Sermon Details

……………………………………………………………………………..
بسم الله الرحمن الرحيم
لعل من أعظم الأعمال التي يستوجب بها العبد محبَّة الله: الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولذلك فالإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه – وكان قطب أهل الإلهام، وإلهامه كان صرفاً وليس بمزج – وعلوم الإلهام لها خاصية، فعندما يسمعها الإنسان يسجلها على الفور لا يحتاج لمسجل!!
فمن تقسيماته اللطيفة للصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول رضى الله عنه وأرضاه: إن الصلوات الموجودة على الساحة كلها – قديماً وحديثاً – على حضرة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثة أنواع: صلاة عددية، وصلاة مددية، وصلاة عينية أو شهودية.
فالصلاة العددية، وهي التي فيها عدد، وأكبر كتاب فيها هو كتاب: (دلائل الخيرات) للشيخ الجزولى رضى الله عنه وأرضاه، وكان فحلاً من الفحول. وسرُّ اشتغاله بالصلاة على رسول الله كانت بنتاً!! فقد كان عطشاناً وذهب ليشرب من بئر في بلاد المغرب، ولم يستطع أن يشرب لبعد الماء عن متناول يده، وكان هذا البئر بجوار قصر، وإذا بهذه البنت تطل من شرفة في القصر وتنظر إلى الماء فيرتفع الماء حتى تشرب بشفتيها، وليس بكوب أو غيره!! فنظر إليها مدهوشاً ومتعجباً، وسألها: كيف وصلت إلى ذلك؟ فقالت: بالصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم!!
فاشتغل الشيخ الجزولى من فوره بالصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ومن شدة اشتغاله بها جعل لنفسه ورداً يومياً، وكل يوم غير اليوم الآخر، وورداً أسبوعياً ثم سجلها في كتاب اسمه: ( دلائل الخيرات).
هذا الرجل ولشدة انشغاله بالصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته جاء لبعض أهله وطلب نقله إلى مكان آخر في مدينة فاس ببلاد المغرب، وكان ذلك بعد موته بثلاثة وثمانين سنة!! فحفروا قبره فوجدوه على هيئته وحالته وكفنه كما هو، وجسمه كما هو، والعطر يفوح من هذا القبر، فعلموا أن ذلك ببركة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتهرت دلائل الخيرات. وأي عمل يشتهر يا أحباب يكون دليلاً على صدق صاحبه وإخلاصه.
فمثلاً المذاهب الفقهية كانت أكثر من ثلاثين مذهباً، فلماذا اشتهرت المذاهب الأربعة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟ لصدقهم وإخلاصهم لله عزَّ وجلَّ. وهكذا الأمر فقد اشتهرت دلائل الخيرات لإخلاص هذا الرجل وصدقه مع الله عزَّ وجلَّ، مع ذلك فإن دلائل الخيرات – كمثال – هي التي فيها: (اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ذرات الرمال، وقطرات البحار، وأوراق الأشجار). وكلها مبنية على العدد، وهذه الصلاة العددية.
هل يعطينا الله ثوابها على حسب هذه الأعداد؟ كلا، بل يعطيك ثواب صلاة واحدة، وكأنك صليت مرة واحدة على حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه تسمى: (الصلاة العددية) لأنها مبنية كلها على العدد، وقد جاءت نتيجة الفكر. فقد أُخذ الرجل برسول الله، وأراد أن يصلي عليه. فأخذ يفكر ثم جاء بهذه الصيغ. فمرَّة يذكر الأشجار، وأخرى يذكر البحار، وثالثة يذكر الأطيار، وهكذا، هذه صلوات عددية، ما اسمها؟ (دلائل الخيرات)، أي تدل على الخيرات. فجاء الإمام أبو العزائم وقال: إن ما ألهمني الله به من صلوات لا تدل فقط ولكن تعطيك الخيرات على الفور!! ولذلك أسماها: (نيل الخيرات). ونال: يعني حصل أو أخذ، مثلاً فلان نال جائزة الدولة التقديرية، يعني: أخذها.
أما الصلوات المددية فهي التي يمدُّ بها سيدنا رسول الله الصالحين، فقد كان يمدُّ كل رجل الصالحين، فمنهم من يمده بصيغة، ومنهم من يمده بصيغتين، ومنهم من يمده بأكثر، وكلها نفحات، ولذلك تجد أن كل واحد من الصالحين له صيغة مشهورة، وقد جمع هذه الصيغ في عصرنا رجل من الصالحين هو الشيخ يوسف النبهاني رضوان الله عليه، وهذا الرجل معاصر في القرن العشرين، وكان قاضي محكمة في بيروت، وقد وظَّفه الله في جمع هذه الصلوات في كتاب كبير حوالي سبعمائة صفحة اسمه: (سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين)، وقد أتى في هذا الكتاب بكل الصيغ الواردة عن الصالحين، من أول سيدنا الإمام علي حتى يومنا هذا!!
مثلاً: الوارد عن سيدي أبي العباس المرسي رضى الله عنه وأرضاه: (اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد قَدْرَ حُبِّك فيه، وبجاهه عندك فرِّجْ عنا ما نحن فيه، إلهي لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه)، والوارد عن سيدنا عبدالسلام بن مشيش: (اللهم صلِّ على من منه انشقت الأسرار، وانفلقت الأنوار، …)، وهذه الصيغة بعض أهل الطريق يسمونها: (الوسيلة)، ويقرءونها صباحاً ومساءً مع بعض الآيات القرآنية والأذكار.
وصلوات العارفين صلوات بها روح، لأنها إلهام من سيدنا رسول الله، ونستطيع أن نسميها: (صلوات إلهامية)، أو (صلوات مددية)، لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أمدَّهم بها.
والحقيقة يا أحباب – وليس فخراً ولكن ذكراً للفضل الذي عمَّنا الله به – عندما انفتحنا في أنوار الحبيب، وكنا نصلي عليه صلَّى الله عليه وسلَّم بصلوات الإمام أبو العزائم كانت تنهال على الإنسان منا صلوات لا عدَّ لها ولا حدَّ، ولو كتبناها لكنا كتبنا مجلدات كلها إلهامات وقتيه، ولكن لم يكن لدينا الوقت لكي نكتب، لأننا نريده هو وفقط، فالإلهام موجود والحمد لله في مدرسة الإمام أبو العزائم رضى الله وأرضاه، بركة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
أما الصلوات الشهودية العينية فهي: صلوات في مواجهة الحبيب الأعظم، وليست في غَيْبَةٍ، وكان بدايتها مع الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه مع حبيب الله ومصطفاه في الحج، فكما تعلمون أن الحرم المدني يغلق بعد العشاء، والإمام أبو العزائم – كَعِلْيَةِ الصالحين – لا يدخل بيت حضرة النبي – وهو المسجد – إلا إذا سمع الإذن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) (53الأحزاب). فلم يكن يدخل إلا إن قال له: ادخل يا فلان، وبغير ذلك لا يدخل – وهذا أدب الصالحين.
فسيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه أرضاه عندما كان في الحج وذهب إلى المدينة المنورة، أمَرَ بِنَصْبِ الخيام خارج المدينة، ومكث ثلاثة أيام، فقال له أحبابه: نريد أن نزور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: حتى يأتي الإذن! فمكثوا مكانهم خارج المدينة إلى أن جاء الإذن، ودخل لزيارة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فدخل الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه لزيارة حبيب الله ومصطفاه،
ثم غلَّق خدم المسجد أبوابه، وأطفئوا الأنوار، ولم ينتبهوا لوجود الإمام أبي العزائم بالروضة الشريفة، ولا أخرجوه، ومكث الليلة كلها مع رسول الله!! وهذه الليلة وصف حاله فيها فقال رضى الله عنه:
حبيبي قد شـرح صدري وآنسـني إلى الفجـر
إلى أن قال فيها أن رسول الله قال له:
تَمَلَّــى بِي وَشَـاهِدْنِي وَمِلْ عِنْدِي عَنْ الغَـيْرِ
وأنبـــأ من يرد قـربي بِحُسْني حيث لا يدري
فألهمه الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك صلوات يعبِّر بِها عن المواجهات والمقامات التي يرى فيها سيد السادات صلَّى الله عليه وسلَّم.
ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم – يا إخواني – لها حالتان: فهي إما رؤية لتفريج الكروب، أو الأخذ بيد الإنسان من الذنوب والعيوب، أو تبشيره بخير، وهذه تكون بالصورة المحمدية الموصوفة في كتب الحديث – كما وصفها الإمام عليٌّ رضى الله عنه وكرَّم الله وجهه، وكما وصفها سيدنا أبو هريرة، وكما وصفها هند بن أبي هالة خال سيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهما – وهي الصورة الحسية التي يقول فيها الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
أبرزتـه يدُ العنايـة كوناً وهو نُورٌ في صـورةٍ آدميَّة
فهو بشر مثلنا، ولكنه نُور، فكما ترون فإن لكل واحد فينا ظلّ، لكن صورة الحبيب لم يكن لها ظلٌّ، فإذا مشى لا يرى له ظلّ، ومن لا ظلَّ له هو النور،
ما جلس مع قوم إلا كان أعلاهم – مهما كان طولهم – وما مشى مع قوم إلا وكان أطولهم – مهما كان طولهم – وإذا مشى يمشي كهيئته وعادته وهم يجرون خلفه ولا يستطيعون اللحاق به، فكأنما الأرض تطوى له. والروايات كثيرة وهذه مجملها.
وسيدنا أنس قال فيه: (ما رؤي صلى الله عليه وسلم مع شمس ولا قمر ولا مصباح، إلا وكان نوره أزهى من نور الشمس، وأضوء من نور القمر، وأجمل من نور المصباح). وقال سيدنا حسان في ذلك:
لما نظرتُ إلى أنواره سطعت وضعتُ من خيفتي كفي على بصري
خاف أن يحرقه نورُ رسول الله، فعندما رآه وضع يده على بصره ..
خوفاً على بصري من حُسن صورته فلسـت أنظره إلا على قدري
الأنوار من نوره في نوره غرقت والوجه مثل طلوع الشمس والقمر
رُوحٌ من النور في جسم من القمر كحُلَّةٍ نُسجت في الأنجم الزهر
فحتى هذه الصورة الآدمية لم تكن صورة عادية، ولكنها نُورٌ كما وصفه الإمام أبو العزائم: (هو نُورٌ في صورة آدمية).
الصورة الأحمدية
لكن أهل الشهود، وأهل الإكرام الأعلى، والمقام الأسنى، والنور الأبهى، من حضرة الله عزَّ وجلَّ، كيف يمشون في العوالم العلوية؟ وكيف تمشي أرواحهم؟ لا بد من صورة معنوية نورانية شهودية تمشي أمامهم لتفتح لهم مجاهل هذا الطريق، وهذه تسمى: (الصورة الأحمدية). ولذلك فإن سيدنا عيسى رأى الصورة الأحمدية ولم ير المحمدية: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (6 الصف)، وهذا هو ما رآه.
لأن الصورة المحمدية لم تكن قد جاءت بعد – فقد رأى سيدنا عيسى الصورة الأحمدية التي هي جمال الملكوت، وكمال العظموت، ونور الرحموت، وسناء الحيِّ الذي لا يموت، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
من خمــر نـور جمالك ومن رحيق وصالك
شربت صـرفاً فهمت وهام أهل كمالك
فأصبح القلب نـوراً والقلب قد كان حالك
ومبشري قـال هيـا قم فالحمى لك سـالك
فسرت وهـو إمامـي حتى وصـلت هنالك
ناديت ياليت قومـي قـد يعلمون بذلك
من خمر نور جمالك. وانتبهوا للألفاظ فنور جماله خمـر!! وإذا كان جمال يوسف جعل السيدات يقطعن أيديهن بالسكاكين، وأين جمال يوسف بالنسبة لجمال سيدنا رسول الله؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (أُعْطِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شَطْرَ الحُسْنِ) (رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك). أعطي يوسف شطر الحسن، حُسْنُ مَنْ؟ حسن رسول الله، لأنه أخذ الحسن الظاهر، لكن الحسن الباطن شيء آخر، وهو لرسول الله.
شربت صرفاً فهمت وهام أهل كمالك
فأصبح القلب نـوراً والقلب قد كان حالك
عندما رأى هذا النور وهذا الجمال، ما الذي حدث؟
ومبشري قـال هيـا قم فالحمى لك سالك
فالطريق أصبح مفتوحاً …
فسرت وهو إمامـي حتى وصلت هنالك
إذاً من يقود الإنسان في غياهب الغيب؟ وفي غيب الغيب؟ وفي نور الأنوار؟ وفي عالم الأسرار؟ ليس إلا الحبيب المختار في الصورة الأحمدية. ما شكل هذه الصورة؟ وصفها الإمام أبو العزائم في صلواته ولذلك فمن يقرأ الصلوات يرى فيها الصورة المعنوية المحمدية كأن يقول مثلاً: (اللهم صلي وسلم وبارك على بيت الله المعمور بالله، ونور الله الدال على الله).
فمن يريد الوجه يجب عليه أن يتأنى ويتعنى ليتهنى، لابد أن تكون هناك معاناة وشوق، ويكابد هذا الشوق للحبيب لكي يطيب.
والذي يطيب القلب – يا إخواني – ويجعله صالحاً للقاء الله، لا توجد إلا أنوار حبيب الله ومصطفاه. فنحن الآن بالليل وإذا مشينا بطريق ليس به كهرباء، هل نرى أي شيء؟ ما الذي يضيء الدنيا كلها؟ إنها الشمس. كذلك ما الذي ينور القلوب؟ شمس الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، ومن يمشي في عالم الغيوب لا يمشي بجسمه، ولكن يمشي بقلبه وبروحه وبسرِّه، فيرى نور رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لأنه نور الروحانيات والمعنويات والحقائق العالية والدانية – صلوات ربي وتسليماته عليه.
فلابد للإنسان أن يعرف الصورة المعنوية، ويلطف عواطفه القلبية، ويرقق حواشيه النورانية ويرقي أسراره الروحانية، لكي يتابع رسول الله في هذه المقامات العالية التي يقربه فيها مولاه جل في علاه .فعندما يصلي على رسول الله وهو في هذه الحالة، لا يصلي باللسان: (القلب يذكر والجميل أمامي …)
ليس اللسان إذاً، فالقلب هو الذي يذكر، وكأنه يرى فيلماً ولكنه من نوع آخر لا يوصف. يرى بعين قلبه نور ربِّه صلى الله عليه وسلم، وهذه يا إخواني هي الصلوات الشهودية لأنها قيلت في شهود المقامات المحمدية، وتوصيف الحقيقة النورانية.
فإذا أردت أن أكون من أهل الشهود، أو من أهل الوصال، أو من أهل العرفان، لا بد أن أعرف: هذه الجمالات، وهذه الكمالات، التي بها تقع العين على العين. ولذلك تجد أن توصيف الإمام أبو العزائم لسيدنا رسول الله ليست أوصافاً حسية، ولكن كلها أوصاف معنوية، نورانية، روحانية، شهودية، وهذه كلها أوصاف، لأن الحقيقة فوق الوصف وفوق الخيال. فكل هذه المشاهد يجدها الإنسان في صلوات الإمام أبو العزائم ولذلك عندما تصلي يقول لك: إياك أن تقرأ بلسانك فقط، ماذا تفعل إذاً؟ يقول لك:
صلِّ صلاة اتصال تحظى بالحسنى واستغرق الوقت في كشف بلا ميل
صلِّ صلاة الاتصال. وكان يكلم رسول الله مرة ويقول له: عشقتك كشفاً لا سماع رواية– أي عشقتك كما رأيتك، وليس عن السماع عن فلان وفلان، ولكنه كشف.
فمن يريد أن يكون من أهل الوصول، ومن أهل المقامات العالية، ومن أهل المنازل الراقية، يحتاج أن يعرف شيئاً عن معنى رسول الله، والإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه عندما يتكلم حتى عن الأفراد – العاديين – في الوجود يقول فيهم:
معناه غيب ومبناه مشاهدة والفرد معنى وليس الفرد تكويناً
ولذلك فإن سيدنا رسول الله غير محيز في مكان، ولكنه يملأ الوجود كله بنوره وسرِّه وروحانيته وشفافيته – صلوات ربي وتسليماته عليه. وهذا هو سر هذه الصلوات!!
فعليكم بها، واستمسكوا بها، تفوزوا بما فيها من الأنوار العالية، والمقامات الراقية، والأمر كما يقول سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما روته السيدة عائشة لرضى الله عنها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ) (صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها). ثم قالت السيدة عائشة: (وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ).
والإمام الغزالى رضى الله عنه وأرضاه – في كتابه إحياء علوم الدين – ضرب مثلاً لطيفاً وقال: لو أن صخرة من الصخر الصلب تنزل عليها المياه قطرة قطرة بصفة دائمة ومستمرة فلابد أن هذه المياه في يوم من الأيام ستفتت هذه الصخرة!! لكن لو جئت بوعاء مملوء بالماء وأفرغته مرة واحدة على هذه الصخرة، ماذا يصنع فيها؟!!
وهكذا الأمر في الطاعات!!! فمن يقبل على العبادة لحظة أو شهر ثم يتركها – لا يتقدم لأن القلب مثل هذه الصخرة، فالعمل الرافع يتطلب المداومة، فلو داومت على الصلاة على حبيب الله ومصطفاه، فإن الله سيرقق القلب والفؤاد، ويجعله مجهزاً ومؤهلاً لنور حبيب الله ومصطفاه:
بنور الله فاعتصــموا ولا تميلوا إلى الأهواء ميلة مارق
ولو أن القلب نزلت فيه قطرة واحدة من نور الحبيب فإنها تكفيه وتغنيه:
فنقطة نور منه تحيى قلوبنا فكيف إذا ما كنت بحراً وأنجماً
نقطة واحدة تكفي!!! فما بالكم بالبحر الذي ليس له نهاية!!! والذي يقول فيه:
فمائة من الآلاف عشرون بعدها مشارب رسل الله بالإجمال
فلي قد تجلت وبل وفيَّ قد انجلت فسلِّم لنا تحظى بخير وصال
***************