سؤال: اشتكيت لأحد أصدقائي من أحد شركائي بالعمل، ولم أذكر له اسْمَه، لكنه من خلال ما قلته له قام بالتجسس وعرف من هو هذا الشخص، ثم أفشى سرَّه وحدَّث به، فهل يعتبر ذلك غِيبة؟ وهل يُلام في هذا الأمر هذا الصديق أم أنا؟
============================================
أي مؤمن يحدث له أمر يثير شَجَنَه، أو يُحدث له ألماً في داخله، لا يرتاح إلا إذا حكاه لأحد من خلق الله، ولكن ينبغي أن يحكيه لمؤمن أمين، فقد ورد في الأثر: {من شكى لمؤمن فقد شكا لله ورسوله، ومن شكى لغير مؤمن فقد شكا الله ورسوله}. فالشكوى للمؤمن الأمين على الأسرار هي في نفسها وواقعها شكوى لله عزَّ وجلَّ ولرسولهصلى الله عليه وسلم.
والمؤمن الذي يشتكي الناس إليه ينبغي أن يكون أميناً، فقد قيل: (صدور الأحرار قبور الأسرار). السر الذي دخل صدره كأنه في قبر لا يعرفه أحد من خلق الله عزَّ وجلَّ، ولذا المؤمن الذي يشكو الناس إليه كالطبيب يؤتمن على مرضاه، وكذا المؤمن يؤتمن على من يشكو إليه من الخلق، فلا يُحدِّث بذلك أحداً حتى ولو كان أقرب الناس إليه – لا زوجه، ولا ولده، ولا ابنته – لأن أسرار الخلق يقول فيها سيد الخلق: {الْمَجَالِسُ بِالأَمَانَاتِ} (سنن أبو داوود).
لكن قد يلتبس الأمر عليه لأن صاحب الشكوى يريد وصيَّةً منه، أو يستفسره عن الذي ينبغي أن يفعله، فإذا ذهب إلى آخر يظن أن عنده الإجابة، وحكى له الأمر، ولم يُبين له بصريح العبارة الاسم، ليس عليه شيء في ذلك لأنه يريد أن يتعرف ويتبين الصواب حتى لا يُفتي خطأ، لأن المـُفتي مسئول عن فتواه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ} (الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه)، وفي رواية أخرى: {مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ الْمَلائِكَةُ} (الفقيه والمتفقه للخطيب عن علي رضي الله عنه).
وهذا أمر ينبغي أن يتحراه المسلم حتى في الأمور الحياتية، لو سألك أحد في أي أمر من أمور الحياة وأنت لا تدري بها، فدُلَّه على أهل الخبرة في ذلك، وهذا هو مبدأ الإسلام.
الإسلام نهى المؤمنين نهياً صريحاً في كتاب الله عن التجسس: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾[12الحجرات]. والتجسس هو محاولة الاطلاع ومعرفة أخبار الغير، وهذا يكون للعدو، ولكن لا ينبغي أن يكون للأصدقاء، فلا ينبغي لمؤمن إذا رأي اثنين يتحادثان – أن يسأل أحدهما – بعد الحديث: ماذا قال لك؟ أو ماذا قلت له؟ لأن هذا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ} (سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد).
لا ينبغي له إذا رأي زوجاً مهاجراً أو مجانباً لزوجته أن يقول له: لِمَ اختلفتما؟ لِمَ تتدخل في هذا الأمر الذي لا يعنيك؟!! لا ينبغي لمؤمن إذا رأي خطاباً لمؤمن أن يفتحه ويطلع على ما فيه إلا بإذنه، قال صلى الله عليه وسلم: {مَنِ اطَّلَعَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعَ فِي النَّارِ} (الطبراني).
لا ينبغي لمؤمن إذا دخل بيتاً لأخيه أن يدخل غرفة خاصة بغير إذن من صاحبها، ولو كان حتى لمصلحة لصاحبه، لأنه ربما رأي فيها امرأة حاسرة، هل هذا يليق بمؤمن؟!! لا ينبغي أبداً للمؤمن أن يتحسس أو يتجسس على عورات المؤمنين، والذي يفعل ذلك ينبغي علينا جميعاً أن نصدَّه، ولا نسمح له بالتدخل، حتى ولو اضطر الأمر إلى تعنيفه وإلى غضبه، فالذي يغضب من الحقِّ لا يصلح لصحبتنا إلى الحقِّ عزَّ وجلَّ.
بل إنني إذا وجدت اثنين يتهامسان ينبغي أن أبتعد عنهما، ولا أحاول أن أستمع إلى حديثهما، لأن هذا من التجسس، فما داما يتهامسان فهما لا يريدان أن يُشركاني، وهو سرٌّ لا يريدان أن يُطلعاني عليه، فينبغي ألا أُقحم نفسي لأتعرَّف على هذا السرّ. ورحم الله رجلاً عمل بقول الحبيب: {من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} (سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد).
*******************
الحلقة الرابعة من برنامج أسئلة حائرة وإجابات شافية لفتاوى فورية :