سؤال: والدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة أم في النار؟
=================================
هذا أمر لا ينبغي أن نخوض فيه لأن الله عزَّ وجلَّ قال لنا في صريح القرآن:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [69الأحزاب]. فلا ينبغي لنا أن نؤذي حضرة النبي بالكلام عن أبويه صلى الله عليه وسلم.
وأبوي النبي أصح ما قيل فيهم من أقوال:
أنهما كانا في الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الفترة ليس فيها أنبياء، ومن عاش فيها فهو من أهل الفترة الناجين حسب أصح أقوال العلماء الأجلاء، لأن الله قال في القرآن الكريم: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾[15الإسراء].
ولا نريد أن نتكلم في هذا الأمر أكثر من ذاك، لأن من يُجادل في هذا الأمر يؤذي حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي لنا ذلك بالمرَّة.
**************************
أسرار الحجر الأسود
سؤال: ما أسرار الحجر الأسود؟
===========================================
الحجر الأسود أصح ما قيل فيه أنه كان حجراً من الجنة، ولما بدأ نبيُّ الله إبراهيم ويعاونه نبيُّ الله إسماعيل في بناء البيت، فأراد أن يجعل هناك حجراً علامة يبدأ من عنده الطائف بالبيت، فأنزل الله عزَّ وجلَّ الأمين جبريل بهذا الحجر من الجنة وأمره أن يجعله في ابتداء الطواف، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كَانَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ} (مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة عن ابن عباسرضي الله عنهما).
أما أسراره فقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: {يَأْتِي هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَق} (سنن الترمذي وابن ماجة وكسند الإمام أحمد عن ابن عباسرضي الله عنهما).
كيف يصور الحجر كل من يمر أمامه أو يُقبله إلى يوم القيامة؟! وأين هذه الأفلام؟! وأين هذه المناظر؟! ويشهد له بعد ذلك يوم القيامة!! هذه من جملة الأسرار العالية لهذا الحجر.
أيضاً من جملة أسراره أن رجلاً من الخوارج يُسمى أبو عبد الله القُرمطي في زمن الدولة العباسية، أرسل رجالاً من أتباعه اقتلعوا الحجر من مكانه وأخذوه إلى سلطنة عمان الآن، وأخذ يتفاوض معهم الخلفاء العباسيون لإرجاع الحجر، وبقي الحجر عندهم مدة تزيد عن العشرين عاماً وقيل أكثر من ستين عاماً!! واسمعوا لبعض الروايات في ذلك وفيها من آيات الحجر العجب: {… فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ – بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَالْكَافِ بِوَزْنِ عُلَيْمٍ – الْمُحَدِّثَ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ، فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ. فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ، ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا، ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ، فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ، فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ، فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفي وَلَمْ يَغُصْ، وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ، فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ؟ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: { الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ، يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ، يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ، وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ} .
كيف يطفوا مع أنه حجر وثقيل؟! هذا سر من أسرار الله عزَّ وجلَّ، وكيف يظل بارداً ولو وضع في فرن حراري؟! وكيف تموت تحته الجمال جملاً وراء جمل! إذا أخذ عنوة وقسراً! وتسمن إذا كانت تحمله لمكانه المرسوم!!! وكلُّ هذا أيضاً سر من أسرار هذا الحجر، فلأنه حجرٌ من الجنة جعل الله عزَّ وجلَّ فيه أسراراً لا يعرفها إلا الأبرار والأطهار، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا الحجر يشهد لنا أجمعين بالوفاء يوم لقاء العزيز الغفارعزَّ وجلَّ.
******************************
علاقة البنت بزميلها في الجامعة
سؤال: كيف تكون علاقة البنت بزميلها في الجامعة؟ أو الفتاة والمرأة العاملة بزملائها في العمل؟
===========================================
علاقة البنت بالولد في أي مكان – إن كان في العمل، أو في الجامعة، أو في أي اجتماع – ينبغي أن تكون في الحدود الشرعية التي وضع الله قواعدها في الآيات القرآنية، فلا تتحدث معه إلا في أمر يخصُّ العمل أو الدراسة، ولا تتحدث معه في أحاديث جانبية، وإذا تحدثت معه يكون في أُذنها قول اللهعزَّ وجلَّ: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾[32الأحزاب].
إذا حدَّثت الفتاة فتىً برفق ولين فإنه يطمع فيها وهذا واضح ومعروف، ولذلك يجب أن تُحدثه بتحفظ أو بخشونة، وبكلام معروف، أي الأمور المتعارف عليها، كالأمور الخاصة بالعمل، أو الخاصة بالمحاضرات، ولا تزيد معه فتدخل إلى الخصوصيات، وإذا جلست معه فليكن في مكان عام مفتوح وليس على جانب أو بعيداً عن العيون لأن هذا أدعى لحركة النَّفْسِ وأقرب لسوء الظن بهما.
أما أثناء الحديث معاً أو الكلام، فيأمرنا الدِّين أن نظر الولد لا يقع على نظر الفتاة لأن النظر بريد الحس والشهوة، فينبغي للفتاة أن تنظر على جانبه الأيمن أو الأيسر أو فوقه أو تحته، ولا تلتقي العينان، فإذ التقت العينان فإن الغريزة الجنسية تبدأ فوراً في الحركة الباطنية الداخلية، فيجب ألا تلتقي عينها مع عينه، وتكون مجمَّلة بالستر والحياء فتتزيَّ بالزيِّ الشرعيّ، ولا تضع على وجهها شيء من الأصباغ، ولا يظهر من جسمها شيء إلا الوجه والكفين.
**************************
الفاحشة على النت
سؤال:هل من يرتكب الفاحشة على النت عن طريق الكاميرات يأخذ حكم الزاني؟
==============================================
هذه ظاهرة ظهرت حديثاً، فهناك بعض الشباب والفتيات يخاطبون بعضاً عن طريق النت واستخدام الكاميرات، وتخلع ملابسها أمامه ليراها بالكاميرا، ويخلع ملابسه أمامها لتراه، ثم يحاول أن يتشبه بفعل الفاحشة، وهي تقوم معه بالمجانسة، وهذا أمر غريب يحدث في عصرنا، ولكنه كما قال الله: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴾[32الإسراء].
وانظر إلى قول الله، فلم يقل الله: (ولا تزنوا) ولكن قال: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ﴾!!!أي أن كل الأعمال التي تُقرب من الزنا فهي زنا، وهذا العمل يُقرِّب من الزنا، لأنه يدعوهم بعد ذلك إلى طلب اللقاء، وبعد اللقاء قد يحدث الداء، وتكون الكارثة ،وتكون الطامة الكبرى التي يبرأ منها الله عزَّ وجلَّ، ونهى عنها إمام الرسل والأنبياء. فهذا زنا لأنه عمل قريب من الزنا، ويكفي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: {الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ} (مسند الإمام أحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا زنا بالنظرة.
***********************
العلاج بالقرآن
سؤال:كيف يكون العلاج بالقرآن؟ وهل العلاج بالقرآن يعالج مريض الفشل الكلوي؟
=============================================
وضَّح الله عزَّ وجلَّوبيَّن العلاج بالقرآن، وقال فيه عز شأنه: ﴿ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾[57يونس]. إذاً القرآن علاج لما في الصدور من وساوس، ومن هواجس، ومن شكوك، ومن حقد، ومن حسد، ومن أثرة، ومن أنانية. من هذه الأمراض التي تسكن الصدور.
أما الأمراض الجسمانية فقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: {تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّلَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً} (سنن أبي داود وابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أسامة بن شريك رضي الله عنه). قد يستخدم بعض الناس الرقية الشرعية، لكن الرقية الشرعية لا غِنى معها عن الأدوية الطبية.
الإنسان في مرضه عليه بأمرين، الدعاء ثم الذهاب إلى الأطباء، ويعتقد أن الشافي هو الله، والسبب هم الأطباء، الشافي هو الله، والسبب هو الدواء الذي يتعاطاه، إذا وضع الله فيه خاصية الشفاء. فالرُّقية الشرعية دعاء لكن لا بد من الذهاب إلى الأطباء، فالسيدة عائشةرضي اللهعنهاكانت عالمة بالطب، وحين سُئلت: من أين تعلمت الطب يا أم المؤمنين؟ قالت كم في الحديث: {كان عروة يقول لعائشة: يا أمَّتاه، لا أعجب من فهمك، أقول زوجة رسول اللهصلىاللهعليه وسلموبنت أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو؟ ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبه، وقالت: أي عُرَيَّة: إِن رسول اللهصلى الله عليه وسلمكان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثمَّ } (مسند الإمام أحمدعن عروة). أي أنها تعلمت الطب من حكماء وأطباء العرب الذين كانوا يأتون لمعالجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً من يدَّعي أنه يشفي الأمراض الجسمانية كالفشل الكلوي والكبد والقلب، أو حتى الأنفلونزا وغيرها، فهذا ليس له دليل من كتاب الله ولا من سُنة رسول الله على الاكتفاء في العلاج بكتاب الله، لكنه يدعو الله، أو يستخدم الرقية الشرعية، لكن لابد مع ذاك من الذهاب إلى الأطباء لفحص الداء والإتيان بالدواء.
والدواء قد يكون نباتاً، أو من حيواناً، أو من أسماك، أو قد يكون من حديد، أو قد يكون من أي أمر من الأرض، فإن الأرض كلها مملوءة بالأدوية كما قال صلى الله عليه وسلم، ولكن يكشفها الله عزَّ وجلَّ لمهرة العلماء والصيادلة، فيكتشفون الدواء ثم يجرِّبونه ثم يستخدمونه أو يُقررون استخدامه.
ولي إضافة في هذا الباب:
لا نستغني بالأعشاب عن الأدوية الطبية المقررة إلا إذا كانت هذه الأعشاب قد استخدمها الصيادلة وصرحت بها وزارات الصحة، وتُصنع في شركات الدواء، لأنها بذلك تكون دخلت في دائرة الدواء.
لكن الأعشاب التي تباع على قارعة الطريق وعلى الأرصفة فهي للتجربة، ولا يليق بالإنسان أن يُجرب في نفسه عشباً قد يأتي منه الشفاء، ولكن الأغلب يزيد به الداء، لكن يجب علينا بالطريق القويم بالأخذ بالدعاء أو الرقية الشرعية ثم الذهاب إلى الطبيب وتناول الدواء، وتلك هي سُنَّة سيد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم.
***************************
الرقية الشرعية
سؤال: ما كيفية الرقية الشرعية، وهل الرقية الشرعية للحسد تختلف عن الرقية للسحر؟
=============================================
الرقية الشرعية إما آيات قرآنية فيها سر الشفاء، وهذه اسمها آيات الشفاء، وهي ست آيات في القرآن، إذا قرأها الإنسان على مريض، وكان أثناء قراءتها في حضور وفي إخلاص مع الله حقق الله بهذه الآيات الشفاء، وهذه الآيات هي:
آيات الشفاء هذه لو قرأناها على مريض بوضوء وبإخلاص لله، فإن الله عزَّ وجلَّإذا كان الداء حسداً أو كسلاً أو حقداً أصابه يُشفي في الحال، وإذا كان الداء مرضاً جسمانياً يُخفف عنه لأنه لا بد له من استعمال الدواء.
ومعها الأدعية التي ورد أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يُرقي بها أصحابه وأهله وذووه، وقد ورد في هذا الكثير مثل: {اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها).
وهذا دعاء آخر: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أُعِيذُكَ بِالأَحَدِ الصَّمَدِ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، مِنْ شَرِّ مَا تَجِدُ} (المطالب العالية لابن حجر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه)
وأيضاً: {أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ} (صحيح البخاري وسنن الترمذي وأبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما).
وهذه كانت رقية الحبيب للأطفال الصغار، وكان النبيُّ يُعلمهم أن يُرقي الإنسان نفسه، فعن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: { قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلموَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُبْطِلُنِي، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَيْهِ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ “، سَبْعَ مَرَّاتٍ فَقُلْتُ ذَلِكَ: فَشَفَانِيَ اللَّهُ} (صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود).
وإذا كان الذي عندنا نعلم أنه أصيب بداء العين وهو الحسد، فيجب أن نداويه بالآيات القرآنية: (قل هو الله أحد) (قل أعوذ برب الفلق) (قل أعوذ برب الناس) لأنها وقاية من الحسد إن شاء الله، وقد ورد في المعوذتين في الترمذي عن أبى سعيد أنه: {كانَ رَسُولُ الله يَتَعَوَّذُ من الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذَتَانِ، فَلَمّا نَزَلَتْ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ ما سِوَاهُمَا}.
أي ناحية من هذه النواحي أخذناها لا بأس بها، لكن المهم الإخلاص والصدق، فقد ورد في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهمرض وجاءه أبو بكر رضي الله عنهعائداً وقرأ عليه الفاتحة فشُفي رضي الله عنهبإذن الله، فلم توفي أبو بكر رضي الله عنه، وتولى عمر الخلافة مرض ذات يوم واشتد مرضه، فذكره إخوانه بما فعله أبو بكر رضي الله عنهيومها، فقال لهم عمر رضي الله عنهمأجمعين : {هذه الفاتحة فأين أبو بكر!!! }
المهم الذي يخرج منه القرآن، كلنا نقرأ القرآن في الصلاة، لكن منا من يقرأ وكلماته تصعد إلى السماء السابعة إلى اللوح المحفوظ، ومنا من كلامه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوصد أمامه أبواب السماء ويُلقى بها في وجهه، ولا يُقبل منه، لأن الأساس في حضور القلب، والخشوع والخضوع والخوف من الله عزَّ وجلَّ.
التخلص من الوسواس القهري
سؤال: ما المقصود بالوسواس؟ وهل هناك ما يُسمى بالوسواس القهري؟
وما كيفية التخلص منه؟
==============================================
الوسواس هو الشكوك التي تنتاب الإنسان، وهذه الشكوك تكون لأسباب عدة،
أول سبب لها: قلة تحصيل الإنسان من العلم القرآني.
والسبب الثاني: الغفلة عن الله، والانشغال بالدنيا والحظوظ والأهواء عن حضرة الله عزَّ وجلَّ.
والسبب الثالث: مخالطة رفقاء السوء، لأن المرء على دين خليله، فإذا خالط أهل الغفلة فإنهم يعدونه بالغفلة فينتابه الوسواس،
ويكون التخلص من الوسواس عن طريق عدة أمور:
الأمر الأول: العلم، ولذلك قال الله لحبيبه صلى الله عليه وسلمومصطفاه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.[114، طه]. العلم بالله، العلم بذات الله، العلم بأسماء الله، العلم بأوصاف حضرة الله، العلم بكتاب الله، كل ذاك إذا امتلأ به القلب يمنع الوسواس إن شاء الله.
الأمر الثاني: المداومة على ذكر الله، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: {لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه). وقال الله عزَّ وجلَّفيمن يصيبه الشيطان في سورة الزخرف: ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾.[36، الزخرف].
ما السبب في مجيء الشيطان؟ غفلته عن ذكر الرحمن عزَّ وجلَّ، قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ} (مسند أبي يعلي الموصلي والدعاء للطبراني عن أنس رضي الله عنه).
إذاً سر الوسوسة هو الغفلة عن ذكر الله، ولذا يقول لنا الله: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾.[24، الكهف].حتى تضيع هذه الغفلة.
الأمر الثالث: ترك قرناء السوء، ومجالسة القرناء الصالحين: ﴿فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.[68، الأنعام].أجالس الصالحين، أجالس المطيعين، أجالس الذين يعملون دائماً بهدى النبي صلى الله عليه وسلم: {مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِير} (البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه).
هذه الأمور التي يزول بها الوسواس.
أما الوسواس القهري فهذا مرض نفسي يصيب الإنسان بسبب أمور يتعرض لها في حياته لا يستطيع دفعها في حينها فتترسب عنده ويصاب بهذا الداء.
الوسواس القهري سببه أن الإنسان يُخزِّن ما يحدث له، وفي لحظة من اللحظات تثور هذه الأشياء بداخله ولا يستطيع دفعها، فيثور فجأة، وإذا ثار فجأة ربما يحطم من أمامه، وربما يضرب من أمامه – وإن كان أباه أو أُمه – لأنه في حالة هياج وحالة ثورة. فهذا مرض نفسي وله علاج وأدوية، كل ما على المرء أن يذهب إلى طبيب نفسي ماهر ويحافظ على تناول العلاج، فيشفي منه إن شاء الله.
********************
الصلاة جماعة في البيت
سؤال: هل يجوز الصلاة جماعة في البيت إن كان في الذهاب إلى المسجد مشقة؟
=============================================
يجوز الصلاة جماعة للإنسان وإن كان معه فرد واحد، وهذا من فضل الله على جماعة المسلمين، فتصح صلاة الجماعة بفردين، كرجل وزوجته، ويأخذا ثواب الجماعة، وإن كانوا عدد كأربعة مثلاً يؤذن أحدهم، ثم يصلون جماعة ولهم الثواب تاماً كاملاً ،والمكان الذي هم فيه مسجداً لله سر قوله صلى الله عليه وسلم: {جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا} (صحيح مسلم وسنن البيهقي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه).
**************************
إجابة الدعوة للصائم تطوعاً
سؤال: ما الواجب إذا دعاني أخ لوليمة – مثلاً – وأنا صائم صيام تطوع؟
==========================================
روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهقال: {صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلمطَعَامًا فَأَتَانِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَفْطِرْ وَصُمْ مَكَانَهُ يَوْمًا إِنْ شِئْتَ}
الإسلام حريص على العلاقات الإنسانية بين الأنام، إذا دعاك أخوك، ما الواجب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ} (صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجة عن ابن عمر).
لا بد أن يجيب، وإذا تعددت الدعوة قال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ، فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ} (سنن أبي داود والبيهقي ومسند الإمام أحمد).
ولا شأن لي بما يدعوني إليه، قال صلى الله عليه وسلم: {لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه)، مع أن العرب لا تأكل الكراع ولا الكرش!! لكن النبيَّ يُعطي مثال للتواضع، وقيل: أن النبي صلى الله عليه وسلمكان يجيب دعوة العبد المملوك، والأمة المملوكة والمسكين، ولا يرد دعوة أحد أبداً، بل كان صلى الله عليه وسلم يأتيه الطفل الصغير فيأخذ بيده، فلا يقول إلى أين؟ بل يمشي خلفه كما يريد، وذلك ليعلمهم إجابة الدعوة.
ودعته امرأة إلى طعام، وكان الطعام خلاًّ، هل يأكل أحدٌ الخلَّ فقط؟!! لا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر خاطر الفقراء والمساكين، فجبر خاطرها وأكل طعامها وزاد في إكرامها فقال – بعد الأكل: {نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ} (صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن جابر رضي الله عنه).
حتى يُعْلِمها أنها فعلت فعلاً عظيماً وليُعلم أصحابه، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
الإمام الحسن بن عليّ تربية حضرة النبيّ، كان راكباً يوماً ووجد جماعة من الذين يعملون بأيديهم على قارعة الطريق يأكلون، فقالوا: هلم يا بن بنت رسول الله، فنزل وأكل، ثم قال: أجبتكم على أن تجيبوني في يوم كذا، وجهز لهم مائدة شهية ليُطعمهم من المأكولات التي لا يستطيعون أكلها أو الحصول عليها، فهو أجابهم ليُكرمهم بعد ذلك بما لا يستطيعون أكله أو الحصول عليه، حتى قال صلى الله عليه وسلم فيمن يُطعم الفقراء ما لا يستطيعون الحصول عليه: {مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ لُقْمَةً حُلْوَةً لَمْ يَذقْ مَرَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الترغيب في فضائل الأعمال لابن شاهين والبر والصلة لابن الجوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه).
فإذا دعاني أخي إلى طعام وأنا صائم سُنَّة لله عزَّ وجلَّ، قال الفقهاء والعلماء الأجلاء: إذا جبرت خاطر أخي وأفطرت هذا اليوم من أجل إجابته، فإن الله يجعل أجري من صيام هذا اليوم مقبولاً – مع أنني أفطرت – لأنني أفطرت جبراً لخاطر هذا المؤمن الذي كلَّف نفسه ودعاني. ولذلك قالوا: لا مانع للإنسان أن يُفطر إجابة لدعوة أخيه إذا وجد أنه يتألم لو وجده أنه لا يأكل، أما إذا وجد أخاه لا يجزع ولا يتغير إذا عرف أنه صائماً يومه هذا فلا يفطر ويُكمل يومه هذا إن شاء الله ربُّ العالمين.
**************
أسرار زمان ومكان الحج
سؤال:لماذا جعل الله عزَّ وجلَّعبادة الحجِّ في يوم عرفة، ولا تصح إلاَّ في يوم عرفة وهذه الأماكن بالذات؟
====================================
يُعلمنا الله عزَّ وجلَّ أن من أخلص لله عزَّ وجلَّ في توجهه لمولاه، وصدق في طاعته لله، جعل الله عزَّ وجلَّ له حسن الأحدوثة والذكر في الدنيا، فضلاً عن السعادة الوارفة يوم لقاء الله جل في علاه. فإن مناسك الحج مرتبطة بأنبياء الله ورسل الله عزَّ وجلَّ!!
فإن الله عزَّ وجلَّ أمر الملائكة – في أصح الأقوال – ببناء البيت الحرام، فيما روى من الأخبار والآثار الكثيرة التي نسب بعضها للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها للإمام علىٍّ، وبعضها للحسن بن على ولآخرين، أنه قيل: أن الله تعالى لما قال للملائكة: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[30البقرة].
{وغضب عليهم غضبا شديداً ففرقوا لغضبه ولاذوا بالعرش وطافوا حولـه سبعا – وفي روايات فطافوا حول البيت المعمور – يستغفرون اللـه تعالى فغفر لـهم ورضي عنهم وقال لـهم ابنوا في الأرض بيتا يطوف حولـه ذرية من استخلفه فيها ويستغفروني فأغفر لـهم كما غفرت لكم وأرضى عنهم كما رضيت عنكم} (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر).
وأراد الله عزَّ وجلَّ أن يُعَلِّم آدم وذريته التوبة المثلى وكيفيتها لله عزَّ وجلَّ ، فأنساه الله وهو في الجنة ما أمره به مولاه: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾[115طه]. فكانت النتيجة أن أُهبط آدم من الجنة، وإن كان آدم أُهبط من الجنة بذنب!! فكيف نطمع أن ندخلها بذنوب لا تُعدُّ ولا تُحصى؟!! إلا إذا تاب التواب عزَّ وجلَّ.
وأهبط آدم في سَيلان بجوار بلاد الهند- وفي موضع نزوله روايات عديدة-، وأخذ يضرع إلى الله ويتوب لأنه علم أنه أخطأ، ثم بعد مدة – اختلف العلماء في قدرها، قد تكون أربعين، وقد تكون ثلاثمائة عام – نزل الأمين جبريل وقال: يا آدم اذهب إلى البيت وطُفْ حوله يغفر الله عزَّ وجلَّ لك. فجاء آدم من الهند إلى مكة ماشياً، وإن كان الله عزَّ وجلَّ طوى له الأرض، فقطعها في بضع خطوات، ووصل البيت وألصق صدره في الملتزم – وهو بين باب البيت وحجر الركن، هذا المكان إذا تمكن الإنسان وألصق صدره إليه ورفع يديه فإن دعاءه لا يُرد.
فآدم وضع صدره على الملتزم، ورفع يديه ودعا بالدعاء الذي حكاه لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي وَعَلانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُنِي إِلا مَا كَتَبْتَ لِي، وَرِضًا بِمَا قَسَمْتَ لِي. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا آدَمُ، إِنِّي قَدْ قَبِلْتُ تَوْبَتَكَ، وَغَفَرْتُ لَكَ ذَنْبِكَ، وَلَنْ يَدْعُونِي أَحَدٌ بِهَذَا الدُّعَاءِ إِلا غَفَرْتُ لَهُ ذَنْبَهُ، وَكَفَيْتُهُ الْمُهِمَّ مِنْ أَمْرِهِ، وَزَجَرْتُ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، وَاتْجَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَاجِرٍ، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الدُّنْيَا رَاغِمَةً، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا} (سنن الطبراني والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها).
فأعلمنا الله عزَّ وجلَّ على لسان حبيبه ومصطفاه أن من يتعرض للمشقة، ويذهب إلى هذا الموضع – كما ذهب آدم – يغفر له الله عند بيت الله جلَّ في علاه.
ثم أتم الله النعمة على آدم فبعد أن نزل في بلاد الهند، ونزلت حواء في بلاد الحجاز ولم يلتقيا، بعد أن تاب الله عليه مشى إلى عرفات، وساقت الملائكة زوجه إلى عرفات، فتعارفا هناك، ومن هنا سُمي: (عَرَفَات)، فكأن الإنسان الذي يريد أن يستجيب الله دعاءه لا بد أن يحظى بمغفرة الله، يطوف بالبيت فيغفر الله له، ثم يذهب إلى موضع إجابة الدعاء فيستجيب الله له.
وبقية المناسك كانت تكريماً للخليل وأهل بيته الأطهار، فإن زوجته التقية النقية لما سلَّمتْ أمرها لله وقالت: يا إبراهيم لمن تتركنا هنا؟ فلم يجبها ثلاث مرات، ثم قالت في المرة الثالثة: أالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يُضيعنا، فأحسنت التوكل على الله، فجعل الله عزَّ وجلَّ حركات قدميها وسعيها في البحث عن الماء لرضيعها عبادة، وهي عبادة السعى في الأماكن التي مشت فيها، فنمشي حيث مشت، ونهرول حيث هرولت، عبادة شبيهة بما فعلت تكريماً لها إلى يوم الدين، وهذه العبادة توضع في صحيفتها من المسلمين والمسلمات إلى يوم الدين.
وكذا عبادة الخليل وإسماعيل، عندما أمره ربُّه أن يذبح ابنه، فسَلَّم لأمر مولاه ورضي الغلام وقال كما أخبر القرآن: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾[102الصافات]. فتظاهرا عند خروجهما من الحرم من مكة أنهما خارجين للصيد، وقال الغلام ناصحاً أباه: يا أبت اشحذ المدية، واقلبني على ظهري حتى لا ترى وجهي فتشفق علىَّ وتتأخر في تنفيذ أمر الله، وانزع القميص من جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن لأجلي: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [103-105الصافات].
فاعترضهما إبليس، تعرَّض للأب فرماه، وتعرَّض للغلام فرماه، وتعرَّض للأم فرمته، فقدَّس الله المواضع التي رمى فيها الثلاثة إبليس، وأمرنا أن نرمي فيها – من نفوسنا – وساوس الشيطان، وهمزات إبليس، حتى نطهر لله عزَّ وجلَّ. وأمرنا أن نُضحيَّ إن كنا مقيمين، أو نذبح الهدى إن كنا حجاجاً ومعتمرين، اقتداء بنبيِّ الله إبراهيم ونبيِّ الله إسماعيل، لأن إبراهيم قال: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾.[84 الشعراء]، فجعل الله له لسان صدق!!
وهذا يرينا جميعاً أنَّ كلَّ مَنْ أخلص لله، ونوى لله، وصدق في العمل الصالح لمولاه، لابد أن يجعل الله له حسن الأحدوثة من بعده في الحياة، وناهيك عن السعادة التي يجعلها له الله يوم لقياه!!!.
وتصادف أن ما صنعه إبراهيم وإسماعيل كان في الأيام التي كان فيها آدم، فإن رؤيا إبراهيم أول مرة كانت في يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، والمرة الثانية كانت في يوم عرفة، والمرة الثالثة كانت في يوم العيد – وهي المرة التي ذهب ليُنفذ فيها أمر الله – فمن حكمة الله أنه جعل المناسك كلها في أيام قال فيها: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾.[203، البقرة]، ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾.[28، الحج].
مرة يقول: (معلومات)، ومرة يقول: (معدودات) لأنه علَّمها بقدرته، وعدَّها بحكمته، وجعلها في هذا الموضع بالذات لتكون للمسلمين أجمعين مكان تعارف، فكما تعارف آدم على حواء يتعارف المسلمون أجمعون في هذه المواضع على بعضهم، ويبحثون مشكلاتهم، ويُحلون معضلاتهم، ويتفقون على العمل النافع لجمعهم، وهذا هو الحجُّ الأكبر إذا صنعنا ذلك، وعمل قادة المسلمون ذلك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحلقة الثالثة: الزقازيق 3 من ذي الحجة 1433هـ 19/10/2012م