• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

31يناير2022

القلب السليم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

القلب السليم

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله الرؤوف الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب القلب السليم، وآله وصحبه آل التكريم، وكل من مشى على نهجه إلى يوم الدين .. آمين يا رب العالمين.

تحدثنا عن الطريقة السديدة لكيفية الفتح الإلهي لمن أراد أن يفتح الله تبارك وتعالى عليه، هذا الفتح لا يتم إلا إذا كان القلب سليماً، والقلب السليم هو الذي ليس فيه غير الله تبارك وتعالى في كل أوقاته وحالاته، لا ينشغل بغير الله، ولا يُعكر صفوه شيء أمام حضرة الله، وإنما خالياً من كل الأغيار ليملأه الله تبارك وتعالى بالأنوار، ثم يؤهله لمقامات الأبرار والأطهار والأخيار.

الخليل إبراهيم

وضرب الله لنا مثلاً في القرآن لأنبياء الله ورسله، نأخذ منهم مثالاً واحداً نقتفي أثره ونسير على هُداه، وهو أبونا وأبو الأنبياء والمرسلين سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، يقول الله تبارك وتعالى عنه في سورة الصافات: ” إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” (84الصافات) فهو صاحب القلب السليم.

وسُمي خليلاً لأن محبة الله سبحانه تخلَّلت كل حقائقه الظاهرة والباطنة، فلم يعد فيه موضعٌ ظاهرٌ أو باطنٌ منشغلٌ بالكلية بغير مولاه.

والله سبحانه وتعالى جعله مثلاً في صفاء القلب ونقائه وحُسن إقباله على الله تبارك وتعالى، فإن الله عز وجل غيور، ويغار إذا دخل قلب عبده المؤمن شيئاً سوى حضرته، وإبراهيم كان قد بلغ من السن ما يزيد على الثمانين عاماً، ولم يُرزق بولد، فكان يطمع أن يُرزق بولد، ليس طمعاً في الولد، لكنه لأن الله علَّمه علم يقين أن هناك ورثةٌ للنبوة التي آتاه الله إياها من أبنائه وذريته، فيريد أن يُسلِّم ميراث النبوة، فرزقه الله تبارك وتعالى بإسماعيل.

وعندما رزقه الله بإسماعيل اقتضت البشرية التي فيه أن تميل شُعبةً من قلبه إلى ابنه، لأنه وارث نبوته، فغار الله سبحانه وتعالى من ذلك وأراد له مقام الكمال، ومقام الكمال أن لا يكون في قلبه غير مولاه، فأمره أن يأخذه وأمه ويُلقيهما بجوار موضع البيت الحرام، حتى يظل القلب متفرغاً لله لأن الله علم منه ذلك قبل ذلك.

فحتى عندما ابتلي وأُلقي في النار لم يطلب معونة من الذين عرضوا عليه المعونة وهم الملائكة، وقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.

ولما أراد الله سبحانه وتعالى إعلام الملائكة بمنزلته المباركة، أنزل مَلَكاً من الملائكة يذكر الله تبارك وتعالى بصوت عذب جميل، فقال له إبراهيم: كرر ذكر الله بهذا الصوت الجميل، قال: حتى تدفع الثمن، قال: وما الثمن؟ قال: أن تعطيني وادياً مملوءاً بالأغنام، قال: لك كل مالي وكل ما أملكه إن أسمعتني ذكر الله تبارك وتعالى بهذا الصوت الجميل، فعلمت الملائكة الكرام قدره في حبه لمولاه، وخُلُو قلبه مما سواه تبارك وتعالى.

فلما كان إسماعيل وأُمه في موضع البيت، ولم يكن في هذا الموضع إنسٌ ولا وحشٌ ولا طيرٌ ولا زرعٌ ولا ماء، وكل مقومات الحياة الإنسانية البشرية ليست موجودة، لكن الله يُعلمنا يقينه بمولاه، وأنه إذا أمره بأمر لا بد أن يتولاه.

وكان قد علَّم ذلك لزوجته التقية النقية، ولذلك كان تاركاً لها جراباً من التمر، فقالت: إلى من تتركنا هاهنا يا إبراهيم؟ فلم يُجبها، فكررت النداء فلم يجبها، فقالت في الثالثة: أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يُضيعنا.

كلهم أهل يقين، لأن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام زرع الله في قلبه وقلب ذريته اليقين.

وكان يذهب كل حين يمر على الأم وولدها، وكان يركب البراق في رحلته تلك، وعندما شبَّ الغلام وأصبح شاباً يافعاً، شعُر نحوه بالحب والحنين لحُسن إيمانه وصفاء طويته ويقينه بالله رب العالمين، لا لحسب ولا لنسب ولا شيء من ذلك.

لكن الله عز وجل غار عليه كذلك، فأمره أن يذبحه، وأراه ذلك في رؤيا منامية وليس وحياً تنزلياً أو إلهاماً قلبياً، ولكنه عندما قصَّ الرؤيا على إبنه وقال له: ” يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ” (102الصافات) فانظر إلى يقين الغلام، وتعليمه من الله الملك العلام: ” قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ ” (102الصافات) فكأنه علم أن منام النبي وحيٌ من الله تبارك وتعالى، وهو حقاً من أنواع الوحي الإلهي للنبي، خصوصية للأنبياء والمرسلين.

لكن المنام لعامة المؤمنين ليس وحياً، أما المنام بالنسبة للأنبياء وحيٌ من الله تبارك وتعالى لهم، ولذلك حتى في نبينا قال الله فيه: ” لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ” (الفتح) رؤياهم كلها بالحق ومن عند الحق تبارك وتعالى.

” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ” (103الصافات) فلما أسلما معاً الوجه لله، وتله للجبين أي لجبهته: ” وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ” (105) (الصافات).

والله تبارك وتعالى ساق لنا قصة إبراهيم لنعلم مرتبة خير الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم، فالفارق بينهما كالفارق بين المريد والمراد.

طهارة قلب خاتم النبيين

فإن نبينا صلى الله عليه وسلَّم لأنه مرادٌ لذات الله، تولى الله تبارك وتعالى أمره منذ بدايته، وتولى الله تبارك وتعالى طهارة قلبه بذاته القدسية مع ملائكته المقربين، ورسم لنا الله تبارك وتعالى للصالحين وللسالكين وللعارفين كيفية الطهارة التي يحبها الله من المخلصين، فيما جهَّز به سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

فإنه طاهرٌ من قبل القبل، لكن ما أُجري عليه من أنواع الطهارة الظاهرية كان عنواناً لسلوك أهل القرب إلى الذات العلية، فإنه صلى الله عليه وسلَّم تولى الله تطهير قلبه كما ذكرت كتب السيرة المعتبرة أربع مرات.

الطهارة الأولى (التخلي عن الصفات الإبليسية)

المرة الأولى عندما كان عند مرضعته السيدة حليمة السعيدية، وكان عنده أربع سنوات، فنزل جبريل وميكائيل، فأخذوه من بين إخوته لمرضعته وأضجعوه وشقَّوا صدره وأخذوا قلبه وغسلوه بماء زمزم، وأخذوا شيئاً وقالوا: هذا حظ الشيطان وألقوه بعيداً، ثم بعد ذلك جاءوا بخاتم النبوة، وهو خاتمٌ تحار الأبصار من نوره كما قال صلى الله عليه وسلَّم، وختموا به قلبه صلوات ربي وتسليماته عليه.

وهنا إشارة: هل النبي صلى الله عليه وسلَّم كان في قلبه حظٌ للشيطان؟! مع قول الله تبارك وتعالى في المؤمنين الصادقين: ” إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ” (42الحجر) وعندما قال الشيطان: ” فَبِعِزَّتِكَ لاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ” (83) (ص) فما بالك بسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم؟!!

لكن هذه العبارة كما فسرها بعض العارفين الأكابر قالوا: هذا حظ الشيطان من الرحمة في قلبك، لأنه سيحاول أن يتقرب إليك لترحمه فلا ترحمه.

ولذلك ورد في رحلة الإسراء أنه وهو سائر من مكة إلى بيت المقدس، تعرَّض له نفرٌ كثيرين، وكلهم يقولون: يا محمد اُنظرنا، ويسأل جبريل: فمرة يقول عن امرأة كانت في أبهى زينة: هذه الدنيا، ولو نظرت إليها لغوت أمتك، ومرة يقول: هذا داعي اليهود، ومرة يقول: هذا داعي النصارى، ومرة يقول في رجل: هذا إبليس، فإبليس يرجو نظرة منه، والإمام أبو العزائم رضي الله عنه فسَّر هذه الحقيقة فقال:

لو نظرةً منه لإبليس انمحت

عنه الشقاوة بالعطا المدرار

لو نظر لإبليس نظرة، لمحى الله تبارك وتعالى عنه شقاوته، وإبليس لم يتعرض لرسول الله فقط، بل كان يتعرض للأنبياء السابقين، فقد ورد أنه تعرض لسيدنا موسى، وقال: إني أريد أن أتوب إلى الله تبارك وتعالى، وكان يعلم أن موسى يكلم ربه، فكلم موسى ربه، فقال له: يا موسى قٌل له يذهب لقبر آدم ويسجد له، فقال لعنة الله عليه: إذا كنت لم أسجد له حياً، فكيف أسجد له ميتاً؟! لأنه سبقت له الشقاوة من الله سبحانه وتعالى.

التخلي والتحلي

إذاً لا بد للسالك الذي يريد أن يسلك طريق الصالحين وأهل الفتح، ليفتح الله عليه بأن يُخرج حظ الشيطان من قلبه، وحظ الشيطان هو الوساوس والهواجس والخداع والمكر والدهاء والكبر والرغبة في السُمعة والرغبة في الشُهرة .. كل أعمال إبليس لا بد بأن يُخرجها من قلبه أولاً، كما فعل الله مع حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

لابد من التخلي ليحدث التحلي، ثم التجلي، ثم التملي، فتلك هي مراحل المقربين إلى الله تبارك وتعالى، لا بد من التخلي ليأتي التحلي، هل يستطيع الإنسان أن يدخل هذا المكان ويزينه بدون أن يجرد ما هو عليه الآن؟ لا بد أن يُجرد ما هو عليه الآن ثم يُصلحه، ثم بعد ذلك يزينه بما شاء وكيف شاء، كما قال إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه:

التحلي بالتخلي

بعد محوي لمحلي

واتصالي بانفصالي

عن سوى مجدي وأصلي

لا يأتي الاتصال إلا بعد الإنفصال عما ذكرناه أو أشرنا إليه.

الطهارة الثانية (الصفاء لجميع الخلق)

المرة الثانية عندما كان عنده عشر سنوات، وأرسل إليه تبارك وتعالى نفراً من الملائكة الكرام، وكان سائراً مع جده عبد المطلب كما تقول إحدى الروايات، أو مع عمه أبي طالب كما تقول الرواية الأخرى، وأخذوه بعيداً حتى ضلَّ عن الوصول إليه من كان يصحبه، وشقُّوا صدره وفتحوا قلبه، وأخرجوا من قلبه الغل والحقد والحسد، وملأوه بالشفقة والرحمة والألفة لجميع خلق الله.

وهل هذه العيوب كانت لدى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم والله طهره وحفظه ووقاه؟ كلا، ولكنها مَثل لنا، فبعد أن ينتهي الإنسان من تطهير قلبه من وساوس الشيطان، وبضاعة الشيطان، يُخرج من قلبه كل شيء يُضمره شراً نحو بني الإنسان، إن كان غل أو حقد أو حسد أو أنانية أو شُح أو أثرة .. كل ما يضمره نحو بني الإنسان لا بد أن يخلعه من قلبه، فلا يكون في قلبه نحو الخلق أجمعين إلا الحب والمودة والشفقة والرأفة واللطف لجميع خلق الله تبارك وتعالى، إذاً هذه المراحل ذكرها نبينا ليعلِّمنا الطريق السديد للقلب السليم.

الطهارة الثالثة (التفكر والذكر)

المرة الثالثة عندما كان صلى الله عليه وسلَّم يخلو بربه في غار حراء، ويُحاول أن يتجرد من كل الصفات البشرية، بل ومن الصفات الملكوتية، ليُقبل على حضرة الله تبارك وتعالى بالكلية، وهذا هو الفكر الذي يأتي بعده حقيقة الذكر، الذي يدخل به العبد على مولاه تبارك وتعالى.

ولذلك كانوا يقولون: كان يقف أمام الغار ويتفكر، حتى قال أهل مكة: (لقد عشق محمد ربه) من شدة إقباله بالكلية على مولاه تبارك وتعالى.

وهنا على السالك أيضاً بعد أن يتخلى عن كل ما ذكرناه من الأوصاف الإبليسية وكل ما يضمره نحو بني البشر، يبدأ يتفكر في خالق القوى والقُدر، وبعد التفكر يصل إلى حقيقة الذكر: ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ” (190-191آل عمران) وهذا الذكر معه: ” وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ” (191آل عمران) فيكون التفكر هنا عياناً: ” سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ” (53فصلت).

فيكون بذلك تأهل لنزول الفيض الإلهي، والإلهام الرباني، والعطاءات الإلهية لأنها لا تنزل إلا على القلوب السليمة، فإن القلوب هي أوعية الغيوب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ }[1]

والأعمال هنا يُقصد بها الأعمال القلبية، فيبدأ يجهز قلبه بالأعمال القلبية التي بها ينال رضا رب البرية.

الطهارة الرابعة (التأهل للعطايا الإلهية)

المرة الرابعة قال فيها صلى الله عليه وسلَّم:

{ بَيْنَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ – وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ – بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذَا أَتَانِي آتٍ فَشَقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَمُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا }[2]

وهل الإيمان والحكمة شيء معنوي يُرى بالعين أو يُوضع في طست؟! لكنها إشارة إلى أنه جُهِّز القلب لتنزلات حضرة الرب، لأنهم كانوا يجهزونه للمقامات العلية، ولرؤية عالم البرزخ بما فيه من النبيين والمرسلين، ورؤية عالم الملكوت الأعلى سماءًا تلو سماء، ورؤية الجنات، ورؤية العرش والكرسي وسدرة المنتهى، ورؤية أنوار لا حد لها ولا منتهى، كل ذلك يحتاج إلى تجهيز خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهذا يتولاه الله تبارك وتعالى.

التجمل بجمال الحبيب (أوصاف العبودية)

فإذا جهَّز الإنسان قلبه بما ذكرناه، وأقبل بالكلية على حضرة الله، عليه أن يُحسن التشبه بحبيب الله ومصطفاه في هذا الموقف العظيم، فيتجمل بالجمال الذي مدحه به الله: ” تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ” (1الفرقان) ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ” (1الإسراء) ” الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ” (1الكهف) بعد هذه الإفاضات تجمَّل بجمال العبودية، والعبودية تشمل كل الصفات التي فيها تواضعٌ لرب البرية تبارك وتعالى.

ولذلك يقول رجلٌ له معراجٌ روحاني وهو سيدي أبو اليزيد البسطامي رضي الله عنه، فقد أُسري به وعُرج به إلى الملأ الأعلى حتى وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى – على قدره – قال: (فقلت: يا رب بم يتقرب إليك المتقربون؟ قال: بما ليس فيَّ، قلت: وما الذي ليس فيك؟ قال: الذل والمسكنة والتواضع والفقر والخشية).

وهذه ملابس العبودية التي يلبسها العبد ليدخل على الحضرة الإلهية، يلبس ملابس العبودية، ويملأ قلبه بالأعمال التي يُحبها رب البرية، ما الذي يحب أن يراه الله في قلب العبد المؤمن الصادق مع الله؟ خشيته لله، وصدقه مع مولاه، وإخلاصه لله، والإخلاص عملٌ داخلي لحضرة الله، وحضوره مع الله، ومراقبته لمولاه، هذه الأعمال التي ينظر إليها الله، ويرفع العبد بسببها سبحانه وتعالى اقتداءًا بحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.

فإذا جمَّل العبد نفسه بجمال العبودية، وملأ قلبه بالأحوال التي يحبها رب البرية، أفاض الله عز وجل عليه من خزائن الفيض الإلهي، فإذا دخل على الله جهولاً يعلِّمه العليم، وإذا دخل على الله ذليلاً يُعزه بين الخلق جميعاً العزيز سبحانه وتعالى، وإذا دخل على الله فقيراً يغنيه الغني، وهكذا، لأنه كما قيل: (بأضداد الصفات أنال قربي) فبأضداد الصفات الإلهية ينال الإنسان قربه من رب البرية تبارك وتعالى.

لكن الذي يدخل على الله متكبراً، فماذا يأخذ من حضرة الله؟! وبماذا يفيض عليه مولاه؟! لا شيء أبداً، لأنه:

{ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ }[3]

لابد أن يتصف العبد بصفات العبودية، وخير مثال لها المصطفى خير البرية، فهو سيد الأولين والآخرين في العبودية، ولذلك قال في حديثه النبوي:

{ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ }[4]

أي لا فخر لي بالسيادة، ولكن الفخر لي بالعبودية لذات الله تبارك وتعالى، حتى أنه أمرنا وسنَّ لنا عندما نتشهد أن نقول: (أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) عبده أولاً، لأنه يتزيَّ بزي العبودية، ويباهي به الخلق في الدنيا الدنية، وفي الحياة الأُخروية، وفي دار الجنان العلية، لأنه خير عبد لله تبارك وتعالى.

الرؤيا المباركة للقنائي

وفي هذا المقام نذكر على سبيل الحكمة والعلم ما رآه الشيخ عبد الرحيم القنائي رضي الله عنه وأرضاه، وكان رجلاً من الصالحين، وكان في المغرب الأقصى، ثم جاء ليؤدي الحج إلى بيت الله الحرام، فاختار الإقامة في المدينة المنورة عند الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، حتى فتح الله تبارك وتعالى عليه، وكان يقول: ((لي ليلتان، ليلة الإثنين وليلة الخميس، أرى فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في المنام، وأعرض عليه ما استُشكل عليَّ من المسائل، فيجيبني عنها جميعاً)).

وعندما أمره بالتوجه إلى قنا بمصر، وهو مكانه الآن لأسباب كثيرة ذكرناها في كتاب جعلناه له باسم (الشيخ عبد الرحيم القنائي ومدرسته الروحية).

كان يعمل درساً كل يوم بعد صلاة العصر في المسجد لمريديه، وهذا الدرس كان إما آية قرآنية يشرحها، أو حديثٌ يفسره، وكان من جملة هذه الدروس درسٌ تحدَّث به يوم الخامس والعشرين من رمضان سنة خمسمائة وسبع وثمانين هجرية، حيث قال:

أيها الناس عندما كنت بالمدينة المنورة مقيماً فيها، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مناماً، وكان ذلك في رؤية ذات ليلة، شاهدتُ فيها رسول الله، وسألته عن هذه المسألة وكيف حدث شق الصدر؟ فقال لي صلى الله عليه وسلَّم:

((لقد شُقَّ صدري وأنا في اليقظة، ما شعرت بشيء فيه ألم، وأتاني الله بقلب سليم ليتحمَّل نزول كلام الله على هذا القلب، لأن القلب الذي خُلقتُ به طفلاً لا يتحمل هذا النزول، وأنت يا عبد الرحيم تقرأ كتاب الله الذي قال فيه جل شأنه: بسم الله الرحمن الرحيم ” لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله ” (21الحشر) وقوله تعالى: ” نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ” (193-194الشعراء) فمن رحمة الله بي أن هذا القلب الذي ارتضاه لي ربي، فيه قوة ونورانية ونقاءٌ وصفاءٌ، وقد سلم من كل شيء من أمراض الدنيا وعثراتها، تجري فيه آيات الرحمن التي نزلت عليه، لم يخالطها شيء من قوة أخرى، حيث كان كلام الله هو القوة والحياة، وقد حفظه الله من الزيغ والنسيان، وليس للشيطان سلطان عليه، ومتى جرى قول الله في مكان، أصبح هذا المكان بعيداً عن الهوى، وهذا معنى قول الله تعالى عني: ” وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ” (3النجم) وهذا معنى قول الله تعالى عني: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” (159آل عمران) وهذا هو المعنى في قول الله تعالى: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” (52الشورى) لقد كان الكتاب والإيمان نوراً في قلبي وعلى قلبي، وكان قلبي نوراً يهدي به الله من يشاء من عباده بإذنه، وأتى به جل شأنه لهُدى الناس إلى صراط الله المستقيم، وهذا هو قلبي يا عبد الرحيم)).

وبعد أن قال له رسول الله في المنام: (هذا هو قلبي يا عبد الرحيم) قال السيد عبد الرحيم لمريديه عن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: يا عباد الله هذا ما وصل إليَّ في وصف قلب رسول الله من رسول الله نفسه، وأنا هناك في الأرض الطيبة بالمدينة المنورة أنعم برضاء الله وحب رسوله العظيم.

يا أحبائي وأصحابي، قلب رسول الله لم يخالطه حقدٌ ولا حسد، فلقد عاش هذا القلب بقوة كلام الله الذي نزل عليه، وكلام الله غذاءٌ للروح والجسد وحياةٌ للإنسان.

قلب رسول الله يا أحبائي وأصحابي أبيض، فقد غمره الصفاء فأشرق به على العالم أجمع نبياً، فغمره النور ضياءًا فكان به رحمة للعالمين، وكسته السلامة فأتى الله بها دنيا وأخرى، ولقي الله بقلب سليم ما نطق عن الهوى.

يا أحبائي وأصحابي إن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يخرج من قلبه، كل كلامه حكمة، وكل كلامه كمال، وكل كلامه حسن، وكل كلامه جمال، وكل كلامه حق، وكل كلامه صدق، وكل كلامه رحمة، وكل كلامه معرفة، وكل كلامه نور، وكل كلامه ضياء، وكل كلامه جلال.

أجل يا عباد الله، إن كل كلام رسول الله تقريبٌ إلى الله، وكل كلامه فصاحة، وكل كلامه خير، وكل كلامه وقار، وكل كلامه أمانة، وكل كلامه شرف، وكل كلامه غذاءٌ للروح والقلب، حتى كان الصحابة رضوان الله عليهم يستأنسون بصوته عن بعد، إذا غاب عنهم جسده الشريف يحسون به رياً لظمأهم، واطمئناناً لقلوبهم، وشفاءًا لحبهم.

اسمعوا كلامه الجامع الذي لا يُجارى في فصاحته، ولا يُبارى في بلاغته، والذي هو النهاية في البيان، والغاية في البرهان، اسمعوا كلامه المشتمل على جوامع الكلم، وبدائع الحكم المتضمن بقليل من الكلام، كثيراً من المعاني، اسمعوا قوله:

{ لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ فِي مِثْلِ مَا تَرَى لَهُ }[5]

{ النَّاسُ مَعَادِنُ }[6]

{ ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }

ذو الوجهين هو المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن والوجيه عند الله هو صاحب الجاه والقدر، ومن كلام رسول الله:

{ الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[7]

{ الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا }[8]

{ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ }[9]

{ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ }[10]

{ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ }[11]

والقتات هو النمام، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ }[12]

{ الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ }[13]

{ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ }[14]

{ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ }[15]

واسمعوا كلامه الجامع في فصاحته عن الصدق:

{ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرَّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورَ}[16]

وبعد كل هذا يا عباد الله .. انظروا إلى كلام الله جل شأنه فيه صلوات الله وسلامه عليه: ” وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ” (159آل عمران).

ولكن كان القلب عكس ذلك كله، ولأنه قلب ليس هو المخلوق به طفلاً، إنه قلب بأمر من الله، ليس فيه الغليظ الذي يتركب من تفاعل الدم، وليس فيه الفظاظة التى تتولد من شدة غليان الدم في هذا القلب، إنه قلب من الله، نزل عليه الروح الأمين بكلام الله العزيز الحكيم، وإنه المكان الذي حمل هذا الكلام العظيم، إنه عاش به وله ومنه، فلا غيظ فيه ولا فظاظة، بل بشاشة وسماحة.

ثم انظر إلى قول الله تعالى: ” بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ” (128التوبة) ما قيل هذا القول في نبي أو رسول سبقه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يوصف به مخلوق مهما بلغ من الشفقة والرحمة بالناس، ولكن الله جل شأنه منح نبيه صفتين من صفاته، الرأفة والرحمة، إنه القلب الأبيض الذي عاش بنور الله، وبكلام الله، وبقوة من الله.

إنه القلب المنيب الذي كساه الله بالسكينة فازداد إيمانا، إنه القلب الذي حبب الله إليه الإيمان وزينه فيه، وكرَّه له المعاصي والتفكر فيها، إنه القلب الذي له قلب يسمع ويشهد.

إنه القلب الذي منع الله عنه القسوة فأصبح ليناً رقيقاً، لا في تهاون في حق الله، ولا في تفريط لما ينفع أمته ويقربهم إلى الله، إنه القلب الذي إذا ذكر الله وجل هذا القلب، وزادته آيات الله إيماناً، إنه القلب المطمئن بأن طريق الله هو الصراط المستقيم، وأن أحسن المعرفة معرفة الله.

وبهذا القلب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الأخلاق العظيمة التى وصفه بها ربه الذي أرسله هادياً ومبشراً، ونذيراً، فقال: ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” (4القلم).

وقد تحلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكينة الباعثة على الهيبة والداعية إلى التقدم مع التواضع والحلم، وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب صاحب الوجه الطلق المحيا الذي يشعرك عند لقائه بالإخلاص والوفاء والمحبة والمودة، حتى إنه كان صلى الله عليه وسلم أحب إلى أصحابه من الأبناء والآباء ومن أنفسهم.

وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب قد كساه الله حسن القبول الذي يجلب ميل القلوب وطاعتها، حتى لم ينفر منه معاند، ولا استوحش منه مباعد إلا من كتب الله عليه الشقاء وسوء الخاتمة.

وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب قد مالت إليه النفوس، وانقادت لأوامره الأرواح وأصحابها، وثبتت معه على الشدائد، وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب السليم ثبت لنا كمال خلقه، وقد رزق صدق الفراسة ورجاحة العقل.

وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب السليم صبر في البأساء، وعلى الضراء، ويقول عن نفسه:

{ لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثَةٌ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لِي وَلِبِلالٍ طَعَامٌ إِلا مَا وَارَاهُ إِبْطُ بِلالٍ }[17]

وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب السليم زهد الدنيا وما فيها، وما علقت نفسه إلى شيء من زخارفها، حتى قيل له صلى الله عليه وسلم:

{ إِنْ شِئْتَ أُعْطِيتَ خَزَائِنَ الأَرْضِ مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلا يُعْطَاهُ أَحَدٌ بَعْدَكَ، وَلا يَنْقُصُكَ مِنَ الآخِرَةِ شَيْئًا، فقال صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوهُمَا لِي فِي الآخِرَةِ }[18]

وفي هذا نزل قول الله تعالى: ” تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً ” (10الفرقان)

وهو بهذا القلب السليم أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم والسبع المثاني والقرآن العظيم والحكمة البالغة والعلوم الجمة وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ولم يجلس إلى معلم يعلمه، وكيف يجلس وقد جاءه جبريل ليقول له بأمر من ربه: ” اقْرأ ” (1العلق) وقد قرأ.

وكيف يجلس إلى معلم، وهو الذي انشرح صدره بقلب يغذيه كلام الله، العزيز الحكيم؟!.

وهو صلى الله عليه وسلم بهذا القلب صاحب الذهن الصحيح، والصدر الفسيح، واللسان الفصيح المحفوظ من التحريف في قول أو معنى.

وهو الذي كان قبل الرسالة بهذا القلب الأمين قلباً وقالباً، وبعد الرسالة أميناً بهذا القلب، وبالنبوة خيِّراً نيِّراً.

وهو صلى الله عليه وسلم كان بهذا القلب السليم الموجز في القول مع حسن في التعبير، وانظروا إلى بعض أقواله صلى الله عليه وسلم، قال:

{ اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا تُسْتَجَابُ }[19]

{ هَلْ يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ }[20].

وقوله صلى الله عليه وسلم :

{ تَقَبَّلُوا إِلَيَّ بِسِتٍّ أَتَقَبَّلْ لَكُمُ الْجَنَّةَ، قَالُوا: مَا هُنَّ؟ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلا يَكْذِبْ، وَإِذَا وَعَدَ فَلا يُخْلِفْ، وَإِذَا ائْتُمِنَ فَلا يَخُنْ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ }[21]

وأنه صلى الله عليه وسلم كان بهذا القلب السليم لا يعرف الجبن، بل كانت الشجاعة تزينه، صارماً للأخذ بحق الله من كل مخلوق، وحق الضعيف من القوي، وقد حمل راية الجهاد، وما أنزلها من يده حتى تم كل شيء، ونزل قوله تعالى: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ” (3المائدة)

ياسيدي يا رسول الله، يا صاحب القلب السليم، والذي عشت به في هذه الحياة الدنيا، فنبع منك الخير كله، والحسن والكمال كله، والجمال كله، ولقيت ربك به لتكون الشفيع لأمتك يوم نلقاك عند رب عزيز كريم رؤوف رحيم.

يا سيدي يا رسول الله سل الله لنا أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يصحح عقيدتنا، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمل أحوالنا جميعاً بجمال النبوة، وأن يُجمل قلوبنا بجمال الفتوة، وأن يرزقنا التزيي بزي العبدية النبوية، وأن يضع في قلوبنا كل المعاني التي يحبها رب البرية.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[2] المعجم الكبير للطبراني ومسند أحمد عن أنس رضي الله عنه

[3] سنن أبي داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[4] سنن ابن ماجة والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[5] مسند الشهاب عن سعد بن سهل.

[6] رواه البخارى والإمام أحمد عن أبي هريرة t.

[7] صحيح البخارى ومسلم عن عبدالله بن عمر.

[8] صحيح البخارى ومسلم عن عبدالله بن قيس.

[9] صحيح البخارى ومسلم عن أنس بن مالك.

[10] صحيح البخارى عن جابر بن عبدالله

[11] صحيح البخارى ومسلم عن حذيفة t.

[12] صحيح البخارى ومسلم عن عمران بن الحصين.

[13] رواه الإمام أحمد وابن ماجة والنسائي في سننه الصغرى عن أبي هريرة

[14] صحيح البخارى عن عقبة بن عمرو.

[15] رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة t.

[16] صحيح البخارى ومسلم عن عبدالله بن مسعود.

[17] سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة عن أنس مالك t

[18] مصنف ابن أبي شيبة

[19] صحيح مسلم عن زيد بن أرقم.

[20] المستدرك على الصحيحين وجامع الترمذي عن أبي هريرة t.

[21] المستدرك على الصحيحين عن أنس بن مالك t.

درس بعد صة العشاء الجميزة – السنطة -الغربية- الإثنين 28 من جمادى الآخر 1443هـ 31/1/2022م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid