الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أُرحب بحضراتكم بخير تحية: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، في حلقة جديدة من “آيات القرآن الكريم” نتعلم ونتذكر ونتدبر ونحاول أن نفهم مقصود الله العظيم في أمره لرسوله صلى الله عليه وسلَّم وإلى المسلمين عامة وكفى.
المذيع:
ضيفنا وضيف حضراتكم فضيلة الشيخ / فوزي محمد أبو زيد
الدداعية الإسلامية بأُرحب بحضرتك وكل سنة وأنت بألف خير.
فضيلة الشيخ:
وأنت بالصحة والسعادة، ونسأل الله أن يجعل هذا العام عام خير ونصر وفتح على المسلمين أجمعين اللهم آمين.
فضيلة الشيخ: الآية رقم 38 من سورة الزُمَر، هل هي مكية أو مدينة وما أسباب نزولها؟
فضيل الشيخ:
هذه الآية مكية من سورة الزمر، لأن سورة الزُمَر كلها مكية، وسبب نزولها غريبٌ وعجيبٌ، فالرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يدعو الناس إلى توحيد الله، فإذا بأهل الكفر الذين يعبدون الأصنام التي يصنعونها يدعونه
إلى عبادة آلهتهم وأصنامهم، فردَّ الله سبحانه وتعالى عليه وقال له: قل لهم:
فكان رداً بليغاً من الله لأن هذه الآية لا تستطيع أن تضر ولا تنفع، والله سبحانه وتعالى من أسمائه الحُسنى الضار النافع، فهو وحده الذي بيده الضُر وبيده النفع عز وجل.
المذيع:
نريد تفسيراً عاماً لهذه الآية القرآنية.
فضيلة الشيخ:
هذه الآية القرآنية الكريمة تبين لنا أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يملك الضر والنفع وبيده الخلق والأمر، وقد ظهر هذا في وصية الرسول صلى الله عليه وسلَّم في وصيته لابن عمه عبد الله عباس، وهو صبيٌّ صغير، وكان من جملتها:
(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيئ، لم ينفعوك إلا بشيئٍ قد كتبه اله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيئ لم يضروك إلا بشيئٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصُحف بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة).
قال الترمذي رحمه الله : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فيُعلمنا الله سبحانه وتعالى أنه هو وحده الذي يملك الضر ويملك النفع، ولذلك ينبغي على الإنسان إذا أراد أن يحفظ نفسه ويحفظ أهله وذويه أن يستمسك بحبل الله، وأن يتوكل على مولاه، فهو وحده نعم الوكيل الذي يكلأه بعنايته ويحفظه برعايته ويجعله في حصنه وكفالته تبارك وتعالى.
المذيع:
نريد موضوعاً واحداً نخرج به من هذه الآية القرآنية.
فضيلة الشيخ:
نتكلم عن التوكل على الله، فالتوكل حقيقةً معناه أن يعتمد الإنسان على الله بعد أن يأخذ بالأسباب التي قدرها الله، والذي يقول إني توكلت على الله ويترك الأخذ بالأسباب، فهذا يُسمى متواكلاً وهذا ليس من الإسلام.
لكن التوكل الحقيقي أن يأخذ الإنسان بالأسباب، ثم يدعو الله ويعتمد على الله، ومثال لذلك:
إذا مرض الإنسان يذهب إلى الطبيب ويتناول الدواء لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(تداووا عباد الله فإن الله كما خلق الداء خلق الدواء).
وفي رواية أُخرى:
عن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
وفي نفس الوقت يأخذ بالدعاء، فيذهب للطبيب عملاً بالأسباب، ويدعو الله توكلاً على مسبب الأسباب، فبذلك يتحقق له المراد إن شاء الله.
وكذلك الطالب إذا كان يستعد للإمتحان فيذاكر دروسه جيداً، ويتحصَّن بمذاكرتها، ثم يدعو الله لأنه يحتاج إلى التوفيق أثناء الإجابة، ويحتاج إلى الإلهام الصحيح عند الكتابة فهو يدعو الله لتوفيق الله وجلب أسباب الخير له عند الإجابة، لكنه لابد أن يصحب ذلك بالعمل.
كذلك الزارع يضع البذرة في الأرض ويرويها بالماء ويخدمها قدر استطاعته بحسب القواعد المعمول بها في علم الزراعة، ثم يسأل الله أن يُحسن له العواقب، وأن يأتيه بالمحصول الوفير، لأن الناتج من الله سبحانه وتعالى وليس بمهارته وليس بشطارته فقط، وإنما بتقدير القادر سبحانه وتعالى.
هذا هو التوكل الحقيقي الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خِماصاً ـ يعني جوعانة ـ وتروح بِطاناً).
[عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ رواه الترمذي والنسائي وإبن ماجة في السنن، والحاكم في المستدرك].
فبين في الحديث أنها مع حُسن توكلها تغدوا يعني إذا أصبح الصباح تسرح وتبحث عن الرزق فترجع مرةً أُخرى وقد حصَّلت ما تريد من الرزق.
ولكن لا يسكن ويقول: يا رب أرزقني، ولا يترك العلاج ويقول: يا رب إشفني، وإنما يُحسن القيام بالأسباب ومعها لا ينسى الدعاء لمسبب الأسباب عز وجل، لأنه هو الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شيئٍ قدير.
المذيع:
شكراً جزيلاً فضيلة الشيخ فوزي أبو زيد.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
برنامج من آيات القرآن المذاع على قناة القاهرة الكبرى بالتلفزيون المصرى الأحد 31/5/2018 موافق 14رمضان 1439هـ