• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

17 نوفمبر 2014

المرأة ودورها فى تطبيق المنهج الوسطى

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

الوسطية الإسلامية

النمط الأوسط

المنهج الأوسط في العبادة

حسن استغلال الوقت

التوفيق في إعطاء الحقوق

أحوال النبهاء من أصحاب النبي

أمور لا تجوز

***************

المجلس السابع: الوسطية الإسلامية[1]

بسم الله الرحمن الرحيم: أوصيكم بوصية وأوصي بها كل المسلمين فى هذا الزمان، عندما أرسل الله عزوجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام وشريعة الله، والناس كما نعلم يختلفون فى الأمزجة ويختلفون فى الطباع ويختلفون فى الأعراض وفى العادات، فمنهم الذى يميل إلى التشدد فى كل أموره ويريد عندما يقول كلمة لا يختلف معه ولا يردّ عليه أحد ويعتقد أن كلمته هى الكلمة الصحيحة وفقط.

ومنهم المتساهل لأقصى درجة فيترك العمل ويلجأ إلى الكسل ويعتقد أن رحمة الله عزوجل ستجعله يفوز بدون عمل، فهذه طائفة وهذه طائفة وهناك طوائف كثيرة، وهم موجودين فى كل مجتمع إن كان بين الرجال أو بين النساء أو بين الشباب أو بين غيرهم.

النمط الأوسط

إختار الله عزوجل لهذه الأمة أن نمشى على الوسطية وقال لنا فى القرآن:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ (143البقرة).

لا نكون متشددين ولا متساهلين ولكن فى الوسطية التى جاء بها رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان منهجه دوماً التوسط فى كل أحواله، إن كان فى العبادات نجده يتوسط فيها لا يشق على نفسه ولا يُثقل على نفسه بالعبادات ولا يترك الطاعات والعبادات ولكن يمشى على المنهج الوسطى الذى فرضه عليه الله.

حتى فى المعيشة كان يختار النمط الأوسط فلا يسرف فى الطعام ولا يترك الطعام جملةً واحدة ولكن يتوسط حتى فى أصناف الطعام، وكان أيضاً يتوسط فى الملابس وفى الفرش والأثاث وفى كل أموره كان يختار النمط الأوسط صلى الله عليه وسلم.

وُجد جماعة فى زمانه وهؤلاء دوماً يكونوا شباباً، والشباب يغلب عليهم الحماس والقوة والفتوة والحمية ويريدون أن يعملوا ويجتهدوا فى طاعة الله عزوجل، فاجتمع ثلاثة منهم، فأحدهم قال: أنا سأصوم الدهر كله ولن أفطر يوماً، والثانى قال: وأنا سأقوم الليل كله ولن أنام ولا لحظة فى الليل فى أى ليلة من الليالى، والثالث قال: وأنا لن أتزوج وسأعتزل النساء.

هؤلاء الثلاثة ماذا اختاروا؟ هل إختاروا المنهج الوسطى أم المنهج المتشدد؟ التشدد وشددوا على أنفسهم.

{ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا ، فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.}[2]

من يبعد عن طريق رسول الله وهو طريق الوسطية فهذا بعيد عن هدى الله وعن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإسلام جاء لإسعاد المرء فى الدنيا والآخرة فجعل المنهج أن الإنسان لا يترك الدنيا نهائياً ويتفرغ للعبادات، ولا يترك عمل صالح للآخرة ويكون همه كله فى الدنيا وجمع الأموال والنيل من طيباتها وشهواتها، فهذا لا ينفع وهذا لا ينفع.

هناك أناسٌ شغالين فى الدنيا ولا يصلى ولا يذكر الله ولا يسمع أو يقرأ فى كتاب الله وحجته أنه مشغول والمشاغل كثيرة وطلبات العائلة والأسرة كثيرة، فمشغول بمثل هذه الأمور، وطبعا وهذه حجة غير صحيحة لأن الله عزوجل يريدنا أن نمشى مع الإثنين الدنيا والآخرة.

فعمل الدنيا نقوم به على أكمل وجه، وعمل الآخرة أيضاً نقوم به على أكمل وجه، ولا يتعطَّل هذا بسبب ذلك، ولا نقصر فى هذا ونجيد فى ذلك ـ لا ولكن الإثنين معاً فالإثنين يكمِّلوا بعض إن شاء الله.

فمن يصوم الدهر كله ولا يفطر يوماً فهذا سيكون فى النهار كسلاناً لأننا نصوم شهراً واحداً فى العام ونظل طوال اليوم كسالى ولا نريد أن نعمل وإذا أحدٌ كلمنا نقول له: أننا صائمون ومتعبون ونتعلل بذلك، فما بالكم بمن يصوم طوال العام فماذا يفعل؟ فهذا لن يعمل نهائياً بحجة الصيام، وهل هذا الوضع يرضى عنه الشرع والدين ورب العالمين؟ لا.

من يسهر كل ليلة طوال الليل فى طاعة الله فهل يستطيع أن يقوم فى الصباح ويذهب للعمل وهو لن ينام إلا بعد الفجر، فإذا استيقظ فسيقوم فى وقت الظهر ويكون بذلك قد ضيَّع وقت العمل.

ومن يترك الزواج: لو تركنا الزواج فهذا معناه أننا قررنا بخراب الأرض، فمن الذى يعمِّر الأرض الآن؟ الزواج ـ تأتى الذرية الطيبة وبعدها تأتى الذرية الطيبة فتعمر الأرض بالإنسان الذى جعله الله عزوجل خليفة عن الرحمن.

المنهج الأوسط في العبادة

هذا المنهج الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوافق عليه، فما المنهج الذى اختاره؟ المنهج الوسطى، وكان صلى الله عليه وسلم يلاحظ ذلك ويحاول أن يقوم بذلك مع أصحابه الكرام، فكلما سمع عن واحدٍ منهم أنه إنشغل بالعبادات شغلا زائداً عن الحد، يقول له: إرجع للوسطية.

سيدنا عمرو بن العاص رضى الله عنه كان إبنه عبد الله بن عمرو وكان شاباً وكان رجلاً من الصالحين، فكان مشغولاً بذلك: الليل كله قائم والنهار كله صائم، فاختار له أبوه عروساً طيبة وزوجه بها، وبعد الزواج فى كل يومين يذهب فيسأل العروس عن أخبارهما، فتقول له: مشغولٌ بالعبادة ويتركنى، يمكث يومان ثم يذهب إليها ويسألها: عن أخبارهما فتقول له: لا يزال منشغلاً بالعبادة ويتركنى فاشتكى لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: إن عبد الله مشغولٌ بالصيام نهاراً وبالقيام ليلاً ويترك حق الزوجة ـ والزوجة لها حق، فاستدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له:

ماذا تفعل؟ قال: أقرأ القرآن ـ وهل يستطيع أحدٌ أن يمنع أحداً من قراءة القرآن؟ لا ـ لكن النبى منعه وأعاده للوسطية، وقال له: فى كم تقرأ القرآن؟ قال: أقرأه فى كل يوم وليلة مرة ـ يقرأ القرآن كله من أوله إلى آخره فى يومٍ وليلة فهل هذا يملك وقتاً لشيءٍ آخر غير ذلك؟ حتى ربما لا يجد وقتاً للطعام، فقال له:

{اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، قَالَ : إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ فِي ثَلاثٍ}[3]

لأن هناك مصالح أخرى وحقوق اخرى وانت مكلف بها

وأيضا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ : لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ ؟  ، قَالَ : قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَأَفْطِرْ وَصُمْ وَنَمْ وَقُمْ وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ  ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : صُمْ يَوْمًا ، وَأَفْطِرْ يَوْمًا  ، قَالَ : إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ }[4].

هذا الرجل يحكى أنه طالت به الحياة وكبر فى السن وبعد الكبر الجسم ضعُف، فزاره جماعة وسألوه ما حالك؟ فقال لهم: أنا حزين لأننى لم أقبل وصية رسول الله، فقالوا: ولمَ؟ فقال: كبرت فى السن والرسول أوصانى أن أصوم يوماً وأفطر يوماً وأنا لا أستطيع ذلك الآن.

فأراد رسول الله أن يوجهه للعمل الذى يستطيع أن يداوم عليه وهذا هو المنهج الذى اختاره النبى لنا أجمعين، ماذا نعمل يا رسول الله من الأعمال الصالحة؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

{ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ }[5]

المهم أن أداوم عليها، أسبِّح كل يوم مائة تسبيحة وأداوم عليهم فهذا شيءٌ طيب، لكن أسبِّح عشرة آلاف ويوم أسبح ويوم لا أسبح فهذا نهج لا يرضى الله ويخالف هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فيختار المسلم لنفسه المنهج الذى به يستطيع أن يديم على الأعمال الصالحة فلا يُثقل على نفسه بحيث أنه يوفِّى بكل الحقوق.

حسن استغلال الوقت

إذا كانت هناك بنتٌ وطالبة فعندها الوقت الأول للدراسة والوقت الثانى للإستذكار، والوقت الثالث للفرائض التى لا غنى لنا عنها وهى الصلوات الخمس، والوقت الرابع لبعض الأعمال التى تساعد بها والدتها فى المنزل حتى تكون بارةًّ بها.

فى الأجازة يكون عندها وقت زائد فلا مانع من عمل بعض الأعمال الخيرية للفقراء والمساكين طلباً لمرضاة الله عزوجل، لكن هناك طالبة تنشغل بالعبادات فقط، فهل هذا منهج يرضى الله ورسوله؟

تترك المحاضرات وتجلس فى المسجد مع بعض الأخوات يذاكرن الدروس الدينية، فهل هذا ينفع فى نظر الإسلام؟ لا ـ لأن الفريضة الأولى عليها هى هذا الأمر.

التوفيق في إعطاء الحقوق

إذا كانت إمراة فيكون عليها حق لله وحق للزوج وحق للأولاد وحق للأبوين إن كانا حييَّن، وحقٌ للأقارب وذوى الأرحام، عليها أن توفق بين هذه الحقوق وتعطى لكل ذى حقٍ حقّه، وهذا هو المنهج الإسلامى الذى ارتضاه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم.

الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة اختار للمسلمين أن يكون لكلٌ واحد منهم صاحباً يعينه على أمر دينه، واحدٌ منهم يجلس مع رسول الله يسمع منه العلم والحكمة والقرآن والآخر يذهب لعمله، وعندما يأتى  صاحب العمل ليجالس رسول الله والآخر يذهب للعمل حتى تكون الدنيا والآخرة يمشون فيها معاً، والإثنين يجلسان معاً وكل واحدٍ منهما يحكى للآخر ما سمعه من رسول الله، فلم يفته شيئاً من رسول الله وفى نفس الوقت بجانب العمل يؤدى ما عليه لأولاده وأهل بيته تنفيذاً للمنهج الإلهى الذى ارتضاه لنا الله.

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين كل اثنين على سبيل المثال سيدنا أبو الدرداء وسيدنا سلمان الفارسى أخوان معاً، سلمان سافر ورجع من سفره فمرَّ بأخيه أبي الدرداء فوجد إمرأته لا تهتم بنفسها نهائياً ـ لا بالملبس ولا بالمظهر ولا بالمنظر ـ فسألها: ما حال أبو الدرداء؟ قالت: إنشغل عنا بعبادة الله، فانتظر حتى جاء أبو الدرداء وقدم له الطعام وقال له سلمان: كل معى، فقال: أنا صائم، فقال له: لن آكل حتى تأكل معى، فأكل معه، ثم نام معه فى الليل فى غرفة واحدة فأراد أبو الدرداء أن يقوم ليتوضأ ويصلى، فقال له سلمان: أنتظر قليلاً الوقت بدرى على الفجر، وكلما أراد القيام يؤخره حتى حلَّ موعد الفجر فقال له: هيا لنتوضأ ونصلى مع رسول الله، فرآه حزين فقال له: لم تحزن؟ إن لربك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً وإن لبدنك (جسمك) عليك حقاً فأعطى كل ذى حقٍ حقه.

ذهبوا ليصلوا مع رسول الله فبعد الصلاة اشتكى أبو الدرداء سلمان إلى رسول الله وقال له: سلمان جعلنى أفطر وكنت صائما، ومنعنى الصلاة بالليل ـ أى القيام يعنى منعنى من طاعة الله ـ فاستوضح النبى الأمر وأكِّد على الحكم وقال له:

{ صَدَقَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ،إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ }[6]

لابد وأن تعطى كل واحد من هؤلاء حقوقه لأن هذا هو المنهج الذى ارتضاه لنا الله وكان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أحوال النبهاء من أصحاب النبي

الجماعة العُقلاء من أصحاب حضرة النبى الذين نريد أن نكون مثلهم إختاروا أعمالاً قليلة وحضرة النبى بينها لنا قليلة ويسيرة وفى نفس الوقت لها أجور كثيرة عند الله عزوجل حتى يقومون بالحقوق كلها.

مثال آخر أيام حضرة النبى صلى الله عليه وسلم:

واحدة عرضت نفسها على حضرة النبى وقالت له:

أريد أن أتزوج بشرط أن من يتزوجنى تكون فيه شروطاً ثلاثة أن يقرأ القرآن كله كل يوم مرة، ولا ينام الليل كله ويصوم الدهر كله ـ شروطها هكذا ـ حضرة النبى عرض الأمر على أصحابه وأحدهم قال له: أنا أتزوجها ومعى هذه الشروط، فتزوجها وبعد مدة وجدت أن الزوج لم ينفذ أى شرط من الشروط فى نظرها، ففى الليل ينام وفى النهار فاطر ولا يقرأ القرآن إلا القليل، فلما تعبت من ذلك ذهبت لحضرة النبى وقالت له: فلان هذا لم ينفذ شيئاً مما اتفقنا عليه، فقال لها: نأتى به وهو أعلم بنفسه، ويعلمنا حضرة النبى فى هذا الأمر أن الإنسان لا يسمع من واحد فقط ولكن أسمع من الطرفين.

إياكى أن تتسرعى وتحكمى فى قضية بعد أن تسمعى من طرف واحد، فكل طرف يحكى على حسب هواه ليكون الحكم لصالحه، ولكن نسمع للإثنين فى وجودهما معاً، لأنه عندما يكونا بعيدين عن بعضهما يكون أيضاً من الجائز أن يحكى كلٍ منهما على هواه، لكن فى وجودهما معاَ لا يستطيعا إلا قول الحق.

فجاء الرجل وقال له: هذه شرطت عليك أن لا تنام الليل ولا تفطر بالنهار وأن تقرأ القرآن كله كل يوم مرة وتقول أنك لم توفِّى، فقال: يا رسول الله لقد وفيت بالشروط كلها وقال: سمعتك تقول:

{ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ }[7]

وانا أحافظ على ذلك، فقال له: هذا الشرط قد وفيته.

قال: وسمعتك تقول:

{ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوّالٍ . كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ }[8]

وقد صمت رمضان والست من شوال، فقال له: قد وفيت.

ثم قال: وسمعتك تقول:

{ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ ، وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلاثًا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ ارْتجالا }[9]

وأنا أقرأ السورة ثلاث مرات كل يوم، فالتفت النبى وقال لها: ـ وانتبهوا لعبارة النبى: (انصرفى فقد تزوجت فقيهاً) ـ رجلاً فقيهاً، ومن هو الفقيه؟

لذى ينظر للعمل القليل الذى عليه الأجر الكثير حتى يستطيع القيام بالحقوق التى كلفه بها الله نحو عباد الله عزوجل.

أمور لا تجوز

لكن على سبيل المثال:

هل يجوز لإمراة أن تُحيى الليل كله فى الصلاة لله وتترك حق زوجها؟

 لا يجوز وهذا ممنوع!

وهل يجوز لإمرأة متزوجة أن تصوم يوماً فى غير رمضان بدون إذن زوجها؟

لابد من إذن الرجل.

هل يبيح الشرع لإمرأة أن تنهمك طوال الوقت فى هذه الفترة فى الحديث فى التليفونات مع الجيران أو فى مشاهدة التليفزيون وبعد أن تسمع آذان الظهر تقول: الظهر أذَّن ولم أصنع الطعام بعد وزوجى على وصول للبيت!!

ويأتى الرجل ويجدها لم تجهِّز الطعام!

ولكى تخرج من هذا المطب ماذا تفعل؟ فعندما يدخل البيت تتصنع الوضوء وتصلى وتتركه بلا طعام وكأنها مشغولة بصلاة الظهر، وهل ينفع هذا، ولماذا تصلى عند موعد الغذاء أفلا تصلى قبل وصول زوجها؟ وتتجهز للجلوس معه والغذاء معه والحديث معه حتى تكون سكناً له كما قال الله عزوجل.

فالإسلام يريد الدعوة الوسطية التى كان عليها النبى وكان عليها أصحاب النبى، وهو أن الإنسان يعطى لأصحاب الحقوق حقوقهم.

وذُكر رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهادِ في العِبادة والقُوَّة على العمل وقالوا‏:‏ صَحِبْناه في سَفر فما رأينا بعدك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعبَدَ منه كان لا يَنْفتل من صلاة ولا يُفْطر من صيام‏.

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

{ فمن كان يَمُونه ويَقُوم به قالوا‏:‏ كلّنا قال‏:‏ كلُّكم أعبدُ منه‏.‏}[10]

( ومَرّ المسيحُ برجل من بني إسرائيل يتعبّد فقال‏:‏ ما تصنع قال‏:‏ أتعبد قال‏:‏ ومَن يقوم بك قال‏:‏ أخي قال‏:‏ أخوك أعبدُ منك‏ }[11]

لأن الإسلام ليس فيه هذا النظام، وهذا النظام موجود عند المسيحية فى الرهبنة، والرهبنة هى أن يتفرغوا للعبادة ويتركوا العمل ويذهبوا للأديرة ويعيشون فيها، والنبى قال لنا:

{ لاَ رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلاَمِ }[12]

فالإسلام ليس فيه شيءٌ من ذلك ولكن فيه عملٌ للدنيا وعملٌ للآخرة ولكن المهم أن يكون عمل الدنيا لا يلغى عمل الآخرة، ولا عمل الآخرة ينسى الإنسان الحقوق المكلف بها فى دنياه.

إذا قام المرء بهذا المنهاج يكون هو المنهاج الكامل الوسطي الذي اختاره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] ندوة النساء – بمركز شباب طيبة – الأقصر ـ العوامية الإثنين 17/11/2014 موافق 25 من المحرم 1436 هـ

[2] صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه.

[3] صحيح البخارى عن عبدالله بن عمرو.

[4] صحيح البخارى ومسلم عن عبدالله بن عمرو.

[5] صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها.

[6] صحيح البخارى عن وهب بن عبدالله.

[7] رواه مسلم والترمذي عن عثمان بن عفان رضى الله عنه.

[8] صحيح مسلم عن خالد بن زيد.

[9] الرافعي عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

[10] العقد الفريد

[11] العقد الفريد والإحياء ونصوص الأخبار

[12] رواه الطبراني عن صدى بن عجلان بلفظ ” إِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ، وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ”

[1] ندوة النساء – بمركز شباب طيبة – الأقصر ـ العوامية الإثنين 17/11/2014 موافق 25 من المحرم 1436 هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid