• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

20 أغسطس 2015م

جـ2منازل الأولياء

قلنا أن أولياء الله الذين يتحدث الله عنهم في هذا المقام - وكل كلام عن الأولياء في القرآن له مقام غير السابق واللاحق، فهم درجات عند الله؛ معقد عزمهم، ومبلغ شأنهم مراقبة الله عزَّ وجلَّ على الدوام، ولا بد أن يجاهد المرء نفسه في هذا الأمر على منهج الحبيب وأصحابه المباركين، حتى يصل بفضل الله إلى مقام يقول فيه الله: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (128النحل). كيف يكون معهم؟ بنصره وبتأييده، بإكرامه وعطاءاته وهباته، بصيانته ووقايته، بكل ما يتمناه المرء من ربه عزَّ وجلَّ، يجد الله تولاه: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196الأعراف).

شارك الموضوع لمن تحب

منازل الأولياء

————-

قلنا أن أولياء الله الذين يتحدث الله عنهم في هذا المقام – وكل كلام عن الأولياء في القرآن له مقام غير السابق واللاحق، فهم درجات عند الله؛ معقد عزمهم، ومبلغ شأنهم مراقبة الله عزَّ وجلَّ على الدوام، ولا بد أن يجاهد المرء نفسه في هذا الأمر على منهج الحبيب وأصحابه المباركين، حتى يصل بفضل الله إلى مقام يقول فيه الله: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (128النحل). كيف يكون معهم؟ بنصره وبتأييده، بإكرامه وعطاءاته وهباته، بصيانته ووقايته، بكل ما يتمناه المرء من ربه عزَّ وجلَّ، يجد الله تولاه: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196الأعراف).

ووجدنا حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يترك للآخرين تفسير الآية ففسرها في حديثه الكريم: {إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الذين افوز العظيم)}[1]. وفي رواية أخرى: (يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ قُدَّامَ الرَّحْمَنِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلا يَخَافُونَ)[2].

إذاً مَنْ هم الأولياء؟!!، كما وضَّحهم الحديث. ولنا ملاحظات لطيفة في الحديث الوارد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

الملاحظة الأولى: في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ). كيف يتمنى الأنبياء والشهداء منزلة هؤلاء القوم؟!!. أذكر في هذا المجال مولانا الشيخ محمد علي سلامة رضوان الله تبارك وتعالى عليه وضَّح لنا وجلَّى لنا هذا السرَّ فقال: الأنبياء والمرسلون يوم القيامة في شُغل تام بأممهم، ولذلك يقول سيدنا أنس رَضِيَ الله عنه‏: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: أَنَا فَاعِلٌ. فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ، قَالَ: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ)[3].

فالأنبياء والمرسلون سيكونون مشغولين بأممهم، لكن هؤلاء القوم يقومون من قبورهم إلى المنابر التي جهَزها الله عزَّ وجلَّ لهم في مواجهة العرش، لذلك يتمنى الأنبياء منزلتهم بسبب الراحة والهناء الذي هم فيه، لكن الأنبياء مشغولون بعيالهم وأولادهم إلى أن يطمئوا عليهم.

الملاحظة الثانية: نجد كل الناس تتمنى أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، ويحاول أن يحجز له مكاناً ليكون تحت ظل العرش، وحضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جعل لنا حوالي تسعة وسبعون خصلة ذكرها في مختلف أحاديثه صلَّى الله عليه وسلَّم، كل خصلة لو عملها صاحبها فإنه سيحجز مكاناً له تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله. لكن هؤلاء القوم ليسوا تحت الظل، ولكن قُدام عرش الرحمن في المواجهة:  (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (22، 23القيامة).

هل يستويان؟!. المقام الذي يظلل من يوم القيامة وحرارته وظلماته وأهواله تحت ظل العرش هل يستوي مع المقام الذي في المواجهة؟! (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (23، 24المطففين) غيرهم يكون عطشاناً، لكن هؤلاء (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ.  خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (25، 26المطففين). لأن هؤلاء في مواجهة الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ بلا كمٍ ولا كيفٍ ولكن بأنوار تعالت معنوية، فإياك أن تُحيِّز، فكل ما خطر ببالك فهو هالك، والله تعالى بخلاف ذلك.

الملاحظة الثالثة: حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بيَّن أن أهم شيء عند هؤلاء القوم بعد مراقبة الله هو الحب في الله، والمودة في الله، والتعامل مع الكرام من الأنام في الله ولله، فلا يتركون المعاملات مع الخلق لكن بشرط أن لا تؤدي إلى قطيعة، ولا تؤدي إلى فراق، لأن الأقوى بيننا الحب لله والمودة لله.  

فلا مانع أن نشتغل في تجارة، لكن يجب توثيق العقود، كما قال الله عزَّ وجلَّ في قرآنه الكريم حتى لا نختلف، وإذا اختلفنا فالخلاف لا يفسد للود قضية.

ولا مانع إن وجدت عند أخي في الله ابنة تصلح أن تكون لإبني زوجة صالحة، أن أطلبها منه، لكن هذا الأمر يحتاج إلى توفيق الله، وتوجيه القلوب بين الطرفين، وهذا بيد الله: (إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)[4]. فإذا قال لي أخي في الله أن إبنته استخارت الله عزَّ وجلَّ ولا يوجد نصيب، فيجب أن لا يؤدي هذا الرفض إلى شقاق، ولا يؤدي إلى خصام، ولا يؤدي إلى تباعد، لأن هذا ليس هو أساس المعاملة التي بيننا، فالمعاملة التي بيننا أساسها في الله ولله.

وهذا جانب خطير يؤدي إلى مشاكل لا تُعد ولا تُحد بين صفوف الأحبة في أي زمان ومكان، وهذا دليل على عدم الفقه في دين الله عزَّ وجلَّ، فنحن معنا: (تحابوا بروح الله)، وأي شيء آخر بعد ليس علاقة بهذا الأمر، ولكن نعملها بشرع الله، حتى تكون أمورنا كلها محفوظة بحفظ الله عزَّ وجلَّ.

أخي يحتاج مني قرضاً، لا مانع، لكن بشرط أن يتم كتابته، لأن الله عزَّ وجلَّ قال: (إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (282البقرة). هل نقول سمعنا وأطعنا أم سمعنا وعصينا؟! نقول سمعنا وأطعنا، قد يقول أحدهم: هذا مبلغ صغير، لكن الله عزَّ وجلَّ قال: (وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) (282البقرة). الآجال بيد الله، ولذلك يجب أن نتمم كل أمورنا بالكتابة.

قد يقوم البعض بعمل جمعية ويرتبون من يأخذها الأول والثاني والثالث وهكذا، كذلك لا بد من تسجيل هذه الجمعية في منشور ويوقع عليه الكل ويكون هناك شهود، لأنه قد يقبض هذه الجمعية أحدهم ثم يموت، فما العمل؟! لذلك لابد من تسجيل كل شيء بيننا لأن هذا هو شرع الله ودين الله جل في علاه.

وهذا الأساس الأول الذي نحن عليه، وهو الحب في الله، حتى نكون مع حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم، وحتى ندخل في قول الله: (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (62يونس)، لا نخاف هنا ولا هناك، وأهل هذا المقام يخافون أن يكونوا في الآخرة في مكان والأحبة في مكان آخر، هم في درجة والأحبة في درجة أخرى، لكن الله عزَّ وجلَّ طمأننا على ألسنة أصحاب حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أهل هذا المقام، قال رجل لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)[5].

فلابد أن نحافظ على جوهر المحبة، وهذا ثوبان مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان شديد الحب لرسول الله، قليل الصبر عن فراقه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له رسول الله: {يا ثوبان ما غيَّر لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي من ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أراك أبداً فنزل قول الله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) (69النساء)}[6].

يُنزل الحق من أجله ومن أجل أمثاله قرآناً يُتلى إلى يوم الدين!! هناك أصحاب الأجر، وأصحاب الإنعام، أصحاب الأجر يعدون لهم الأعمال ويعطونهم حسنات وزيادة من عند الله، لكن أصحاب الإنعام سيأخذون الأوسمة والنياشين، وسيكونون في الدرجات العلا مع المقربين، ومع الانبياء والمرسلين، ومع الإمام الأعظم للخلق أجمعين سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) (69-70النساء)، أخذوا هذا المقام بالفضل من صاحب الفضل العظيم: (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (105البقرة).

إذاً أحرص شيء يجب أن تحرص عليه في حياتك حتى تكون من الذين أنعم الله عزَّ وجلَّ عليهم المحبة في الله ولله، وإياك أن تعكرها بالدنيا، وإياك أن تسمح للهوى أن يديرها أو يغيرها، ولكن كن دائماً حارساً وحريصاً على أن يكون حبك خالصاً لله جل في علاه، وهذا شيء سهل وميسور، ولكن يحتاج من الإنسان أن يكون يقظاً لبدوات النفس، وهفوات ووساوس الشيطان، لأنهم يحاولوا أن يكدروا على الإنسان هذا الحب.

والإنسان إذا أحب الله ورسوله وإخوانه المؤمنين فلابد أن يُمتحن، فيتعرض للإغراءات، والله عزَّ وجلَّ ذكرها في الآيات: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) (24التوبة) وهذا هو الميزان. فإياك أن تكون أي واحدة من هذه الأشياء تغلب عندك في باطنك على حب الله ورسوله، لا بد أن يكون حب الله ورسوله هو الأعلى والأرقى والأبهى والأغلى على الدوام، وهذه أحوال الصالحين عندما نطالع سيَرهم، نجدهم على هذه الشاكلة.

الحب لله والرسول يزيد فيحرق الأغيار، والقلب مُقلبه لا يريد فيه سواه، وأي شيء يدخل سواه يسبب الحجب لصاحب هذا القلب عن جمالات الله، وكمالات الله، وعن حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم. كيف نُخرج من القلب كل شيء من الأغيار؟ لا يحرقه ولا يطرده إلا نار المحبة، إذا أوقدت بدوام صحبة الأحبة لله، فتُفرِّغ كل ما في القلب، وتجعله صافياً لله جل في علاه:

نار المحبة كم أذابت مهجتي

 

وأخو المحبة لا يميل لغيرها

 

يا لائمين محمداً رفقاً به

 

فهو الذي ذاق الجحيم وحرَّها

 

قسماً بمن أنا فيه مَيْتٌ مغرم

 

لو فُتِّحت أبوابها لقفلتها

 

سألوا أحد العارفين: لو أُطفأت نار جهنم كيف يوقدها الله عزَّ وجلَّ؟ فقال: يُسلط عليها شرارة من نار محبة أولياءه فتوقد: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (65الفرقان). الغرام في الحبيب السامي صلَّى الله عليه وسلَّم – وشدته هو الذي يمحو السوى، ويُطهر القلوب، ويجهزها لصافي المشروب، وهي البشريات التي تحدث عنها الله عزَّ وجلَّ في قرآنه المكنون.

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) (63يونس): والتقوى درجات، بدايتها للسالكين التعريف الذي عرَّفه بها الإمام علي رَضِيَ الله عنه ‏ وكرَّم الله وجهه: ((الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل)) أربعة مراحل، وهذه بدايتها، وما غايتها؟: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (102آل عمران)، وقال في ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه: (أن تذكروه فلا تنسوه، وتطيعوه فلا تعصوه، وتشكروه فلا تكفروه، وتؤمنوا به عزَّ وجلَّ إيماناً يقينياً فلا تجحدوه).

كل هذه التقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (13الحجرات) ليس التقي، ولكن أتقاكم بصيغة المبالغة، فكلما يزيد في التقى يزيد في رفعة المقام عند الله، وفي المنح والعطاءات الإلهية التي ذكرها الله.

(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ): والبشرى على قدر تقواه، وعلى قدر قربه من مولاه، وعلى قدر نظرات الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم التي تواليه وترعاه، والبشريات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، وأولها كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ، إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ)[7]. بدايتها عندما يطهر القلب فيبدأ يقتبس من الملكوت الأعلى الرؤيا، إذا كان من أهل الصفاء، ولا شأن لنا بالأحلام، فالحلم هو الشيء المشغول به الإنسان في يومه فيراه عند منامه، وهذا من الشيطان، لكن الرؤيا تأتي من الله عزَّ وجلَّ على جناح طائر، وهو مَلَك مُخصص للرؤيا، والرؤيا هي بداية الصالحين.

حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كانت فترة نبوته ثلاث وعشرين سنة، وقال في الرؤيا: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)[8]، لأنه صلَّى الله عليه وسلَّم مكث – كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها – ستة أشهر تأتيه الرؤيا الصالحة، فإذا أراد الإنسان أن يظل في الرؤيا الصالحة طوال عمره فقد حجب نفسه.

فالرؤيا هي البداية، لكنه بعد ذلك يريد الكشف، ويريد الشهود، ويريد الأُنس، ويريد اللطف، ويريد الأسرار، ويريد الأنوار .. بشريات لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، لكن أعظم البشريات للمؤمن في دنياه أن يرزقه الله عزَّ وجلَّ الاستقامة في العمل بشرع الله، وهذا أمر يغفل عنه كثير من الناس، فالرؤيا قد يدخل الشيطان فيها، لكن أكبر بشرى للمرء أن يرزقه الله عزَّ وجلَّ الاستقامة، ويجد نفسه تميل دائماً للمحافظة على شرع الله عزَّ وجلَّ، والعمل بما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه.

أو أن يرزقه الله عزَّ وجلَّ التوفيق، والتوفيق لم يُذكر في القرآن كله إلا مرة واحدة وعلى لسان نبي: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ) (88هود)، فلا يُحكم أمراً إن كان بلسانه أو بيده أو غير ذلك إلا ويرى الخير فيه، ويرى الخير فيه أيضاً أهله وذووه، فيكون مباركاً، وهذا من توفيق الله، وتوفيق الله عزَّ وجلَّ قال فيه صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه: ( قليل من التوفيق خير من كثير من العمل).

كذلك يجد في نفسه ميلاً شديداُ إلى التفقه في الدين، وزيادة الاطلاع على ما أتى به سيد الأولين والآخرين لأنه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)[9]. لا يريد أن يتفقه في الدين ليتكلم – وهذا ليس طريقنا – لكن يتفقه في الدين ليعمل، ويُرضي ربَّ العالمين عزَّ وجلَّ، يطلب العلم للعمل، ولا يطلب العلم للنشر والإذاعة والظهور وما شاكل ذلك، إذا كان عنده رغبة في العلم النافع فهذا من توفيق الله عزَّ وجلَّ. إذا وجد في نفسه ميلاً قلبياً إلى الإصلاح بين المؤمنين، فهذا يكون في درجة النبيين: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (88هود)، يريد أن يُصلح بين فلان وفلانة،، وبين فلان وفلان، فهذا على قدم النبيين. إذا وجد في نفسه ميلاً شديداً إلى خدمة الفقراء والمساكين والمنقطعين من أُمَّة محمد أجمعين.

الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه وأرضاه يقول: ((ذهبت إلى أبواب القرب فوجدت باب العبادات مزدحم، فذهبت إلى باب المحبة فلم أجد عليه إلا نفر قليل))، باب العبادات نهايته الجنة لو كانت هذه العبادات خالصة ومقبولة، لكن الصالحين عندما تنظر إلى سِيَرهم كيف نجدهم وصلوا إلى الله؟ وصلوا بخدمة الفقراء والمساكين، وبالصلح بين المتخاصمين، وبنشر المحبة بين المبغضين والكارهين، وهذه رسالات الأنبياء والمرسلين، وهم القائمين بها في الدنيا بهذه الكيفية. لكن العبادة رسالة الملائكة، منهم القائم أبداً، ومنهم الراكع أبداً، ومنهم الساجد أبداً، ويأتي يوم القيامة ويقول: (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك).

هذا طريق، وهذا طريق، فطريق الأنبياء والمرسلين مع الآخرين، فيجب أن يكون لك دور مع الآخرين، وهذا حال الصالحين أجمعين في كل زمان ومكان، منذ عهد سول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يومنا هذا.

(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ): وأول الآخرة عند خروجه من الدنيا، تأتيه المبشرات الصالحات، يرى مقعده من الجنة، أو تأتيه ملائكة الرحمة، أو يأتيه حبيب الله ومصطفاه ليحضر خروج روحه ويُصلي عليه كما أمره الله: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) (103التوبة).

مات رجل من الصالحين، وبعد أن غسلوه، وذهبوا به ليدفنوه، وكان من عادتهم في هذا الزمان أنهم يكشفون وجه الميت في قبره ويضعون تحت صدغه قالباً من الطوب بدون ساتر تذللاً لله عزَّ وجلَّ، يحكي صديق له أنه بعد أن وضع قالب الطوب تحت صدغه إذا به يجلس ويقول: أتُذلِّلني بين يَدي من دلَّلني؟! فقال: أحياة بعد الموت؟! فقال: أنا حيّ، وكل محبٍّ لله عزَّ وجلَّ حيّ!! فأحباب الله عزَّ وجلَّ أحياء، قال فيهم صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي أَصْحَابُ الْفُرُشِ، وَرُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ)[10].

لكن هؤلاء ماتوا بسيف المحبة، غير الذي مات بسيف الأعداء، فهؤلاء القوم (أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (169آل عمران)، أرزاقاً معنوية إلهية لا نستطيع أن نبيِّنها في الحياة الدنيوية، وإنما هم في مُتع وهناء إلى يوم اللقاء إن شاء الله رب العالمين.

(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) ناهيك بشيء يقول عنه الله: (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ماذا تريد بعد ذاك يا أخا الإسلام؟! بعد أن يُخبرك الله عزَّ وجلَّ أن هذا هو المقام العظيم، ومن دخل فيه فهو الذي فاز فوزاً عظيماً، لأنه سيعظمه العظيم عزَّ وجلَّ يوم لقاءه، سيكون من المعظمين، ومن المكرمين، ومن الأحبة، ومن المتقين: (لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

ثم أعلم الله عزَّ وجلَّ أصحاب هذا المقام لأنهم ورثة النبي، أو ورثة الأنبياء فلا بد أن يكون لهم نصيب من معاداة الخلق لهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ) (31الفرقان) لا يوجد ولي صادق إلا وله أعداء، كالأنبياء والرسل، من يستهزأ به، ومن يسخر منه، ومن يشتكيه، ومن يحاول أن يؤذيه، لكن في النهاية: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (95الحجر).

لذلك لابد أن يوطن نفسه على ذلك، ولكن إذا ضعف وقال في نفسه كيف أكون قريباً من الله ويترك فلان يؤذيني، وفلان يفعل بي كذا وكذا؟! وتأخذه الحمية، فيريد أن يدمر هذا، ويريد أن يهلك هذا، ويريد أن يصيب بسوء هذا!! هذا لا يصلح في ولاية الله عزَّ وجلَّ، لأن الله عزَّ وجلَّ عاتب سيدنا إبراهيم الخليل عندما جاءه ضيف وقدَّم له الطعام، وطلب منه أن يُسمِّ الله، فرفض الضيف، فقال له: ما دينك؟ فأخبره بدينه، فقال: لن تأكل حتى تؤمن أولاً، فرفض الطعام وتركه، فعاتب الله عزَّ وجلَّ إبراهيم، وقال له: (يَا خَلِيلِي حَسِّنْ خُلُقَكَ وَلَوْ مَعَ الْكُفَّارِ، تَدْخُلْ مَدَاخِلَ الْأَبْرَارِ)[11]. الله عزَّ وجلَّ يرزقه طول عمره ولم يسأله، وأنت من أجل لقمة تريده أن يؤمن!!،

فأحوال الصالحين عن هذا، فكما يرثون بشريات سيد الأولين والآخرين لا بد أن يرثوا توصيات الله له في كتاب رب العالمين: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199الأعراف). أنت تريد أن ترث الأنوار من غير أن تأخذ قسط من متاعب الأشرار والفُجَّار!! لابد من ذلك.

إذاً يجب أن تؤهل نفسك لهذا الأمر، كيف؟ أن تثق في الله، وتعلم أن الله عزَّ وجلَّ إذا لم تلتف إلى غيره سيكفيك كل هؤلاء، كما قال لحضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (67المائدة)، يقول لنا أجمعين: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (38االحج) إذا أراد أحد أن يؤذيهم بالقول وما شابه، أو إذا كان بالفعل فكما في القراءة الأخرى: (إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، يدفع عنهم كل سوء وكلَّ شرٍّ وكلَّ ضرّ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ جَفَّتِ الأَقْلامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ)[12]. وسينقلب هذا الضر إلى خير وتراه حقيقة جلية، كما رآه الصالحين في كل زمان ومكان.

معنى ذلك أن الإنسان الذي يُقربه مولاه، ويؤنسه عزَّ وجلَّ ببشرياته التي أشار إليها في كتاب الله؛ لا يظن يوماً أنه سيسلم من خلق الله، سيدنا موسى بذاته قال الله له يوماً: (ألك حاجة يا موسى؟ قال: يارب، أن تردَّ عني الخلق وترضيهم عني، قال: يا موسى ذاك شيء لم أرضه لنفسي!!). كيف يرضيهم عنك؟!

لكن الذي يرضى عنك المتقين، هؤلاء هم الناس في نظر رب الناس عزَّ وجلَّ: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (54النساء) سيدنا جعفر الصادق رَضِيَ الله عنه‏ قرأ الآية وقال لمن حوله: نحن الناس المذكورون في هذه الآية، لأننا المخصوصون بفضل الله، لم يقل الله: على ما أتاهم من رزقه، ولكن (مِن فَضْلِهِ) مَن الذي معه الفضل؟ هؤلاء القوم، والذي معه فضل هل لا يُحسد؟! قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ)[13]. والحسود لا بد أن يحاول أن يشوهه، ويحاول أن يؤذيه، ويحاول أن يُسيء إليه، لكن إذا أوكل أمره وفوَّض أمره إلى الله، وقال كما قال الله: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (45غافر)، تأتيه وقاية الله في قول الله: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) (45غافر).

إذاً يا أحباب لا يجب أن نشتكي، كيف أعبد الله، وفلان يضرني ولا يأتيه ضرر، وأنا أدعوا عليه؟!! لماذا تدعو عليه؟!! لقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ)[14]، فلا يقام لك قضية يوم القيامة لأنك دعوت عليه، لكن يجب عليك: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (45غافر).

نسأل الله أن يجملنا بجمال هذه الآيات، وأن يكرمنا بهذه العنايات، وأن يجعلنا على هذا المقام الكريم في البدايات والنهايات، وأن يفرحنا أجمعين بمعية سيد السادات، وأن يكتبنا في عداد عباده الصالحين، وأن يجعلنا من الذين يجلسون على أرائك المحبة ولوجهه عزَّ وجلَّ ناظرين، وأن يتفضل علينا دوماً بتوفيقه ورعايته وصيانته وحفظه في كل وقت وحين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

*****************************

[1] سنن أبي داود والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[2] الأسماء والصفات للبيهقي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

[3] جامع الترمذي ومسند أحمد عن أنس رضي الله عنه.

[4] جامع الترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه.

[5] البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.                                          

[6] ذكر الواحدي هذه القصة في كتابه أسباب النزول في طبعة دار الكتب العلمية تاريخ النشر 2000 عند تعرضه لأسباب النزول لهذه الآيات من سورة النساء.

[7] صحيح مسلم وسنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[8] صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[9] البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

[10] مسند أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[11] الطبراني والأمالي المطلقة لابن حجر عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] مسند أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[13] معجم الطبراني والبيهقي عن معاذ بن جبل t

[14] جامع الترمذي ومسند الشهاب عن عائشة رضي الله عنها.


1   ندوة دينية السهرة   بورسعيد –  مسجد الغفران  –  الخميس 20/8/2015م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid