• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

29 يناير 2014

جرعة من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنعم علينا واصطفانا، فجعلنا من أمة خير نبيٍّ أرسله إلى خلق الله، وبين قدره عنده، وشرحها ووصفها في آيات كتاب الله، وبيَّن لنا – بصورة لا لبس فيها – الأسرار العلية، والأوصاف الإلهية، التي ميَّزه بها ربُّ البرية على جميع الأنبياء والمرسلين.

اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي أعليت قدره على جميع الأنام، واختصصته وحده بالشفاعة العظمى يوم الزحام، ورفعته فى درجات القرب إلى أعلى مقام،  ( فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ  فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ  (9، 10النجم). سيدنا مُحَمَّدٍ، النَّبِىِّ طيِّبِ الذِّكْرِ المُمَجَّد، الذى هو فى التوحيد لله مفرد، وفى الحبِّ لله U فريد، وفى كل أنفاسه له من الله U أنوار المزيد، وعين بصيرته وعين روحه إلى حضرة الله U دائماً فى مقام (ألقى السمع وهو شهيد)،

عندما يريد المرء أن يعرف قدراً من حُبِّ الله لحبيبه ومصطفاه، يفتح كتاب الله يجد – كما قال البوصيرى t:

فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ      فَيُعْرِبُ عَنْهُ نَاطِــــــــــقٌ بِفِمِ

ليس له حدٌّ محدود،  يقدر أحدٌ أن يصفه أو ينعته، أو يوضح أوصافه النبوية، ومقاماته القرآنية، وإنما كما قال إمامنا أبو العزائم (رضي الله عنه )– فيما إستمعنا إليه الآن: كلٌّ يبين على قدره، على حسب ما شرح الله به صدره، أما كمالات هذا الدُّرى المنير الممنوحة من العلىِّ القدير، فوق الإدراك والتصوير. الكمالات الخاصة برسول الله لا أحد من الأولين ولا الآخرين يستطيع أن يدركها!! فما كل الموضوع إذن؟!! كلُّ واحد على قدره يبين ما لاح له، وما شرح الله به صدره:

كُلُّ الوُجُــــــودِ بِأَسْـــرِهِ فِى دَهْشَةٍ        وَالكُلُّ عَنْ دَرْكِ الحَقِيقَةِ حَائِرُ

عَجَزَ الوَرَى عَنْ فَهْمِ سِرِّ مُحَمَّدٍ لَـمْ يَدْرِهِ إِلاَّ الإِلهُ القَــــــــــــــــــــادِرُ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مَنْ الذي يقدر أن يصف رسول الله (صلي الله عليه وسلم)؟  إذا كان حتى أصحابه رضى الله عنهم أجمعين معظمهم كان لا يطيق أن يديم النظر إلى وجه رسول الله!! وأغلبهم لم يسطيع أن ينعت أو يصف رسول الله مع أنه يعيش معه!!

خذ على سبيل المثال: سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه ) – وكان من القادة الأبطال الأشداء – فإبنه قال له: نريدك أن تصف لنا شيئاً عن رسول الله، فقال

(رضي الله عنه )

: لقد عشت مع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وما أطيق إدامة النظر إليه!! ولا أستطيع أن أثبت بصرى فى بصره!! كان الكل يغض البصر حياءً من مهابته، لأنه كان عليه هيبة إلهية تجعل من ينظر إليه لابد أن يغض البصر فى الحال.

وهذا كان حال أصحاب رسول الله

(صلي الله عليه وسلم)

  الفحول!! أغلبهم لا يستطيع أن  يديم النظر إلى حضرته!! ولا يقدر أن يثبت بصره عند الحديث معه!! ولذلك حتى مَنْ وصفه فى ظاهره أناس معدودون أهَّلهم لذلك ربُّ العالمين، ليس شطارة منهم أو اجتهاداً كما يظن البعض، وإنما هو تأهيل ربَّانى، حتى يقربوا لنا وصف رسول الله الجسمانى!! لكن وصفه الروحانى، ووصفه النورانى، فهذا يحتاج إلى رجُلٍ قرآنى!!

فى كتاب الله (عزوجل) خد معى وصفاُ واحداً :)
(يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ)(المائدة:15)

. من يستطيع أن يصف هذا النور؟!! ربنا قال: (جاءكم نور)!! وكلمة: (قد جاءكم)، ليس للزمان الماضى وفقط، فهذه لنا نحن أيضاُ ولمن بعدنا إلى يوم القيامة!! ما الذي جاءكم؟ (نُورٌ). ومن الذى يستطيع أن يصف النور؟!!! ومن الذي يستطيع أن يرى حقائق هذا النور؟!!! فكل واحد يشهد هذا النور شهوداً على قدر صفاء بصيرته، وعلى قدر نورانية سريرته، وعلى قدر عناية الله عزَّ وجلَّ به فى عطائه ونفحاته له!! وخاصة أن الله عزَّ وجلَّ بيَّن أن هذا النور محظور أن يراه كافر، مع أنه كان نوراً ظاهراً!! والكافر يرى سيدنا رسول الله، لكن لا يرى النور )  (وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَسۡمَعُواْۖ وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ) (198الأعراف).

إذن أهل الكفر هل يستطيعون أن يروا هذا النور؟ لا، وإذا كان الكافر لا يستطيع أن يرى النور، لا يستطيع أن يراه أيضاً فى الدنيا أهل الحظِّ وأهل الهوى، والمنغمسين فى الشهوات، والذين يعيشون فى الجهالات، فهؤلاء كيف سيرون هذا النور؟!!

النُّورُ مَحْظُورٌ عَلَى أَهْلِ الهَوَى           وَالحَظِّ بَادِرْ نُعْطِكَ الأَقْدَاحَ

بادر فى التخلص من الهوى والحظِّ كى ترى قبساُ على قدرك من نُورِ حِبيب الله سيدنا رسول الله r. هذا نور الله من يستطيع أن يراه؟ كان أصحابه يرون فى بعض الأوقات لمحات!! بعضهم مثل سيدنا أنس بن مالك t يقول: (كان إذا تكلم خرج النور من بين ثناياه). وصحابي آخر يقول: (ما رؤى (صلي الله عليه وسلم) فى شمس ولا قمر ولا سراج – يعني مصباح – إلا وكان نوره أضوء من نور الشمس، وأزهى من نور القمر، وأبهى من نور السراج). وواحد آخر يقول: (نظرت إلى النبى

(صلي الله عليه وسلم)

 فى ليلة مقمرة – يعنى: يكتمل فيها القمر إلى بدر، ليلة أربعة عشر – فيقول (رضي الله عنه ): فتارة أنظر إليه وتارة أنظر إلى القمر، ووالله لكان فى عينى أجمل من الشمس والقمر).

فكل واحد يرى – على قدره – ما تسمح العناية الإلهية له به، من نور حبيب الله ومصطفاه، ولازم لكي يرى لابد أن يجهِّزه الله (عزوجل) قلبيًّا وباطنيا، من أجل أن الأجهزة التى بداخله تستطيع أن ترى أشعة أنوار رسول الله r. هل أحد فينا يا أحباب يستطيع أن يرى الكهرباء وهى خارجة من المحول  إلى  الأسلاك؟ فنحن نرى الكهرباء فى المصباح الصغير على قدرنا، لكن الكهرباء التى تخرج من الضغط العالى من المحول هل أحد يقدر أن يراها؟ أما التى تخرج من المحطة الرئيسية من يقدر أن يراها؟ لا أحد!!

وإذا كانت هذه هي الكهرباء الحسية، فما بالنا بالكهرباء النورانية الربانية التى جعلها الله

(عزوجل)

 فى قلب خير البرية(صلي الله عليه وسلم) أنى لنا أن نراها؟ يبقى لازم الجهاز الذى بداخلك، وأنت معك الجهاز، وكلنا معنا هذا الجهاز!! فالجهاز موجود لكن محتاج التوصيل، ومحتاج الاستعداد، ومحتاج الاستمداد، ويحتاج إشارة من اللطيف الخبير لكي يكون جاهزاً لتلقى هذا الإمداد.  

ومن أجل هذا سيدنا أويس القرنى (رضي الله عنه ) – وهو كان فى عصر حضرة النَّبىِّ، لكن حضرة النَّبِىِّ كان فى المدينة وهو كان فى اليمن، وكلما أراد أن يسافر حتى يرى رسول الله، أمه – وليس لها غيره – تقول له: يا أويس ستتركنى لمن؟ فمنعه برُّه بأمِّه من السفر إلى رسول الله (صلي الله عليه وسلم). فأكرمه الله (عزوجل) برؤيا أنوار حبيبه ومصطفاه – مع أنه لم يلقه ظاهراً، ولم يقابله بجسده، ولم يلتقى به فى مدينته، لكن محى الله عن قلبه الحجب الباطنية، والأستار الظاهرية، وجعله ينظر وهو فى هذه الأرجاء القصية إلى الأنوار الإلهية التى تنفجر من خير البرية r!! لَـمْ يرَ إلاَّ النور!!

ولذلك عندما أتى إلى الحج، وجاء له سيدنا عمر t، قال له: أريد أحداً يصف لى رسول الله

(صلي الله عليه وسلم)

. وكلما أتوا له بواحد يصف له رسول الله يقول له: إنك لم تره، أنا أريد الوصف الذى رأيته وعاينته. فذهبوا به إلى السيدة عائشة وحدَّثوها، وقال لها: هل رأيتِ رسول الله r؟ قالت: رأيته مرة واحدة!! وهى زوجته، كانت تعيش معه!! ولكن هى تقصد الرؤيا النورانية!! كنت أخيط له ثوباً فى ليلة باردة مظلمة، فوقع المخيط منى وهبت الريح فأطفأت المصباح، وبينما أنا كذلك دخل عَلَىَّ رسول الله

(صلي الله عليه وسلم)

 فرأيته نوراً من السماء إلى الأرض، فأخذت المخيط ووضعت فيه الخيط على ضوئه صلوات ربى وتسليماته عليه.

أَبْرَزَتْهُ يَدُ العِنَايَةِ كَوْناً           وَهُوُ نُورٌ فِى صُورَةٍ آدَمِيَّة

ما الدليل على أنه نور؟ نريد دليلاً عقلياً على قدرنا. أيُّ جسم مادىّ له ظل، إنما

الذى ليس له ظلٌّ هذه اللمبة، لأنها نور، والنُّورُ كان إذا مَشَى لا يُرى له ظِلٌّ!! لا أحد يسبقه فيمشى على ظلِّه، ولا أحد يتخلف عنه فيمشى على ظلِّه، لا يرى له ظلٌّ لأنه كان نوراً!!! هل أحد فينا يقدر يقرأ كلام ويرى فى أثناء الظلام التام بدون إستنارة حوله؟!! لكنه

(صلي الله عليه وسلم)

 كان يبصر فى الظلام كما يبصر فى النور التام!! فهو لا يبصر بنور الشمس، ولا ضوء القمر، ولا نور المصباح، وإنما بِنُورِ حضرة النُّورِ (عزوجل)!! نور :

(يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ)

 (15المائدة). 

فَنُورُ رَسُـــــــــــــولِ اللهِ قَدْ لاحَ ظَاهِراً           وَمِنْهُ لَهُ بِالفَتْـــــــــــحِ وَالخَيْرِ عَمَّنَا
فَنُقْطَةُ نُــــــــــورٍ مِنْهُ تُحْـــيىِ قُلُوبَنَـــــــــــــــا          فَكَيْفَ إِذَا مَا كُنْتُ بَحْراً وَأَنْجُما
فَسَلِّمْ لأَهْلِ الحَالِ رُوحَكَ وَاعْتَقِدْ     فَمَنْ يَعْتَقِدْ يَبْدُو سَعِيداً مُعَظَّما

نسأل الله U أن يكشف لنا القناع عن هذه الأنوار الربانية، وأن يمتِّعنا بقبس على قدرنا من الأوصاف المحمدية، وأن يجعلنا من الذين يسعدهم الله U بالنظر إلى طلعته البهية، وأن يجعلنا من أهل معيته فى الدنيا، ومن أهل جواره فى دار السعادة فى الآخرة أجمعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

********

درس الظهر29/1/2014

 

 

 

 

 

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid