بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله على هداه، والشكر لله الكريم على ما خصَّنا به من آيات كتاب الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بيان القرآن الذي على قلبه أنزل الله تبارك وتعالى أنوار هذا القرآن، صلى الله عليه وعلى آله الحسان، وأصجابه الكرام، وكل من تبعهم على هذا الهدى إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين .. آمين آمين يا رب العالمين.
القرآن الكريم عالج كل المشاكل التي ستحدث في أمَّة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا توجد مشكلة ظهرت أو ستظهر، إلا وتجد كتاب الله يتناولها ويستعرضها عرضاً مفصلاً، ويبين أسلم وأوجه الحلول لها، حتى لا نحتار ولا نبحث على من يحل لنا هذه المشاكل من المشركين والكفار، ونعلم علم اليقين أن الله كفانا وأغنانا عن جميع خلقه.
ولذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مبيناً هذا الوصف الكريم للذكر الحكيم:
القرآن الكريم فيه نبأ ما قبلكم، فكل أنباء الأمم السابقة والأنبياء والمرسلين وأحوالهم وأعمالهم ذكرها القرآن، وفيه خبر ما بعدكم، لذلك احذر أن يقول أحد: أن مشكلة كذا لم يتحدَّث فيها أحدٌ من قبل ولا ذكرها، لكن لا يوجد أمر سيظهر إلا والله تبارك وتعالى بيَّنه بياناً شافياً وكافياً، ولذلك حضرة النبي قال: ((فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ)) إلى متى؟ إلى قيام الساعة.
وفيه حكم ما بينكم، فكل المشكلات وكل الخلافات، وكل الأمور المستحدثات في أي جهة في الجهات، تجد لها وصفاً وذكراً كاملاً في كتاب الله، مع تفصيل الحلول التي تلائمنا، والتي هي خير حلول لأنها من عند خالق الكون تبارك وتعالى.
ولكن الأمر يحتاج منا أن ننصر القرآن، فلا نقرأ القرآن ونحن شاردين، أو نقرأ القرآن والقلوب لاهية، بل نريد أن نقرأه بتدبر وتمعن وتأني، وإظهار العجز أمام القوي القادر، واستمطار العلم والإلهام من الله تبارك وتعالى، فيُهيئ لنا كل ما نحتاج إليه في أمور ديننا ودنيانا وحياتنا، لأن هذا الكتاب يحوي كل ذلك، لأنه كلام ربنا سبحانه وتعالى.
والآيات التي معنا تتعرض لمشكلة يظن البعض أنها عصرية، لكنها مشكلة موجودة من أيام الحضرة المحمدية، ولكنها تفشَّت وزادت في هذه الأيام، وانشغل بها كثيرٌ من شبابنا، وأحياناً كبارنا.
الإقبال الزائد على الدنيا
ما هذه المشكلة؟ كثير من شبابنا ينظر للدنيا، وهمه كله العُلو والظهور في الدنيا، معظم شبابنا حالياً تسأله ماذا تريد؟ يقول لك: أنا أريد عمل هيئته كذا، وراتب مبلغه كذا، ومكتب شكله كذا، وسيارة ماركتها كذا .. يريد أن يكون مرفهاً في الدنيا، ولكنه لا ينظر إلى الآخرة.
عندما ننظر في الدنيا نجد أناس في الدنيا ليس عندهم إيمان، ولا إسلام، وليس معهم قرآن، وهؤلاء أحياناً يعملون أعمالاً تشبه أعمال الخير، فقد يعطف على فقير، أو يساعد مسكين، أو يخرج معونة، لكن هذا ليس عمل خير، لأن عمل الخير شرطه أن تسبقه نية صالحة لله تبارك وتعالى، وهذا ليس له نية لله في هذا العمل.
يعمل هذا العمل وجائز يقول إنها إنسانية، أو شفقة، ولذلك تجد معظم أعمالهم للخير والبر متجهة إلى الحيوانات كالكلاب والقطط وما شابه ذلك.
فعندما أنظر الآن لأُمَّة الكلاب أقول: سبحان الله! لا توجد أُمَّة الآن تعيش حياة مرفهة كهذه الأُمَّة، وخاصة الكلاب التي تعيش مع الوجهاء والأغنياء، يركب أحدث ماركة السيارات، ويخرج لك لسانه وأنت تمشي بجواره في الشارع في الحر الشديد، وهو راكب سيارة مكيفة، وصاحبه يُحضر له أفخم أنواع المأكولات ليطعمه، حتى أنهم وصل بهم الأمر في كثير من المدن حتى عندنا في القاهرة وغيرها عمل مطاعم جاتوهات للكلاب، وكوافيرات ليهذبوا شعرها!!.
وكما ترون لو أي إنسان في أي زمان أو مكان أساء إلى كلب ولو كان كلب ضال وعاقر، تقوم حرب شديدة، كيف لا تكون عنده شفقة بالحيوانات؟! وكيف لا تكون عنده رحمة بالحيوانات؟!.
مع أن هؤلاء يصنعون الدبابات والصواريخ والطيارات وغيرها من أنواع الأسلحة التي يدمرون بها الإنسان الذي جعله الله خليفة عن ذاته في الأكوان، ولم يعترض أحد منهم على ذلك! مَن الأَوْلى بالشفقة؟!! الإنسان، ولكن حتى نعلم أنهم غير موفقين لأنهم لم يؤمنوا برب العالمين سبحانه وتعالى.
ومع ذلك كثير من شبابنا قدوتهم هؤلاء، فالكثير منهم يريد أن يهاجر ويترك أفضل أرض خلقها الله، وأفضل جو جعله الله في الكون في هذه الأرض، وأفضل خيرات خصَّ الله تبارك وتعالى بها هذه الأراضي المباركات.
هل توجد أرض في الكون توازي موقعنا الجغرافي؟ لا يوجد، هل يوجد عندنا أحد يتجمد من شدة البرودة؟! لا، وهل يوجد أحد يختنق من شدة الحرارة؟ لا، فعندنا ألطف جو في الأرض، وكل أنواع الفواكه الشهية عندنا، وهم يأخذوها من عندنا.
وهذا بجانب أن كل أنبياء الله ورسله بُعثوا فيها وبين أهلها، هل وُجد نبي ظهر في أوروبا؟ لا، هل وُجد نبي ظهر في أمريكا؟ لا، ظهر عندهم أدعياء وكذابين يدَّعون النبوة، لكن نبي مُرسل من عند الله لا يوجد.
الذين يصطفيهم ويجتبيهم الله يُرسل إليهم رسله، وينزل عليهم كتبه، وهذا حدث في هذه الأرض، الأرض التي مشى على كل سهولها وجبالها الأنبياء والمرسلين، ولذلك أرض كلها بركات وخيرات، ويريد الشباب أن يذهبوا للخارج ويتركون هذا كله!!، ولكن هذا ليس في فكرهم.
منهم من يُريد أن يهاجر إلى استراليا، ومنهم من يهاجر إلى كندا، ومنهم من يريد أن يسافر إلى فرنسا، ومنهم من يريد أن يسافر إلى ألمانيا، وقد يركبون مراكب متهالكة ومعظمهم يموت في البحر، فلا وصل، ولا حافظ على نفسه.
هل تريد السفر لتحج؟ ليس هناك حج، هل تريد السفر لتتعلم علم القرآن وسنة النبي العدنان؟ هؤلاء لا شأن لهم بذلك، فلماذا تريد السفر إلى هناك؟ يقول: أريد أن أعيش عيشة هؤلاء، فيكون معي مال مثلهم، ويكون سكني مثلهم، وتكون سيارتي من خير ما تنتجه مصانعهم.
لكن عيشتهم هذه لماذا أعطاها لهم الله؟ لأن الله عجَّل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، وكل من له ذرة من عمل الخير ويريد حسنة فيها من عند الله يعطيها له في الدنيا، حتى إذا جاء يوم القيامة يكون مفلس عند رب العالمين تبارك وتعالى، فلا يجد حسنة واحدة يطالب بها الله.
يقول: أنا عملت خير كذا وكذا، فيقال له: أنت أخذت أجرك في الدنيا، فأطبنا لك الحياة، وسهلنا لك الحياة.
ومع ذلك فإن هذه الحياة الطيبة من الظاهر فقط، لكن لو تعمَّقت في حياتهم تجدهم كأنهم يعيشون في الجحيم تماماً بتمام، فلا أحد يصاحب أحد، ولا أحد يعرف شيء اسمه بر الأبوين، فعندما يكبر الابن ليس له شأن بأبيه ولا بأمه، لو اتصل بهم بالتليفون ليطمئن عليهم فهذا شيء غريب وعجيب بالنسبة لهم، وتقريباً لا يزورهم، ولو مات أباه يتصل ابنه بأحد وكالات دفن الموتى، ويعطيهم العنوان، وهم يقوموا بدفنه، وما يحتاجونه من تكاليف يأخذوها من ثروته، وهو قد لا يذهب ولا يتحرك.
حياتهم ليس فيها شيء إسمه الألفة ولا المودة، وليس فيها صلة الرحم ولا التباذل ولا التعاون في الخير والبر بين الناس.
امرأة فرنسية أخذت ابنها وذهبت لإمام الجامع الكبير في باريس وكانوا في حفلة دينية بالصدفة، وقالت لهم: هذا ابني أريدكم أن تأخذوه وتعلموه الإسلام، فسألوها هل أنت مسلمة؟ قالت: لا، قالوا: ولِمَ تريدين تعليمه الإسلام؟ قالت لهم: حتى إذا كبرت في السن فيعاملني كمعاملة المغاربة لآبائهم وأمهاتهم، ولا يعاملني كمعاملة الفرنسيين.
أعجبتها الأخلاق الإسلامية، التي تحض على البر والتواصل والتوادد والتراحم والتعاطف، والتي هي صلب الإسلام، وأساس حياة المجتمعات الإسلامية في كل زمان ومكان، فكأن شبابنا غير منتبة لهذا الأمر.
ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حتى يقضي على هذه الظاهرة، كان نائماً ذات يوم ساعة الظهر، ويسميها القيلولة، وكان يستعين بها على قيام الليل، وكان نائماً على حصير، وليس حصيراً كالحصير البلاستيك الموجود الآن، ولكن حصير من نبات البوص، ودخل عليه سيدنا عمر رضي الله عنه، فوجد الحصير قد صنع علامات في جسم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم،، فذَرِفَت عَينَاه، فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لذلك أنا لا أقتدي بهؤلاء، فما النموذج الذي نمشي عليه، ونقتدي به؟ ” أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ” (90الأنعام) نقتدي بهؤلاء، كأبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص، وبالأئمة العظام الذين كانوا حول الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
ذكر الله تبارك وتعالى هذه الآيات حتى يبين لنا أننا لا ينبغي ولا يجوز أن نوازن بين المؤمنين والكافرين أبداً، ولا الدول المؤمنة والدول الكافرة أبداً، ولا الأرض المؤمنة والأرض التي يمشي عليها الكفار أبداً، لماذا؟ كما قال رجلٌ من الصالحين: ((قلاَّمة ظفر المؤمن خيرٌ وأعظم عند الله من ملء الأرض كفاراً)).
الموازنة بين المؤمن والكافر
كثير من الناس غير منتبهين، فلا يجوز أبداً أن توازن بين مؤمن وكافر، قال تعالى: ” وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ “ لو أن رجلاً أعمى هل يكون مثله كمثل البصير في الرؤية والنظر بالبصر؟ لا، فكذلك الكافر كالأعمى، والمؤمن كالبصير، فكيف تسوي بينهما؟!.
فالكافر أعمى لأنه لا يرى إلا ما تراه عيناه في الحياة الدنيا، لكن المؤمن عينه ترى ما أعده الله له من النعم والآلاء في الدنيا، ويرى بعين قلبه ما أعده الله له في الدار الآخرة، فالكافر ليس عنده هذه المعرفة، تقول له: الآخرة، يقول لك: أرني إياها، فأنا لا أؤمن بشيء إلا إذا رأيته وألمسه، فهذا مخذول من الله سبحانه وتعالى، وليس له نصيبٌ في الهداية.
ولو أخذ كل طيبات الدنيا، فهل تُغني عنه يوم لقاء الله؟! وهل تمنع عنه عذاب الله؟! كل ما يأخذه لا يساوي شيئاً.
حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم أحب أن يُظهر هذه النعم والنعم الأُخروية، فضرب لأصحابه مثلاً سيحدث في الآخرة، لأن سيدنا رسول الله كان يُكلمنا عن القيامة رأى العين كما رآها، فقد رأى الجنة ووصفها، ورأى النار ووصفها، وأحداث القيامة ألهمه الله بها كأنها رؤيا العين، فيقول صلى الله عليه وسلم:
أنعم رجل من أهل الدنيا؛ غمسة واحدة في جهنم تُنسيه كل ألوان النعيم التي تمتع بها في حياته الدنيا، وأشد رجل كان بائساً في الدنيا ويعانى من الفقر الشديد، غمسة واحدة في الجنة تُنسيه كل هذا البؤس وكل هذا الشقاء.
وهذا للمؤمنين، لأن المؤمنين من حب الله تبارك وتعالى لهم قال في شأنهم: ” الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ” (3البقرة) يؤمنون بالغيوب التي لم ترها عين الرأس، لكن رأتها عين القلب وعين البصيرة، هل رأى أحدٌ منكم الجنة؟ لا لم نرها، لكن نؤمن بها، هل رأى أحدٌ منكم الملائكة؟ لا، لكن نؤمن بوجودهم كما وصفهم الله، وبيَّن أوصافهم سيدنا رسول الله.
لكن هؤلاء عُميٌ عن هذه الحقائق، لو حدثتهم ليل ونهار عن الجنة، يقول لك: لا أعرفها، ولو حدثتهم عن الملائكة، يقول لك: لا تكلمني عنهم لأني لا أعرفهم، فهل هذا أعمى أم مبصر؟ أعمى في نظر الله: ” وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ” فالأعمى هنا هوالكافر، والبصير هو المؤمن لأنه يرى بنور الله تبارك وتعالى.
معيشة الكافر وحياة المؤمن
” وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ “ الكافر يعيش في ظلمات المعاصي ولا يراها منكرات، ويتباهى بها والعياذ بالله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنه كافر في ظلمات الكفر التي يعيش فيها، وللأسف بعض شبابنا يميل لذلك، وهذه مصيبة، لأنه لو ذهب لذلك فهذا دليل الهلاك، لأنهم يقولون: الزنا حلال، وشرب الخمر حلال، واللواط حلال، وزواج الرجل من الرجل حلال، وزواج المرأة من المرأة حلال، وهذا ما يعيشون فيه! هل ترضى الحيوانات أن تعيش هذه الحياة؟ مستحيل أبداً.
الشيخ محمد عبده رضي الله عنه لما ذهب إلى فرنسا أخذوه وأروه المزارع النموذجية التي يربون فيها الخنازير، وقالوا له: كما ترى هذه المزارع بها نظافة وعناية وغذاء وكشوفات طبية، فلماذا حرَّم الإسلام أكل الخنزير؟ فقال لهم: ائتوني بخنزيرين ذكور وواحدة أنثى طالبة للوقاع، فجاءوا له بهم، فقال: أتركوهم مع بعضهم، فوجدوا الخنزير الذكر يعاون الآخر في وقاع الأُنثى، فلا يتعارك معه بل يساعده!، فقال لهم: ائتوني بديكين ودجاجة، فجاءوا له بديكين ودجاجة، فقال: أتركوهم مع بعضهم، فوجدوا الديكين كادوا أن يقضوا على بعضهما حتى يستأثر أحدهما بالدجاجة، فقال لهم: أرأيتم؟ فقالوا: لا نفهم، فقال لهم: الخنزير ليس له ولا عنده غيرة على أنثاه، فمن يأكل لحم الخنزير لا يغار على بناته ولا على زوجته ولا على أمه ولا على نسائه.
ولذلك الإسلام حرَّم أكل الخنزير، لماذا؟ حتى يظل المؤمن يغار، والذي لا يغار في المؤمنين النبي سماه ديُّوث والعياذ بالله، وقال:
الذي لا يغار على نسائه فهذا ممنوع من دخول الجنة، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا سعد بن معاذ وقد ذُكر عنده بعض نسائه، فغار غيرة شديدة حتى أن أصحاب حضرة النبي تعجبوا، فقال:
فالغيرة خُلُق إسلامي كريم يحفظ الأعراض، ويحفظ المجتمعات من هذه الأمراض.
فالكفر وصف الله به الظلمات لأن فيه ظلمة المعاصي، وظلمة المخالفة لله، وظلمة الطباع، وظلمة العقائد .. ظلمات كثيرة، لكن النور واحد، فالله نور: ” اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ” (35النور) والقرآن نور: ” وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ” (52الشورى) وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم نور: ” قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ” (15المائدة) وكلهم: ” نُورٌ عَلَى نُورٍ ” (35النور) فهل تستوي هذه الظلمات مع هذا النور؟ أبداً.
أصحاب الجنة وأصحاب النار
” وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ “ وهذا في الآخرة، فالقيامة سيكون فيها أهوال شديدة، وستكون الشمس فوق الرؤوس، ولها حرارة وليس لها ضوء، ومن شدة الحرارة ينزل العرق الشديد من الناس، حضرة النبي وصفهم وقال:
ولا يوجد نور: ” وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ” (40النور) عرق، وظلام تام، وجهنم ترمي بشرر كالقصر، حتى ترعبهم بأهوالها، وتقول: يا رب ائذن لي أن أبتلعهم، أهوال شديدة وصف بعضها الله في القرآن، وبيَّن بعضها النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
هل هؤلاء سيكونوا مثل الذين قال الله فيهم: ” عَلَى الارَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ” (23-25المطففين) هل الجالس في أهوال هذا الموقف، وبعد ذلك في أهوال جهنم، كالذي يكون في الجنة؟! لا يستوي هذا بذاك، هؤلاء تستطيع أن تعطيهم وصف بسيط، كالرجل الجالس في الظل والهواء يرفرف عليه، والثاني جالس في الحر بعد الظهر والشمس مسلطة عليه، هل هذا مثل هذا؟! وهذا مَثلٌ لتقريب الحقيقة.
فأصحاب الجنة غير أصحاب النار، والذي يريد أن يكون من أصحاب الجنة، فلا بد أن يعمل في الدنيا بعملهم، ويستجيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويتشبه بأحوالهم، ويقتدي بفعالهم، ويشاركهم في كل أحوالهم، ليكون من أهل الجنة.
الأحياء والأموات في الإيمان
ثم أتى الله بتشبيه أشد وأشد: ” وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ “ هؤلاء وإن كانت أجسامهم حية، إلا أن قلوبهم ميتة، ولذلك لا يستجيب لله، ولا لرسول الله، ولا يرى شيئاً ولو قليلاً من نور الله في كتاب الله جل في علاه، لذلك هم كالأموات.
ولذلك هؤلاء لو أتيت لأحدهم بأساطين العلماء لن يسمع أو يعي، وإن كان الله عز وجل سينتصر لدينه، ولأهل دينه بما شاء وكيف شاء.
رئيس فرنسا واسمه ماكرون لا يعرف الإسلام، ويرى الإرهاب الذي يحدث هنا وهناك، فتصور أن الإسلام هم هؤلاء، وأن المسلمين على هذه الشاكلة، فأصبح في الأحاديث في التلفزيونات وفي كل مكان يهاجم الإسلام، ويقول أن الإسلام هو الإرهاب، وكل مسلم عنده إرهابي.
أرسل جماعة من عنده إلى دولة إسلامية اسمها مالي للمشاكل التي هناك، وكانوا قد أسروا امرأة فرنسية منذ عدة سنوات، فتفاوضوا معهم ليفكوا أسرها، وأرسل لها طائرة مخصوصة لتحضرها، وجهزوا لها حفلة كبيرة في المطار، وجهز هو خطبة عظيمة ليهاجم فيها الإسلام، وحضرت الصحف العالمية والكاميرات التلفزيونية للتصوير.
ذهب عند الطائرة ليقابل السيدة، وكعادتهم لا مانع عندهم إذا قابل امرأة أن يحضنها ويقبِّلها، فلا توجد عندهم الغيرة، فأراد أن يحضنها ويقبِّلها فقالت له: لا يحق لك هذا، أنا أسلمت، ولا يستطيع غريبٌ عني مثلك أن يلمسني أو يحتضنني أو يقبلني.
وأعطته خطبة طويلة هو ومن حوله، فبعد أن كان سيخطب أصبحت هي التي تخطب ليبين الله عزة الإسلام، فألغى حفلته، وألغى كلمته، ونشرت الإذاعات والوكالات العالمية والأنباء حديث المرأة الفرنسية التي أسلمت، لنعرف أن الله هو الذي ينصر الإسلام سبحانه وتعالى، ويُعلي شأنه، ويرفع قدره، ليعرف هؤلاء الناس حقيقة الإسلام والمسلمين.
فالإسلام هو مصدر السعادة في الدنيا، وهو مصدر النجاة والفوز والفلاح في الدار الآخرة، ولذلك الأوصاف التي وصف الله بها الكافرين كما رأينا الآن، هل يجوز بعد أن سمعنا هذه الأوصاف أن نوازن بين مسلم وكافر؟! مستحيل، فالمسلم ولوكان فقير ولا يملك من حطام الدنيا شيئاً هو عند الله أعلى وأغلى من أكبر كافر مهما كان شأنه، ومهما كانت درجة رياسته، لأن المؤمن كما قال الله: ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ ” (13الحجرات).
وبعد ذلك ولأن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من الكفار الذين حوله أن يستجيبوا له، وكان يفعل ما في وسعه وكان حزين لأجلهم، حتى أن الله قال له: ” فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ” (6الكهف) هل ستهلك نفسك لأن هؤلاء لا يريدون أن يؤمنوا؟ عليك البلاغ فقط، وإيصال هذا البلاغ على رب العالمين: ” إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ “.
من أراد الله له الهداية سيفتح له أُذُن قلبه الداخلية: ” وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ” (12الحاقة) فعندما يسمع يستجيب، ومن كان لا يستحق الهداية، لم يُقدِّر الله له الهداية، وليس هذا بظلم، لأنه لا يستحق ذلك، فإذا كلمته سيكون كما قال فيه الله لحضرة النبي: ” وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ” هؤلاء كالأموات تماماً بتمام، فلو ذهب الواحد منا لأهل المقابر قد يسمعوه، لكن هؤلاء لن يسمعوا.
حضرة النبي في غزوة بدر بعد انتهاء المعركة، وكانوا قد قتلوا من الكافرين سبعين رجلاً ووضعوهم في بئر ودفنوهم فيه، ذهب إليهم ونادى:
يعني الموتى يسمعوا، لكن هؤلاء قال الله فيهم لحضرة النبي: ” وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ “ يعني لن يسمع هؤلاء شيء أبداً.
” إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ “ من الذي يبلغ؟ أنت، ومن الذي يوصل البلاغ؟ الله تبارك وتعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي شبابنا وبناتنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بأيدينا أجمعين إلى طريق النجاة، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيره طرفة عين ولا أقل، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه، ووفقنا لعمل الخيرات، والمسارعة إلى الصالحات، والتسابق إلى النوافل والقربات، والاقتداء بنبينا سيد السادات.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
[1]سنن الدارمي والترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد عن عائشة رضي الله عنها