• Sunrise At: 6:07 AM
  • Sunset At: 6:02 PM

Sermon Details

Muslims to Achieve Spiritual Goals

الأسوة الحسنة الآية 22 الأحزاب

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهِ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) (الأجزاب).

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

هذه الآيات الكريمة التي إستمعنا إليها الآن، آيات من سورة الأحزاب وهي تفصِّل جانباً من غزوة الأحزاب التي تعرَّض لها النبي صلى الله عليه وسلَّم وصحبه الكرام في المدينة النورة.

وكالمعتاد نبين أولاً أسباب نزول الآية، ثم نأخذ منها إشراقات وأنوار بينات نهتدي بها في سيرنا وسلوكنا إلى الله تبارك وتعالى.

لما تجمَّع الأحزاب حول المدينة المنورة، وكانت المدينة يحيط بها من ثلاث جهات جبالٌ وزروعات، فكان يستحيل على جموع الكافرين وكانت قريش ومعها قبيلة غطفان وقبائل أخرى كُفر بلغ عددهم حوالي عشرة آلاف مقاتل، فلم يكن لهم مجالٌ يدخلون منه إلى المدينة المنورة وقد حاصروها إلاَّ مجال واحد من جهة جبل أُحد.

والنبي صلى الله عليه وسلَّم هو المثل الأعلى لنا جماعة المؤمنين في كل شأنٍ ذي بال، وكان من دأبه صلى الله عليه وسلَّم يستشير أصحابه في أي أمرٍ يخص الجميع، ويستشير خاصة أصحابه في الأمور التي تخصه في نفسه، الأمور العامة التي تهم جموع المسلمين يستشير فيها جمٌّ من زعماء المسلمين.

وكانوا يُسمون ؟أهل الحِلُّ والعقد، وفي العصر الحديث مجلس الشورى، أو مجلس النواب أو مجلس الأمة، أي شاكلة من هذه الأسماء.

وإذا كان أمراً خاصاً بنفسه في حياته الشخصية أيضاً لا يستقل به، وكان يستشير خاصة أصحابه، فمثلاً عند خروجه لغزوة بدر، جمع أصحابه وقال لهم: ما رأيكم؟ فأدلى المهاجرون برأيهم، فالتفت إلى الأنصار وكانوا أغلب الجموع الحاضرة، وقال: أشيروا عليَّ أيها الناس، يعني لابد أن يعرف رأيهم هم الآخرين، فاستشار الجموع كلهم.

وكذلك فيما نحن فيه في غزوة الخندق إستشار الجموع، فأشار سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه أن يحفر صلى الله عليه وسلَّم وصحبه الكرام جهة جبل أُحد وهي المنفذ الوحيد للأعداء خندقاً كبيراً لا يستيطعون عبوره ولا الدخول منه إلى المدينة المنورة.

وكانت حيلة جديدة لا يعرفها العرب، لأن العرب كانت حروبهم سريعة ـ خطف ـ كانوا يحاربون للرعي وأماكن الإقامة، فكانت الحرب ساعة من الصباح أو ساعة من المساء، فلا تأخذ أكثر من ذلك بين قبيلتين، وليس فيها هذه الحروب الطويلة التي يعرفها الجماعة الفرس، والفرس دولة كبيرة بينها وبين الروم وغيرهم حروبٌ لا تنتهي.

لكن في أموره الخاصة كان يشاور خاصة الخاصة، عندما حدثت حادثة السيدة عائشة رضي الله عنها، وأخذ المنافقون يلوكون بألسنتهم في عِرضها، أخذ يسأل خاصة أصحابه واحداً تلو الآخر، فلم يجمعهم فسأل عليّ، مارأيك يا عليّ؟ وسأل زوجات النبي الأخريات، وسأل عمر ما رأيك يا عمر؟ وسأل خاصة أصحابه، حتى في أموره الخاصة فكان يستشير أقرب الناس إليه، لأن الله عز وجل قال له:

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الامْرِ (159آل عمران).

فكان يشاور في كل أمرٍ صلوات ربي وتسليماته عليه حتى في أموره الخاصة.

أيضاً لما أمره مولاه تبارك وتعالى كما في هذه السورة سورة الأحزاب بالزواج من السيدة زينب بنت جحش، أخذ يستشير أصحابه الملاصقين له، ويسمونهم الخاصة واحداً تلو الآخر، وهكذا علمنا صلى الله عليه وسلَّم أن نجعل الشورى هي أساس حياتنا في كل أمورنا كلها، ما صغُر منها وما كبُر.

ونعلم صغارنا المشورة ونشركهم معنا ليتعلموا هذا النهج النبوي، ويمشوا على هذا التقليد الرباني، فإن الله تبارك وتعالى لم يكن في حاجة إلى أن يستشير ملائكته، لكنه علمنا وقال لنا:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الارْضِ خَلِيفَةً ـ يعني ما رأيكم؟ ـ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ـ كسكَّان الأرض الذين كانوا يسكنون عليها قبل آدم؟ ونحن هنا ـ وزكُّوا أنفسهم ـ

وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30البقرة).

فعلموا أنهم أخطأوا وماكان ينببغي أن يراجعوا الله في أمرٍ قضاه، وأنه إنما استشارهم لحكمة يعلمها الله تبارك وتعالى وليس ليأخذ برأيهم، فإنه أحكم الحاكمين ورب العالمين تبارك وتعالى.

فذهبوا إلى البيت المعمور فوق السماء السابعة، وأخذوا يطوفون حوله تائبين منيبين ضارعين إلى الله عز وجل أن يتوب عليهم من هذا الموقف الذي إتخذوه، وما كان ينبغي لهم إساءة الأدب بهذه الطريقة في مواجهة رب العالمين القادر المقتدر سبحانه وتعالى.

كان ينبغي لهم أن يقولوا كما قالوا بعد ذلك:

﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ (32البقرة).

مالنا وما لهذا الموضوع:

﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32البقرة).

فالرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يشاور أصحابه، وعندما أشار عليهم سلمان بحفر الخندق ووافقوا، بدأ الحفر فجمعهم ووزَّع عليهم أماكن الحفر في هذا الخندق، قبيلة كذا عليها من هنا إلى هنا، وقبيلة كذا عليها من هنا إلى هنا، والمفترض في مثل هذه الأمور أن القائد العام يجلس في خيمة ويستريح، ويأتيه ما يبغيه من الطعام والشراب، وهناك مستشارين يأتونه بالخبر في كل وقتٍ وحين، لكن القائد العام لجميع الأنام في الدنيا ويوم الزحام صلى الله عليه وسلَّم ضرب لنا مثلاً فذَّاً:

شاركهم في الحفر بذاته الشريفه، وكانت الصخرة التي تستعصي عليهم، وأرض المدينة أرضٌ صخرية، ولا يستطيعون إزاحتها أو قطعها يستدعون لها حضرة النبي، فيمسك صلى الله عليه وسلَّم الآلة بيده الشريفة ويضرب بها الضربة فتتفتَّت إلى أجزاءٍ صغيرة، لأنه يُعلمهم أنه يستعين بمولاه، ومن إستعان بالله أعانه وقواه.

بل إنه صلى الله عليه وسلَّم في وسط هذا الهم الذي هم فيه، والغم الذي إنتابهم، وجدوا صخرة عجزوا جميعاً عن تفتيتها فاستدعوه لها صلى الله عليه وسلَّم، فضرب الصخرة بيمناه فظهر شعاع كالبرق، فقال:

(الله أكبر فُتحت بلاد فارس).

[رواه البراء بن عازب ـ النسائي والبيهقي].

أين هم وأين بلاد فارس؟ فهم يريدون أن ينجوا من هذه الكارثة التي هم فيها، فهل يبشرهم بفتح بلاد فاس؟ ثم ضرب الضربة الثانية، وقال: بعد أن خرجت شرارة أُخرى كالبرق:

(الله أكبر فُتحت بلاد الشام).

 [رواه البراء بن عازب ـ النسائي والبيهقي].

سبحان الله إستبشر بما بشره به مولاه تبارك وتعالى، وكأنه صلى الله عليه وسلَّم في هذه الضربات كشف الله عز وجل له الأحداث المستقبلية، ورأى جيوش المسلمين وهي تدخل بلاد الفرس فاتحة، وهي تدخل بلاد الشام فاتحة بإذن الله تبارك وتعالى.

وأعلمنا بذلك أن سلاح البُشريات الذي يُبشر بها الله المؤمن في كل الأوقات، وهذا ما يجعله يستبشر دائماً بنعمة من الله وفضل:

﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ (171آل عمران).

فلا يقنط ولايحزن ولا ييأس ولا يتملك منه همٌّ ولا غم، لأن الله بشره.

والنبي صلى الله عليه وسلَّم بُشر في اليقظة، والمؤمنين الصادقين يبشرهم الله تبارك وتعالى في المنام قال صلى الله عليه وسلَّم:

(لم يبقى بعدي إلا المبشرات الصالحات، يراها الرجل المؤمن أو تُرى له).

[راوه أبو هريرة رضي الله عنه الصحيحين].

إما أن يراها بنفسه، وإما أن يراها له رجلٌ من المقربين، أو محبوبٌ من المحبوبين ليكون على يقين أن هذه بشرى من رب العالمين تبارك وتعالى، ولكن البشرى لن تأتي للغافلين ولا للجاهلين، ولكن تأتي لأهل اليقين ـ نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون منهم أجمعين.

فكان يشاركهم صلى الله عليه وسلَّم في حفر الخندق بذاته الشريفة، وكان يشاركهم في حمل التراب على كتفه ليخرجه خارج الخندق، وكان يشاركهم في الجوع، لأنه كان في الخندق وكان وقت ليس فيه أقواتٌ كافية لأهل المدينة، فلم يُخزنوا أقواتاً لهذه الحرب، ولذلك سيدنا جابر رضي الله عنه وأرضاه نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فرأى على وجه حضرته أثر السِقم والجوع والضَنى.

فذهب إلى إمرأته وقال: يا أم فلان رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ويظهر عليه أثر السقم والجوع والضنى، فهل عندنا من شيئ نضيِّفه؟ قالت: ليس عندنا إلا عناق ـ وعناق يعني ماعز صغير ـ قال: إذبحيها وأَدعوه، قالت: إذهب إليه وادعوه، وأطلب منه أن لا يزيد عدد من معه عن عشرة، يعني الطعام الذي عندنا لا يكفي إلا عشرة.

فذهب إليه وكانوا من لطفهم وقربهم من ربهم كلهم غاية في الذوق اللطف، كلما قرُب الإنسان من مولاه، كلما زاد في الذوق السديد، واللطف الرشيد، وكان من المُلهمين ما يحبه الله تبارك وتعالى من عباده المخلصين في كل وقتٍ وحين.

فقرب من أذن رسول الله وأسرَّ إليه ـ يعني كلمه في أذنه حتى لا يسمع أحدٌ ـ وقال: يا رسول الله ندعوك لطعام الغذاء على أن لا تُحضر معك أكثر من عشرة، فقال صلى الله عليه وسلَّم: إسبقنا إلى المنزل، وبمجرد أن مشى الرجل ـ وكان للرسول صلى الله عليه وسلَّم دائماً منادي، والمنادي يكون صوته عالي ينبِّه على الناس بما يريده سيد الناس صلى الله عليه وسلَّم، وكان أيضاً في الصلاة يُردد وراءه ما يقوله في الصلاة، والذي نسميه المبلغ، ولم يعد موجود الآن لوجود الميكروفونات، لكنه كان موجوداً إلى عصرٍ قريب.

فبمجرد أن مشى الرجل نادى المنادي وقال له: نادي على أهل الخندق، وقُل لهم: أخوكم جابر يدعوكم إلى طعام الغداء، فكل من بيده فأس أو في يده آلة رماها لأنهم جعانين كلهم، وخرجوا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وقيل أن عددهم كان يزيد على الثلاثمائة.

فلما رأت زوجة جابر الجموع الآتية، قالت له: ما صنعت بنا؟ ألم أقُل لك قُل لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم لا يزيد عدد من معه عن عشرة؟ قال: والله لقد بلغته، وقلت له ذلك في أُذنه، ماذا قالت؟ قالت: إذاً رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أعلم بما يفعل ـ ولم تعترض ولكن مادام هو من فعل ذلك فهو حُرٌّ.

معه التصريف من حضرة المصرف سبحانه وتعالى.

والرجل كذلك لم يسكت عندما وصل إليه صلى الله عليه وسلَّم، قال: يا رسول الله ماذا فعلت بنا؟ قال: لا تخف، وادع الناس عشرةً عشرة، حتى يأكلوا ويشبعوا، وأرني طعامك، فراح على الإناء الذي فيه اللحم وأمسك بالمغرفة وأخذ يقلب فيه ويسمي الله تبارك وتعالى، وقال: أين عجين زوجتك؟ فسألها فأشارت إليه، فأمرها أن تضع فوقه غطاء ـ ومن لحظتها ونحن نغطي العجين ـ وتستدعي نساءً من جيرانها، وتوقد نار الفرن، وتأخذ من تحت الغطاء ولا تكشفه.

فطعم الجميع وشبعوا عشرةً عشرة، واللحم كأنه هو لم ينقص منه قطعة، والعجين كأنه هو، لم ينقص منه قدر رغيف، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(أطعم زوجك وأولادك، ثم أطعم بالباقي جيرانك من ها هنا، ومن ها هنا).

وهذه البركة التي علمها لنا رسول الله أن نستمسك بها، فهي المخرج الوحيد لنا من كل أزمات إقتصادية فردية أو جماعة نواجهها في هذه الحياة، أن المخرج كله في البركة.

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ (96الأعراف).

لم يقُل الله فتحنا عليهم خيرات، فالخيرات كما هي ولكن دخلت فيها البركة، وهذا ما شاهدناه ونحن صغار، كانت أمهاتنا تُخزن القمح والذرة في صومعة فوق البيت، وتضع فوقها غطاء وتسدها، وتأخذ من تحت، من فتحة من أسفل، والصومعة تأخذ منها ما شاء الله، إلا لو حدثتها نفسها أن الصومعة لا زال فيها، فتفتح من فوق فترتفع البركة.

هذه البركة يا إخواني التي نحتاج إليها أجمعين، وهي التي يتعايش بها الصالحين والمخلصين في كل وقتٍ وحين، ومن حولهم يتعجب منهم، مع أن الله قال لإبراهيم عندما كان يحفر البيت الحرام، ووجد في أسفله حجراً مكتوبٌ عليه:

[أنا الله رب البيت أرزق الضعيف من القوي حتى يتعجب القوي].

أنا آخذ مبلغ كذا وكذا ولا يكفي، وهذا الرجل كيف يعيش ومبلغه البسيط لا يكفي ما نحن فيه يوماً واحداً؟ الذي أنت فيه ليس فيه البركة، لكن هذا عنده البركة من الله سبحانه وتعالى.

فكان صلى الله عليه وسلَّم معهم، ويحمل التراب معهم على ظهره وعلى كتفه ويجوع معهم، وينشد معهم الأهازيج، علمهم وهم يعملون عملاً شاقاً يغنون، فالأغاني تخفف العناء، وكانوا يقولون مثلاً:

لئن قعدنا والنبي يعمل    فذلك منا العمل المضلل

كيف نقعد والرسول يعمل؟ فيقول صلى الله عليه وسلَّم:

اللهم إن العيش عيش الآخرة    فاغفر للأنصار والمهاجرة

وهذا نموذج من النماذج التي كان يغنيها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مع هؤلاء القوم، يشاركهم في كل أمورهم، إن كان في حروبهم أو سفرهم أو في كل أمورهم.

وأنتم تعلمون عندما كان مسافراً وكان معه ثلاثة، وأرادوا الغذاء ومعهم شاة، فأحدهم قال: أنا عليَّ ذبحها، والثاني قال: وأنا عليَّ سلخها، والثالث قال: وأنا عليَّ طبخها، فسيدنا رسول الله قال: وأنا عليَّ جمع الحطب، وكان هذه أشقُّ مهنة من المهن، بأنه يدور في الصحراء ليجمع الحطب من هنا وهناك، لكنه يعطينا المثال الأعلى صلى الله عليه وسلَّم.

وهذا كان سبب نزول هذه الآيات.

لكن رسول الله هو القدوة والأُسوة الحسنة لجميع المؤمنين إلى يوم الميقات:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ ﴾ (21الأحزاب).

وأُسوة يعني قدوة، وحسنة يعني طيبة، بمن يخص بـ “لكم”؟

لكم يعني الأولين والمعاصرين والآخرين إلى يوم الدين، يعني لكم جميعاً، والإقتداء بمن؟ بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

وبماذا نقتدي به؟

بعض الأحبة من المؤمنين قال: نقتدي بظاهره، نربي اللحية كما كان يربيها، ونلبس عمامة ونعمل لها عدبه كما مكان يفعل، ونقصِّر الثياب كما أمر، ونمسك السواك بصفة دائمة ذهاب وإياب، ونقتدي في هذه المظاهر، ماشي.

لكن ليس هذا عين الإقتداء؟ لا بل نقتدي به في كل أحواله، أقتدي به صلى الله عليه وسلَّم في آداء العبادات ظاهراً، لقوله صلى الله عليه وسلَّم:

(صلُّوا كما رأيتموني أُصلي).

[رواه مالك بن الحويرث رضي الله عنه ـ البخاري].

نركع كما كان يركع، ونقف كما يقف، ونسجد كما كان يسجد، ونجلس كما كان يجلس، ونتلوا كما كان يتلو، وندعوا كما كان يدعو، وهذا كان في الظاهر، لكن نحتاج إلى أن نتابعه أيضاً في تقلب قلبه بين يدي مقلبه وهو في الصلاة.

وهو في الصلاة، ماذا كان في قلبه؟

هل مثلنا عندما نقف في الصلاة فالغائبة والتائهة من مشاغل الدنيا ومشاكلها تأتينا؟ والحوارات الساخنة التي دارت بيني وبين فلان؟ هل هذه التي تحضر في الصلاة؟ لا.

إذا كان الله قد قال عن المؤمنين الصادقين:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) (المؤمنون).

والخشوع ليس في الظاهر، ولكن الخشوع في الباطن وفي القلب، فناتبعه صلى الله عليه وسلَّم في إخلاص عمله لله، في توحيد قصوده نحو مولاه، في خشوع قلبه لحضرة الله، في حضوره بالكلية مع مولاه، ولذلك كان في الصلاة في حال المناجاة مناجةٌ مع حضرة الله تبارك وتعالى، فنتابعه ظاهراً وباطناً.

في العبادات كلها:

ونتابعه في أخلاقه الشريفة التي مدحه الله تبارك وتعالى وأثنى عليه من أجلها وقال له في شأنها:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4القلم).

فلم يقُل له: وأنك لذو خلقٍ، ولكن قال على يعني إنك أعلى من الخُلق العظيم، وفي قراءة إنك لعلى خُلقي عظيم، خلق مضاف وعظيم مضاف إليه، والعظيم هو الله، يعني أنت على خُلق من؟ خلق الله تبارك وتعالى.

نتابعه في أخلاقه صلى الله عليه وسلَّم في كل أحواله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

(أقربكم مني مجالس يوم القيامة ـ هل قال: أكثركم صلاة؟ أو هل أكثركم ذكراً لله؟ فماذا قال؟ ـ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون).

[رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

نتابعه صلى الله عليه وسلَّم ونتأسى به في تعامله مع الحق، وفي تعامله مع الخلق، وفي تعامله مع أهل بيته زوجاته وأولاده، في تعامله مع جيرانه، في تعامله مع المسلمين أجمعين على إختلاف طبقاتهم وأصنافهم، في تعامله مع حتى  أعدائه، وهذا باب لو مكثنا في موقفنا هذا إلى شهور، لن ننتهي من تعداد المواقف التي نقتدي فيها بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

من الذي يقتدي برسوله الله؟ عندنا صنفين:

المقربين وأهل اليمين، المقربين ذكرهم الله:

﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ (21الأحزاب).

يطمع في القرب من مولاه، يطمع في الحُظوة بالتجليات التي يتجلى بها الله لأحباب الله والصالحين من عباد الله، يطمع أن يكون يوم القيامة إذا قامت قيامته حتى وهو في الدنيا أن يكون من الذين يقول فيهم الله:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) (القيامة).

يطمع أن يدخل في القوم الكرام الذين أمر حبيبه أن يُصبر نفسه على الدوام معهم:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28الكهف).

لا جنة ولا نار، الإمام أبو العزائم رضي الله عنه يقول في ذلك، وهو رجلٌ من هؤلاء الرجال:

أنا لا أخاف وحقه من ناره       كلا ولا أبغي الجنان لطيبها

فالقرب منه جنتي ومحاســـــني        والبعد عنه ناره وليهيبهـــــــــــا

وهذه نار المقربين وهذه جنة العارفين، فجنة العارفين القرب من أكرم الأكرمين تبارك وتعالى، والقرب معنى وليس القرب بالجسم، ولكن القرب بالحقائق الباطنية القلب والروح والسر والفؤاد، فهي التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ليحظى بها العبد بالقرب والوداد من رب العباد تبارك وتعالى.

ولذلك قال لنا في شأنها حبيبنا:

(إن الله لا ينظر إلى صوركم ـ لا يهتم بجمالها ـ ولا إلى أجسامكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

[الامام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وفي رواية: (وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم)

المهم ما النية؟ النية التي في القلب نحو الله ما شكلها؟

وهذا مقام المقربين، ولم ينسى الله أهل اليمين:

﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ (21الأحزاب).

من يريدون النجاة يوم القيامة، ومن يريدون الفوز بالنعيم المقيم، ومن يريدون النجاة من الجحيم، ومن يريدون أن يستظلوا بظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، ومن يريدون يُحاسبوا حساباً يسيرا، كل هؤلاء طلاب الآخرة، فجمع الآية الإثنين، والإثنين لابد لهم من الاقتداء بسيد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلَّم.

ومالذي يبلغهم هذا ويعينهم على ذلك؟

﴿ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا (21الأحزاب).

البضاعة التي تبلغهم المقام الذي يطلبونه من الملك العلام كلا الطائفتين وغيرهم ماذا؟ ذكر الله، وذكر الله بابٌ واسع، تلاوة القرآن ذكرٌ لله، التسبيح والتحميد والتقديس ذكرٌ لله، الاستغفار ذكرٌ لله، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم ذكرٌ لله، كل عملٍ صالح تسبقه نيةٌ طيبة حتى ولو كان هذا العمل في ظاهره دنيوي ذكرٌ لله تبارك وتعالى.

يخرج الإنسان ليسعى إلى معاشه ليكُفَّ نفسه وأولاده عن سؤال الناس بنية طيبة، فعمله هذا كله ذكرٌ لله، أو يداعب أولاده ليشعروا بالعطف والحنان والشفقة والمحبة والمودة.

والأطفال في هذا الجيل رغم وفرة الخيرات، إلا أنهم في أمسِّ الحاجة إلى حنان الأبوين، والشفقة والعطف والرحمة من الأبوين، والرفق واللطف من الأبوين، والذي هم محرومين منها الآن، ولا يجدون أحداً يعطيها لهم، فالأم ترسل إبنها أو بنتها إلى الحضانة وتذهب للعمل، فمن في الحضانة يعطيه الحنان أو العطف؟ أو رحمة أو شفقة أو مودة؟ هل يوجد هناك من يفعل هذا؟

تستأجر خادمة، هل الخادمة تكون مثل الأم في الحنان والعطف والشفقة والمودة؟ أبداً وهو هذا الذي يريده.

أنا أخرج وأسعى وأذهب وأكتسب في اليوم مائة جنيهاً، لكن كثرة المشاغل لا تجعل لي وقتاً أداعبه فيه قليلاً، أو أربِّت عليه قليلاً، أو أضع يدي على رأسه وأرقيه، فهو في حاجة لهذا الحنان مني أنا، أكثر من الفلوس التي أجلبها له.

وهذا أمر إفتقده أطفالنا في هذا العصر، ولذلك يوسعوا لأنفسهم من المضرات الشيبسي وغيره وغيره، وكلها أضرار وكلها أمراض، لماذا؟ لأنهم يحتاجون إلى نظرة العطف والحنان.

الإمام أبو العزائم رضي الله عنه يعلمنا في قصة حقيقية هذا الأمر كان عنده سائق، والإمام أبو العزائم يعلمنا التصوف الصحيح، فماذا يقول؟

[تزوج أجمل النساء، وأفرش أفخر المفروشات، وكل أشهى الطعام، وأشرب أروى الشراب، على أن يكون ذلك من حلال، ثم تشكر الله تبارك وتعالى عليه بعد ذلك].

هذه حكايتنا، فما بال هؤلاء الذين يمنعون أنفسهم عن الطيبات؟ من الذي قال لهم إفعلوا ذلك؟

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32الأعراف).

وليست الطيبات فقط، بل والزينة أيضاً، من الذي حرمها؟ فكان من أوائل الذين إقتنوا السيارات حين إختراعها، لماذا؟ قال: لتساعدني في دعوة الله تبارك وتعالى، بدل أن أذهب للبلاد البعيدة ماشياً أو راكب ركوبة، أذهب بالسيارة فتختصر الوقت، وتحمل معي أيضاً مجموعة، وتحمل معي أيضاً أغراضي وأثاثي.

فكان له سائق، هذا السائق هداه الله علي يديه وكان نصرانياً فأسلم، وسماه صُهيب الرومي، على إسم سيدنا صُهيب الرومي رضي الله تبارك وتعالى عنه، فذات يومٍ قال له: يا بني زُر أمك التي أرضعتك لبن الإسلام، من أمه هذه؟ فذهب لأمه وهي نصرانية وقال لها:

أسألك ولكن أُصدقيني، هل أرضعني أحدٌ غيرك؟ قالت له: نعم، كنا ساكنين بجوار عائلة مسلمة، وأنا بعد ولادتك تعبت، ومنعني الأطباء من إرضاعك، فجائتني جارتنا المسلمة وهي التي أرضعتك، فكان هذا سر إسلامه، اللبن الذي رضعه.

سيدنا الإمام الحسن البصري رضي الله عنه وكان من أوائل الزاهدين الورعين، وأول من أسَّس طريق التصوف في ديننا القويم، من أين أتى له ذلك؟

أمه كانت خادمة عند السيدة أم سلمة زوجة حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم، والسيدة أم سلمة بلغ عمرها إلى ما يزيد عن الثمانين عاماً، فلما أمه ولدته كانت أحياناً تذهب لقضاء حاجة للسيدة أم سلمة فيجوع الطفل، فماذا تفعل؟ فالسيدة أم سلمة ذات مرة أمسكته ثديها لكي تُسكته، فكانت إرادة الله أن نزل لبنٌ من ثديها في فمه، وكانت لا تُرضع وقد بلغت الثمانين، قالوا سر هذا الرضاع كان أكى الناس وأعبد الناس وأورع الناس رضي الله تبارك وتعالى عنه.

إذا كان هذا الرضاع، مع الرضاع ماذا تفعل الأم؟ تُهدهد على الولد، تنظر له وهذه النظرات تُنزل له عطف وحنان وشفقة ومودة، فتملأ جوانح قلبه بهذه العواطف الإلهية، وهذا لا يتأتى إلا بذلك، لكن المُرضعة الأخرى المستأجرة من أين تأتي له بهذا الكلام؟ لا يوجد فهي تريد أن تُؤدي رسالتها لتأخذ أجرها وخلاص.

فذكر الله سبحانه وتعالى أي عمل يعمله المرء لله يتقدمه نيةٌ خالصةٌ لله تبارك وتعالى، أنني أزور مريض أو أشارك في جنازة أو آخذ بيد أعمى ليعبر الطريق، أو أعمل أي عمل وتسبقه نية صالحة، فهذا العمل ذكر لله عز وجل.

فالذكر ليس حركة اللسان، وإنما حركة الأبدان في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى.

﴿ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا (21الأحزاب).

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان قد قال لأصحابه ـ وهذا سبب نزول هذه الآية، أن الأحزاب سيأتوكم بعد تاسع أو عاشر يوم، ولذلك عندما رأوا الأحزاب:

 ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ ـ ماذا قالوا؟ ـ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ـ هذا الذي وعدنا به الرسول ـ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ـ وهذه حقيقة وفي الوقت الذي حدده ـ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22الأحزاب).

التسليم لله ورسوله.

وهذا كذلك يحدث مع أتباع الصالحين، فإن الله عز وجل من حكمته العلية تطهير قلوب الصالحين، والله لا يطهر القلوب إلا بما يتوالى عليها من المحن والكروب، وهي التي توحد الهمم، عندما ينزل بالإنسان همٍّ أو غمٍّ أو كربٍ أو شدة، يكون كله مجموع في هذا الأمر، وهذا المطلوب حتى يتوجه ـ إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك يُروى حديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما معناه:

(إذا ألَّح العبد الصالح في الدعاء، يقول الله تعالى لملائكته: أخِّروا قضاء حاجته، فيقولون لم يا رب؟ فيقول: إني أُحب أن أسمع صوته ـ يعني أريد أن يظل يدعوني، ويظل يستغيث بي، حتى يظل معي على الدوام ـ وإذا ناداه العبد الفاجر، قال الله لملائكته: أجيبوا طلبه، فيقولون: لم يا رب؟ يقول: إني لا أحب أن أسمع صوته).

لا يريد أن يسمع صوته، قال صلى الله عليه وسلَّم:

(لا يزال البلاء بالمؤمن ـ يعني ماشي وراءه ـ حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).

[حديث حسن صحيح رواه أبو هريرة رضي الله عنه].

إذاً مالذي يُطهر القلب والفؤاد؟ البلاء ولكن للإنسان الذي لا يتسخَّط فيه على قضاء الله، ولا يشكو الله إلى خلق الله، وإنما يرضى ويسلم بما أمره به مولاه، ويعمل ويصنع كما يصنع رسول الله، فيتأسى فيه هذا المكان.

ونزول البلاء ليس معناه أنني أرضى بالبلاء وأقول: إذا كان ربنا يريد أن يرفعه فيرفعه، لا أنا أسعى وُسعي وطاقتي وأستعين بالدعاء، وأحاول أن أستغيث بكل ما أملك لتحقيق الرجاء، ولكن آخذ بالأمرين كما كان صلى الله عليه وسلَّم يفعل في كل أموره كلها.

فهذا يزيد الإنسان في درجات الإيمان، ويزيد الإنسان في الرقي والقرب إلى حضرة الرحمن سبحانه وتعالى.

فعندما ينزل البلاء بالمؤمن، يكون المؤمن مُصاب ولابد أن يأتيه بلاء، وهل يعيش في الدنيا بغير عناء؟

فإمرأة من السلف الصالح في عصر التابعين تزوجت رجلاً صالحاً، وعاشت معه فترة ولم تجده يشكو من ألمٍ أبداً، فتنتظر أن تأتيه أنفلونزا أو صداع أو غيره فلا يأتيه شيئ، ففي النهاية قالت له: تعالى أنا وأنت نذهب للمأذون، فقال لها: ولم؟ قالت لمصلحة، وهي تنوي أن تطلب الطلاق، وأثناء مسيرهما تعثَّر، فقالت له: نرجع، فتعجب وقال لها: لم؟

قالت له: في الفترة الماضية كلها لم يُصبك أي أذى، فقلت إن الله ناسيك:

﴿ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ (19الحشر).

فلما ذكرك بهذا الأذى، قلت ربنا لا يزال يذكره فنرجع مرةً ثانية ونعيش، لأن المؤمن دائماً حياته بهذه الشاكلة حتى لا يركن عن مولاه طرفة عين ولا أقل، فدائماً يلجأ إلى الله.

لو الإنسان وُسع عليه في الدنيا قليلاً:

﴿ إِنَّ الانْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) (العلق).

سيتكاسل عن الطاعات ويتكاسل عن الأوراد، ويتكاسل عن العبادات لأنه يرى الخيرات عنده متدفقة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

(فرعون أخي موسى عاش أربعمائة سنة لم يشكو مرةً واحدة من وجعٍ في رأسه ـ قالوا: ولم يا رسول الله؟ قال: حتى لا يقول يا رب).

ربنا لا يريده أن يقول: يا رب، فجعله الحياة كما نرى الكافرين والجاحدين والمشركين، نسأل الله وتعالى الحفظ والسلامة أجمعين.

والى الجزء الثاني من التفسير إن شاء الله.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الأحتفال بالمولد النبوى الشريف الخميس: 23/9/2021 موافق 16 صفر 1443 المقطم ـ بعد صلاة المغرب

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid