فالجمل مع ضخامته ، يسوقه طفلٌ صغيرٌ ، فيمشى خلفه ، وعندما يقول له نِخّ ، ينِخ ّ، وعندما يقول له إنهض ، ينهض .. لماذا ؟ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾ ( يس : 72) تسخيرٌ من الله عزّ وجلّ لنا ، وقد أعطانا نموذجٌ آخر لكى نعلم أننا لا نستطيع أن نمشى إلا ّ بتقدير الله ، وبإرادة الله . وهناك أشياءٌ أخرى موجودة حولنا ، ولم يسخّرها لنا ، بل ونخاف منها ، ونبتعد عنها مثل : الثعبان الذى لا يجرؤ أحدٌ على الإقتراب منه ، وكذلك العقرب ، بل لم يسخّر لنا بعض الحشرات الصغيرة ، كالبرغوث والقمل والبق والتى تتغذى على دم الإنسان وجسم الإنسان ، فهل يستطيع الإنسان أن يذللها أو يسخرّها لخدمته ؟ .. كلا ّ .. وذلك لكى نعلم أنّ التسخير والتذليل من الله عزّ وجلّ لنا . وكذلك سخّر الله عزّ وجلّ الشمس لنا ، مع عظمها فتعطينا الحرارة والضوء ، والمسافة التى تبعدنا عنها ، مسافة ثابتة لا تتغيّر
الحمد لله الذى نعّمنا بسماع كلامه ، وأجرى على صدورنا من فضله بيان كلامه ، وسخّر لنا كل مافى الأرض وما عليها من دوابّها وأنعامه .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد بيان الحق الذى يبين للخلق مايريده الحق من الخلق ، صلى الله على عليه وعلى آله الطيبين ، وصحابته المباركين ن وكل من إهتدى بهديه إلى يوم الدين ، وعلينا معهم أجمعين .. آمين .. آمين يارب العلمين .
إخوانى وأحبابى بارك الله عزّ وجلّ فيكم أجمعين ..
الآيات التى استمعنا إليها الآن ، ومثلها كثيرٌ من آيات القرآن تدعونا إلى التأمل والتدبر والتفكر فى المخلوقات والكائنات التى أوجدها الله عزّ وجلّ بقدرته ، ونظمها بحكمته ، وسيّرها بإرادته ، وكلها جعلها الله عزّ وجلّ للإنسان ، فالله عزّ وجلّ ليس بحاجة إلى الشمس ولا للقمر ولا لليل ولا نهار ولا سماوات ولا أرض ، ولا جبال ولا ماء ولا أى شيء من هذه الكائنات .. لكن كل هذه الكائنات قد خلقها الله لكم : ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ ( الجاثية : 13)
ولم يستثنى شيئا ً ، فالتراب خلقه لنا ، والماء خلقه لنا ، والبحار والأنهارخلقها لنا ، والأشجار والثمارخلقها لنا والحبوب خلقها لنا ، والطيور بكافة أنواعها خلقها لنا ، والدواب على إختلاف أصنافها خلقها لنا .. والكل يعمل عندنا ، فمنهم من يأتى إلينا بالأ لبان ، ومنهم الذى يصنع لنا العسل .
فيخرج لنا اللبن من بين فرث ودم لبنا ً خالصا ً سائغا ً للشاربين .. ولو أن الإنسان رأى بعين العلم ، بالميكروسكوب ، أو غيره ، كيفية تكوين اللبن سيعجب أشدّ العجب ، لأن اللبن يأتى من بين الدم الموجود فى الحيوان ، وبين الروث الذى هو فضلات الحيوان .
فهل هذا اللبن يحتوى على دم أو روث ؟
صُنِعَ من مصنع ٍجعله الله فى كل بقرةٍ أو جاموسة أو ماعز أو نعجة لنا لكى نشرب لبنا ً سائغا ً للشاربين …
كذلك النحل جعله الله أنواع وأصناف وأشكال ، ولا يوجد أحدٌ من المخلوفات فى دقةّ وتنظيم وهمّة وعمل مملكة النحل ولا حتى اليابان ولا أمريكا لأنهم لم يصلوا إلى التنكنولوجيا الدقيقة فى تنظيم المجتمع كالتى ينظم بها مجتمع النحل مجتمعه ، إذ يخرجون إلى الزهور ، ويقفون عليها ليأخذوا مهنا الرحيق بكيفية علمّها لهم .. علمّها لهم ملك الملوك عزّ وجلّ ، فليس عندهم مدارس تعلمهم كيف يستخلصون الرحيق ، ولا يعطيهم أحدٌ محاضرات ٍفى ذلك وإنما إلهامٌ يقول فيه الله :
﴿ و أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ .. والوحى هنا هو الإلهام ، وليس عن طريق ملك .. أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ ( النحل : 68) ، سبحان الله فقد أعطانا الله تطور مملكة النحل كما حدث فى الوجود :
فقد سكن النحل فى الجبال ، ثم أصبح بعد ذلك يعيش فى خلا يا داخل أغصان الأشجار ، ثم بعد ما عرف الإ نسان قيمته وفوائده بدأ يصنع له الخلايا بنفسه .. ومما يعرشون : أى مما يصنعون ، وهذا هو تطور النحل ، فتذهب النحلة وتأتى بالرحيق فى بطنها ، وبحبوب اللقاح فى سَلةّ ٍ خلقها لها الله ، وقد علمّها الله طريقة ٍ ربّانيّة إلهية تفرّغ بها العسل وتعقمّه لكى لا يفسد ، لأن العسل لو نزلت عليه قطرة ماء ٍ واحدة ٍ يفسد على الفور ، لذلك علمّها ملك الملوك عزّ وجلّ طريقة ربّانيّة إلهاما ً من الله كيف تصنع الرحيق ، وتصنعه عسلا ً ، وبعد ذلك تضع عليه حبوب اللقاح لكى يزيد فى القيمة الغذائية .
﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ ( النحل : 69) وإختلاف الألوان على حسب المرعى ، فإذا رعى النحل من زهرة البرسيم ، يأتى العسل أصفرا ً ، وإذا رعى من زهرة الموالح ، يأتى العسل مائلا ً للإحمرار ، ولذلك يأخذ العسل لون المرعى الذى يرعى منه النحل .
لمن هذا العسل ياربّ ؟ ﴿ فيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ ( النحل : 69) .. كل ذلك صنعه الله لك أنت أيّها الإنسان ، وبعد أن يملأ النحل المكعبّ بالعسل ، يختمه بالشمع ، وقد تعلمّنا من النحل أن نختم فى الأمور والقضايا المهمة بالشمع الأحمر ، ويفعل النخل ذلك لكى يمنع الحشرات والهوام من الدخول فى العسل ، وكذلك ليمنع دخول الماء فيظلّ معقما ً ، إلى أن يستخرجه الإنسان ، ويأكله شفاءا ً ويشكر عليه حضرة الرحمن عزّ وجلّ .
إذن فقد سخرّ لنا النحل وكل الدوابّ :
فالجمل مع ضخامته ، يسوقه طفلٌ صغيرٌ ، فيمشى خلفه ، وعندما يقول له نِخّ ، ينِخ ّ، وعندما يقول له إنهض ، ينهض .. لماذا ؟ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾ ( يس : 72) تسخيرٌ من الله عزّ وجلّ لنا ، وقد أعطانا نموذجٌ آخر لكى نعلم أننا لا نستطيع أن نمشى إلا ّ بتقدير الله ، وبإرادة الله .
وهناك أشياءٌ أخرى موجودة حولنا ، ولم يسخّرها لنا ، بل ونخاف منها ، ونبتعد عنها مثل : الثعبان الذى لا يجرؤ أحدٌ على الإقتراب منه ، وكذلك العقرب ، بل لم يسخّر لنا بعض الحشرات الصغيرة ، كالبرغوث والقمل والبق والتى تتغذى على دم الإنسان وجسم الإنسان ، فهل يستطيع الإنسان أن يذللها أو يسخرّها لخدمته ؟ .. كلا ّ .. وذلك لكى نعلم أنّ التسخير والتذليل من الله عزّ وجلّ لنا .
وكذلك سخّر الله عزّ وجلّ الشمس لنا ، مع عظمها فتعطينا الحرارة والضوء ، والمسافة التى تبعدنا عنها ، مسافة ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل : ثلاثة وتسعون مليون ميلا ً ، وهذا على حسب التقدير الذى توّصل إليه العلماء .
ومن الجائز أن يتغيّر هذا التقدير فى الستقبل ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ ( النحل : 8) ولو إقتربت الشمس من الأرض ميلا ً واحدا ً ، فإنّ كل ماعلى الأرض سيحترق من شدّة الحرارة ، وكذلك لو بعدت عن الأرض ميلا ً واحدا ً ، فإنّ كل ما على الأرض سيتجمّد من شدة البرودة ، ولو ظلتّ أشعة الشمس على حالتها فإنها تخطف الأبصار ، لذلك خلق الله غلافا ً جويّا ً للأرض يمتصّ هذه الأشعة ، وليكون فلترا ً لتنقية هذه الأشعّة يحمى به الأبصار .. ولذلك يخاف العلماء ويعقدون المؤتمرات من أجل ذلك إذ يقولون أنه لو حدث ثقب فى هذا الفلتر ، قإنّ الأرض تختّل ولا يستطيع أحدٌ أن يتعرّض مباشرةً لأشغة الشمس ، لأنها ستحرق العين والجلد .
وكذلك جعل لنا من الشمس وقوداً نستخدمه وفى كل حياتنا .فى البداية كان الوقود عبارة عن أحجاراً تمتصّ حرارة الشمس ، وعندما نحُكُ حجرين ببعضهما يتولّد منهما شرارة نار ، وكان الناس يفعلون ذلك قبل الكبريت ، ثمّ خزّن الإنسان من حرارة الشمس أحجارا ً ضخمة ً تدير المصانع والآلات ، وتسيّر القطارات ، وهى الفحم الحجرى ، وكذلك جعل لنا من الشمس فى باطن الأرض بحارا ً من البترول والغاز الطبيعىّ ، وهذا أيسر وأسهل فى إدارة السيّارات والطائرات ، وإدارة كل المحرّكات ، وذلك كلهّ من الشمس ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الاخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ ( يس : 80) ، وقد يقول البعض أنّ الشجر الأخضر عندما يجّف فإننا نوقده .. كلا ّ ، ولكن عندما كانت الأشجار أشجارا ً ضخمة ً جدّا ً ، وانطمرت فى باطن الأرض ، ومرّت عليها عصورٌ جيولوجية كثيرةٌ فتحوّلت وتغيّرت وتبدّلت إلى أن صارمنها الفحم ، ومنها البترول الذى نستخدمه فى كل وسائل الحياة المعاصرة الآن ، وتسخير الله هذه الأشياء للإنسان يعجز فى الحقيقة عنه أىّ بيان ، فتسخير الله للهواء ، وكيف تولّى الله بحكمته فلترة الهواء ، فنحن نتنفسّ فى الهواء ، بل ولا نكتفى بذلك .. بل نلوّثه آناء الليل وأطراف النهار .. إن كان بالحرائق أو بالدخان أو بالزفير ، وغير ذلك كثير .. لذلك جعل الله الأشجار والنباتات عبارة عن معامل لتنقية هذا الهواء فى كل ليلة ، فتأخذ الهواء الذى نتنفسه وتفلتره ، ثم تخرجه مرّة ً أخرى هواءا ً نقيّا ً صافيا ً .. وهذه دائرة .. وهناك دائرة ٌ أخرى أكبر، إذ يسلط الله عزّ وجلّ الشمس بقوة على وسط الأرض فى خط الإستواء ، فتسخّن الهواء فيرتفع الهواء إلى أعلى فيأتى الهواء البارد من الشمال ومن الجنوب ، لكى يتصفّى فى المنطقة الإستوائية ، وهو التكرير الأعظم فى دورة مستمرّة ، فيحدث ما نراه الآن الرياح التى تحرّك الهواء لأن الهواء إذا سكن فى مكانه مثل الذى نجلس فيه الآن ، لمات من فيه الآن .
إذن فلابدّ للهواء من أن يتحرّك كما بيّنا ، وكما قال الله فى سيدنا سليمان وله :
﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ ( ص : 68) أىّ هينة لينة ، وإلا ّ قد سبب لنا الإ يذاء ، حتى أننا نتلذذ به فى أيّام الربيع والخريف ، وحتى فى أيام الشتاء شديدة البرودة نجد أنّ الهواء غير ضار وغير مؤلم ، وذلك لأن الذى سخرّه هو الواحد القهّار عزّ وجلّ الذى خلق الإنسان ، وعلم أنه لا يستغنى عن الهواء الذى يحتاج إليه بنى الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
والمعارك التى يفتعلها الإنسان من أجل الماء ، وهى عبارة عن معارك ذات مغزىً عندهم ، لكن الحق عزّ وجلّ قد خلق الماء الذى يحتاج إليه الإنسان فى أىّ زمان ومكان ، وجعل خزّانه كبير وضخم لهذا الماء ، وهو المحيطات والبحار العظمى ، وجعل هذا الخزان صالح لتخزين المياه ، بأن جعلها مالحة، فلا تتعطن أو تتعفن ، وهى حكمة الله البالغة ، إذا أردنا أن نشرب أو نروى النباتات والحيوان يسلطّ الله الشمس بحرارتها على البحار فتخرج بمقدارقدّره الواحد القهّار على حسب حاجة الإنسان فى كل الأقطاربخار الماء الخالى من الملح ، ويصعد هذا البخر ويتجمع فى أفق السماء ، ومن قدرة القادر عزّ وجلّ أنه يُجمّعه ويجعل فيه شحنات موجبة ٌ لكى ينزل منه بقدر ، فتمشى السحب إلى المكان الذى حدّده لها العلىّ الوهّاب ، وعند الميعاد المحدد فى المكان المقدر ، يختلط السالب بالموجب ، فتحدث شرارة كهربية شديدة وهو البرق الذى نراه فتحوّل هذه الشرارة البخار إلى ماء وينزل قطرات ، لأنها لو نزلت كالماء الذى ينزل من خراطيم المطافى ، لآذت الإنسان والحيوان والزرع ، ولكى ينزل الماء قطرات ، يسلطّ الله الهواء والريح ليهُبّ على هذه المياه فيفرّقها ويشتتها فتنزل قطرات صغيرة إذا نزلت على إنسان لا تؤذيه ، وإذا نزلت على زرع أو حيوان لا تضرّه منها ما ينزل على جبال عالية فيخُطّ له الحق مجارى وأنهارا ً ، ومنها ينزل طازج فى الحال فيأخذ الإنسان حاجته ويخزن الله الباقى فى مخارج الأرض ليستخدمه الإنسان وقتما يشاء عن طريق الآبار أو العيون ، ويعود الباقى إلى المخازن العظمى من البحار والحيطات التى جعلها الله عزّ وجلّ مخازن لهذا الماء الذى يقول فيه : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ (الأنبياء :30) وعندما ينظر الإنسان إلى تسخير الله له فى الأكوان ، فقد سخّر الأرض والجبال والماء والهواء والشمس والقمر والنجوم ، وسخّر الحيوانات والأسماك وسخّر كل شيءٍ فى الوجود .
عندما ينظر الإنسان ويتفكّر فى ذلك يتجّه إلى الله ويشكره على هذه النعم :
﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ ( الجاثية : 13) فما بالكم لو رأينا وتفكّرنا فى تسخير الله للأ دوات التى فى الإنسان ، إن كانت العينن أو الأذن او اليد أو الرِجْل أو المعدة أو الأمعاء أو المخ أو الأنف ..
إنّها أشياء تحيّر العقول فمن منّا هنا أو فى العالم كله ما يستطيع أن يشغل آلة من هذه الآ لا ت بغير إذن من بارئ الأرض والسماوات ومع أنها بداخلى إلا ّ أن الذى يشغلها هو الله عزّ وجلّ فأنا مثلا ً أحرّك الأصابع الآن وذلك لأنه أمر بتحريكها فلو أنّها لم تتلقّى أمرا ً من ملك الملوك ماتحرّكت ..
كذلك العينين فقد جعل الله لها حاجزا ً من الغبار والتراب والهوام يتحرّك با ستمرار ، وإن دخل فيها أى شييءٍ ، فإنه صنع بداخلها فنطاس ماء مالح يخرج منه الماء على الفور لكى يغسل العينين ، فإذا أوقف الله الحاجز الذى على العينين ، فمن الذى يستطيع أن تحريكه مرة أخرى ؟
لا يوجد إلا ّ الله عزّ وجلّ الذى جعل فى كل عضو ٍ من أعضاء الإنسان مهام لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يدركها ن فمنذ وقتٍ قريبٍ قال العلماء أن الذى أكتشف حتى الآن من وظائف الكبد حوالى أربعمائة وظيفة فقط ، خلقها الله وسخره من أجلها ، ومن ضمن هذه الظائف : أن أىّ شيءٌ غريب يدخل فى جسم الإنسان ، لابد وأن يذهب إلى معمل الكبد ، فالدم يحملها إلى معامل للتحليل أولا ً ، فإذا كانت مادةٌ مقبولة ، يسمح بدخولها ، وإن كانت مادة ضارّة بالإنسان ، تخرج إفرازات فورية لكى يتخلصّ الجسم منها .. فما الذى أضرّ بأكباد المصريين فى الفترة الأخيرة ؟
أنّ المواد الضارة كثيرة مما أتعب معامل الكبد ، وأصبح غير قادر على العمل بسبب هذه المواد الضارّة ، إن كانت هرمونات أو مبيدات أو كيماويات ، أو حتى كثرة الأدوية والمسكنات التى تؤخذ بدون وصف الطبيب ، وقد يكتشف فى المستقبل مزيدا ً من وظائف الكبد :
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ ( النحل : 8)
وكذلك جلد الإنسان من الذى حفظ له اللون فى جميع أنحاء الجسم ؟ .. الله .
فلو أن هناك نقطة ٌ صغيرةٌ فى الوجه غيّرت اللون ، ينزعج منها الإنسان ، فيسرع إلى الأطباء ، فكيف يعيش مائة عام ٍ أو أكثر أو أقل ، ومع ذلك يحتفظ الجلد بلونه ؟
مثلا ً منذ أن قام أحدٌ بدهان هذا المسجد ونفذت البوية ، وظلّ المكان الذى ترك بدون دهان مدة من الزمن ، هل يستطيع أحدٌ أن يقوم بعمل تركيبة أخرى بنفس اللون الأصلى الأول ؟ .. لا .
لا .. أما الجلد فإنه يحافظ على اللون الأصلى للإنسان إلى مدى الحياة ، وذلك لأن الخلا يا الإ لهية التى تحت الجلد أخذت أوامر ربانية بالتركيبة الإ لهية باللون الذى يخص هذا الإنسان لكى يكون له خصوصية ومزيّة عن غبره من البشر ، ولا يستطيع أحدٌ أن يتحكمّ فى تلك الخلايا إلا ّ من يقول للشيء كن فيكون ..
ولو إستطاع الإنسان التحكم فى ذلك لدفع الأغنياء الملا يين لكى يأخذوا اللون الأبيض ، لكنهم لا يستطيعون ، لأنها بأمر من يقول للشيء كن فيكون :
من فينا يعلم عدد الشعر الذى فى جسمه ؟ .. لا أحد .. لكن الذى خلقه ووزعه يعرف .. بل أن كل شعرة لها غذاءها ولونها وحالتها .. فما الجهاز الذى ركّبه الله فى الجلد ؟ .. وقد يقول قائل : عندما نقطع الجلد ، لا يظهر فيه شيئ ؟ .. نعم وهذا من إعجاز قدرة القادر عزّ وجلّ .
إذن فقد خلق الله الإنسان ، وخلق مافي الإنسان ، وما حول الإنسان ، مايدُّل على قدرة الرحمن ..
وكل ذلك للإنسان حتى إذا علم ذلك رجع إلى الله ، وعلم أنّ القوة قوّته ، وأنّ التقدير تقديره ، وأنّ الإرادة إرادته ، وشكر الله على نعمته .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل صمتنا فكرا ً ونطقنا ذكرا ً، ونظرنا عبرا ً ، وأن يجعلنا من الذين يتفكرون فى خلق السماوات والأرض ، ومن الذين ينظرون فى أنفسهم ، ومن الذين يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ، وأن يجعلنا من عباده الفاكرين الشاكرين الحاضرين .