من يمشي على الروشتة القرآنية دائماً لا يحتاج إلى شيئٍ آخر، بل سيكرمه الله عز وجل ويخلع عليه خُلعة نبوية، إسمها {خُلعة الحلم} ويكون رجلاً حليماً، مهما حاول من حوله أن يستفزوه أو يغضبوه فلن يفلحوا، لأنه سيأخذ حُلة الحِلم وراثة من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وهذا لمن يداوم ـ كما قلت ـ على التسبيح والتحميد والتقديس لله تبارك وتعالى.
ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم جعل لنا ورداً دائماً عقب كل صلاة وهو ختام الصلاة، وختام الصلاة عبارة عن: سبحان الله ثلاثة وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثة وثلاثين مرة، والله أكبر ثلاثة وثلاثين مرة، وختام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شأيئٍ قدير.
عندما يؤدي هؤلاء فقط الخمس مرات بعد الخمس صلوات، على الفور سيأخذ صفة الحلم ويكون حليماً في كل أحواله وفي أفعاله، ولن يحدث عنده نوبة غضب، ونوبة الغضب نراها عندما تأتي لإنسان أو تأتي لإنسانة، فعندما تأتي لأحدٍ يهيج ويُكسِّر كل ما حوله ونراها، فيخلع ساعته ويكسرها، أو أي شيئ أمامه يكسره، ويقولون: أتركوه لأنها ساعة غضب.
والمفروض أنها لا تحدث للمسلم، وتحدث لغير المسلم، لأن المسلم معه تحصين، وما هذا التحصين؟ التسبيحات والتحمديات والتكبيرات عقب كل صلاة.
ونزيد عليهم أيضاً ونقول له قُل كل يوم تسبيح الملائكة:
(كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
ونزيد معها أستغفر الله العظيم، لتكون قد أخذت التسبيح والإستغفار، والمفروض أن تستغفر في اليوم والليلة على الأقل مائة مرة، ورسول الله كان يستغفر كل يومٍ مائة مرة.
متى أقولها؟ كما قلنا اليوم على المنبر قولها في أي وقت.
أي واحد منكم حالياً وهو راجع اليوم لبيته، لو بدأ فيها كم مرة يقولها؟ ثلاثمائة أم خمسمائة أو أكثر، وهو راكب المواصلات مثله كمثل الناس الراكبين معه، ولكنه يُحسن استثمار اللسان في طاعة الرحمن، وهذا المؤمن العاقل الذي يُحسن إستثمار الوقت فيما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى ويحفظه من الغضب والمقت منه تبارك وتعالى.
فيقول: بعد أن صليت إنتقض وضوئي، قلنا حالاً لا شرط فيها لا وضوء ولا شرط فيها إتجاه للقبلة، ولا شرط فيها الجلوس في المسجد، أنت جالس على أي حالة أو ماشي ما المانع؟ أنك وأنت ماشي الآن تدرب نفسك ماشي اليوم أو باكر أو في أي وقت طالما ماشي شغَّل اللسان، إياك أن تجعل اللسان يجفُّ من ذكر الله، ولكن يكون رطباً قال صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يزال لسان رطباً بذكر الله).
ليس رطباً من الريق، ولكن رطباً بذكر الله، فاجعله رطباً على الدوام بذكر الله، ولا توقف الذكر أبداً، لماذا؟ حتى الجماعة الذين سيدخلون الجنة ـ ونحن من أهل الجنة إن شاء الله ـ بعد أن يدخلوا الجنة، حضرة النبي قال بعد أن يدخلوا الجنة سيندمون لما يرونه من الخير هناك، فعلى ماذا يندمون يا رسول الله؟ قال:
(لا يندم أهل الجنة وهم في الجنة إلا على الساعة التي مرت بهم دون ذكر الله).
والساعة هنا يعني اللحظة، فكلمة الساعة في القرآن أو في حديث النبي يعني اللحظة، والساعة ليست 60 دقيقة كما نستخدمها في زماننا.
كل لحظة مرَّت عليه بدون ذكر الله يقول: لما كنت غافل وناسي أن أذكر الله في هذه اللحظة، وأهل المزيد يقولون: كنا زدنا أكثر، وأهل التقصير يقولون: لم قصرنا وكان في استطاعتنا أن نزيد في الطاعات وفي القربات وذكر الله تبارك وتعالى، ويكفيك فيها قوله تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (152البقرة).
طالما أنك تذكر الله فأنت على بال من حضرة الله، جاءتك شدة سيرفعها، وقع بك ألم سيخفضه أو يزيله، وقعت في ورطة سينقذك من هذه الورطة، ما دمت أنت مداوم على ذكر الله، فربنا يكون معك على الدوام في الأمور التي ذكرنا بعضاً منها وذكرها كله يعجز عنها هذا الوقت.
فالإنسان إذا حافظ على هذه الأمور يظل دائماً إنسان حليم، والحلم من صفة الأنبياء:
وحضرة النبي يقول لنا: عندما نحب أن نعرف أقوى الناس عند الله، من هم؟ قال:
(ليس الشديد بالصُرعة ـ ليس بالقوة الجسمانية، ولا بطل العالم في الملاكمة، ولا بطل العالم في المصارعة الحرة، وهؤلاء الأقوياء، فمن هو الشديد؟ ـ قال: الذي يملك نفسه عند الغضب).
ساعة ما يغضب لا يفعل إلا ما يُرضي الله، ولا يقول إلا ما يُرضي الله، سيدنا عبد الله بن عمرو بإبن العاص رضي الله عنهما، كان يكتب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، والجماعة المسلمين لحرصهم على كتاب ربهم، كانوا يُخيفون بعضهم في كتابة أحاديث حضرة النبي ويقولون: حتى لا تختلط بالقرآن، فالقرآن هو الذي يُكتب فقط.
فذهبوا لسيدنا عبد الله بن عمرو وقالوا له: أنت تكتب عن النبي، والنبي بشر، وربما يأتي في حكم الأحكام يميل هنا أو هناك، وهذا طبعاً حكم عقلاني كاسد، يعني لو راضي عن واحد يحكم له، ولو غضبان على واحد يحكم عليه.
فذهب إلى النبي ليسأله، وقال: يا رسول الله إنـي أكتب عنك، قال: أُكتب، قال: في الرضا والغضب؟ قال: في الرضا والغضب، فإني لا أقول في الرضا والغضب إلا حقاً.
فلا يوجد غضب عندي يجعلني أحيد عن الحق، أو أميل عن المنهج، لأن غضبه كان لماذا؟ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول:
[كان صلى الله عليه وسلَّم لا يغضب لنفسه قط ـ واحد يشتمه وواحد يسبه وواحد كذا، لا يغضب ـ لا يغضب إلا إذا أنتُهكت محارم الله عز وجل].
[رواه الإمامان عن السيدة عائشة رضي الله عنها].
هذه الأمور التي كانت تُغضبه صلى الله عليه وسلَّم، عكس ما نحن فيه الآن، فكثير من الناس الآن يخالفون هذه القاعدة، يقول لزوجته: هات الأكل الآن، فتقول له: بعد إذنك ألحق الظهر، يغضب ويقول لها: أتركي الظهر وهاتي لي الغذاء لأنني جوعان، يهتم بنفسه فقط.
وطبعاً هي مُخطئه، لأنها المفروض كزوجة تكون حريصة وتعرف ميعاد زوجها، فلا تجعل هذا الوقت للصلاة، وتجعله يخرج عن طوره ويمكن يقع في محظور، يعني يعمل عمل أو يقول قولاً قد يُغضب الله، فيغضب عليه مولاه.
أنتي تعرفين ميعاد وصول زوجك الساعة الثانية ويكون جوعان ويحتاج للأكل، فلا تظلين على التليفونات تتكلمي مع فلانة ساعة، ومع فلانة نصف ساعة حتى يمر الوقت، وعندما يأتي تقولين له أستأذن لأُصلي الظهر، فلم لم تُصلي الظهر قبل أن يأتي في وقت صلاة الظهر؟
لابد أن تكون الزوجة أيضاً حكيمة في مثل هذه الأمور، ولكن هو نفسه المفروض أن يكون غضبه لله وليس لنفسه، ومتى يغضب؟ عندما يسألها: هل صليت الظهر يا فلانة؟ تقول: لا، فيقول لها: ولم لم تُصلي الظهر؟ ويعاتبها في ذلك.
وهذا المفروض أن يكون غضب المسلمين المؤمنين الصادقين.
وإبنه قادم من المدرسة، فيقول له: هل تغذيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: قم فصلي، فترد أمه وتقول له: أتركه حتى يذهب للدرس، ولا تعطله عن الدرس، فيذهب للدرس ولا يُؤدي حق الله، فهل ننتظر منه أن يحافظ على الصلاة بعد ذلك؟ فنحن الذين علمناه أن يترك الصلاة ويُفضل أمور الدنيا.
وأنا أريد أن أقول له: نحن نجمع بين الحُسنيين: أقسِّم وقتي تقسيماً عادلاً، ووقت الله يكون لله، لابد أن أؤديه لله لأنه هو الذي آخذ منه الحول والطول والقوة والمعونة والتوفيق، وهذا ما أحتاجه من الله سبحانه وتعالى على الدوام، وبعد ذلك أذهب للدرس أيضاً ولا مانع، حتى أستعين الأول بالله حتى أكون ماشياً على المنهج الصحيح: محمد رسول الله معه والذين معه على الدوام.
فالمؤمن يا إخوانا إذا كان يقتدي الاقتداء التام بسيدنا رسول الله لا يغضب لنفسه قط، فلا يغضب عندما يأتيه من ينصحه نصيحة، وأين هذا حالياً في الزمن الذي نحن فيه الذي لا يغضب من النصيحة؟ حتى ولو كانت صحيحة؟ حتى ولو كانت من رجلٍ ذي مكانةٍ عنده، يعني حتى ولو جاءه رجلٌ صالح ينصحه، يقبلها ويقول: على العين والرأس، من الذي يقبل هذا الكلام في زماننا هذا؟ قليل وأقل من القليل، وحتى لو قبِل يجد تغير في داخله وشرط التسليم قال فيه العزيز الحكيم:
﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ـ يستشيرونك، وبعد ذلك؟
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ـ لأن هذا القضاء الذي سيقضي به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أو من يقوم مقامه لا يوافق الذي أريده، لكن لابد هنا أن لا أتغير وآخذه برضا، حتى أكون قد دخلت في: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (65النساء).
تسليماً تاماً كاملاً لله تبارك وتعالى.
من يحافظ ـ كما شرحنا ـ على الأوراد فلا يتركها، لأنني أرى كثيراً من الأحباب حتى الحاضرين يتهاون في ختام الصلاة، ومرة يختم ومرتين ثلاثة يعتذر لنفسه، أنا مش فاضي أنا مشغول أن معي مصلحة أو معي مواصلة، وأنت في المواصلة تختم وهل ختام الصلاة شرطه أن تختم في المسجد؟ لا فإذا خرجت من المسجد إختم، ولا تشغل نفسك بمحادثة فلان أو فلان حتى لا ينسيك الختام.
حافظ على ختام الصلاة، لأن إسمه ختام الصلاة، يعني صلاتك لم تُختم، ولن يختمها الملائكة الحفظة الكرام البررة ويرفعوها إلى الله إلا إذا أكملتها بختام الصلاة، وهذا من مصلحتك ومنفعتك عند الله تبارك وتعالى، ويتدارك بها تقصيرك في الصلاة قصَّرت في ركوع أو قصرت في سجود، فيُكمَّل لك من ختام الصلاة حتى تخرج الصلاة وافرة كاملة عند الله سبحانه وتعالى.
وحافظت على الورد القولي والذي منه: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله العظيم، فيكون قد حفظت نفسك هنا من الغضب.
أنا غير مواظب فيأتيني نوبات غضب، كما نرى البعض أحياناً تأتيه نوبة غضب، ومن يقولون: إبعدوا عنه الآن، أنه الآن ليس على طبيعته لئلا يضربنا أو يشتمنا لأنه لا يدري ماذا يقول وماذا يفعل.
سيدنا رسول الله أعطانا روشتة للحالات العصبية أيضاً للجماعة الذين لا يواظبوا على الروشتة القرآنية والروشتة النبوية، فماذا نفعل؟
جاءتك نوبة غضب، قال: لا تستسلم للغضب، أو جاءت نوبة الغضب وأنت واقف تجلس، المهم أن تُغير موقفك، جاءت وأنت جالس تقف، أو جاءتك وأنت في مكان، أخرج خارج المكان.
ولذلك معظم المشاكل التي تحدث بين الزوجين تكون بسبب عناد الإثنين، يقول لها: تعالي يا فلانة هنا، تقول: لا أنا لن أخرج من هنا، فيفعل مايريد، فأنتي بهذا تزيدي النار إشتعالاً، أو تقول له: تعالى يا فلان هنا، يقول لها: لا لن أخرج من هنا.
فأنت بهذا تخالف هدي رسول الله، فالنبي يقول ك: أنت المفروض أن تغير مكانك حتى تهدأ أعصابك، ولو تنتقل من حجرة إلى حجرة، أو تخرج خارج البيت شوية، وهي أيضاً ممكن أن تنتقل لحجرة أخرى، فتنتقل من هذا المكان إلى مكان آخر لتُهدئ الغضب، فلا نعمل نحن الإنثنين على سرعة إشعال الغضب بيننا نحن الإثنين.
فإذا إنتقلت من مكان ووجدت أن ثورة الغضب شديدة شوية، فالمرض يكون زائد شوية عن الحد، فما الغضب يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الغضب جمرة من نار جهنم).
[الترمذي عن أبي سعيدالخدري].
فالإنسان عند الغضب كما يكون ناراً قد إشتعلت، فماذا نفعل؟ قال: أطفئها، فبماذا أُطفئها؟ قال: بالماء، فمالذي يُطفئ النار؟ الماء فالنار التي في النفس في داخلي كيف أُطفئها؟ قال: تتوضأ، فعندما تتوضأ وتغسل الأعضاء وتدلك الأعضاء ـ لأن من شرط الوضوء التدليك، تهدأ.
فإذا وجدت الهدوء غير تام، فتُصلي ركعتين لله سبحانه وتعالى، ولذلك عندما قال له وواحد: يا رسول الله أوصني ـ يعني أنا أريد وصية وتكون جامعة ـ فقال له:
(لا تغضب ـ فعاد مرةً ثانية وقال: أوصني، قال: لا تغضب ـ فعاد مرةً ثالثة وقال: أوصني، قال: لا تغضب).
[رواه الإمام البخري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
فالوصية التي ركَّز عليها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلَّم وكررها ثلاث الغضب، أننا نباعد بين أنفسنا وبين الغضب، نأخذ بالأسباب ونأخذ الأدوية ونأخذ الوسائل التي تباعد بيننا وبين الغضب في أي زمان ومكان.
ذهب له واحد آخر وقال له: يا رسول الله ما أفضل عملٍ أتقرب به إلى الله؟ ـ وأنتبهوا لمنطوق الحديث والسؤال ـ ما أفضل عمل أتقرب به إلى الله؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(أن لا تغضب).
سبحان الله كوني أكون حليماً وربنا إسمه الحليم، ويحب كل عبدٍ حليم فيريد أن يُخلقني بإسم الله الحليم لأن:
(إن الله يحب من خلقه من كان على خُلقه).
فالمؤمن دائماً مُتخلق بإسم الله الحليم، لا يغضب إلا في حالة واحدة كما قلنا، وهي حالة سيدنا النبي إذا إنتُهكت محارم الله عز وجل.
إذا رأى شيئاً أمامه يخالف شرع الله ويستطيع تغيره، فماذا أغيره؟ ممكن أن أغيره بلساني يعني أنصح، رأيت واحد أمامي يضرب إبنه ضرباً مؤلماً قد يُسبب عاهة، أقول له: لا يا فلان، لا ينبغي أن تصنع معه هكذا لأنه إبنك، يكون باللطف وباللين.
رأيت واحد قوي ويفترس واحد مسكين فقير ضعيف، فهل أسكت؟ فلو سكتُّ فكأني شريكٌ له في الجريمة، وآخذ إثمه ووزره مثله تماماً بتمام، وهذه المصائب التي وقع فيها المسلمون في هذا الزمان، لابد أن أنصر أخي هذا وأقول له: رفقاً به فإنه رجل مسكين ورجلٌ فقير فيكون هنا بالنصيحة.
إذا كان في بيتي فهنا التغيير باليد، وكيف باليد؟ يعني لي القوة ولي السلطان، وأفعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا، لأنني حاكم هذا المنزل وهذا البيت.
وإذا كان الأمر فوق طاقتى وأرى أُناس جبابرة ولا طاقتة لي بهم ولا شيئ، فيكون عليَّ أمرين: أُنكر ما فعلوه في قلبي، وأقول في قلبي معتذراً لله: اللهم إني أبرأ إليك مما يفعل هؤلاء، ولكنني لا أقدر وأغادر المكان فوراً، وأبحث عن مكانٍ آخر، لماذا؟ لأنه جائز أن ينزل عليهم غضب الله، فكل من كان في المكانة سيناله نصيبٌ من غضب الله تبارك وتعالى، فما دمت لا أستطيع فعل شيئ ولا أستطيع أن أُحضر أحداً يعرفهم ويعمل شيئ، أغادر المكان وأعتذر لحضرة الرحمن سبحانه وتعالى.
وهذا لإستكمال موضوع الغضب بارك الله فيكم أجمعين.
هل من سؤال في هذا المجال؟
سؤال عن مظاهر الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلَّم بمناسبة قربه.
الجواب:
خير إحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلَّم بمدارسة أخلاقه صفاته التي خلَّقه الله تبارك وتعالى بها، مع محاولة تدريب الإنسان لنفسه على التخلق بها.
فنحن نقرأ ونسمع وننبهر عندما نسمع أخلاق حضرة النبي، أو نقرأ عن أخلاق حضرة النبي، لكن عند التطبيق نقول: وما شأننا بهذا الموضوع؟ فهو رسول الله ونحن أناسٌ عاديين، وهذا مخالف لقول الله:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (21الأحزاب).
فأنت مطالب بأنك تتخلق بأخلاق النبي وصفات النبي صلى الله عليه وسلَّم، وآخذها صفة صفة وأحاول أن أطبقها، لأنني لم أرَ حضرة النبي ولم أزرُه في بيته، ولم أرَ كرمه مع ضيفانه، لكن رأيت واحد في زماني تشبَّه به، فيمشي على منواله ما دام أنا أقلده في استقبال ضيفانه، وإكرام ضيفانه، لأنه وارثٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وكان يصبر ويحلَم على أعدائه، لكن أرى رجال في زماني، والرجال دائماً لهم أعداء وحاقدين وحاسدين، ويحاولوا أن يشنعوا عليهم، ويحاولوا أن يفتروا عليهم، ويحاولوا أن يؤذوهم، مالذي يفعلوه معهم؟
هاهم أراهم وأمامي المثل مشهود، فإن هؤلاء الأفراد هم الحُجة على العباد في زمانهم، سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجه كان يقول:
[اللهم لا تُخلي الأرض من قائمٍ لك بحُجة، إما ظاهراً مشهوراً، وإما باطناً مستورا، لئلا تبطل حجج الله على عباده].
وهؤلاء موجودين في كل زمان ومكان.
واحد مثلاً يقول لي: كيف أني أشتغل ولا أقبل الرشوة ولا أقبل الحرام من هنا ومن هنا، والحياة صعبة؟ أقول له: هاهو النموذج، عاش بالحلال الطيب وكان دخله قليل، وزهد في الكثير مع عرضه عليه، كانت النتيجة:
بركةً له في نفسه، وثمرةٌ له في أولاده، وبركةً له في أحواله كلها، ويعيش عيشة في الدنيا أعظم من عيشة الأثرياء والوجهاء، لأن عيشة الأثرياء والوجهاء مع ما معهم من الخيرات والأموال، لكن مُنغص عليهم الأحوال، مشاكل مع الزوجة، ومشاكل مع الأولاد، ومشاكل مع المسئولين، حياة ظاهرها جمال وباطنها جلال، معظمهم هكذا على الدوام.
لكن هذا يعيش في حياة كلها جمال ظاهرها وباطنها، لماذا؟ لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فكيف أقوم بدعوة الله وأنا عندي عمل؟ ومن يعمل لدعوة الله يحتاج للتفرغ؟ نقول له: هناك أمثلة ضربها لنا الله، رجالٌ هاهم أمامنا في الكون، قاموا بعملهم الدنيوي على أكمل الوجوه، ووفقهم الله وأعانهم على القيام بدعوة الله كما يحب ويرضى، فهذه نماذج نحتذيها في هذا الوضع.
ونعلم علم اليقين أنهم بشرٌ عاديين، ولكن الجمال الذي تحلوا به جملهم به رب العالمين، فنحبهم للجمال الذي حلاهم به الله، وليس لأنفسهم ولا لأشخاصهم ولا لذواتهم، ونحبهم للكمال الذي أفاضه عليهم رسول الله، وليس لأعمالهم ولا لمكتسباتهم،
فالحب أصبح لمن؟ لله ولرسوله، أصبح لله إذا تجلى بجماله عليهم، ولسيدنا رسول الله إذا أفاض بكرمه ووافر أسراره عليهم صلوات ربي وتسليماته عليه.
فنحن في الحقيقة لا نحب إلا الله تبارك وتعالى، أو نحب أي مظهرٍ ظهر فيه جمال الله، أُحب هذا الرجل لأنه كريم، فأكون أحب أصلاً من؟ إسم الله الكريم الذي ظهر على هذا الرجل، فأحبه لأنه تخلق باسم الكريم سبحانه وتعالى.
أحب هذا الرجل لما أفاض الله عليه من علم، فأنا أُحب أصلاً مَن؟ حضرة العليم، والعليم الذي أفاض عليه هذا العلم، وهذا الرجل نفسه لو ظنَّ أنه عالم، نتركه ونقول له: ليس لنا شأنُ بك، فإذا قال: هذا من فضل ربي، فقد أقرَّ بالنعمة واعترف بالنعمة، فنحبه لفضل الله عليه بالعلم الذي أفاءه عليه وخصَّه به مولاه.
ولو رأى لنفسه شيئاً وتكبر على خلق الله، فقد نافس الربوبية، فمن الذي يُحبه؟ لكن رأى أنه لا شيئ وتواضع لكل خلق الله، فنحبه لماذا؟ لأنه تشبَّه بسيدنا رسول الله في التواضع الذي كان عليه صلوات ربي وتسليماته عليه.
فإذاً الحب يا إخواني لنا نحن لا يكون إلا لجمالٍ ظهر في العبد من الله، ومن رسوله صلى الله عليه وسلَّم، ونحب هذا الجمال لأننا نحب أصل الجمال وهو الله تبارك وتعالى، ومظهر الجمال وهو صلى الله عليه وسلَّم، فالله سبحانه وتعالى هو أصل كل جمال وكمال، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو المظر الذي أظهر الله فيه للوجود كله عُلواً وسُفلاً جمال الله بالقدر الذي يتحملونه عند مَرآه صلوات ربي وتسليماته عليه.
وبعد إنتقاله إلى الرفيق الأعلى ظهر هذا الجمال في شاشاتٍ نورانية أقامها الله عز وجل، ونوَّب في إضائتها وإظهار الجمال فيها خير البرية صلى الله عليه وسلَّم.
فنحن نحب من في الأصل يا إخوانا؟ الجمال الذي يظهر من الله على أي كائنٍ من كائنات الله سبحانه وتعالى، حتى الكائنات العادية.
لماذا نحب الشمس؟ لنرى فيها إسم الله النور، أليس كذلك؟ ولماذا نحب القمر؟ لأننا نرى أيضاً فيه إسم الله النور، وهكذا لماذا نحب المياه؟ لن فيها إسم الله الحي:
فنرى فيها سر حياة الحي سبحانه وتعالى يسري في الأكوان، هل يستطيع أحد أن يعيش بدون الماء؟ فيقع عليه إسم الله المميت على الفور، فإذا جاءه إسم الله الحي في المياه فيحتيي، بعد ذبول أو بعد جفافٍ أو بعد غيره.
وهذا خير إحتفال بسيدنا رسول الله، وهذا الإحتفال يكون في كل زمان وفي كل عصرٍ وأوان وليس في ليالي ربيعٍ فقط، لكن كل الأيام لنا ربيعٌ في مولد المختار صلى الله عليه وسلَّم.
ونكتفي بهذا القدر إن شاء الله.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
خطبة الجمعة: 24/9/2021 الموافق 17 من صفر 1443 هـ درس بعد الجمعة ـ مسجد الفائزين بالمقطم