• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

3 فبراير 2012م

الحقوق الواجبة على كل مؤمن

فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد

شارك الموضوع لمن تحب

الحقوق الواجبة على كل مؤمن

———————————–

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي استمعنا إليه الليلة: فيكون احتفالنا بميلاد رسول الله بسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدبر بعض معانيه على قدر ما يسمح به الوقت …

عن عَونِ بنِ أبي جُحَيفةَ عن أبيهِ قال: {آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَ سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزارَ سَلمانُ أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرداءِ متَبذِّلةً فقال لها: ماشأنكِ؟ قالت: أخوكَ أبو الدَّرداءِ ليسَ لهُ حاجةٌ في الدُّنيا. فجاءَ أبو الدَّرداءِ فصنَعَ لهُ طَعاماً فقال له: كُلْ، قال: فإني صائمٌ، قال: ما أنا بِآكِلٍ حتى تَأْكُلَ. قال: فَأَكلَ، فلمّا كان الليلُ ذَهبَ أبو الدَّرداءِ يقومُ، قال: نَمْ، فنام. ثم ذَهبَ يقومُ، فقال: نَمْ. فلمّا كانَ مِن آخِرِ الليلِ قال سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فصَلَّيا، فقال له سَلمانُ: (إِنَّ لِربِّك عليكَ حقاً، ولنفْسِكَ عليكَ حقاً ولأهلِكَ عليكَ حقاً فأعْطِ كلَّ ذي حَقّ حقَّه. فأتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكرَ ذلكَ له، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ سَلمانُ) } (البخاري وابن حبان).

المنهج الذي يرسمه رسول الله لكل مؤمن أن جعل على كلِّ مؤمن حقاً لله عزَّ وجلَّ، وهو طاعة الله وعبادة الله بالكيفية التي فرضها علينا الله في كتاب الله، ونؤديها بالكيفية التي علَّمنا إياها رسول الله، لماذا؟ شكراً لله على عطاياه، وعطايا الله عزَّ وجلَّ لنا وحولنا لا تعدُّ ولا تحصى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ [18النحل].

وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن نعاشره من زوجة وأولاد، وأهل وأقارب وجيران، وخلان وأصدقاء، كل واحد من هؤلاء أو واحدة له حقوق علينا بيَّنها رسول الله، وطلب منا جميعاً أن نلتزم بهذه الحقوق، فإذا التزمنا بها نلنا رضاءهم، وفي يوم القيامة أمِنَّا من مطالباتهم، لأن أي إنسان يُقصِّر فيما عليه من واجب في هذه الحقوق يُساءَل عنها يوم القيامة، والذي يُسائِل ويُحَاسِبُ هو ربُّ العزة عزَّ وجلَّ.

وجعل آخرها حقَّ للإنسان على نفسه، وربما يظن ببال البعض أن حقَّ الإنسان على نفسه أن يُمَتِّعها بأن يذهب بها إلى أماكن المنتزهات، وإلى أماكن السياحة. لا مانع من ذلك إذا كانت هذه الأماكن ليس فيها ما يُغضب الله، ولن يرتكب فيها مخالفات شرعية، على أن يكون أهم ما يحرص عليه فيها أن يعتبر وأن يتفكر وأن يتذكر في كل ما يراه من نعم الله جل في علاه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾ [190آل عمران].

لكن أهم ما على الإنسان نحو نفسه أن يحرص على أن ينجيَّها بعد الخروج من الدنيا من عذاب الله، وعلى أن يجعلها تكتسب وتنال رضاء الله، وأن يجعلها من الذين يدخلون يوم القيامة جنة الله في جوار حبيب الله ومصطفاه: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [26المطففين].

وعلَّمنا رسول الله في ذاته كيفية الوصول إلى هذا المرام، فكان صلى الله عليه وسلم في ذاته الإنسانية، وفي قيامه بواجباته وحقوقه نحو نفسه صلوات ربي وتسليماته عليه لا يتكلم فيما لا يعنيه، لا يتكلم إلا إذا وجد للكلام ضرورة، فإذا لم يجد ضرورة امتنع عن الكلام، لأن الكلام إما خير تنال أجره يوم الزحام، وإما ذنوب وآثام تستوجب العقاب يوم لقاء الملك العلام، إما هذا أو ذاك لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [18ق].

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – لما تعلَّموا من حضرته هذا الخُلق النبيل، وهذا الوصف الجميل – أحرص الناس على ألا يخرج من اللسان إلا ما يُرضي الرحمن عزَّ وجلَّ، فكلهم عاهد نفسه ألا يسبّ أحداً، ولا يشتم أحداً، ولا يلعن أحداً، وكان صلى الله عليه وسلم يُعلِّمهم ذاك في دروس عملية.

مشى النبي صلى الله عليه وسلم نحو مكة في صلح الحديبية ينوي العمرة ومعه الصديق أبو بكر، وأبو بكر جهَّز جملاً وضع عليه زاده وزاد الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم من الطعام، وطلب من غلام عنده ألا يكون هناك همٌّ له إلا المحافظة على هذا الجمل، لأن فيه قوته وغذاؤه وقوت حبيب الله ومصطفاه. فجاء الغلام بعد برهة من الزمن وقال: لقد ذهب الجمل وتاه وضاع مني، فغضب الصديق رضي الله عنه وهمَّ بسبِّه ولعنه، وإذا بالمُعلم الأعظم صلوات ربي وتسليماته عليه أمامه ويقول له: {يا أبا بكر أصدّيقين ولعانين!! كلاَّ وربِّ الكعبة – مرتين أو ثلاثاً} (أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت عن عائشة رضي الله عنها). فرجع عما نواه، وأوقف لسانه عن إخراج الكلام الذي لا يُرضي الله تأسياً بحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.

وهذا أعظم ما لقَّنه الحبيب بفعله وحاله وقوله لصحبه الكرام!! كان صلى الله عليه وسلم يقول عن حضرته: {أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ} (صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه). فكان لا يتكلم إلا بالكلمات المعدودات، لكنها تحتوي معاني كُثر لا تحويها ولا تستطيع شرحها الكتب المعدودات، لدقة معانيه وتعمقه في الألفاظ التي ينطقها، لأن وجهته في كل لفظ إرضاء خالقه وباريه عزَّ وجلَّ، وإذا نطق بكلمة لأي إنسان يلاحظ حال هذا الإنسان، فلا يخرج منه كلام إلا كأنه شفاء وعسل وبلسم شافي لجميع مَنْ حوله من بني الإنسان، ولذا قال فيه ربُّه مادحاً ومُثنياً: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾. [3-4النجم].

ولذلك وُصف صلوات ربي وتسليماته عليه في الكتب السابقة، وسُئل في ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: بِمَ وُصِف رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل؟ فقال رضي الله عنه: {وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا} (صحيح البخاري وسنن البيهقي ومسند الإمام أحمد).

ولقننا هذه المعاني في دروس عظيمة تليق بحالنا فقال لنا معشر المسلمين أجمعين: {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ} (سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد).

فنسأل الله عزَّ وجلَّ – لنا ولإخواننا المسلمين أجمعين – في هذا الوقت الكريم وفي هذه الليلة العظيمة أن يجعل ألسنتنا لا تنطق إلا بالحقِّ، ولا تتكلم إلا بالصِّدق، ولا يخرج منها ما يؤذي الخلق، وأن يجعل كلامنا حكمة، وصمتنا عبرة، ونطقنا ذكراً، وأن نكون جميعاً من الذين يتأسون بالحبيب المختار في كل أحواله، وفي كل هديه وفي كل سمته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


درس قبل صلاة العشاء بمسجد النور بحدائق المعادي- بمناسبة الإحتفال بالمولد النبوى الشريف 11 ربيع 1433هـ  3/2/2012م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid