Sermon Details

19 أغسطس 2015م
جـ1 بشائر أهل الإستقامة
بأسلوب سلس مبسط سهل، ييسر العمل بكتاب الله، نبعد عن الفلسفة والإغراض والشطحات الصوفية التي يقولها البعض، والدخول في المتاهات الفقهية والبلاغية واللغوية. عيننا على ما يريده منا ربُّ البرية عزَّ وجلَّ، فقد قال إمامنا ابو العزائم رضي الله عنه: ((ليس الشأن أن تفقه القرآن، ولكن الشأن أن تفقه مراد الله منك في القرآن)). ليس المهم أن تفهم أنت، لأنه من الجائز أن يكون فهمك لا يوافق ما يريده الله. الذي يصيب الحق هو الذي يهديه الله بإلهامه إلى ما يريده عزَّ وجلَّ في الآيات التي نزلت في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وهذا يحتاج إلى أن يكون فيه وراثة ولو قليلة لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقرأه لهوى في نفسه، ولا لشئ مسبق يريد أن يثبته في شخصه، ولا لهدف يرجوه من وراء الخلق، لا يريد إلا رضاء الواحد الأحد الحق عزَّ وجلَّ.
بشائر أهل الإستقامة
————————————–
الحمد لله الذي اختارنا وأهَّلنا وجعلنا من أهل القرآن، وأثلج صدورنا بسماع القرآن، ووفق جوارحنا وأجسامنا للعمل بالقرآن، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يدخلنا في قول النبي العدنان صلى الله عليه وسلم: (أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)[1].
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على من أنزل الله على قلبه القرآن، وجعله في كل أنفاسه بأعماله وأحواله موضحاً لمراد الرحمن في القرآن، سيدنا محمد وآله الذين اتبعوه على هذا النهج الكريم، وأصحابه الذين آزروه وعاونوه على هذه الخطى السديدة، وكل مَنْ نهج على هديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الأحبة: استحببنا بفضل الله أن تكون دروسنا على هذه الكيفية، لندخل جميعاً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)[2].
نريد أن نعرف أولياء الله – نرجوا الله عزَّ وجلَّ أن يدخلنا في جمعهم أجمعين
وما أوصافهم؟، وما الجمال الذي يتجلى به الله عزَّ وجلَّ لهم في الدنيا وفي الآخرة؟
وبم يصلون إلى ذلك؟، وبم تتفاوت الدرجات فيما بينهم؟
بأسلوب سلس مبسط سهل، ييسر العمل بكتاب الله، نبعد عن الفلسفة والإغراض والشطحات الصوفية التي يقولها البعض، والدخول في المتاهات الفقهية والبلاغية واللغوية.
عيننا على ما يريده منا ربُّ البرية عزَّ وجلَّ، فقد قال إمامنا ابو العزائم رضي الله عنه: ((ليس الشأن أن تفقه القرآن، ولكن الشأن أن تفقه مراد الله منك في القرآن)). ليس المهم أن تفهم أنت، لأنه من الجائز أن يكون فهمك لا يوافق ما يريده الله. الذي يصيب الحق هو الذي يهديه الله بإلهامه إلى ما يريده عزَّ وجلَّ في الآيات التي نزلت في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وهذا يحتاج إلى أن يكون فيه وراثة ولو قليلة لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقرأه لهوى في نفسه، ولا لشئ مسبق يريد أن يثبته في شخصه، ولا لهدف يرجوه من وراء الخلق، لا يريد إلا رضاء الواحد الأحد الحق عزَّ وجلَّ.
أولياء الله في هذه الآية، وكل آية تتحدث عنهم تتحدث عن طائفة منهم، لأنهم طوائف لا تعدُّ ولا تحدُّ. مَنْ هؤلاء؟، يقول الله عزَّ وجلَّ لنا فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) (30فصلت). ونحن جميعاً قلنا ذلك.
فإن الله عزَّ وجلَّ عندما خلق الأرواح – قبل خلق آدم والأشباح – جمعهم في جمعيةٍ كبريائية، لا يعلم زمانها ولا مكانها ولا توقيتها ولا تفصيلها إلا ربُّ البرية، وأخذ علينا – وكنا جميعاً حضوراً فيها – العهد والميثاق، وسجلها وكتبها في رقٍ – أي: في كتابٍ – وألقمة في حجرٍ من أحجار الجنة، وأنزله ووضعهُ في البيت الحرام، وجعلهُ مبتدأ الطواف لمن ذهب إلى هذا البيت الكريم، وقال الله عزَّ وجلَّ منبِّهاً لنا عن هذا اليوم: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) الذرية كلها إلى يوم القيامة، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (172الأعراف).
إن شئت تسميه: (يوم الميثاق)، وإن شئت تسميه بما ورد في الآية (يوم ألست بربكم)، وإن شئت تسميه: (يوم العهد الأول) الذي عاهد الله عزَّ وجلَّ فيه الخلق جميعاً في مقام الربوبية – وليس في مقام الألوهية: (ألست بربكم)، ولذلك الآية تُذَكِّر بمقام الربوبية: (إن الذين قالوا ربنا الله).
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ): في هذا اليوم في مواجهة الله جلَّ في علاه، ولذلك قالوا: (بَلَى شَهِدْنَا)، لم يقولوا: بلى سمعنا، ولكن شهدوا جمال الله بالعين الروحانية الربانية التي خلقها فيهم الله، حُجبت هذه العين في الدنيا بظلال الأكوان وبالأهواء وبالشهوات وبالغفلات، لكن إذا وفَّق الله الإنسان وَجَلَى هذا القلب وفتحت عين البصيرة، يشاهد هذا اليوم وهو في الدنيا بعين البصيرة، ولذلك قالوا للإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: أتذكر يوم الميثاق؟ قال: نعم، وأعلم من كان فيه عن يميني، ومن كان فيه عن شمالي. فهو يوم لا ينسى.
(قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ): في مواجهة حضرة الله، ثم جاء دورهم في الحياة الدنيا، وخلق الله الأجسام، وأسكن فيها الأرواح، وخلق الدنيا بما فيها من زهرات فانية، وشهوات دانية، وإغراءات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين. الذين صدقوا القول مع الله والتزموا، هؤلاء استقاموا على هذا العهد الذي أخذوه، والتزموا بالنهج الذي من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم تعلموه، فمشوا على المنهاج، ومشوا على الصراط المستقيم، والمنهج القويم الذي جاء به الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم.
إذاً ولاية الله في هذه الآية فيها عناية وفيها رعاية؛ عناية من الله في الأزل، فهو الذي اختارنا، وهو الذي وفقنا، وهو الذي واجهنا، وهو الذي اصطفانا وجعلنا أهلاً لهذا الجمع الكريم على الله عزَّ وجلَّ.
وفيها رعاية في الحياة الدنيا؛ أن ينوي الإنسان بنيَّته، ويعقد العزم على طاعة الله، وعلى التأسي بحبيب الله ومصطفاه، والله عزَّ وجلَّ لا يطلب منك غير هذا، فإذا عقَّدت العزم بقوةٍ وحزم قواك الله، وأعانك الله، وأمدك بالحول والطول الله جلَّ في علاه، لأنك عزمت: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (3الطلاق)، إذاً لابد أن يكون عندك العزيمة، والعزيمة تدفعها الرغبة في المقامات الكريمة التي تريد أن تخرج بها من الدنيا وتكون عليها يوم لقاء الله عزَّ وجلَّ.
هؤلاء القوم دائماً عندما يخلو أحدهم بنفسه يقول: الدنيا إلى زوال والآخرة هي المآل، ماذا أعددت لنفسي فيها عند الواحد المتعال؟!، ماذا جهزت لنفسي؟!. هذا الأمل هو الذي يدفعك للعمل، إذا فقد الأمل لا يتحرك الإنسان، ولا يستطيع أن يدفع جوارحهُ ولا أعضاءهُ إلى العمل. إذا مشى الإنسان على هذا المنوال يكون من أولياء الله الذين ذكر الله لهم بعض الجمالات والكمالات في هذه الآية الكريمة.
أول هذه الجمالات: (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ) (30فصلت)، لم يقل تنزل، ولكن (تتَنَزَّل) بالمضارع المستمر، يعني تَنْزل بإستمرار، التنزُّل في البداية يكون عن طريق الإلهام، فإن الله عزَّ وجلَّ يقوي ملك الإلهام ليكون له الهيمنة على قلب هذا العبد، ويحفظه من وساوس الشيطان ونزغات النفس. فهناك ثلاثة يحاولون السيطرة على القلب:
مَلَكُ الإلهام وهو يحضُّهُ على الخير والبرِّ والمعروف والعمل الصالح وطلب ما يرضي الله جلَّ في علاه. والشيطان يوسوس دائماً في النفس؛ يريد الكبر في الأرض، ويريد العلو والفساد في الأرض، ويريد حب الظهور، إذا لم يستطع أن يتوصل إلى ذلك بنفسه يسول له الأحقاد والأحساد والفتن والإحن والمكر والدهاء؛ كل هذه بضاعة الشيطان لكي يصل لما يريده، وهو إذا كان يريد منصباً دنيوياً، أو يريد أن يكون من أغنياء الدنيا – وإن كان من طريقٍ حرَّمَهُ الله عزَّ وجلَّ فيُسول له الشيطان ذلك. والنفس تريد أن توقع الإنسان في معصية الرحمن بأي كيفيةٍ كانت، وسلاحها الشهوات التي يحبها الإنسان؛ شهوة الجنس، وشهوة الطعام، وشهوة الشراب، وشهوة الملبس، وشهوة المسكن؛ كل هذه الشهوات من النفس.
إذا عزم الإنسان بصدق فإن الله عزَّ وجلَّ يقوِّي جنده وملائكتهُ ليُلهموه؛ فإذا أراد الشيطان؛ يكون العبد بين أمرين: إما أن يُحصِّنه الله بحصونه الإلهية، وينطبق عليه قوله في آياته القرآنية: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) (42الحِجْر)، فلا يجد الشيطان مدخلاً يدخل منه لهذا العبد، وإما أن يكون من الذين يسعفهم الله فوراً عند نزغات الشيطان ووسوسته: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (201الأعراف).
إذاً نزول الملائكة عن طريق ملائكة الإلهام، قال صلى الله عليه وسلم: (لكلِّ عَبْدٍ مَلَكٌ على قلبهٍ يلهمهُ بالخير، وشيطانٌ يوسوسُ لهُ في الشر)[3]. وأما إذا قويت روحانيتهُ وتشبه بالملائكة الكرام في طاعة الله، وأصبح حالهُ مطابقاً لقول الله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6التحريم)، تقوى شفافيته، وتزيد روحانيته، فيرى ما لا يراه الناظرون؛ يرى الملائكة الكرام بعين وهبت له من ذي الجلال والإكرام عزَّ وجلَّ، ليس بهذه العين الفانية، هذه العين لا ترى إلا المحسوسات، لكن في القلب عين يرى بها الإنسان – إذا فتحها الله عزَّ وجلَّ– الأرواح السارية في الكائنات، ومن جملتها أرواح الملائكة الكرام.
فيراهم ويسمع حديثهم بأُذُنٍ في قلبه، تستطيع أن تستمع إلى كلامهم، وتترجم أصواتهم ولغتهم، ويتحدث معهم بلسان الفهوانية الذي يتفضل به عليه رب البرية، فيفقه كلامهم، ويسمع حديثهم، ويجالسهم، ويستفيد منهم علوماً ومعارف، ويعينونه على أمور دينه ودنياه، ويكونون له رفقاء صدقٍ حتى يصل إلى ما يريد عند الله جل في علاه.
كان سيدنا عمران بن الحصين رضي الله عنه وأرضاه من الثلة المباركة الذين حضروا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى مجالسه، وكان يقول فيه صلوات ربي وتسليماته عليه: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ، لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[4]، وأصيب بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى بداء البواسير، وآذتهُ إيذاءاً شديداً، وعرض نفسه على الأطباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا: (يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً)[5].
فيجب أن لا يقول أحد أن الصالحين لا يتداوون، فيكونوا بذلك خالفوا كلام النبي، بل يجب عليهم أن يذهبوا للأطباء تنفيذاً لكلام النبي حتى لو لم يكونوا في حاجة إلى العلاج، لأن ذلك يكون تنفيذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم قدوة يقتدى بهم، وهداة يهتدى بهديهم. ولأنهم إذا إمتنعوا عن الذهاب إلى الأطباء قد ينساق إلى ذلك بعض الضعفاء الذين يمشون حولهم، ويتلمسون لأنفسهم حُجَجاً ومعاذير، لماذا نذهب إلى الأطباء وشيخنا فلان لا يذهب إلى طبيب؟، فنكون بذلك حاربنا سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في التطبيب.
فعرضوا عليه العلاج، وقالوا: لا دواء له إلا الكي بالنار، وبعدما اكتوى زاد مرضه!!، فقال له أخوه: إنني تعجبت من أمرك، كنت أظن أنك بعد شفاءك من البواسير سترد إليك صحتك وعافيتك، فما بالك؟. قال: يا أخي، الحمد لله قد شفيت من البواسير، لكن كانت تأتيني الملائكة فتجالسني وتحادثني، ولما اكتويت امتنعنت عن الإتيان إليَّ ومجالستي، فهذا الذي أمرضني.
لكي نعرف أن الملائكة كانت تنزل لهؤلاء الناس، وهذا أصلٌ ثابت في ما ورد عن أصحاب الحبيب في كتب السنة المعتمدة، وأنتم تعرفون أن الملائكة نزلت معهم في غزوة بدر، ونزلت معهم في كل المعارك والغزوات لكي يبشروهم ويثبتوهم.
لماذا تتنزل عليهم الملائكة؟، (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) (30 فصلت)، الإنسان يخشى العواقب فيما يأتي، ويخاف على الذين يعولهم ويخلّفهم من وراءه، فآمن الله عزَّ وجلَّ هؤلاء من الناحيتين، لا يخافون من العواقب لأن الله عزَّ وجلَّ بشَّرهم وتولَّى أمرهم، ولا يحزنون على ما خلفوا لأن الله عزَّ وجلَّ ضمن لهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (21الطور).
أو يخاف الإنسان في قولٍ آخر من المستقبل، ودائماً الصالحون يخافون مثلما كان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يقول: ((لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة))، يخافون من مكر الله، وقد قيل لسيدي أبي الحسن الشاذلي: ((يا عليّ، لا تأمن مكري))، والمكر هنا ليس معناه مكراً كما في المفهوم العام بالنسبة للأنام، وإنما المكر بالنسبة لله هو حسن التدبير.
فلا تعلم نفس ما قُدّرَ لها غداً، ولا تعلم نفس ما يختم لها به عند لقاء الله، وأنبياء الله ورسله بذاتهم كانوا يسألون الله عزَّ وجلَّ أن يحسن لهم الختام، سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام كان يقول: رَبِّ .. (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (101يوسف)، وأنتم كلكم تعلمون مسيرة يوسف، وكيف كانت عفَّته، وحِفظ الله له وصيانته، وطاعته لمولاه، وبره بأبويه، وعفوه عمن أساء إليه، ومع ذلك كل هذه الخلال لم تشفع له من الخوف من ذي الجلال والإكرام عزَّ وجلَّ.
والصالحون يخافون مما ارتكبوه من الذنوب والآثام لأنهم لا يدرون هل تاب الله عليهم وعفا عنهم أم سيحاسبهم عليها، فإن الله عزَّ وجلَّ لو حاسبنا على ذنب واحد لهلكنا جميعاً، فأمّنَهم الله في هذا المقام، (ألا تخافوا) مما قادم لكم من الأيام، فإن الله سيتولى توفيقكم ورعايتكم، ورُبَّ يدخلكم الله في أهل بدر، فقد قال فيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)[6]. يعني: يتولاهم الله بما يسمى (الحفظ)، فالأنبياء لهم العصمة والأولياء لهم الحفظ، وإذا حفظ الله عبداً من المعاصي والذنوب كلها وقاه وحماه: (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (64يوسف).
وسَرَّهم الله عزَّ وجلَّ بأن لا يحزنوا على ما فاتهم من الذنوب، ويعلموا علم اليقين أن الله أدخلهم في قوله في قرآنه الكريم: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (70الفرقان)، قد يلهمهم الله عزَّ وجلَّ بذلك فيفرحوا ويسبشروا، وقد يكاشفهم الله عزَّ وجلَّ باطناً بحقيقة ذلك، فيحمدوا الله عزَّ وجلَّ على توفيقه ويتسغفروه.
وإذا كان القوم من الذين أقامهم الله عزَّ وجلَّ لهداية الخلق إليه، فإن الله عزَّ وجلَّ يقول لهم: لا تخافوا على أحبابكم الذين أخذتم بأيديهم، لأننا سنعطيكم الشفاعة فيهم يوم الدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ)[7]، فيشفعون كما ورد في الأثر: (إذا كان يوم القيامة يقال لأهل العبادة ادخلوا الجنة، ويقال للعلماء اهبطوا إلى أرض الموقف فكل من قدَّم إليكم معروفاً من أجلي، وكل من واساكم من أجلي، فخذوا بيده وأدخلوه معكم الجنة)[8].
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ما معناه: (إذا ضاق بالعبد الأمر ولم يجد له مخرجاً تسأله الملائكة: هل عرفت عالماً من علماء الدنيا الصالحين؟، فيقول: لا. فيقولون له: هل جلست مجلساً واحداً مع عالماً من الصالحين؟، فيتذكر، ويُذكِّره الله فيقول: فلان، فيقولون له: اهتف باسمه، ثم يبلغون العالِم ويقولون له: فلان يهتف باسمك ويطلب منك أن تنقذه، فيشفع له، فيشفعه فيه الله عزَّ وجلَّ)[9].
(أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا)، لا تخف على الذين هم معك هناك، ولا من ستتركهم هنا، لأنه ما دمت هديتهم إلى المنهج القويم القائم على شرع العزيز الحكيم، والموافق لسنة الرءوف الرحيم، ودعوتهم إلى ذلك، ولقنتهم ذلك، فثق أنهم إن شاء الله ناجون .. مادام علم وعمل، وفي الآية كلام لانستطيع عدَّه ولا حصره الآن، ونكتفي بهذا القدر حتى ننتقل إلى غيره.
(وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ):كل واحد يعطيه الله مناه، ويحقق له الله الأمل الذي يراوده في صدره إذا صدق مع مولاه، إذا كان في الدنيا يريد أن يكون من أهل العلم اللدني سيكشف الله عزَّ وجلَّ له عن ذلك، لكن بعد أن يحصنه من المهالك، لأنه إذا أفاض عليه العلم اللدني والنفس مازالت حية فستلدغه بسُمِّها، وسيسعى للظهور، أو لجلب الدراهم، أو للفخر والرياء، ويدخل فيما حذر منه أمير الرسل والأنبياء في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ)[10].
إذاً يجب التحصين أولاً، وأنا أقول ذلك لأن كثير من المريدين المتلهفين يريدون أن يأخذوا العطايا قبل التحصين، ولا يجوز ذلك عند الصالحين المتمكنين، فلابد من أن تحصن النفس أولاً من المعاطب، وتجنبها المهالك، وتصحح القصد في كل نفس حتى يمنحوك ويعطوك ويؤهلوك ويضمنوك أنك لن تسعى بذلك إلى ما يخالف شرع الله جلَّ في علاه، وعندنا نماذج وأمثلة لا تعدُّ ولا تحصى في هذا الباب.
إذا كان يريد مطالب الصالحين في الحياة الدنيا وهي لا تعد ولا تحد، منهم من يطلب الكشف الإلهي، ومنهم من يطلب الإطلاع على الأنوار الربانية السارية في كل الكائنات العلوية والسفلية، ومنهم من هو على قدره يطلب الرؤيا الصادقة المنامية، ومنهم من يطلب أن يكون على الدوام كل ليلة مع الحضرة المحمدية. كل هذه الأشياء الله عزَّ وجلَّ يعطيها لهم لأنه قال في شأنهم: (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ) (34الزمر)، وهذه الأمور أعلى مرتبة من الجنان تسمى جنة المعرفة بالله عزَّ وجلَّ، قيل في ذلك: “إن لله جنة عاجلة من دخلها لا يحتاج إلى الجنة الآجلة، ألا وهي المعرفة بالله تعالى”. وإذا كان يريد الجنة في الآخرة فالله عزَّ وجلَّ يعطيه أي منزل من منازل الآخرة، وأرقى المنازل وأعلاها وأبهاها هي رؤية وجه الله عزَّ وجلَّ.
(وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ): زيادة تشريف وتكريم أن الملائكة يعرفونهم ويؤكدون لهم أنهم دوماً هم الذين يمدونهم ويلهمونهم بالخير، وهم الذين يحضونهم على عمل البرِّ، وهم الذين يحفظونهم من المهالك، وهم الذين يحيطون بهم عند الصعاب، وهم الذين ييسرون لهم كل الأمور.
ولو طالعت في دوواين الأولياء وما فعل معهم ملائكة السماء في كل هذه الأمور تجد العجب العجاب!! يكفي في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا، يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا، فَإِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ)[11].
وفي رواية أخرى: (إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: ” يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ)[12]. وهذا ما يحدث، يجد الشئ الذي يبحث عنه قد جاء له، وهناك مليارات الكرامات في هذا الباب جرت للصالحين والصالحات، وقد يكون أنتم قد جرى لكم مثل هذه الأمور ولكن لم تسجلوها في دفاتر ولا كتب، لأننا كلنا والحمد لله لنا نصيب في ولاية الله جلَّ في علاه.
(وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ): ولكنهم في هذا الوقت نفوسهم لا تشتهي إلا وجه الله، أو معية حبيبه ومصطفاه، لن يشتهوا طعاماً أو ملبساً، أو يشتهوا دابة كسيارة مثلاً .. فهذا ماَ لهُ وما للولاية؟!!..فهو مازال في الدنيا، لكن من وصل لهذا المقام ماذا يشتهي؟ أشتهي وجه الله.
مكانتك في الجنة يجب أن تراها ساعة الموت أو قبلها، ونحن جميعاً الحمد لله من أهلها وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لَيُحْبَسُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَمَا يُجَاوِزُونَ الصِّرَاطَ عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَيُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مَنْ بَعْضٍ مَظَالِمُهُمُ الَّتِي تَظَالَمُوهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَلأَحَدُهُمْ أَعْرَفُ بِمَنْزِلِهِ فِي الآخِرَةِ، مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا)[13].
لست في حاجةً أن تأخذ العنوان وتطلب أحداً أن يوصلك، لكن: (يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (6محمد)، يجب أن تعرفها وأنت هنا، فيكشفوها لك، ويروك إياها، فتعرف طريقها، وتعرف إلى أين أنت ذاهب، سيدنا عمرو بن الفارض رضي الله عنه وأرضاه في سكراته الأخيرة كاشفه الله عزَّ وجلَّ بمنزلته في الجنة، فقال مخاطباً ربه عزَّ وجلَّ:
فإن تكُ منزلتي في الحب عندكم ما قد رأيت فقد ضعيت أيامي
إن كانت منزلتي تلك القصور العالية التي في الجنة هذه فإن أيامي كلها ضاعت، إذاً فماذا تريد؟! أريد وجههُ: (يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (52الأنعام)، ماذا يريدون؟ وجه الله عزَّ وجلَّ ورفقة الحبيب، فتدخل في قولهِ عزَّ وجلَّ: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (29الفتح) وتكون في هذا المقام، ماذا تريد؟ (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) (69 النساء)، هذا الذي تشتهيه أنفسهم، ولذلك كان الرجل الصالح يقول:
فنظرةٌ منك يا سؤلي ويا أملي أشهى عليَّ من الدنيا وما فيها
كل ما أريده نظرة واحدة منك، ولذلك أعطى الله لهم شئٌ عظيم وعجيب وغريب: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)، سمعت مولانا الشيخ محمد علي سلامة رضوان الله عليه يقول: أن هذه الآية أعظم من: (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ) (34الزمر). فلهم ما يشاءون تعني: أن ما يريدونه سيأخذوه، لكن (وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ) (57يس)، يعنى: حتى الذي لم يكن ليخطر ببالهم ويريدونه فسوف يأخذوه، فما سيدَّعُوه مع حالٍ في الدنيا فسوف يأخذوه، فإذا بَشّروا أحداً ببشرى عظيمة فإن الله يلبِّيها لهم، وإذا بشروا أحداً بمنزلة كريمة فإن الله يقرُّها لهم، وإذا بشروا أحداً بتوبة فإن الله يقبل توبته.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في سيدنا أبو لبابة عندما ربط نفسه بسارية المسجد وقال: (لا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدَ اللَّهَ لا يَطَأُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلا يَرَانِي اللَّهُ فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُ، وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: “أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانَهُ، حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ”)[14].
هذا الكلام كله منزلة وليس حال، لأن دوام الحال من المحال: (نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ): كل هذه العطاءات منزلة ثابتة يقينية لهم عند الله عزَّ وجلَّ، ثم شملهم الله عزَّ وجلَّ باسمين عظيمين من أسماء الله يجعلونهم في بشرى دائمة من حضرة الله، لأن إسم الغفور ملاحظ لهم، وهذا يجعلهم لا يخشون ما اقترفوه ولا ما فعلوه، وإسم الرحيم قرين لهم، لأن الله يقبل الشئ الصغير منهم ويضاعفه لهم أضعافاً كثيرة. وأكتفي بهذا القدر مع استراحة قصيرة، نكمل بعدها بقية الآية إن شاء الله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*************************
[1] مسند أحمد والحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه.
[2] مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
[3] روى الترمذي وابن حبان عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ قَرَأَ: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: 268) الآيَةَ}.
[4] صحيح مسلم ومسند أحمدعن عمران بن حصين رضي الله عنه.
[5] جامع الترمذي وسنن أبي داود عن أسامة بن شريك رضي الله عنه.
[6] البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[7] سنن ابن ماجة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
[10] سنن ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[11] المطالب العالية لابن حجر والطبراني عن عبد الله بن مسعود t
[12] معجم الطبراني عن عتبة بن غزوان t
[13] الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[14] جامع البيان للطبري
ندوة دينية بعد صلاة العشاء– مسجد الغفران بورسعيد – الأربعاء 19/8/2015م