الحمد لله والصلاة والسلام على شمس الهُدى ومصباح الدُجى، سيدنا محمد وصحبه ومن والاه.
نواصل الإجابة على إستفسارات الأحباب القارئين للكتب.
السؤال الأول:
يقول أحدهم:
ذكرتم فضيلتكم في أحد مؤلفاتكم أن السفر الحقيقي إلى الله يبدأ من النفس، وقلتم أنت محطة السفر منك السفر وإلى الله الوصول ـ أرجو التوضيح.
الجواب:
السفر إلى الله تعالى سفراً معنوياً، لأنه لا يوجد طريقٌ حسيٍّ كوني أو غير كوني يوصل إلى الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى لا يخلو منه زمان ولا مكان، وهو أقرب إلى كل شيئٍ من نفس الشيئ، ويقول عز وجل:
﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله﴾ (115البقرة).
فالله سبحانه وتعالى ليس هناك طرقٌ حسية توصل إلى حضرات رضوانه العلية، فما بالك بذاته القدسية سبحانه وتعالى؟
ولذلك ليس هناك مكانٌ أو زمانٌ يسافر منه الإنسان ليصل إلى القرب والود والمؤانسة مع مولاه إلا نفسه التي بين جنبيه، يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
مني أســــافر لا من كوني الداني أفردت ربي لا حــــورٌ وولدان
وجهتُ وجهي لله العظيم ولي أملٌ عظيمٌ في فضلٍ ورضوان
فالإنسان يسافر من نفسه أي من الشواغل التي تحيط به وتشغل نفسه، ثم يسافر بعد ذلك من قلبه بعد فراغه من الأغيار وملأه بالأنوار، وهكذا.
فمراحل السفر إلى الله تبارك وتعالى هي مراحل الجهاد التي يجاهد فيها السالكون، ويجاهد فيها العارفون، ولذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
[لا ينتهي جهاد النفس حتى مع كُمل العارفين، إلا مع خروج النفس الأخير].
فالإنسان طالما فيه الحياة الإلهية، فهو في جهاد مستمر مع عناصره الطينية، ومع عناصره النارية، ومع عناصره حتى الملكوتية، كل ما فيه من عناصر إذا ركن إليها بعُد عن حضرة الله، والبعد هنا بعد معنوي، والقرب أيضاً قربٌ معنوي.
فهذا قريبٌ من الله، أي قريبٌ من مودته، ومن رحمته ومن حنانته ومن حفظه وصيانته، ومن توفيقه ومعونته، هذا هو القرب المعنوي من الله سبحانه وتعالى لعباد الله و العارفون لأنهم عرفوا أنفسهم، وعرفوا ربهم سبحانه وتعالى.
عرفوا أنفسهم وجاهدوها، وتخلصوا من شهواتها وحظوظها وأهوائها، فقربهم الله عز وجل قرب القرابة من مودته، وهذا ما يقول فيه الله في كتابه الكريم: