• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

21 يناير 2018

حلقة تلفزيونية _فقه المرأة سيدات بيت النبوة السيدة فاطمة الزهراء ريحانة النبى

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

 

المذيعة: السيدة فاطمة كانت من أقرب بنات النبي إلى قلبه، وسُميت بفاطمة الزهراء، نبدأ بمعنى الإسم ومتى وُلدت؟ ولماذا هي أفضل أو الأقرب إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلَّم؟

وُلدت السيدة فاطمة الزهراء في العام الذي اختلفت فيه قُريش في بناء البيت فيمن يضع الحجر الأسود في الكعبة، وأنهى هذا الخلاف الرسول صلى الله عليه وسلَّم.

وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنوات، يعني كان عمر النبي 35 سنة، وهي آخر بنات النبي صلى الله عليه وسلَّم في الولادة.

وهي التي بقيت بعد وفاة بناته الثلاث جميعاً في حياته، وهذه كانت لها نظرتها عند حضرة النبي، فسُمت أُم أبيها لأنها كانت ترعى أباها كأنها أُمه، وتقوم بكل شؤونه وترعاه بعد وفاة أُمها خديجة.

وهي أيضاً التي رُزق منها النبي صلى الله عليه وسلَّم بالولد لأن بناته الأُخريات لم ينجبن، والتي أنجبت توفت ابنتها صغيرة، فالسيدة فاطمة هي الوحيدة التي قال فيها صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ ذُريَّةَ كُلِّ نَبِيّ فِي صُلبِه، وإِنَّ الله تَعَالَى جَعَلَ ذُريَّتِي فِي صُلبِ عَليّ بنِ أَبِي طَالِب}[1]

فجعل ذريته من أبناء السيدة فاطمة، وقد أنجبت الحسن، والحُسين، ومُحسن وقد مات صغيراً، وزينب، وأم كلثوم رضي الله عنهم.

المذيعة: بعد خمس سنوات نزلت الرسالة، وبدأت تنشأ مع بداية نزول الوحي على رسول الله، فكانت التنشئة في بداية حياتها كلها روحانيات وكلها إيمانيات وكلها معاناة.

كانت حياتها كلها جهاد في سبيل الله، فوجدت المعاناة الشديدة التي يتعرض لها أبوها فكانت تشاركه في هذه المعاناة.

وفي إحدى المرات كان النبي صلى الله عليه وسلَّم يُصلي بجوار الكعبة، وجاء رجلٌ من الكفار الأشداء وجاء بسلي جزور، أي بأحشاء جمل وهي المخلفات التي تلقى بعد الذبح، فألقاها على ظهر النبي وهو ساجد لله عز وجل، فما كان منها إلا أن أتت مسرعة وألقت هذه القاذورات عن ظهر أبيها ونظفته، وأخذت تدعو على الكافرين أن ينتقم الله تبارك وتعالى منهم جزاء فعلهم في أبيها عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

فكانت تشاركه في هذه المعاناة، وشاركته أيضاً عندما حاصره الكفار هو وبني هاشم في شعِب بني أبي طالب، وكان حصاراً شديداً، وكانت هي التي وقفت بجواره بعد وفاة أُمها، وكان ذلك قبل الهجرة بعام، وكان بنات النبي وهنَّ زينب زوجة العاص بن الربيع في بيت زوجها، ورقية مع عثمان في بلاد الحبشة مهاجرة إلى الله عز وجل، فلم يكن مع فاطمة إلا أُختها أُم كلثوم، فكانت هي بمثابة الراعي الأمين لهذا البيت تعوِّض النبي صلى الله عليه وسلَّم عما يتعرض له كما رأت أُمها تفعل معه رضوان الله تبارك وتعالى عليها على الرغم من صغر سنها.

 

المذيعة: السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وُصفت بأنها أقرب السمات الشخصية شكلاً وجوهراً وفي الصفات الداخلية للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام.

هذا وصف السيدة عائشة رضي الله عنها، فقد قالت:

{ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا }[2]

وفي رواية أخرى:

{ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا مِنْ فَاطِمَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }[3]

فكانت السيدة فاطمة أكثر الناس شبهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي صوت النبي صلى الله عليه وسلَّم، فكانت فيها بصمة وراثية من صوت النبي صلى الله عليه وسلَّم في دقته وفي نعومته وفي حلاوته وفي طلاوته صلوات ربي وتسليماته عليه.

وكانت من جملة اهتمامها بالنبي واهتمام النبي بها، أنها إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلَّم قام لها، وقال: مرحباً بابنتي ويحتضنها ويُقبلها ويُجلسها بجواره.

وكانت هي تبادله نفس الفعل إذا ذهب إليها تقوم إليه وتحتضنه وتقبله وتُجلسه في أعز مكان عندها، وهذا يوضح لنا حُنُو الرسول بأولاده وبناته.

وهذا يوضح لنا درساً كيف يكون حنان الأُبوة للأولاد، وهذا ما يجعل الأولاد منقادين انقياداً سهلاً للآباء، فكانت السيدة فاطمة مرتبطة بالنبي صلى الله عليه وسلَّم برباط المحبة.

فالروابط بين الآباء والأبناء هي روابط المحبة والعطف والحنان، فإذا وجدهما الصبي تهافت على أبويه ويحرص على ارضائهما بكل ما في وسعه.

لكن الأسلوب الأجشُّ الذي فيه نهر وزجر وفيه خروج عن المألوف يجعله ينفر من والده، فالنبي صلوات ربي وتسليماته عليه علَّمنا بأسلوبه مع السيدة فاطمة وأخواتها الأسلوب الذي ينبغي أن نتبعه مع أبنائنا وبناتنا.

المذيعة: وصف الله النبي بقوله: ” وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” (159آل عمران) وهذا بالنسبة للناس عامة فما بال الابنة؟ بالتأكيد سيكون التعامل معها بالمودة والتراحم والحنان.

نعم، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم رحمة سابغة وهذا ظهر معها ومع أولادها، فكان المثال الأعظم مع أولادها، فكان صلى الله عليه وسلَّم ذات مرة يخطب على منبره ورأى الحسن يدخل من باب المسجد وتعثَّر ووقع، ودخل بعده الحُسين وتعثَّر ووقع، فنزل صلى الله عليه وسلَّم من على المنبر وحمل الحسن بيمينه وحمل الحُسين بيساره وصعد بهما المنبر، ثم قال:

{ صَدَقَ اللَّهُ: “إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ” رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ }[4]

فهذه كانت مباسطة النبي صلى الله عليه وسلَّم، وكانت السيدة فاطمة قد علمتهما أن لا يقولا: جدي، ولكن يقولا: أبي، وهذا شيء نحتاجه في المجتمع، فكان كل واحد منهما يقول لرسول الله: أبي، فالأبُوة أعلى وأغلى من الجد، وكلمة أبي يكون فيها حنانٌ وعطفٌ أكثر، وأيضاً من باب الذوق الرفيع أنه أعلى في السن، والإسلام دين رفق، فيشعر أنه لا يزال في فترة الشباب.

فالسيدة فاطمة جعلت النبي أباً لأبنائها، وتعتبر هذه سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المذيعة: وهل هذا الموقف له علاقة بالآية: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ” (9المنافقون)؟

إذا أثرت مشاغل الدنيا في الإنسان عن إقامة الصلاة في وقتها، وعن أداء ما طلبه منه الله في حينه، فيكون قد دخل في هذه الآية.

المذيعة: لكي نتعلم اللين والمودة، فكيف نتعامل مع الصغار عموماً، والأحفاد والأبناء، لأنه لا يوجد أعظم من شعائر الله كالصلاة، فكيف نعاملهم عند تركها؟ هل بالعقاب أم هناك ما هو أفضل؟

كثيرٌ من الناس ينهرون الأولاد الذين يدخلون المساجد، فيخرج الأولاد ويظهر عليهم سيما الغضب، وربما لا يعودون، وهذا ليس بالأسلوب النافع، بل نأخذهم ونربيهم ونأخذهم بالرفق واللين، ثم نعلمهم أدب الجلوس في المساجد، وكيفية الطهارة، وكيفية الوضوء.

وكانت السيدة فاطمة – لأنها تعلم أن أولادها يجلسون ويلعبون مع حضرة النبي – تعلمهم الطهارة والوضوء وهم في سن ثلاث سنوات.

المذيعة: نتعلم من سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام المودة والتراحم مع الأبناء والبنات ومع الأحفاد ومع الصغار بصفة عامة، كيف نعلمهم الصلاة والوضوء والطهارة؟

كان صلى الله عليه وسلَّم يبني المعاملة مع الصغار عموماً على المحبة أولاً، وبعد المحبة فإن الأطفال يميلون دائماً إلى المحاكاة، فالطفل يحاول دائماً أن يقلد ويحاكي دائماً من يُحبه، فكانت السيدة فاطمة تعلمهم ذلك.

ولذلك كان صلى الله عليه وسلَّم يدلل الحسن والحسين، وورد أنه صلى الله عليه وسلَّم كان يجلس على يديه ورجليه، ويركبا على ظهره ويمشي بهما، فرآه سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال:

{ نِعْمَ الْمَطِيَّةُ مَطِيَّتُكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَنِعْمَ الرَّاكِبانِ هُمَا }[5]

فلا بد للإنسان أن يتنزَّل لسن الطفل الصغير ليدَلِّله ويلاعبه ويُكسبه المحبة، وبعد المحبة يثق تماماً أن الطفل سيكون كعجينة في يده يُشكله كما يريد، المهم أن تكون المحبة بينهما في البداية.

المذيعة: كان للنبي من البنات السيدة زينب والسيدة رُقية والسيدة أُم كلثوم والسيدة فاطمة، لماذا سُميت السيدة فاطمة ووُصفت في حديث للرسول صلى الله عليه وسلَّم أنها من أكمل النساء؟

قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ }[6]

المذيعة: ما المقومات في السيدة فاطمة بالتحديد التي جعلتها تنال هذا التكريم؟ هل لأنها ابنة النبي عليه الصلاة والسلام أم لأن لها صفات تُشبة صفات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟

فهذا التكريم بسبب تقواها لله تبارك وتعالى: ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ ” (13الحجرات) فقد ورد أنها مع عُلوِ شأنها ورفعة نسبها عندما تزوجت ابن عم النبي صلى الله عليه وسلَّم عليِّ بن أبي طالب لم يكن لها خادم، وكانت تعمل بيدها، وكان الخُبز يُطحن على مطحنة يدوية، فكان يأتي الإمام علي بالشعير وتطحنه بالمطحنة ثم تعجنه ثم تخبزه حتى أثرت المطحنة بيديها من عناء العمل.

فالإمام علي أراد أن يُخفف عنها في البداية، وكانت أُمه تسكن معه في المنزل، فقسَّم العمل في المنزل بينها وبين السيدة فاطمة، وهذا تقسيمٌ حسن، فقال لها: اكف فاطمة خارج المنزل ما تحتاجه من ماء ومن غذاء وغيره، وتكفيكي ما بداخل المنزل من طهي ومن غسيل ومن نظافة، وهكذا.

ولما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلَّم جاءه خدم من إحدى الغزوات ويوزعهم، فقال لها: اذهبي إلى أبيك واطلبي منه خادماً، فذهبت رضي الله عنها، ولكنها من شدة حيائها استحيت أن تذكر حاجتها، فسلمت على النبي ثم رجعت، وقالت للإمام علي: استحييت أن أسأله، فذهبا معاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام علي:

{ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، وَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ فَأَخْدِمْنَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ، فَرَجَعَا }[7]

انظر إلى روعة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، مع شدة رفقه ورأفته بابنته، لكنه فضَّل فقراء المهاجرين والأنصار.

ولأنه صلى الله عليه وسلَّم رحمة في كل أموره، وحتى لا يُحزنهما، ذهب إليهما في بيتهما قال لهما:

{ أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ قَالَا: بَلَى، قَالَ: كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: تُسَبِّحَانِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا، وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا، فَإِذَا آوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، قَالَ عليّ: فَوَاللَّهِ  مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }[8]

المذيعة: نستطيع أن نستنتج من هذا الحديث وهذا الحوار بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم وبين السيدة فاطمة أن التسبيح قد يعين الإنسان على أداء عمل لا يستطيع أن يقوم به؟

نعم، فالتسبيح يعين على العمل الشاق، ولذلك سُئل الإمام علي: أما تركتهنَّ؟ قال: لا، قيل: ولا في ليلة صفين؟ وهي التي كانت بينه وبين معاوية، قال: ولا في ليلة صفين.

من لحظة أن أوصاه النبي بهن يمشي عليهن، لأن التسبيح كأنه مساج يعوض الإنسان الإجهاد، ويرد إليه قوته وعافيته مرة أُخرى كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم.

وهذه ناحية، والناحية الأُخرى هي عدالة النبي، أنه لم يحابي في العطاء حتى ابنته، كما لم يحابي في إقامة الحدود، وقال عندما جاءوا بامرأة يشفعون فيها فقال:

{ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا }[9]

المذيعة: كلما سمعنا عن قصة بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم وبين ابنته فاطمة نتعلم المزيد والمزيد، فهي أكمل النساء وقد ذكرنا أنها أنها تتقي الله كيف نبين ذلك؟

ننظر إلى موقف عظيم آخر في تقواها لله تبارك وتعالى حين جاءها الأجل، فقد كان هناك حديثٌ بينها وبين السيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها زوجة جعفر بن أبي طالب، وقد تزوجت بعده أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا الحوار يبين تقواها لله، فقالت: يا أسماء إنهم يحملون النساء وليس عليهن غطاء، وتكون أعضاؤهن مكشوفة وإني أستحي من هذا الموقف عند موتي.

بلغ بها الحياء أنها تخشى أن يرى القوم أعضاءها وهي ميتة من فوق الملابس التي يضعونها فوق الكفن.

فقالت لها أسماء عندما كنت في الحبشة كانوا يصنعون شيئاً طيباً يضعون فيه النساء، كانوا يصنعون خشباً ويضعون فوقه ثوباً ويضعون هذا الخشب فوق النعش، فلا يُرى منها شيئاً، قالت لها: إصنعيه وأرنيه، فكان أول من وُضع في النعش هي السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ومنه الصندوق الذي يُحمل فيه الموتي الآن.

وكان العرب يضعون موتاهم على خشبة، ولا تزال بعض البلاد العربية على هذه الشاكلة، يصنعون هذا السياج الخشبي ويوضع عليه الميت وقد كُفن وعليه غطاء فقط.

فلما رأت ذلك سُرَّت وقالت: الحمد لله الذي أوجد لي مخرجاً من هذا الأمر، وهذا يدل مدى تقوها لله تبارك وتعالى.

ثم أوصتها وقال: إذا أنا مِتُّ فلا تُدخلي عليَّ أحداً، وغسليني أنت وعليٌّ فقط، لأنها لا تريد أن يطلع عليها أحدٌ أجنبي، وهذا يدل على أنها أكمل النساء، لأنها أكمل السيدات تقوى لله تبارك وتعالى في زمنها وفيما بعد زمنها.

المذيعة: يُحكى أنها في ليلة زفافها اختلت بنفسها وظلت تصلي، وقد استاء زوجها علي بن أبي طالب، فوضحت له هذا التصرف، فلأي مدى صحة ذلك؟

هذه الرواية ليست صحيحة، والرواية الصحيحة الموجودة في الكتب الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلَّم بعد أن أدخلها بالإمام عليّ أمرهما أن ينتظراه، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ لِفَاطِمَةَ:

{ ائْتِينِي بِمَاءٍ، فَقَامَتْ إِلَى قَعْبٍ فِي الْبَيْتِ فَجَعَلَتْ فِيهِ مَاءً فَأَتَتْهُ بِهِ، فَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: قَوْمِي، فَنَضَحَ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَعَلَى رَأْسِهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَدْبِرِي، فَأَدْبَرَتْ، فَنَضَحَ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَالَ لعليِّ: ائْتِينِي بِمَاءٍ، فَعَمِلْتُ الَّذِي يُرِيدُهُ، فَمَلَأْتُ الْقَعْبَ مَاءً فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ بِفِيهِ، ثُمَّ مَجَّهُ فِيهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِي وَبَيْنَ يَدَيْ ثُمَّ قَالَ:  اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذُهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَالَ: ادْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ بِسْمِ اللَّهِ وَالْبَرَكَةِ }[10]

وهذا ماورد عن رسول الله في ليلة الزفاف.

المذيعة: نتعلم من زواجها أيضاً التساهل في الأمور، فقد تزوجت من سيدنا علي بن أبي طالب بدرع.

النبي صلى الله عليه وسلَّم هو الذي خطب الإمام علي، فقد تقدم لخطبة السيدة فاطمة كبار القوم، ومنهم أبو بكر عمر، ولم يكن هناك عيباً أن يتزوج الرجل الكبير بشابة صغيرة، فاعتذر إليهما النبي صلى الله عليه وسلَّم، ثم أرسل إلى عليٍّ من يدعوه إلى الزواج، فقال: لا أملك شيئاً، فقال: الدرع الذي أخذته يوم بدر، فجاءه بالدرع وعرضه للبيع فباعه، قيل: بيع بحوالي أربعمائة وثمانين درهماً وهذا كان مهر السيدة فاطمة.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلَّم أن يُشترى ببعضه عطراً، وببعضه طعاماً وصنع وليمة، وهنا أمورٌ نقف عندها:

أولاً: النبي صلى الله عليه وسلَّم اختار الرجل الفقير المتدين لابنته، ولم يبحث عن الغنى ولا عن الثراء، مع أن الكل كان يطمع في أن يتزوج بابنة النبي، ولكنه – لنأخذ بهذه السُنَّة – أمرنا ووجهنا في عمله أن نختار الزوج الصالح الذي يرعى مشاعر البنت.

ثانياً: التخفيف في المهور وعدم المغالاة كما قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا }[11]

ثالثاً: الوليمة في ليلة الزفاف، والوليمة يكون الجزء الأعظم منها للفقراء، وجزءٌ للأغنياء، وهي سُنَّة حسنة، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم في حديثه:

{ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى إِلَيْهِ الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءِ }[12]

لأن الأغنياء لا يحتاجون لهذا الطعام وعندهم منه الكثير، والذي يحتاج إلى هذا الطعام هم الفقراء، وتكون الوليمة صدقة للعروسين وخير بداية لهم لمباركة الحياة الزوجية.

 

المذيعة: يعني نعتبر أن هذه دعوة لكل زوج يوفر مبلغاً من المال للفقراء لإطعامهم.

نعم، وإن لم يدعوهم للحفل فيوزع عليهم الطعام، أو يوزع عليهم مبلغاً من المال يشترون به الطعام، فهذه صدقة من الصدقات تمنع البلاء الذي ينزل، والذي أدَّى إلى كثرة حالات الطلاق في هذه الأيام.

فالصدقة تجعل هذا الزواج زواجاً صالحاً، ولذلك كان النبي يوصي بالوليمة، فعندما تزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:

{ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ }[13]

والنبي صلى الله عليه وسلَّم في زواج السيدة فاطمة أَوْلم، قيل: أولم بتمر وزبيب، يعني من ليس عنده لحم يُولم بتمر وزبيب وهي وليمة يأكل منها الفقراء ويحمدون الله تبارك وتعالى ويدعون للعروسين بحياة طيبة رغيدة سعيدة إن شاء الله، وإذا كان معه يُنفق، والمهم أن يكون هناك وليمة بين الطرفين.

 

المذيعة: النبي صلى الله عليه وسلَّم كان دائماً يُوصي بالطعام، فيقول: {أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلَّوْا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ}[14]

الرسول صلى الله عليه وسلَّم قال:

{ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ }[15]

وفي رواية أخرى:

{ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ }[16]

فكان النبي صلى الله عليه وسلَّم طيب الكلام ليِّن، والسيدة فاطمة كانت تُشبهه.

والمؤمنون جميعاً يقول لهم الله: ” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ” (24الحج) فالمؤمن دائماً يقول القول الطيب الذي يجعل من يسمعه يسر خاطره، وأفضل شيء هو جبر الخاطر، وجبر الخاطر يمنع كل المشاكل بين الناس إن شاء الله.

المذيعة: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلَّم والذي نام في فراشه ليلة الهجرة، هل اختيار النبي صلى الله عليه وسلَّم له كان له علاقة بهذا؟

الإمام عليّ كان فارساً لا يخش إلا الله، وكان أشد الناس أخذاً للعلم عن رسول الله، وكان عمر بن الخطاب إذا وقعت أي مسألة يقول: أين علي؟ فيأتي عليٌ فيُفتيه، فيقول: لولا أبو الحسن لهلك عمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلَّم يقول فيه:

{ أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا }[17]

فكان عالماً من العلماء الأجلاء في دين الله تبارك وتعالى، وكان فارساً قوياً، وكان شديد الحب لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلَّم، وكان النبي يعلم بما علَّمه الله فيقول:

{ مَا تَزَوَّجْتُ شَيْئًا مِنْ نِسَائِي، وَلا زَوَّجْتُ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِي إِلا بِإِذْنٍ جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ عز وجل }[18]

يعلم من الله أن هذا هو الذي سيتزوج فاطمة وستكون ذريته صلى الله عليه وسلَّم منه.

المذيعة: هل كان الإمام علي بن أبي طالب من الصباح حتى الليل مع سيدنا النبي صلى الله عليه؟

لا، فالإمام علي رضي الله عنه وأرضاه كان ليس له دخل إلا عمل يده، كان لا يملك مزارع ولا تجارة، فكان يعمل على ذراعه، يُصبح الصباح فيقف لمن يطلبه للعمل، وذات يوم طلبته امرأة يهودية ليُخرج لها ماءاً من بئرها، والبئر كان عميقاً، واتفقت معه على أن كل دلو بتمرة، فعمل حتى كلَّت يداه وأخذ التمر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم ففرح به وأكل منه ودعا له.

فكان الإمام علي يعمل أولاً ويطلب العلم في وقت فراغه من حضرة النبي.

المذيعة: الزوج يطلب العمل خارج المنزل طوال اليوم، فكيف كانت الزوجة الصالحة؟

كانت السيدة فاطمة مُنشغلة بأولادها وأمور بيتها، فكانت هي التي تصنع الطعام كله من أوله لآخره، فهي التي تخبز، وهي التي تقوم بكل طلبات المنزل، وهي التي تقوم بكل طلبات أولادها، ولا ننسى أنها تزوجت وعمرها 18 عاماً، ولقيت الله تبارك وتعالى وعمرها 27 عاماً، وفي هذه السنين ولدت خمسة أولاد، وهي أول من لحقت بالنبي بعد ستة أشهر من انتقاله، فكانت فترة زواجها حوالي عشر سنين أنجبت خلالها خمس أولاد، الحسن والحُسين ومُحسن وزينب وأم كلثوم.

فكانت بين حمل ورضاع وتجهيز للمنزل وتجهيز للزوج، ورعاية للخيل التي كان يركبها في المعارك، ورعاية للجمل الذي كان يركبه في السفر، ورعاية لأُمه التي كانت تعيش معها، كل ذلك كانت تقوم به بمفردها بدون خدم ولا مساعدة ولا معاونة.

المذيعة: كانت السيدة فاطمة شديدة الحب لأبيها، وفي اللحظة الأخيرة قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كانت شديدة التأثر فيها، ولكنها ابتسمت عندما أسر لها أبوها أنها ستكون أول من يلحق به.

عندما كان النبي في أنفاسه الأخيرة وأخبرها وأسرَّ لها في أُذنها فبكت، ثم أسرَّ لها في أُذنها فضحكت، فقالت لها: السيدة عائشة رضي الله عنها بعد مدة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:

{ أَرَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَتْ إِنِّي إِذًا لَبَذِرَةٌ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ}[19]

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] معجم الطبراني والسيوطي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[2] سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها

[3] الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها

[4] سنن أبي داود وابن ماجة عن بريدة رضي الله عنه

[5] كنز العمال للمتقي الهندي، ومجمع الزوائد للهيثمي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه

[6] جامع البيان عن تأويل آي القرآن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

[7] مجمع الزوائد لابن حجر عن علي رضي الله عنه

[8] مجمع الزوائد لابن حجر عن علي رضي الله عنه

[9] البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها

[10] المعجم الكبير للطبراني عن أنس رضي الله عنه

[11] المعجم الكبير للطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما

[12] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[13] البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه

[14] المعجم الأوسط للطبراني عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه

[15] صحيح ابن خزيمة ومسند أحمد عن أبي مالك الأشعري

[16] مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما

[17] الحاكم في المستدرك والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما

[18] حلية الاولياء لأبي نعيم وتاريخ دمشق لابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

[19] جامع الترمذي ومسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها

قناة القاهرة ـ برنامج فقه المرأة 25 من ربيع الآخر 1439هـ 21/1/2018م1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid