Sermon Details
أحمد بن عطاء الله السكندري رضى الله عنه
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم – الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
في الحقيقة كتاب الحكم العطائية عهدنا لكل السالكين والعارفين والصالحين أن يطالعوه وينفذوه، لأن أي سالك في طريق الله يحتاج إلى هذا الكتاب.
سيدنا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كان شيخ الطريقة الشاذلية، وكان تلميذه ووريثه سيدي أبو العباس المرسي، والإثنان لم يتركا كتب، فسألوا سيدي أبو الحسن رضي الله عنه: أين كتبك؟ فقال: كتبي قلوب أصحابي، فهي التي تحمل علمي وسري الذي تلقيته من الله تبارك وتعالى، وكان معه علوم إلهية كثيرة جداً.
سألوا سيدي أبو مدين الغوث رضي الله عنه: من أين تلقيت العلوم؟ قال: من خمسة بحور أرضية، وخمسة بحور سماوية.
وسيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه قال: لقد زدتُ عن أخي أبي مدين بواحد وثمانين علماً، وبالطبع كلها علوم إلهية من باب: ” وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله ” (282البقرة).
لم يكتبها في كتب ورقية، وإنما كتبها في أفئدة أصحابه الصادقين: ” أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الايمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ” (22المجادلة).
ومثله سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه، وكان يقول عنه شيخه أبو الحسن الشاذلي: أبو العباس أعلم بطرق السماء منكم بطرق الأرض، وكان يقول: ما من وليٍّ ظهر أو سيظهر إلا وأبو العباس يعلمه.
أطلعه الله على ذلك، ولا حرج على فضل الله سبحانه وتعالى، وهذا نظام الله مع الصالحين من عباد الله، يُيسر لهم الأمور، ويجعلها تدور كما يحبون وكما يرغبون وكما يريدون، لأنهم لا إرادة لهم إلا مراد الله تبارك وتعالى.
مَن الذي سجل هذه العلوم؟ سخَّر الله تبارك وتعالى لهم سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري فترجم للطريقة الشاذلية، وهو الذي ذكر بعض أقوال أبي الحسن، وبعض أقوال أبي العباس، وذكر أحزابهم وأورادهم ومناهجهم ووضعها في كتاب سماه (لطائف المنن في مناقب سيدي أبو العباس المرسي وشيخه أبو الحسن) والكتاب موجود وحققه الدكتور عبد الحليم محمود، ومطبوع طبعة دار المعارف، وهي طبعة عظيمة وراقية.
الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري صاحب الحِكَم التي تختصر منازل الطريق إلى الله تبارك وتعالى للسالكين والعارفين والواصلين والمتمكنين، ولذلك اهتم السادة الصوفية بشرحها، ولها شروحٌ لا تُعد ولا تُحصر.
شروح الحِكَم
هذه الحِكَم شرحها الشيخ أحمد بن عجيبة، وهو من كبار أولياء المغرب، وكان صاحب إمداد إلهي، وإلهام رباني، وسمَّى شرحه (إيقاظ الهمم في شرح الحِكَم) وما زال يعتبر أفضل شرح موجود لهذا الكتاب إلى الآن، وهو متوفر، وليتكم تقرأوه لأنه سيُحدث معكم فارق كبير.
شرحها أيضاً الشيخ أحمد بن زروق، وكان أيضاً من كُمَّل العارفين وكان متيَّم بها، حتى أنه شرحها سبع عشرة مرة، وكل شرح غير ما قبله وغير ما بعده، وكلها إلهامات من الله تبارك وتعالى، والدكتور عبد الحليم محمود حقق واحد منها ونشره.
وشرحها إمام من أئمة المغرب وكان شيخ الإسلام واسمه الشيخ ابن عباد، وشرحه أيضاً متداول ومطبوع.
وشرحها شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشرقاوي، وكان شيخ الأزهر أيام الحملة الفرنسية.
وشرحها سيدي علي البيومي صاحب المقام.
وشرحها شيخ الإسلام الشيخ محمد خليل الخطيب القطب الذي بشر بنصر المسلمين في معركة أكتوبر سنة ثلاث وسبعون، وكان شاعراً، فنظم الحِكَم في شعر أولاً وبعد ذلك شرحها.
وشرحها أناس كثير لا أستطيع أن أجمعهم، ومن ضمن من شرحوها الإمام أبو العزائم رضي الله عنه، وذُكر أنه شرحها عندما كان في السودان في الخرطوم في المسجد الكبير بها، ولكن شرحه ضاع ولا نعلم أين هو.
وشرحها في العصر الحديث عدد كبير من المعاصرين كالدكتور علي جمعة، وشرحها الشيخ يسري جبر، وشرحها الدكتور محمد مهنا.
وأكبر شرح من هذه الشروح جُمع كان شرح الشيخ البوطي رضي الله عنه وأرضاه في بلاد الشام، شرحها في حوالي خمس مجلدات لأنه شرح مطول وكبير.
نحن كلنا في حاجة لمراجعة كتاب الحِكَم العطائية، ومراجعة شرح من شروحها لتعظم الإستفادة بها، ونكون على علم كاف بها.
الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه كان إماماً في تحصيل علوم الشريعة في الإسكندرية، في الفقه والتفسير والحديث وغيرها من علوم الشريعة، حتى بذَّ وبرز وصار إماماً في علوم الشريعة، وكان وارثاً هذا أباً عن جد، فجده كان من كبار علماء الفقه في الإسكندرية.
وحكى عن نفسه في كتابه المنن يقول: أنه جلس مع بعض أتباع سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه في حياته، وكان أيامها متأثراً بأقوال المعارضين للصوفية، فهاجمهم، وكال لهم بالمكيال الأوفى في السخرية والإستهزاء كعادة أهل الإعتراض والإنتقاد.
وانظر إلى فضل الله عندما يوقظ العبد من داخله، يقول: بعدها قلت لنفسي: أنت رجل عاقل لِمَ وقعت في هذا الرجل وأنت لم تجالسه ولم تسمع منه ولم تدارسه؟! فاذهب أولاً واجلس معه وتسمع منه وتحدث معه ثم تحكم.
معرفته بأبي العباس المرسي
فذهب إلى سيدي أبي العباس المرسي، فوجد سيدي أبو العباس المرسي يشرح في قوله تعالى: ” إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ” (5الفاتحة) ويقول: إياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة، إياك نعبد إسلام وإيمان وإياك نستعين إحسان، قال: وأخذ يعد حتى قلت أن هذا الرجل يغرف من بحر ليس له قرار.
لأنه لم يقرأ هذا الكلام قبل ذلك، ولا سمعه قبل ذلك، وسيدي أبو العباس يقول هذا الكلام بكل سلاسة، ولا يفكر قبل نطق الكلام، وهذه علوم الإلهام.
بعد أن عاد إلى بيته حدث له حال، فوجد نفسه في شيء من القبض وغير مستريح، وفي اليوم الثاني ذهب إلى الشيخ أبو العباس، وقال: في هذه المرة وقف الشيخ وتلقاني، وهو قبل ذلك سلم عليه وهو جالس، ثم قال لي: أحوال العبد أربعة لا خامس لها، إذا ابتلي ببلية يصبر، وإذا جاءته نعمة يشكر، وأخذ يشرح حتى قال: فذهبت عني كل الهموم والأحزان التي كانت في صدري.
ولازَمَ بعدها الشيخ ابن عطاء الله السكندري سيدي أبو العباس المرسي، حتى أنه يقول: ذات مرة حدثت نفسي أن أترك العلم الظاهر، وأترك الدنيا، وأتفرغ لمصاحبة الشيخ، يقول: فذهبت إليه فإذا به يقول: وأنا في مدينة قوص قال بعض الأحباب وكانوا من التجار: نترك ما نحن فيه ونمشي معك ونصحبك، فقلت لهم: لا تتركوا ما أنتم فيه، وما كان لكم عندنا فسيصلكم وأنتم في مكانكم.
وبعد ذلك قال لي: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم تجمَّع حوله الأنصار والمهاجرين، فلم يأمر تاجراً أن يترك تجارته، ولا زارعاً أن يترك زراعته، ولا صانعاً أن يترك صناعته، ولكن ترك كل واحد في صنعته.
فيقول: فهمت أنه يقول لي: كن كما أنت، فظل كما هو إلى أن قال له: الزم وسيفتح الله تبارك وتعالى عليك في العلمين، علم الظاهر، وعلم الباطن، وقد كان.
انتقاله إلى القاهرة
ظل إلى أن انتقل سيدي أبو العباس إلى الرفيق الأعلى، وبعد ذلك جاءه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في المنام، فقال: يا أحمد لِمَ لا تزور قطب المشرقين والمغربين؟.
وكان يعرف أنه يوجد أحد الصالحين يقولون عنه قطب المشرقين والمغربين بالقاهرة، وهو سيدي عبد الله بن أبي جمرة، وكان قد شرح حوالي ثلاثمائة حديث من أحاديث البخاري في أربع مجلدات، وسماه (بهجة النفوس)، وفي آخر مجلد كتب حوالي سبعين رؤية من الرؤى التي رآها لحضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم، والتي كان يوصيه فيها بوصايا ينفذها، كأن يذهب لأحد المرضى وحضرة النبي يقول له: اكتب له كذا، ومُره أن يأكل كذا ويصنع كذا ويعمل كذا، فسجَّل هذه الرؤيات السبعين التي رآها لحضرة النبي.
فقال له النبي في المنام: لِمَ لم تزُر سلطان المشرقين والمغربين، فجاء إلى مصر واستحب المكان الذي فيه سيدي عبد الله بن أبي جمرة، لأن بجواره خلوة السيدة نفيسة التي كانت تختلي فيها عندما تحب أن تختلي بالله وتتلو كتاب الله.
وبجواره كذلك السادة الوفائية، وهؤلاء أكثر من أربعين ولي مدفونين مع بعضهم، فالمكان كله مبارك.
فجاء واستوطن هذا المكان، وأوصى أن يُدفن فيه بعد وفاته، ودُفن فيه، أشار سيدي الشيخ عبد الحليم محمود على رجل من الصالحين ليجدد المسجد، لأن المسجد لم يكن يصلح، فجدده وأصبح مسجداً له رونق وبهاء ومقامه موجود في جانب من جوانب المسجد.
أحد العلماء الفقهاء، وكان إماماً في المذهب الحنفي اسمه الشيخ كمال الدين بن الهُمام الأخميمي، وكان فقيهاً ولكنه كان ولياً، ولذلك كان عندما يزور الأولياء يحدث له حال، وأحياناً تحدث محادثة بينه وبين الأولياء، وقد ذكرت لكم قبل ذلك عندما كان يزور سيدي عبد الرحيم القنائي في مقامه، قال: يا سيدي أوصني، قال: يا بني لا تغفل عن ذكر الله طرفة عين، فأنا كما ترى في روضات عالين، ومع ذلك أقول: ” يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ” (56الزمر).
فكل نَفَسٍ يمر على الإنسان في الدنيا لا يذكر فيه الله سيتحسَّر عليه يوم يلقى الله تبارك وتعالى.
فالشيخ كمال الدين الأخميمي زار سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري في ضريحه بعد موته، وجلس في مواجهته يقرأ ما تيسر من القرآن بصوت مرتفع، فكان من جملة ما قرأ سورة هود، فلما وصل إلى قول الله تعالى: ” فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ” (105هود) إذا بسيدي أحمد بن عطاء الله يخاطبه من الضريح ويقول له: ليس فينا شقيٌّ يا كمال.
فبنى لنفسه قبراً بجوار ابن عطاء الله، وأوصى أن يدفنوه فيه بعد أن يموت، وبالفعل مقامه موجود خلف مقام سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه وأرضاه.
منهج الصالحين في بداياتهم
هذه النبذة البسيطة تعرفنا أن الصالحين والأولياء كان لهم مع الله حال يحتاج أن نطالعه ونمشي عليه ونحاول أن نتلمسه لننال فضل الله تبارك وتعالى.
فسيدي أبو الحسن الشاذلي قبل أن يفتح الله عليه درس علوم الشريعة في بداية الأمر، كالفقه والحديث، ومعها علوم اللغة العربية النحو والصرف والأدب، فلما لم تُشبع نهمه سافر إلى تونس ليُكمل تعليمه الشرعي.
وبعد التعليم الشرعي اتجه إلى العلم الوهبي، فبدأ يبحث عن شيخ يأخذ بيده ليفتح عليه الفتاح من علوم حضرة الكريم الفتاح تبارك وتعالى.
ومثله تماماً أبو العباس المرسي، ومثله تماماً ابن عطاء الله السكندري، كما قلنا برز في الفقه، وبرز في علوم الشريعة، ثم بدأ في علوم الحقيقة، لأن هذا هو المنهج، ولا بد أن نمشي جميعاً عليه لمن أراد أن يكون له عند الله حالٌ عَليّ أو مقامٌ هَنيّ، البداية شرعية والنهاية صوفية.
لأن أي عمل قبل أن أفعله إن كان لنفسي أو لغيري، لا بد أن أعلم الطريقة الصحيحة الشرعية لأداء هذا العمل، وأنظر إلى أداء الحضرة المحمدية لهذا العمل لأتبعه: ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي ” (31آل عمران.
همة المريد الصادق
لا بد أن تكون البداية شرعية، ولا ينفع للمريد أن يسوقه أحد بالعصا ولا بالتوبيخ ولا بالزجر، بل هو الذي يسوق نفسه حتى ينال أمله ويحصِّل ما يرجوه عند مولاه تبارك وتعالى.
وأنا في طوال عمري مع شيخي الشيخ محمد علي سلامة رضي الله عنه وأرضاه لم يقُل لي: اقرأ كذا أو اعمل كذا، ولكني جعلت لنفسي برنامجاً، لأني لا بد أن أكمل نفسي في الفقه على المذاهب الأربعة حتى إذا تعرضت لأي سؤال من أي سائل أجيب عنه بيقين.
بعض الأئمة في المساجد حالياً يختلق إجابة بدون يقين منها، لكن هذا خطأ يحاسبه عليه الله حساباً شديداً، لكن إذا لم يعرف الإجابة يسأل من هو أعلم منه حتى يجيب، لكن لا يختلق.
ومن حبي للحضرة المحمدية قرأت كل ما وصلت إليه يدي ووقعت عليه عيني من الكتب التي تحكي عن الحضرة المحمدية، لأن الإمام الذي أتبعه لا بد أن أقرأ كل شيء عنه ظاهراً وباطناً.
ومن حبي لكتاب الله أحببت أن أعرف فحوى الأوامر والنواهي والتوجيهات التي جاءت لنا في هذا الكتاب من الله، فلا بد أن أقرأ تفسير مستنير من صاحب بصيرة وسريرة، حتى أكون قد جمعت الناحيتين في دراسة كتاب الله.
وأحب الصالحين وأتمنى أن أكون معهم أو أكون منهم، فلا بد أن أدرس حياتهم، وأعرف كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، كيف وصل هذا؟ وكيف وصل هذا؟ وكيف وصل هذا؟ حتى أكون مثلهم:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم |
إن التشبه بالرجال فلاح |
وجدت الفقه في الدراسة لا يسعف في الفتاوى العصرية في الأمور المستحدثه الفقهية التي ليست لها إجابة في الكتب الفقهية القديمة، والعصر مليئ بآلاف المسائل الفقهية وليست في الكتب، لكن هناك رجال جالوا في هذا المجال وأتوا بفتاوى، فألممت بكل الفتاوى العصرية لكل رجال العصر، كالشيخ يوسف القرضاوي والدكتور علي جمعة والشيخ جاد الحق والشيخ عطية صقر، لأنها أمور عصرية، ولا بد أن أعرف الرأي الفقهي فيها، حتى أعرف كيف أن أرد، فلا يجوز أن أجيب بدون يقين، ولا بد أن يكون عندي دليل وبرهان، ومن قال لا أدري فقد أجاب.
الحاجة إلى الصالحين
وبعد ذلك مشينا في الطريق على يد رجل من كُمَّل أهل التحقيق رضي الله عنه وأرضاه، وكان يتابعني في الدروس وفي القراءة.
كنت أقرأ ذات مرة في كتاب (الميزان الكبرى) للشيخ الشعراني، وهو كتاب كبير عمله الشيخ الشعراني ميزان بين المذاهب الأربعة، فيقول: لِمَ هذا أخذ هذا الحكم؟ ولِمَ أخذ هذا هذا الحكم؟ ولِمَ أخذ هذا هذا الحكم؟ فكنت أقرأ في باب أن سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عندما ذهب للعراق وجد أن الإمام يلتفت بعد الصلاة إلى جهة اليسار، وهم في المدينة كانوا يلتفتون لجهة اليمين، فقال: ما رأينا رسول صلى الله عليه وسلَّم يلتفت إلا إلى جهة اليمين.
بعد فترة قابلت الشيخ فسألني: ماذا قرأت في التفات الإمام نحو المصلين بعد انتهاء الصلاة؟! وهذا معناه أنه يتابعني حتى في القراءة ويصححها لي، فقلت له: قرأت فيها كذا، فقال لي: إلا في المسجد النبوي حتى لا يكون الإمام ظهره لحضرة النبي، فأكمل لي المعلومة.
هو يعرف ماذا أفعل، لكنه لم يأمرني بماذا أفعل؟ الذي أمرني نفسي الملكوتية الراغبة في هذه المقامات العلية.
لو أن كل إنسان يكون له آمال يريد تحقيقها عند مولاه، فلا بد من نفسه يسعى في تكميل نفسه.
والكتاب الذي أنصح به الأحباب جميعاً أن يبدأوا به شرح الحكم العطائية لابن عجيبة رضي الله عنه وأرضاه.
والكتاب الذي أنصح به في التفسير كتاب (البحر المديد في تفسير الكتاب المجيد) أيضاً لابن عجيبة، لأنه يُظهر فيه التفسير اللغوي للألفاظ، وجملة المعنى العام، وبعد ذلك يأتي بإشارات العارفين في هذه الآيات التي ذكرها، فيعطيك الإثنين معا، وهو موجود ومتوفر.
فائدة طلب العلم
والإنسان يقرأ، ثم يطبق على نفسه حتى يعرف أين مكانته، لأني لا أظن أن هناك من قرأ شرحاً للحكم وبقي عنده نزعة للرياسة، أو نزعة للكبر، أو عنده ركونٌ إلى العُجب، أو عنده ركونٌ في طرفة عين إلى دنياه، والتفاتٌ إلى غير مولاه، لأنه يصحح الأحوال.
لا بد أن نقرأ، وأول أمر أمرنا به الله هو: ” اقْرَأْ ” (1العلق) وهذا الأمر لنا كلنا، رجال ونساء، صغار وكبار، فأول أمر أنت مكلف به هو طلب العلم، فطلب العلم فريضة.
كل واحد منا لا بد أن يعرف كيف يُصلي؟ وما الذي يصحح الصلاة؟ وما الذي يُبطل الصلاة؟ وكيف يصوم؟ وإذا كان معه مال فيعرف كيف يزكي؟ وإذا أراد أن يحج ماذا يفعل طوال الحج؟ وما الذي يصحح الحج؟ وهكذا.
فنحتاج كلنا إلى العلم، والعلم يعتبر أكبر عبادة نفلية في الأجر والثواب عند الله، ولكني أرى في هذه الأيام كثير عندهم زهد في العلم، وزهد حتى في العالِم الذي يُؤتَى العلم، كما قال الله في جماعة سيدنا يوسف: ” وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ” (20يوسف) لكن العلم هو الأساس كله:
العلم يهتف بالعمل |
فاعمل تنل كل الأمل |