[من أراد القرب من الله، والاتصال بحبيب الله ومصطفاه، وأن يُتوَّج بتاج معرفة الله، وأن يكون له عند الله قدر وجاه، فليلزم الأدب الذي كان عليه أصحاب رسول الله].
عليكم بالأدب ثم الأدب ثم الأدب، ثم بعد ذلك الطلب، لا يُعاقب بالحرمان إلا من لم يتقدم مع عباد الرحمن، لأنه فوراً يأخذ قراراً بأنه من الخذلان، يعني مخذول.
ولذلك كنا نفتش في كتب الصالحين والعارفين نبحث فيها عن الأدب، فنحاسب أنفسنا عليه، ونُلزم أنفسنا به، لعلنا نرشف منهم قطرات، أو نلحق بركبهم، أو نُحشر في أحبابهم، فيكون لنا شيئ فقط عندهم، وهذه لا تُنال إلا بالأدب التام.
والأدب ليس في المظاهر، الأدب بيَّنه الظاهر في كتاب الله:
﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ـ فلم يقُل: يقفوا على هيئة كذا، أو يجلسوا يمثلوا على هيئة كذا:
ـ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (65النساء).
والتسليم محله القلب، والتسليم يعني المعنى العادي حتى له:
[عدم الإعتراض أو الإمتعاض].
فلو أنك بباطنك لا يعجبك حال الشيخ في الموضوع الفلاني، فلترحل وتبحث لك عن شيخ سواه على الفور، لأنه حكمت المحكمة الإلهية:
[أنه لا تصل الأنوار إلى قلوب المريدين، إلا من بابٍ عيَّنه سيد الأولين والآخرين].
الذي يحفظ السر والعطاء ينساب من هذا الباب، التجمل بالآداب، فإذا إهتزت عقيدة المرء في شيخه ولم يتجمَّل بالآداب، حُكم عليه بالعطب فوراً، ولو مكث أمام هذا الباب ألف سنة.
هذه يا إخوانا سنة القوم، فنحن حتى لا نضيع الوقت ونرى الركب الذي يتجه للدار الآخرة كل يوم ماشيين على مختلف الصنوف والأشكال، شيوخ وكبار وصغار، كل يوم ماشيين، فلا نضيع الوقت الثمين الذي أعطاه لنا رب العالمين وهو عمرنا في الحياة الدنيا وأنفاسنا.
أهم شيئ الذي يطلبونه من الإنسان ليرقى إلى حضرة عباد الرحمن الأدب، وانظر آيات القرآن أمام عيني قلبك وتدبرها، تجد أن أهم ما فيها هو الأدب، حتى أنبياء الله:
الأدب مع رسول الله، والأدب مع حضرة الله، والأدب مع العارف بالله، والأدب مع الأحباب في الله، والأدب مع الخلق أجمعين، فقد قال إمامنا رضي الله عنه:
[آل العزائم لهم حالٌ مع الله يجذب الكافر والنافر، فما بالك بالمؤمن المطيع؟]
والآداب مذكورة في كتب القوم ومن أراد أن يقرأ ويطلع عنده كتاب ﴾قواعد التصوف﴾ للإمام الشعرانين وهو كتاب واسع حوالي خمسمائة صفحة.
وكتاب {مذكرة المرشدين والمسترشدين} للإمام أبي العزائم رضي الله عنه، وكتاب {دستور السالكين} وكتاب { آداب السلوك إلى ملك الملوك}.
كل هذه كتب للإمام أبي العزائم أفاضها الله عليه رضي الله عنه.
وقد لخصنا هذه الآداب حتى لا نُتعب الأحباب في باب كبير في كتاب: {المنهج الصوفي، والحياة العصرية} وعملناها ثلاثة أقسام:
الأدب مع النفس، والأدب مع الإخوان، والأدب مع الشيخ المربي.
فليتكُم كلكم تراجعوا أبواب الآداب مرةً ثانية لتعطوها لغيركم، فمن يأتي يرى قوماً على الآداب،فيمشي على هذه الآداب.
فأنت أصبحت من الهداة إلى طريق الله تبارك وتعالى، وإياكم تهتموا بإعطاء الناس العلم قبل الأدب:
[الأدب قبل العلم، وإلا فانتظر العطب].
الإمام مالك يقول:
[صحبتُ الربيع عشرين عاماً، ثمانية عشر في الأدب، وسنتان في العلم، ويا ليتها كانت كلها في الأدب].
يعني يا ليتها كانت كلها في الأدب.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجملنا بالآداب، وأن يتفضل علينا بعلوم الوهب العلي من النبي الأواب، وأن يرزقنا دائماً وأبداً على العلمل بما في السنة والكتاب، وأن يجعل قلوبنا صافية وخالية لجميع الأحباب، وأن يوالينا بفضله وكرمه وجوده، وأن يجعلنا دائماً ممن يفتح لهم الأبواب، ويكشف لهم غيوب هذا الجناب العلي إنه نعم المولى ونعم النصير.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
الخميس: 27/5/2021 الموافق 15 شوال 1442هـ دار مناسبات مجمع الفائزين بالمقطم