ذكرها رسول الله، وما حُفظت في القرآن الكريم، لكن هذه الآيات الكريمة وأشباهها وأمثالها تدل دلالة يقينية على أن هذا كلام رب العالمين تبارك وتعالى، وأنه هو الذي كان يربي حبيبه على عينه.

فإذا كان الله تبارك وتعالى يربي حبيبه على عينه ويوجهه، فنحن أولى إلى أن نحتاج من يوجهنا، وإلى من يربينا، وإلى من يلفت أنظارنا إلى أشياء اعتدنا عليها قد تكون فيها مخالفة شرعية، أو أشياء نقوم بها قد تكون مخالفة لنهج النبوة.

فعلينا أن نكون كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلَّم، ونجعل في عيون قلوبنا دوماً قول الله: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ” (21الأحزاب).

أسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعلِّمنا علوماً وهبية إلهية محصنة بالشريعة القرآنية والسنة النبوية، وأن لا يتخلى عنا بعنايته عز وجل طرفة عين ولا أقل.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] الفوائد الجلية في مسلسلات ابن عقيلةعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

[2] صحيح البخاري

[3] مسند أحمد ومصنف عبد الرزاق

[4] وصل بلاغات الموطأ لابن الصلاح، وموطأ مالك برواية: { إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ }

[5] دلائل النبوة للبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[6] معجم الطبراني وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه

[7] مسند الشاميين للطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه

[8] صحيح مسلم وأبي داود عن الأغر المزني رضي الله عنه

[9] صحيح مسلم والترمذي

[10] صحيح البخاري وابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[11] البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها

ندوة بعد صلاة العشاء دار الصفا الجميزة – السنطة – الغربية الخميس 21 من جمادى الأولى 1443هـ 23/11/2021م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid