• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

19 نوفمبر 2014

القرآن والطريق إلى الله

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

المجلس الثالث عشر

القرآن والطريق إلى الله

مجالسة الأخيار ومفارقة الأشرار

الاشتغال بالله عما سواه

الحفظ من وساوس الجن

معرفة المريد لشيخـه

الولىّ المجذوب والولىّ الكامل والولىّ المرشد

الجذب والأولياء

رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

المجلس الثالث عشر: القرآن والطريق إلى الله[1]

من يُفصِّل في القرآن يجد فيه طرقاً توصل إلى الله عزوجل وفتح الله ورضوان الله لا تُعد ولا تُحصى، من الذي يريد أن يرضى عنه الله ويرضيه الله  فيعطيه كل مناه؟ كلنا، ما الطريق لذلك؟ وقد وصفه الله لحبيبه ومصطفاه:

} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ {(130طه)

مجالسة الأخيار ومفارقة الأشرار

فيدير ظهره للخلق فلا يسمع ماذا يقولون عليه، ولا يغتر بمدحهم ولا يهتم بذمهم، لأن مدحهم لن يزيده شيئاً، ولا ذمهم سينتقص منه شيءٌ، والجلوس معهم إن لم يكن على كتاب الله ومائدته وسنة رسول الله وسيرته، فستكون حُجباً تحجب الإنسان عن عطايا حضرة الرحمن عزوجل.

الملائكة الذين كلفهم ربنا في الدنيا بتسجيل هذه المجالس الإلهية، هناك مجالس مثل هذه عندما يرونها ينادون على بعضهم، ففي الحديث:

{ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ  في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ:  فيحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ:  فيسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ:  فيقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ:  فيقُولُونَ: لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ:  فيقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا، وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ  فيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا، وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ:  فيقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ: مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ:  فيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ }[2]

الملائكة يتمتعون بالعلم ويتمتعون بتلاوة القرآن ويتمتعون بالذكر ويتمتعون بكل ما يُدار لأن هذا هو عمل الأخيار والأطهار.

أما المجالس الأخرى والتي أمرنا ربنا أن نبتعد عنها:

{ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {(68الأنعام)

وهذا شرط جوهري، فمن يريد فتح الله وعطايا الله فكل من ظلم نفسه إن كان بالبُعد عن الله أو بالغفلة عن الله، أو بمخالفة الله ومعصية الله، إن كانت صلة رحم فأنا أذهب ولكن الضرورة تقدّر بقدرها، أذهب لأزورهم وأجلس لحظات لأؤدى ما علىَّ وأتكلم وأفتح مجال حديث  فيما يُرضى الله، فإذا بدأوا في الخوض أستأذن وأقول لهم: بعد إذنكم لأنى معى مصلحة ضرورية وأنا كان بودِّى أن أجلس معكم كثيراً ولكن معى مصلحة ـ وهى في الحقيقة مصلحة مع الله ولم أكذب ولا شيء لأن المصلحة مع الله، لأن ربنا أمرنى أن الوقت يكون في غير المقت، ويكون مع ذكر الله وطاعة الله عزوجل.

لأننى إذا جلستُ معهم ودار حديثاً في القيل والقال والغيبة والنميمة قال صلى الله عليه وسلم:

{ مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ  فيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً }[3]

تخرج منهم رائحة جيفة تشمها الملائكة الكرام فتتباعد عنهم، لأنهم لا يريدون هذه الرائحة، وإذا كانت الملائكة حضرة النبي يقول فيهم كيف يعرفون أن هذا الرجل كاذب في هذا الحديث؟ فعندما يكذب تخرج منه رائحة منتنة لمسافة ميل فتعرف الملائكة أن هذا حديث كذب، قال صلى الله عليه وسلم:

{ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ }[4]

 لأنهم لا يستطيعون شم الرائحة التي خرجت منه لكذبه، وإذا اغتاب يشمون من فمه رائحة اللحم الميت والجيَف: } أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا {  وما شكله؟ فمن أدب ربنا أنه قال: } فَكَرِهْتُمُوهُ {(12الحجرات).يعني رائحة جيفة ولم يذكرها لأن القرآن حسن الحديث.

فلكى يُرضى الإنسان الله ويرضى عنه الله ويعطيه مناه، فلابد من البداية أن يبتعد عن كلام الناس وليس له علاقة به، وأن يبتعد عن أهل اللغو وأهل السهو وأهل الغفلة عن الله عزوجل، لأن آدم ما سبب وقوعه في المعصية؟ ربنا ذكر شيئين إثنين:

{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {(115طه)

سبب الوقوع  في المعصية النسيان ولا توجد العزيمة، وما العلاج؟ النسيان يحتاج إلى المذاكرة: } فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ  {(21الغاشية) والعزيمة تحتاج إلى من يقّويها:

} وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي { لماذا؟ } كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا { (طه).

كأن أخوه هو الذي يعينه، على كثرة ذكر الله عزوجل، وجمَّع الإثنين فقال لنا صلى الله عليه وسلم:

{ خَيْرُ الأَصْحَابِ صَاحِبٌ إِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ أَعَانَكَ، وَإِذَا نَسِيتَ ذَكَّرَكَ }[5]

  • وهذه مواصفات الأخ الذي تصاحبه وتمشى معه وتؤاخيه.

  • لكن صديقك الذي إذا جلست أخَّرك عن اللحوق بركب الصالحين :

  • فلا يكون أخاً ولكنه يكون فخَّاً، فأتبرأ منه وأبتعد عنه ولكن باللطف واللين حتى لا يعادينى ويتعبنى ولا يجلب لى المشاكل:

} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ  {(130طه).

الاشتغال بالله عما سواه

وبعد ذلك ينشغل بذكر الله وتسبيح الله: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى  {(130طه)

حتى تنال مقام الرضا، فسِّرُ الرضا هو التسبيح الدائم من قلبٍ هائمٍ لله عزوجل، هذا المنهج يصل إلى أى شيءٍ؟ ننظر للحبيب ـ مشى عليه دائماً: } وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {(5الضحى)

أخذ القرار الإلهى بأنه سيأخذ ما يريده سواء لدنياه أو لأهله أو لنفسه  في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وهذا منهج الله في كتاب الله ومن يريد هذا المنهج فها هو ذا، كيف يحافظ على هذا المنهاج ويظل في هذا الفتح؟ } وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ {(131طه)

فتح عليك الله وأعطاك علوم إلهامية وأعطاك أسراراً ربانية وأعطاك موهبة كشفية، وأعطاك ما تريد من أمور الدنيا الدنية أو من أمور الحضرة العلية أو من أمور الآخرة الباقية، إياك أن تنظر للناس مرةً ثانية.

أتريد الرئاسة أم تريد الفخر أم تريد الشرف أم تريد السيادة أم تريد التعظيم أم تريد ما يطلبه الغافلون من الناس، وماذا يفعل لك الناس؟

هب أنهم سيَّدوك على الكل فماذا سيصنعون معك إذا أقبلت على الله عزوجل؟ هل سيهتفون لك هناك؟ أو هل يذهبون لهناك ويكون لهم دوراً؟ كل واحد مشغول بنفسه.

إذاً العاقل لا يهتم إلا بربه، ولا يُقبل إلا على ربه، ولا ينتظر أجراً ولا جزاءً إلا من الله عزوجل، وإذا أسدى لأى إنسانٍ كائناً ما كان معروفاً أو جميلاً أو خيراً أو براً فلا ينتظر منه جزاءً، وماذا معه حتى يعطيني جزاءاً، ننتظر الجزاء ممن يقول:  } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا {(30الكهف).} إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ {(29هود).من الله عزوجل.

وهذا هو المنهج ومن يمشى عليه وبهذه الكيفية  فيدوم له العطاء وسيُرفع عنه الغطاء وسيرى ما لا يراه الناظرون في عالم الملكوت الأعلى مع كُمَّل الأولياء والصالحين والصديقين بل وربما يجتمع على أرواح السادة الرسل والأنبياء.

لكن لو هو حصَّل هذا المقام ويريد أن يشيِّخه الناس فمن يقبِّل يديه ومن يسيّده ومن يعطيه ليملأ الساحة بالخيرات والطعام والبركات  فيكون قد دخل في أمرٍ نهى عنه الله وجبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو السبيل الوحيد الذي اختاره الله للنجاح مع حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] الأقصر، الرزيقات قبلى، أولاد الشيخ، الأحد 19/11/2014 – 27 محرم 1435 هـ

[2] صحيح البخاري عن أبي هريرة t والترمذي عن أبي سعيد الخدري t

[3] سنن أبي داود ومسند أحمد عن أبي هريرة t

[4] رواه الترمذي والطبراني في الصغير عن عبدالله بن عمر.

[5] ابنُ أَبِي الدُّنْيا في كتاب الإِخْوان عن الْحسن مُرْسَلاً .

الأقصر، الرزيقات قبلى، أولاد الشيخ، الأحد 19/11/2014 – 27 محرم 1435 هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid