حفظ الله لمقام نبيه صلى الله عليه وسلم

—————————————-

انظروا إلى حفظ الله لنبيه وصفيه صلى الله عليه وسلم، فرغم أن الله رفع قدره وأعلى شأنه في كتابه إلى حدود لا يتحملها بشر، فقال: ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) [80 النساء]. وأخرى: ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) [54 النور]. وحذِّر: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [63 النور]. ويقول: ( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ) [62 التوبة].

ورغم كل هذه الرفعة والشأن العلي! لكن حفظه الله في كل الأزمنة وإلى يوم الدين، بأنه لا يوجد مسلم قطّ قد رفعه عن رتبة العبودية أو أدخله دائرة الإلوهية، فمهما يمدحه أي مسلم، أو يُثنى عليه أي عالم، فتكون نهاية المدح عبدٌ لله!! لكن حضرة الإلوهية لا يوجد أحدٌ منا يدخله أو يشركه صلى الله عليه وسلم فيها، لأن الله عزَّ وجلَّ عندما رفع قدره وأعلى شأنه مدحه بالعبودية:

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) [1الإسراء]، ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) [1الفرقان]، ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) [1الكهف].

هذه قضية بديهية، فكل المسلمين مهما يرفعون شأنه فإنهم يتبعون رفعة شأنه التي في كتاب الله والتي بيَّنها الله، وفي النهاية عبدُ الله ورسولُه!! نحن لا نقول في الصلاة: (أشهد أن محمداً رسول الله) ولكن نقول في الصلاة أثناء التشهد: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) مَن الذي علَّمنا هذا الأدب العالي؟ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن بشريته صلى الله عليه وسلم كان لابد منها حتى نتعلم منها، لأن الله إذا أنزل ملكاً من السماء فلن نراه ولن نسمعه! إذاً كيف سنتعلم منه؟! فلابد أن يكون بشراً، ولكنه بشرٌ معه الوحي من خالق القُوَى والقُدَر، ولكي يتحمل نزول الوحي والاتصال بالملأ الأعلى لابد أن تكون بشريته أعلى وأرقى من سائر البشر!! فلابد من الله أن يصفِّيه ويرقِّيه ويعليه حتى يكون له شأنه، وتصبح بشريته ملائمة لهذه الأعباء وتلك التكليفات التي فوق طاقة البشر!! وخذوا أمثلة على ذلك وهى واضحة وثابتة بيِّنة:

كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى لا يُرى له ظل : (ذكر ذلك القاضي عياض في الشفاء 1/268، وقال السيوطي: أخرج الحكيم الترمذي عن ذكوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له ظل في شمس ولا قمر. انظر: الخصائص الكبرى 1/68؛ ومناهل الصفا ص 173.).!! من فينا ليس له ظل؟! الذي ليس له ظل هو النور، فكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى لا يُرى له ظل!!.وفي وصفه صلى الله عليه وسلم الذي اشتهر وانتشر قال سيدنا هند بن أبى هالة: {كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ } (المسند الجامع عن الحسن بن على وغالب كتب السنة والحديث).

وورد في وصفه صلى الله عليه وسلم: {إذا افتر ضاحكاً افتر عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رئى كالنور يخرج من ثناياه}.، وقال أبو هريرة رضي الله عنه:{ما رأيت شيئاً أحسن من رسول اللـه صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر}، و قال جابر بن سمرة؛ وقال لـه رجل: كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال:{لا، بل مثل الشمس والقمر}. (الشفا بتعريف حقوق المصطفي للقاضي عياض مجموعة من كتب الحديث).

رأوا الحقيقة التي جمَّله الله بها، والتي عيَّرَ الكافرين بسببها فقال عزَّ وجلَّ: (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) [198الأعراف]. لا يرون الفضل الذي منحه الله لك!! فيرونه مثلهم!! يأكل ويشرب مثلهم!! مع أنه صلى الله عليه وسلم حتى في أكله وشربه ليس مثلنا!، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم صيام الوصال، فكان لا يأكل أو يشرب لمدة أسبوع أو أكثر!! ولكنه كان يقول: {إني لست مثلكم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني} (مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة رضي الله عنه).

ندوة دينية بعد صلاة الجمعة بمسجد النور بحدائق المعادى القاهرة الجمعة 26 /2/2010