• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

14 يونيو 2022

تفسير وفوائد آية الكرسى

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

آية الكرسي

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

” الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” (255-256البقرة).

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – الحمد لله الذي أثلج صدورنا بسماع كلامه، وفتح مسامع قلوبنا لبيانه وفهمه من روض إنعامه، وجعلنا من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والصلاة والسلام على الإمام الأعظم والرسول الأكرم سيدنا محمد وآله وصحبه وكل من مشى على هديه إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين .. آمين يا رب العالمين.

ألهمنا الله عز وجل أن نتناول آيات يكررها المسلمون والمسلمات منذ نزول القرآن إلى هذه الأيام وإلى آخر أيام الدنيا، وهم يكررونها لأنهم وجدوا العلماء الأجلاء في كل زمان منذ عصر حضرة النبي يكررونها، مع عدم معرفتهم سواء بأسباب نزولها، أو بالفوائد التي تعود على القارئ لها، أو البيان الإلهي الشافي الوافي لمن يقرأها بتدبر.

فضل ختام الصلاة

وهذا لأن سلفنا الصالح من آباءنا وأجدادنا كان الإيمان في قلوبهم يربو على الدوام، وكانوا يُسلِّمون للأئمة الأعلام، ولم يوجد أحدٌ منهم اعترض في ذات يوم من الأيام كما حدث في الأيام الماضية، فتجد الآن من يقول: لماذا تقرأ آية الكرسي؟! ولماذا تختم الصلاة جهارًا؟! وحملة من التشكيك شكَّكت المسلمين في الثوابت التي جاءت عن خير المرسلين.

وجعلت الآن نادرًا لو وجدنا مسجدًا من مساجد المسلمين يختمون الصلاة في جماعة، لماذا؟ خائفين من اعتراض المتعسفين، مع أنها سُنَّة خير الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

الأئمة الكرام ومنهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه استحب أن ينوي الإنسان الصلاة بلسانه جهارًا ويُسمع من حوله، مع أن النية محلها القلب، لماذا؟ قال: ربما يكون هناك جاهل يتعلم منه كيف ينوي، فيقول عند صلاة العشاء مثلًا: نويت أصلي أربع ركعات صلاة العشاء جماعة لله، الله أكبر، لماذا؟ حتى يتعلم من ورائي، فكان معظم الناس عوام لا مدارس ولا معاهد ولا جامعات، ومن جاء يصلي لا يعرف ماذا يقول، فأنت تُعلِّمه بغير حرج وهذا أدب الدين: ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ” (78المائدة).

أنا حضرت وأنا صغير امرأة تزوجت في بيت، وكانت تحافظ على الصلاة، وكان في الزمن الماضي قلَّ من النساء من يؤدي الصلاة، ونادر من تصوم ما عليها من أيام رمضان لأنهن لا يعرفن.

فعلَّمت هذه المرأة نساء البيت الذي دخلت فيه الصلاة، فكانت تقف أمامهن قريبة منهن لأن إمامة المرأة ليست كإمامة الرجل يكون بعيدًا عن المأمومين، لكن بينها وبينهن قدر قدمين فقط، وكانت تقرأ حتى الصلوات السرية جهارًا، لماذا؟ لأنهن لا يعرفن شيئًا، فلا يحفظن الفاتحة ولا يعرفن التسبيح ولا يعرفن النية، حتى علمتهن كيفية الصلاة بهذه الطريقة التي هي من تراث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

وكان الإمام الشافعي على هذا المنوال، ففي يوم الجمعة حبَّب النبي إلينا قراءة سورة الكهف، وقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، غُفِرَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأُعْطِيَ نُورًا يَبْلُغُ إِلَى السَّمَاءِ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ }[1]

وكان الناس أميين، لكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:

{ القَارِئ والمُستَمِع فِي الأَجْرِ شَرِيكَان }[2]

وهذه كانت حكمة وجود قارئ يوم الجمعة، فكان قارئ يقرأ سورة الكهف قبل الجمعة، وكان كلهم يذهبون للمسجد مبكرًا وليس كالآن، معظم شبابنا المتعلم المثقف لا يدخل المسجد إلا عند إقامة الصلاة يوم الجمعة، وبالطبع يُحرم من كل العلاوات ومن كل التشجيعات الإلهية لمن يذهب مبكرًا قبل صعود الإمام المنبر، لكنه لا يدري، وهو صحيح ربما يكون دكتور في الجامعة لكنه أميٌّ في الناحية الدينية، ولا يعرف هذا الثواب.

لكنهم كانوا يدخلون مبكرين، وكانوا يسمعون كلام العلماء فيقولوا: سمعنا وأطعنا بلا جدال ولا نقاش، فكان القارئ يقرأ سورة الكهف كلها ترتيلًا أو تجويدًا سريعاً، وهم يسمعون، وهذا سبب قراءة السورة يوم الجمعة.

وعندما جاء القراء العصريين وكثير منهم ليس عنده فقه في أحكام القراءات وأسباب استحباب قراءة بعض الآيات في بعض الأوقات، وشجعتهم الإذاعة، فأصبح يوم الجمعة يقرأ بعض آيات من أي سورة ويلحنه جيدًا، وتركوه حتى أصبح القراء لا يقرؤون ولو قليل من سورة الكهف، فيأتي القارئ منهم بآيات من هنا أو من هنا ويحاول أن يلحنها حتى ينال الإعجاب، لكن الأصل كلام الإمام الشافعي.

فضل آية الكرسي وختام الصلاة

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال في حديثه الشريف:

{ مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا أَنْ يَمُوتَ }[3]

وماذا يعني هذا؟ يعني لو مات يدخل الجنة على الفور، وهل يوجد شيء أفضل من ذلك؟! فلا بد أن نقرأها بعد الصلاةكما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولأن كثير من الناس لا يحفظونها، فواحد يقرؤها بصوت جهوري.

وسُميت آية الكرسي لأن فيها ذكر الكرسي: ” وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ “ وكرسيه ليس كالكرسي الذي نجلس عليه، ولكن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ترجمان القرآن قال: كرسيه يعني علمه، يعني وسع علمه كل ما في السماوات وما في الأرض تبارك وتعالى، فلا نأخذ الألفاظ بظاهرها، ولكن ننظر إلى المعاني الإلهية التي فيها.

وبعد ذلك الرجل الذي يختم الصلاة جهاراً بعد أن يقرأ آية الكرسي يدعو الناس إلى التسبيح، فيقول: (سبحان الله) وكل واحد يسبح في نفسه ثلاثة وثلاثين، ويقول: (الحمد لله) وكل واحد يحمد في نفسه ثلاثة وثلاثين، ويقول: (الله أكبر) وكل واحد يكبر في نفسه ثلاثة وثلاثين، بعد ذلك يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وبعدها يقول: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وكل واحد يدعو بما يخطر على باله.

فهذا الختام سري أم جهري؟ سري، لكن البعض هداهم الله أوقفوا ختام الصلاة في كل أسقاع الأرض، ويقول لك: اختم وأنت ماشي في الطريق بعد أن تخرج من المسجد، ولكن بمجرد أن يخرج من المسجد يتصفح المحمول، أو واحد يكلمه، فهل سيختم؟ لا.

لكن السابقين كانوا حريصين أنه لا يقوم من موضع الصلاة إلا بعد أن يختم الصلاة، وكانوا مع أنهم أميين سمعتهم يضربون أمثالًا عظيمة لبعضهم ليُعلِّموا بعضهم، سمعت واحد منهم يقول لآخر: ِلَم لم تختم الصلاة يا فلان؟ فيقول له: أنا مشغول وعندي ظروف، فيقول له: يعني لو عزمك أحد في بيته، هل بعد أن تنتهي من الطعام تقول الحمد لله، وتنصرف؟ قال: لا بد أن أجلس قليلًا، فقال له: فأنت بين يديّ من يقول للشيء كن فيكون، وعندما تقوم بعد الصلاة وتنصرف فكأنك تصلي وأنت متضرر، أو كأنك تصلي وأنت مُكره، لكن اجلس قليلًا ولا تترك المكان حتى تختم الصلاة، وختام الصلاة أجره وثوابه لا يعلمه إلا المولى تبارك وتعالى.

فقراء المسلمين ذهبوا لسيدنا النبي يشكون له، فقالوا:

{ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ، يُؤْتِهِ مَنْ يَشَاءُ }[4]

وأهل الدثور يعني أهل الغنى، فالفضل من عند الله تبارك وتعالى: ” ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ” (21الحديد).

وقال في حديث آخر:

{ مَنْ سَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ }[5]

فأوصانا حضرة النبي أن نقرأها عقب كل صلاة، لماذا؟ ليكون معك كارت ضمان، فلو جاء الأجل تكون من أهل الجنة إن شاء الله، من الذي لا يريد كارت الضمان هذا؟ هل يوجد من يستغني عنه؟ كلنا نحتاجه، وفي أمسّ الحاجة إليه، وقراءتها كم تأخذ من الوقت؟ دقيقتين أو أقل، لكن تأخذ بها ضمان إلى جنة النعيم إن شاء الله مع الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين، وهذه ناحية.

آية الحفظ

وهناك ناحية أخرى، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان قد جاءه بعض أنواع الطعام من زكاة رمضان يوزعها على فقراء المسلمين، فوضعها في جُرن واسع وكلَّف سيدنا أبو هريرة أن يحرسها في الليل، يقول رضي الله عنه:

{وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ }[6]

الجن إذا تحدث المرء منهم بمائة كلمة تجد كلمة واحدة صادقة والباقي كذب، فلا تصدق هؤلاء، وحتى من يُحضِّر الجن، فالكلام الذي يقوله الجن معظمه كذب، كما صرح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ووضح: ” وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ” (3-4النجم).

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم جعل سيدنا أُبي بن كعب رضي الله عنه أستاذ كرسي في تلاوة القرآن، وهو من الأنصار، ولذلك قال في شأنه:

{ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ }[7]

ولما جمع سيدنا عمر المؤمنين لصلاة التراويح جماعة قال: أين أُبيّ ليصلي بالناس؟ فقالوا له: أنت تحفظ كتاب الله، قال: ولكن هو خصه رسول الله، لأنهم كانوا يحترمون التخصصات، ولذلك كان سيدنا عمر عندما تأتي الفتوى يقول: أين عليّ؟ لأنه يحترم التخصصات التي خصصها حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم.

فسيدنا رسول الله يقول لأُبي بن كعب:

{ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ }[8]

الذوق الراقي لحضرة النبي

حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يلقب أصحابه، فلم يكن ينادي أحداً باسمه، ولكن يقول له: يا أبا فلان، لأنه صلى الله عليه وسلم أستاذ الذوق كله في العالم كله، وكان ينادي من ليس له ولد: يا أبا يحي، حتى يفرحه بأنه قد يأتيه الولد كما جاء لسيدنا زكريا، وكذلك النساء فيقول: يا أم فلان، والتي ليس لها ولد، يناديها: يا أم عبد الله، يعني سيرزقك الله بعبد من عباد الله، أدب ولُطف وذوق نبوي ليتنا نتبعه أجمعين مع الخلق أجمعين، وخاصة مع الأحباب المحيطين بيننا.

أسمع أحد الأحباب ينادي على أخيه باسمه: يا فلان، وما فلان هذا يا أخي؟! فعلى الأقل لو لم تسمع اسم ابنه أو لم يتزوج تناديه يا سيد فلان، يا أستاذ فلان، وهذا أدب إلهي وأدب نبوي ونحن نعلِّمه للخلق، فلا بد أن نكون قدوة في هذا المجال حتى يقتدي بنا المسلمون أجمعون فيسعدوا بسعادة رب العالمين تبارك وتعالى.

يقول أحدهم: إن المشايخ أصحاب الساحات لا ينادون أحدًا إلا باسمه المجرد، وعندما يناديه باسمه يفرح جدًا ويقول: إن الشيخ أحبني لأنه يناديني باسمي مباشرة، لكن أصحاب الساحات من أين أتوا بهذا؟ أنا أقول حضرة النبي فتقول لي أصحاب الساحات!!، أليس الأولى بنا أن نمشي على منهج حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم؟!!.

سيدة آي القرآن

النبي صلى الله عليه وسلم سمَّى آية الكرسي سيدة آي القرآن، وقال صلى الله عليه وسلَّم في حديثٍ صريح:

{ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ }[9]

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم جعل لكل شيء سيد، حتى جعل للطعام والشراب سيد، وقال:

{ سَيِّدُ الْإِدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ، وسَيِّدُ الشَّرَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَاءُ }[10]

اسم الله الأعظم وإجابة الدعاء

كل شيء جعل له سيد، فسيدة آي القرآن آية الكرسي، لماذا هذه الآية سيدة آي القرآن؟ لأمور كثيرة، أولها أن هذه الآية أشار النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى أن فيها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، ولكن نضع خطين عريضين أن شرط إجابة الدعاء وتحقيق الرجاء المطعم الحلال، حتى لا يقول لي أحد: أنا أدعو باسم الله الأعظم ولا يستجاب لي، أقول له: فتش في مطعمك، وفتش في حضور قلبك.

ولذلك الشيخ أبو اليزيد البسطامي رضي الله عنه وأرضاه قال له رجل: أريد أن تعلمني اسم الله الأعظم، فقال له: فرغ قلبك لله وادعو الله بأي دعاء يستجيب لك، المهم أن تفرغ قلبك وتدعو بإخلاص: ” فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ” (14غافر).

” الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ” لما سألوا حضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم قال:

{ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) }[11]

وفي رواية أخرى:

{ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ:(الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) }[12]

وجدوا الاسم المشترك بين آية الكرسي وأول سورة آل عمران (الحي القيوم)، سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه أكَّد ذلك فيقول:

{ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ، فَجِئْتُ فَأَجِدُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ، يَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ }[13]

ويُروى عن المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام أن دعاءه لإحياء الموتى كان: (يا حي يا قيوم).

ولكن الموتى الذين كان يحييهم سيدنا عيسى غير الذين يحييهم الله، فالذين يحييهم الله لهم تموين ولهم أرزاق ولهم أنفاس من الهواء ومن الضياء، ونعم لا تُعد ولا تُحصى.

والذين كان يدعوهم سيدنا عيسى كان يقوم الرجل وليس له رزق، ويرجع مرة ثانية ويموت في الحال، فلا يبق ساعة، لأنه ليس له رزق في هذه الساعة إن كان من الهواء أو من الضياء أو من الماء أو غيره.

لكنه كيف كان يحييهم؟ يقول: يا حي يا قيوم، فيحييهم الله بإذنه تبارك وتعالى.

ولذلك كان السلف الصالح يوصون من يسافر في البحر، إذا تعرضت السفينة لهلاك أو لغرق أو لغيره يكرروا: يا حي يا قيوم، سبحان الله!، ولذلك أنا كنت أتعجب من الناس كبار السن الذين عندنا في مساجدنا، عندما نقول لهم: الفاتحة يقول: يا حي يا قيوم ثم يبدأ في قراءة الفاتحة، وهو لا يعرف السر ولكنه يُسلِّم لمن قبله، ومن قبله كان يعرف السر، فكان يبدأ باسم الله الأعظم حتى يقبل الله منه قراءة الفاتحة، فهذه سُنَّة حسنة عن السلف الصالح.

فآية الكرسي ضمان لدخول الجنة لمن قرأها، وأمان من الجن للإنسان في نفسه أو في أهل بيته، ولذلك قالوا: من أراد أن يُحفظ في بيته من الجن فعليه كلما دخل البيت أن يقرأ الفاتحة مرة وآية الكرسي مرة والإخلاص ثلاث، والمعوذتين مرة مرة، ويواظب على ذلك، فلن يستطيع أن يقربه جن ولا شيطان، والشياطين هم ملاعين في عالم الجن، كل هؤلاء لا يستطيعون ضرب بيته لأنه حصَّنه بهذه التحصينات الإلهية.

أسرار الحي القيوم

ولِمَ كلمة (حي قيوم) اسم أعظم لله تبارك وتعالى؟ لأنها هي الجامعة لكل الأوصاف الإلهية والأفعال الإلهية التي يقوم بها رب البرية للخلق أجمعين، فبسر حياته تبارك وتعالى احتيا جميع الأحياء، فالله أعطي الحياة لأي إنسان بسر اسمه الحي، فالجنين يكون في بطن أمه، فإذا تجلى عليه الله تبارك وتعالى باسمه الحي احتيا فورًا، وقس على ذلك كل الكائنات العلويات والسفليات فإنها نشأت وبدأت كلها باسم الله تبارك وتعالى الحي.

ولذلك عندما استشرى العلم في أهل أوربا وأمريكا وروسيا، قالوا: نريد أن نخلق جنين، فجربوا وجربوا بعد أن بحثوا ودرسوا وصنعوا ما يشبه الجنين لكن لا تأتيه الروح، فأين سر الروح؟ ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ” (29الحجر) سر النفخة سر إلهي لله عز وجل، وهل يستطيعوا حتى أن يخلقوا حبة نبات تُزرع في الأرض وتنبت عن طريق الصناعة؟!! لا، لأن لها حياة، وبسر حياتها تنبت وتمتد وتثمر، ومن أين هذه الحياة؟ من الحي تبارك وتعالى.

فاسم الله الأعظم (الحي) به حياة الكائنات كلها عُلواً وسُفلاً، إذا تجلَّى على ميت أحياه، وإذا تجلَّى على جماد تحركت فيه الحياة، وإذا تجلَّى على حجر صم جلمود تحركت فيه الحياة، وإذا تجلَّى باسمه الحي على أي شيء تتحرك فيه الحياة بسر اسم الله الحي تبارك وتعالى.

لكن أين الإنسان من هذا مهما بلغ من علم ومن دراسات ومن مختبرات وغيرها؟ لا شيء.

ماذا يحتاج بعد الحياة؟ يحتاج إلى من يقوم له بكل شؤونه، من يقوم له بإحضار الهواء الذي يتنفسه، والطعام الذي يأكله، والماء الذي يشربه، وكل شيء يحتاجه لقوام حياته، من الذي يقوم له به؟ (القيوم) القائم على كل نفس بما كسبت.

إذا سحب القيوم اسمه من أي كائن حي، فيتجلى عليه باسمه المميت فوراً، ومهما جلبنا من أطباء ومهما أعطيناه من دواء، ما دام الحي سحب سر حياته، والقيوم سحب سر قيوميته، فمن أين تأتيه الحياة؟! لا يقوم بعد هذا اليوم.

فالحي القيوم فيهما كل صفات الحي تبارك وتعالى التي بها نحيا، والتي بها تقوم كل الأشياء، وتُبدع كل المبدعات ابداعاً للصانع الأعظم تبارك وتعالى.

ولذلك ظهر في الأمَّة في فترة من الفترات وامتد هذا الظهور إلى يومنا هذا، جماعة من المجادلين يقولون: أننا نجادل لندافع عن الدين، وأخذوا يأتون بالأدلة على وجود الله، والأدلة على عظمة الله، والأدلة على قوة الله، ويستخدمون فيها المنطق، لماذا؟ يقولون: لنحاور السفسطائيين والفلاسفة بلغتهم.

لكننا نقول للمؤمنين أجمعين: الدليل الواضح الصريح هو الحي القيوم، الحي نسميه دليل الخلق، والقيوم نسميه دليل الإبداع والإنعام على الإنسان.

وهذه الأدلة واضحة في كتاب الله، ولا تحتاج إلى فلسفة ولا منطق ولا شيء من البراهين العلمية ولا غير العلمية، لأنها براهين قرآنية أتى بها رب البرية تبارك وتعالى.

إن الله لا ينام

” لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ “ السِنَة هي النعاس الذي يسبق النوم، يعني أحياناً ونحن في مجلس كمجلسنا هذا بعض الناس يغمض عينيه ثانيتين أو ثلاثة ثم يفتح عينيه، لكن في النوم يستغرق ويذهب إلى عالم آخر، فالنعاس هو الذي يسبق النوم ونسميه بالسِنَة، والسِنَة يعني أقل من لحظة، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ }[14]

كيف ينام وهو يقول: ” إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ” (41فاطر).

ورد في بعض الأثر: (أن سيدنا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَعَ فِي نَفْسِه: هَلْ يَنَامُ اللهُ عَز وَجَل؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَأَرَّقَهُ ثَلَاثًا، وَأَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ، فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَفِظَ بِهِمَا، قَالَ: فَجَعَلَ يَنَامُ وَتَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، حَتَّى نَامَ نَوْمَهُ، فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ فَتَكَسَّرت الْقَارُورَتَانِ، فضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا أَنَّ الله لَوْ كَانَ يَنَامُ لَمْ تَسْتَمْسِكِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ).

لنعرف أن الله عز وجل لا يغيب عنا بكرمه ولا بجوده ولا بفضله ولا بتوفيقه طرفة عين ولا أقل، فلِمَ يدعونا يوم الجمعة؟ ولِمَ اختص وقت السحر؟ ولِمَ دعانا إلى ربوع مكة؟ هذا تخصيص لهذه الأوقات وهذه الأماكن، لكن القلب الذي لم يعد فيه غير مولاه، قد خرج من هذه الدائرة، يدعو يوم الجمعة أو يدعو يوم السبت أو يدعو في أي وقت في ليل أو نهار سيستجيب له مولاه فوراً، لماذا؟ لأن الله عز وجل سميعٌ لنا ومجيبٌ لنا على الدوام.

لكن هذه الأشياء للتدريب، فالتدريب له قيود ووقت، وبعد أن يتدرب ينطلق، كالإمام جعفر الصادق رضي الله عنه يقول: (ما احتجت إلى شيء إلا وقلت: يا رب عبدك جعفر يحتاج إلى كذا، فما أستتم كلامي إلا وأجد هذا الشيء بجواري) وهكذا الأمر: ” لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ” (34الزمر).

بركة الرضا عن الله

وإذا تأخر على طلب هؤلاء، فيعلم أن هناك مصلحة أعظم في التأخير، لأنه يدعو العلي القدير، وهو أعلم بمصالحي من نفسي، وأعلم بي مني، فلو علم أن الاستجابة الفورية أصلح لي سيستجيب، وقد قال عز وجل في حديثه القدسي:

{ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ }[15]

لن يؤثر في نعم الله، ولا عطاءات الله، ولا كنوز خير الله، فهناك كنوز الخير وكنوز البر وكنوز الفضل وكنوز الهدى وكنوز التوفيق .. كنوز لا يعلمها إلا العليم تبارك وتعالى.

فلو أخَّر شيء عني فليس لأنه غاضب مني، لكن لأنه يرى أن الأصلح لي شيء آخر، وأنا ما دمت مُسلِّمًا لله فلا بد أن أرضى بما يقضيه الله تبارك وتعالى.

ولذلك دليل يقين العبد في مولاه رضاه عن الله، وكل مشاكلنا في مجتمعنا الآن معظمها من عدم الرضا عن الله، فلا أحد راض عما خططه له ودبَّره له الله، ويريد أن يُخطط لنفسه وُيدبِّر لنفسه.

كتب له الرزاق رزقًا محدودًا ولكنه من الله ممدودًا وفيه بركة، وظن هو أن هذا الرزق لا يفي بما يريد، فيريد أن يوسعه فيرتكب المحظورات، فمرة يغش ومرة يخدع ومرة يكذب ومرة كذا ومرة كذا، فهذا قد أضاع نفسه لأنه لم يرض بقضاء ربه سبحانه وتعالى.

من أغنى الناس في زمننا هذا أو من قبل إلى آخر الزمان؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ }[16]

أهم شيء الرضا، فالراتب الذي يأتيني لا يكفي ولا يوفي، لكن لو نظر إليه المولى تبارك وتعالى وأنزل فيه البركات سيوفي ويكفي ويزيد ويفيض، وهذا الذي كان يعيش فيه أصحاب النبي رضي الله عنهم أجمعين والصالحين من بعدهم أجمعين: ” وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ” (2-3الطلاق).

ما الرزق الذي يأتي من غير حساب؟ البركة: ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ ” (96الأعراف) لم يقل: خيرات، ولكن (بركات) فالفدان هو الفدان، والزرع هو الزرع، والأراديب هي الأراديب، لكن لو نزلت عليها البركة، كما قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ }[17]

لماذا؟ لأنه حلت فيه البركة، وهذا ما يعيش فيه الصالحون إلى يومنا هذا وإلى يوم الدين، ولذلك يراهم الناس فيتعجبون كيف يعيش هؤلاء؟ وعيشتهم ككبار الأثرياء والأغنياء يركبون الطائرات وينزلون في فنادق ويذهبون هنا وهنا، من أين هذا كله؟ ” وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ” (131طه) الرزق قادم من عند الله، وهو خير وأبقى.

سعة ملك الله

” لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ “ وهذه تحتاج لتسليم كامل، إذا علمنا أنه له السلطان وله الصولجان وله الهيمنة على كل ما في السماوات وما في الأرض، فمن نخشى غير الله؟! أنخشى أحدًا غير الله ونحن في ملك الله؟! أنخشى شيئاً غير الله ونحن ضيوفٌ على حضرة الله في أرض الله؟! فيحتاج الأمر كله هنا: ” وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ” (99الحجر) ما دام جاء اليقين فيثق الإنسان أنه كما قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ }[18]

عزة المؤمنين

اجعل نفسك عزيز النفس، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ اطلُبُوا الحَوَائِجَ بعِزَّةِ الأنفُسِ فإنَّ الأمُورَ تجرِي بالمَقَادِيرِ }[19]

من تذهب إليه لتطلب منه شيئًا لو أراد ملك الملوك سيُحوِّل قلبه إلى الرضا ويعطيك ما تريد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا، مَالِكُ الْمُلُوكِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ فِي يَدِي، وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا أَطَاعُونِي حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ }[20]

القلوب من الذي يحركها؟ الله تبارك وتعالى، إذاً وَلِّ وجهك نحو الله، واجعل الخلق جميعًا خلف ظهرك ولا تنتظر خيرًا ولا فضلًا ولا اكرامًا ولا إنعامًا ولا عطاءًا إلا من حضرة الله تبارك وتعالى.

فهل نترك الأسباب؟ لا، بل نسعى في الأسباب، لكن نعلم علم اليقين أن الأسباب لا تفعل من ذاتها فهذا شركٌ خفي، ولكن لا تفعل إلا بإذن مسبب الأسباب تبارك وتعالى، فإذا علمنا أن له ما في السماوات وما في الأرض نُسَلِّم لله تسليماً كلياً.

فضيلة الشفاعة

” مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ” كلنا نطمع في الشفاعة العُظمى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في كل أمر من أمور الدنيا، وفي الأمر الأعظم يوم الدين إن شاء الله، لكن لا بد أن نعلم علم اليقين أنه عبدٌ أنعم عليه مولاه وتولى أمره ووعده أن يعطيه حتى يرضى، فالأمر في البدء والختام لله سبحانه وتعالى، فلا يحدث في كون الله إلا ما يريد، ولذلك قال عن ذاته تبارك وتعالى: ” فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ” (16البروج).

فالشفاعة التي ستكون يوم الدين لسيد الأولين والآخرين سيوزعها على جماعات من أهل أمته، قال صلى الله عليه وسلم:

{ الشَّهِيدُ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ }[21]

وقال صلى الله عليه وسلم:

{ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ }[22]

وقال صلى الله عليه وسلم:

{ يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ }[23]

وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أجمعين:

{ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ فِي الْجَنَّةِ مَا فَعَلَ صَدِيقِي فُلانٌ؟ وَصَدِيقُهُ فِي الْجَحِيمِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا لَهُ صَدِيقَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ مَنْ بَقِيَ: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)} قَالَ الْحَسَنُ: اسْتَكْثِرُوا مِنَ الأَصْدِقَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ لَهُمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ[24].

كلنا سيكون لنا شفاعات على قدرنا عند ربنا، لكن الشفاعة بإذن من يقول للشيء كن فيكون، وبتفويض بعد ذلك من حضرة النبي المأمون صلى الله عليه وسلَّم.

إحاطة علم الله

” يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ “ ما بين أيديهم أي ما يفعلونه حتى يأتيهم الأجل، وما يكون لهم يوم القيامة، وما يكون لهم في البرزخ، وما يكون لهم في عرصات الحساب، وهذا الذي أمامنا كلنا.

وما خلفهم يعني ما جنيناه من الذنوب، وما فعلناه من الخير، وما فعلناه من أي عمل عملناه إن كان يُرضي الله أو يُغضب الله.

كل ذلك يَطَّلع الله عليه ويراه، فإذا وضع المؤمن في قلبه أن الله يَطَّلع عليه دوماً ويراه لا يفعل إلا ما يرضي مولاه تبارك وتعالى.

” وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ “ وهذا تحد أكبر لجميع البشر الذين ظنوا أنهم ملكوا القوى والقُدر، هل يستطيعون أن يصنعوا شيئاً من لا شيء؟ لا، فلا أحد يستطيع أن يصنع شيئاً من لا شيء إلا الخالق تبارك وتعالى: ” هَلْ أَتَى عَلَى الانْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ” (1الإنسان).

لكنهم سيصنعون مما أنتجه الله في الأرض، أو في باطن الأرض، أو في البحار، أو في قاع البحار، أو في أي مكان أودعه فيه الرب تبارك وتعالى، لكن لا يقدرون أن يصنعوا شيئاً من لا شيء، وهذا الإعجاز الأكبر الذي لو عرفوه فورًا سيؤمنون بالله تبارك وتعالى.

كل هذه المصنوعات التي معنا من أي شيء مصنوعة؟ من عناصر في الأرض أوجدها الله، مُسَيِّرات هذه الآلات كلها من الذي صنعها وأراها لنا إن كان البترول أو الغاز أو غيره؟ الله تبارك وتعالى، من الذي يستطيع أن يصنع برميل بترول؟! من الذي يستطيع أن يصنع قارورة غاز؟! لا أحد.

وسبحان الله! الصناعات الآن كلها تعتمد على كنوز الله تبارك وتعالى التي أودعها في أرض الإسلام، فلم الكفار متآلبين على المسلمين؟ لأن الله خصنا بخصائص لم يخص بها أحداً من عباده في الظاهر والباطن، ففي الظاهر لا يوجد جو في الوجود كله أحسن من جو البلاد العربية التي نحن فيها، وكل فواكه العالم الممتعة اللذيذة موجودة في منطقتنا، وكل المواد الأساسية لجميع الصناعات عندنا نحن في صحرائنا، وليست حتى في المزارع، لكن في الصحراء يوجد البترول والغاز الطبيعي وغيره، ولا أحد تعب فيهم ولا أحد صنعهم ولا أحد له يد فيهم، وإنما اليد لله تبارك وتعالى.

فالحرب في العالم كله الآن على خيرات الله التي أوجدها في أرض الله، فروسيا الآن لماذا تمسك الأوروبيين بيد من حديد؟ ليس بقوة السلاح ولكن لأنها تعطيهم البترول والغاز.

عندهم حضارة ومدنية، لكن المواد الأولية أخذوها من بلادنا العربية، وصناعاتهم لا يستطيعون بيعها إلا في الأسواق العربية، فلذلك كما قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ }[25]

هذا سبب المصائب التي نحن فيها الآن جماعة المؤمنين أجمعين، هل توجد بلاد في العالم كله أغنى من بلادنا؟! هل يوجد هواء لطيف في الوجود كله كالهواء في بلادنا؟! فعندنا كل الخيرات، ولكن القلوب امتلأت بالأحقاد والأحساد لبعضنا فتفرقنا يد سبى كما يقولون.

” وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ “ كما قلنا أن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كرسيه يعني علمه، فعلم الله وسع السماوات والأرض جميعاً، لأنه وحده هو العليم، وكل واحد يعلم شيء فإن فوقه العليم سبحانه وتعالى: ” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ” (76يوسف)

وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ” هل يُعجزه أن يحفظ السماوات والأرض؟ لا: ” إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ” (41فاطر).

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ” هو العلي في قدره وفي جماله وفي بهائه وفي قُوَّته وفي عظمته، العظيم عن كل ما يخطر على البال، فكل ما يخطر في بالك فهو هالك، والله تبارك وتعالى من وراء ذلك.

لا إكراه في الدين

” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ “ هذه آية لو عمل بها المسلمين ستنتهي المشاكل كلها، فليس عندنا إكراه على أي أمر من أمور الدين، ولا يوجد إكراه لإدخال أحد من غير المسلمين في الإسلام.

وسبب نزول هذه الآيات أن رجلًا من الأنصار في المدينة كان عنده ولدين وكانا قد تركا المدينة وتنصَّرا، وجاءا ليزورا أباهما، فأراد أن يرغمهما على الإسلام فأبيا، وفي رواية أنهما ذهبا إلى رسول الله وقالا: إن أبانا يريد أن يكرهنا على الإسلام، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: ” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ “.

لا تكره أحدًا أبدًا على الدخول في الإسلام، لكن بَيِّن له جمال الإسلام ومحاسن الإسلام وفضائل الإسلام، واترك له الزمام: ” مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِي ” (178الأعراف) إن كان قدر له الهداية فسيهتدي، يقول الله: ” وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ” (17فصلت).

وهذا حدث أيضًا مع كفار مكة، كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولم يؤمنوا برغم الترغيب والترهيب الذي جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

ومثلها بالضبط كل المعاملات، لا ينبغي لرجل أن يُكره ابنته على الزواج لشخص لا تريده، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ الْأَيِّمُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ لَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا، قَالَوا: وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ }[26]

وفي رواية أخرى:

{ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا }[27]

فأسألها: يا بنيتي هل موافقة أو غير موافقة؟ لكن لا يجوز أن أكرهها على الزواج من رجل.

وهل أُكره ابني على الزواج من امرأة لأنها ثرية أو لأنها قريبتي أو لمصلحة أو لمنفعة؟ لا يجوز الإكراه في هذه الأمور أبدًا، فلا شيء في الإسلام إلا بالتراضي.

ولا يجوز إكراه إنسان على مشاركتي في التجارة أو مشاركتي في الزراعة، فكل الأمور في الإسلام بالتراضي بين الطرفين، ويكون الرضا من القلب، لكن ما يحدث بين المسلمين في بعض الأمور لا يرضاه الدين، وخاصة في ميراث المسلمين عند توارثهم، مثلًا أخ يقول لأخيه: أنت تأخذ قطعة الأرض الفلانية، وهي أرض بور لا تنتج أو محصولها ضعيف، فيقول له: آخذ معك في قطعتك، يقول له: لن تأخذ إلا هذه أو ليس لك شيء، فهذا اسمه إكراه.

أو يقول: ليس عندنا بنات تأخذ بيوت، إما أن تأخذي نصيبك مال وبالثمن الذي نقول عليه، أو لا تأخذي شيئًا، أليست هذه مشاكل المسلمين؟! فهذا كله إكراه في دين الله تبارك وتعالى لا ينبغي أن يكون.

ابني في الثانوية لم يحصل على مجموع كبير لأن هذه قدراته، وأنا أريد أن يتخرج طبيبًا، فأقول له: سأرسلك على جامعة خاصة وأدفع لك مائتين ألف حتى تخرج طبيبًا، وهو ليس عنده قدرات والدراسة ستكون صعبة عليه، ولا يستطيع المواصلة فيها، فيمكث فيها سنتين أو ثلاثة ويفشل، لماذا؟ لأنني أكرهته على هذا الأمر، فلا يجوز الإكراه على أي أمر يا جماعة المؤمنين، وإن الأمور بين المؤمنين ينبغي أن تكون بالتراضي والتوافق بين الطرفين.

مثلها بالضبط نقطة حساسة، فلا يجوز أن أجبر زوجتي على الجماع وهي متعبة أو مريضة أو ليس لها رغبة، فكما أريد أن أرضي رغبتي، هي أيضًا لها رغبة، ولا بد أن تكون الرغبتين متوافقتين، فالكثير يستغل حديث:

{ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ }[28]

لكن هذا لو امتنعت بغير عذر، لكنك تراها طوال النهار في تعب، فارحمها يا أخي، أو تراها مريضة فالتمس لها العذر إلى أن تشفى.

وبسبب ذلك تحدث مشاكل كثيرة، وتعرض علينا هذه المشاكل، لأن الذَكَر، وأنا أسميه ذَكَر وليس رجل، لأن الرجل الذي يمشي كما يريد الله ورسوله ومتفهم القرآن، لكن الذَكَر يريد أوامره فقط أن تنفذ ولا ترد، ولا مانع من ذلك ولكن في حدود الاستطاعة، فإذا كان الله يقول عن ذلك: ” لا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ” (286البقرة) فنحن كبشر لماذا نكلف الناس فوق طاقتهم؟!.

سبيل الرشد

” قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” الغي يعني الضلال وعدم الصواب، والرشد يعني الطيب القويم.

” فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله “ الطاغوت كل ما سوى الله، ويباعد بين المرء وبين عبادة الله، إن كان الشيطان أو الأصنام أو الأوثان أو الكواكب للذين يعبدون الكواكب، كل هذه الأشياء لا بد للإنسان أن يكفر بها ليؤمن بالله.

ولذلك نحن نقول: لا إيمان إلا بعد كفر، كيف؟ لا بد أن أكفر أولًا بكل الطواغيت التي تُعبد في الأرض ويدعون لها الألوهية لأؤمن بالله الإيمان اليقيني، فلا يكون إلا الواحد الأحد سبحانه وتعالى.

فمن عمل ذلك: ” فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ “ العروة الوثقى هي الدين القويم المتين وهو دين الإسلام.

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] الأمالي الخميسية للشجري عن عمرو بن سعيد الأموي رضي الله عنه

[2] رواه الديلمي في الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما

[3] سنن النسائي والطبراني عن أبي إمامة رضي الله عنه

[4] صحيح مسلم ومستخرج أبي عوانة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[5] موطأ مالك ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه

[6] صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

[7] جامع الترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه

[8] صحيح مسلم والطبراني عن أبي بن كعب رضي الله عنه

[9] سنن الترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه

[10] المعجم الأوسط للطبراني وابن حجر عن بريدة رضي الله عنه

[11] سنن الدارمي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها

[12] سنن أبي داود والترمذي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها

[13] الحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

[14] صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه

[15] صحيح مسلم والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه

[16] جامع الترمذي ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه

[17] صحيح مسلم والترمذي عن جابر رضي الله عنه

[18] جامع الترمذي ومسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما

[19] رواه تمام في الفوائد وابن عساكر في التاريخ عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه

[20] المعجم الأوسط للطبراني وحلية الأولياء لأبي نعيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه

[21] سنن أبي داود وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه

[22] سنن ابن ماجة وأحمد عن علي بنأبي طالب رضي الله عنه

[23] سنن ابن ماجة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه

[24] معالم التنزيل تفسير البغوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[25] سنن أبي داود ومسند أحمد عن ثوبان رضي الله عنه

[26] المعجم الأوسط للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه

[27] صحيح مسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما

[28] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

ندوة دينية بعد صلاة العشاء سفلاق –سوهاج  الثلاثاء 15 من ذي القعدة 1443هـ 14/6/2022م1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid