أنشد الحاج/جابر عباس قصيدة للإمام أبى العزائم رضى الله عنه:
عليه اللهُ صَلَّى ثُمَّ سلَّم صلاةً تَمْحُو مِنْ قَلْبِى الظَّلامَ
فعقب فضيلة الشيخ قائلاً:
العبد له مكابدات ومجاهدات، لكن مقام المشاهدات والتجليات لا يُنال إلاَّ بالفضل والإنعام من الله عز وجل. ما الذى يجعل الإنسان ينمحى من قلبه صور الأكوان؟ إذا صلى عليه الرحمن، الصلاة التى يقول فيها فى القرآن: { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ } (257- البقرة).
كان على حسب أقوال أهل العقول المفترض أن يقول: (أخرجهم من الظلمات إلى النور) لأنه خطاب للمؤمنين والمؤمنات، خرجوا من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات الشرك إلى نور توحيد حضرة الرحمن عز وجل، ولكن قال سبحانه: (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ يخرجهم من الظلمات) باستمرار، لأن الظلمات أنواع: منها ظلمات النفس، ومنها ظلمات الطبع، ومنها ظلمات الأغيار التى تشغل القلب عن الأنوار، ومنها ظلمات الشرك الأصغر التى لا يعرفها حتى يلوح الله عز وجل للعبد فى كل مظهر.
هذه ظلمات معنوية لا يستطيع الإنسان أن يخرج نفسه منها إلا إذا تجلى عليه الله عز وجل فأخرجه بنوره من حظه وشركه الأصغر وهواه، أو يتفضل عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنيابة عن حضرة الله عز وجل: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (43- الأحزاب).
هذه الصلاة من مقام الهوية، ومقام الهوية يحتاج إلى نفوس قدسية تلمح إليها الآيات القرآنية، ولا نستطيع أن نتحدث عنها بعبارات صريحة جلية، فخذ ما صفا لك من قول ربك عز وجل: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (3-الحديد) ، مع فطانتك أنه لا أولية له ولا آخرية، فهو أول قبل كل أول، وآخر بعد كل آخر. لا يحجب ظهوره شئ، ولا يمنع بطونه شئ، فمن شدة بطونه ظهر، ومن شدة ظهوره العقوا المحسوسة استتر. اشرب من هذا مقام سيد البشر.
فلا يستطيع الإنسان أن يجاهد نفسه ليكون من أهل العيان، أو يكون أهلاً لتجليلت حضرة الرحمن، أو لينكشف له باطن القرآن جلياً للسر والجنان، إلا إذا تفضل عليه حضرة الرحمن بصلاة وصلٍ واتصال، خصه بها بأنوار متواليةلا يكون بعدها انفصال، يقول فيها الإمام أبو العزائم t وأرضاه:
صلِّ صلاة اتصال تحظَّ بالحسنى واستغرق الوقت فى كشف بلا ميل
قبلة العارفين حال الصــلاة وجـه مولى مـنزه عن جهــات
وهم قبلة له إذ يصــــلى بحنان عليهـــــم للنجــاة
فصلاة له ومنــه عليهــم أخرجتهم فضـلاً من الظلمــات
نحن محتاجون هذه الصلاة، صلاة الاتصال، وصلاة الوصال، التى يتجلى بها الكريم المتعال على قلوب الصالحين، ليجهزها لنزول العطاء والنوال. والعطاء والنوال فى هذا المجال هو شهود الجمال، جمال الحق عز وجل الذى يقول فيه الإمام أبو العزائم :
جمـال لا يشابهه جمـال وحسن ليس يحصـيه جنان
هذه المنازل والمقامات – يا إخوانى – تنال بالجود وليس ببذل المجهود، ولكن منازل الجنان ودرجات المقربين فى الجنان، الإنسان له دور فيها بعمله الصالح، وإكثاره من النوافل والقربات، أما المشاهدات فهى خصوصية من الله عز وجل لمن اختارهم سيد السادات، وأوقفهم على هذه الحيطات، وسأل الله عز وجل أن يذيقهم برد التَّنَزلات، وأن يجعلهم من أهل المكافحات والمشاهدات والتجليات. نسأل الله أن يكرمنا بهذه الهبات، وأن يتفضل علينا بهذه العطءات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
………………………………………………………………………………………
درس رقم (14) – نجع قباح – العدبسات – الأقصر– 3/5/ 2001