• Sunrise At: 4:53 AM
  • Sunset At: 6:57 PM

Sermon Details

27 مايو 2001

خطاب التكليف لسيد المرسلين

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى إختارنا من أمة حبيبه ومصطفاه، ومتعنا به وبرسالته فى الدنيا، ونسأله عز شأنه أن يجمعنا عليه فى الدار الآخرة أجمعين. والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته المباركين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وكل من تمسك بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين يارب العالمين. (أما بعد)

فيا أخوانى ويا أحبابى بارك الله عز وجل فيكم أجمعين

إستمعنا سويا إلى آيات من كتاب ربنا عز وجل، فيها بيان للتكليف الذى كلف به الله عز وجل حضرة النبى. التكليف يعنى الأعمال التى يكلفه بها ذى الجلال والإكرام لأمته فى الدنيا. خطاب التكليف ما بنوده؟ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} (45- الأحزاب).

(إنَّا) هنا إشارة الى الذات الإلهية، (إنَّا) بجمالاتنا وكمالاتنا، وأسمائنا وصفاتنا، وعظمة قدرتنا (أَرْسَلْنَاك). ما هذا التكليف؟  { أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} (45- الأحزاب) البند الأول، { وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (45- الأحزاب) الثانى والثالث، { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ}  الرابع. {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (46- الأحزاب)، ووضح فى التكليف – حتى لا يكون هناك لبس، من يبشر؟ ومن ينذر؟ فقال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ – بماذا يبشرهم؟  بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} (47- الأحزاب). أصبح الإنذار لمن؟ للكافرين والجاحدين، والمشركين والبعيدين عن طريق رب العالمين عز وجل.

هذا هو التكليف، وقَبَلَ التكليف، فقال له سبحانه: طالما قبلت التكليف {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } (48- الأحزاب)، ليس لك داعى بالكافرين ولا المبعدين، ولا تطع الكافرين والمعبدين وغيرهم، وتوكل على الله، فإن الذى أقامك سيعينك على أعباء هذه الرسالة.

هذه البنود، كل بند منها يحتاج إلى تفصيل طويل، لأن هذه أعمال الرسالة. كل عمل من هذه الأعمال يحتاج إلى تفصيص وتمحيص ،حتى نعرف عمل رسول الله الذى كلفه به الله عز وجل، ولكن خوفاً من الإطالة سنأخذ بنداً واحداً.

الرسول صلى الله عليه وسلم بم أمره الله عز وجل نحو المؤمنين؟ أمره بأن يبشرهم، ويعرفهم الفضل الكبير الذى جهزه لهم المولى عز وجل، لأن المؤمنين ربنا عز وجل يقول فى شأنهم:( أعددت لعبادى الصالحين فى الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، لأنهم عباده الصالحين هؤلاء أهل الجنة.

 فهم لابد أن يعرفوا منازلهم فى الجنة، وأوصاف قصورهم فى الجنة، ومواقع أماكنهم فى الجنة. هل هناك مؤمن عندما يحضر فى أرض الموقف يسأل عن مكانه  وسكنه أو موقعه؟ أبداً، لأنه متعاقد مع ملك الملوك على إقطاعية فى جنة الخلد، أو جنة عدن، أو جنة الفردوس، أو جنة المأوى. متعاقد مع الله عز وجل على حى من أحياء الجنة يسكن فيه، والله عز وجل يعطى للمؤمن ما يبغيه، لأنه قال فى شأن المؤمنين أجمعين: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ } (34- الزمر)، كلما ساروا على هداه، واتبعوا كتاب الله، وتابعوا رسول الله، ولم يتعدوا الحدود التى وضعها الله، فإن الله يعطيهم ما يتمنون، وفوق ما يتمنون.

وحتى نعرف ما لنا فى الجنة؟ سأسوق إليكم حديثاً شريفاً يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (آخر من يدخل الجنة من أمتى – أخر واحد سيدخل الجنة، وهذا من الجماعة الذى عليهم أحكام، ينزل إلى السجون الإلهية، يأخذ الحكم وبعد ذلك يخرجوه، ثم يذهبون به إلى الجنة، لأن المؤمن .. ليس هناك مؤمن يكون له تاييدة، وتأييدة يعنى خالدين فيها أبداً. أهل التأبيدة الكافر، والجاحد، والمشرك الذى مات على هذه الشاكلة. لكن المؤمن حتى لو دخل لابد أن يأتى يوم ويخرج من النار، حتى لو قال: لا إله إلا الله محمد رسول فى عمره ولو مرة واحدة، بها لا يأخذ تأبيدة فى الجحيم. ولذلك الكافرون يرون المؤمنين كل فترة فوج من المؤمنين يخرج من النار، فيقولون: ياليتنا كنا قلناها ولو مرة واحدة، { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } (2- الحجر). ياليتنا قلناها ولو مرة واحدة ولم نأخذ هذه التأبيدة.

وأسماء جهنم هى الأقسام الموجودة فى السجون الإلهية، وكل سجن له عذابه وله عقابه، والمفروض أن نعرفها للكافرين والمبعدين والجاحدين. فالمسلمون الذين يحصلون على أحكام، وينزلون للتنفيذ لهذه الأحكام، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – هو المحامى العام، والنائب العام فى دائرة الأحكام الإلهية – لا يتركهم، يقدم بشأنهم عرائض، ويطلب العفو، أو اختصار المدة، أو يطلب اللطف، يعنى حبس مع إيقاف التنفيذ بالنسبة للعذاب، لأنهم جماعة يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: (إذا أدخل الله الموحدين النار أماتهم فيها، ثم أحياهم فأذاقهم ألم العذاب، وأخرجهم فى تلك الساعة).

حتى لا يحسوا بشئ منها ولا العذاب، دخلوا مع إيقاف العذاب، لأن هذا من شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال فيها: (شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى). وهذا حديث صحيح رواه الإمام البخارى والإمام مسلم، من ذهب إلى الروضة الشريفة؟ مكتوب على الروضة الشريفة: (شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى) – فيسجد عند الله عز وجل فيقول: إئذن لى فيمن دخل النار من أمتى، فيأذن له، ينزل ويخرج قوم من أمته. وكذلك يستأذن لينزل لمجموعة أخرى من أمته، فيحمد الله بمحامد يلهمه الله بها، ويخرج مجموعة، وآخر من فى الكشف يخرج من جهنم، النبى صلى الله عليه وسلم يحكى عنه، فيقول الله عز وجل له: تمنَّ – وهو خارج من جهنم، ماذا يتمنى؟ كل ما يريد، ياليت أن يكون فى سور الجنة – من الخارج، ولكن هو لم يكن يطمع فى أكثر من ذلك، وكفاه أنه أخرج من جهنم.

فيقول الله عز وجل له: (لك مثل الدنيا كلها من أولها إلى آخرها عشر مرات)، فيقول: أتهزأ بى وأنت رب العالمين؟ لم يصدق !! أنا بعد الذنوب والمعاصى أخذ مثل الدنيا من أولها الى أخرها عشر مرات؟!! فيقول الله عز وجل: (لك مثل الدنيا كلها من أولها إلى آخرها عشر مرات ومثله معه) يعنى مثل الدنيا بأكملها عشرين مرة. هذا آخر واحد سيدخل الجنة، إذاً فما لنا فى الجنة؟ وكم وأين نحن؟ لذلك قال: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، وقال للنبى صلى الله عليه وسلم: { وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } (6- محمد). يعرفها لهم العلماء من المسلمين – لأنه هذا اختصاصهم، لأنهم مندوبين عن حضرة النبى الأمين، يقوموا بعمل الإعلانات للمسلمين عن الجنة ونعيمها، وألوانها وقصورها وصورها، لأنهم مندوبين عن الجنة، ولم يكونوا مندوبين عن جهنم.

لماذا نبيع بضاعة جهنم للمؤمنين؟! إن هذه البضاعة للكافرين والمبعدين والجاحدين. وعندما يأتى العالم المسلم يقف فى وسط المسلمين ويقول: { الْقَارِعَةُ. مَا الْقَارِعَةُ} (1، 2 القارعة). ما لهم وللقارعة؟ هذه ليست بضاعتهم، هذه بضاعة الكافرين والجاحدين. بضاعة المؤمنين يريدون أن يعرفوا الجنة، ونعيم الله فى الجنة، وإكرام الله عز وجل لأهل الجنة، ولطف الله عز وجل لأهل الجنة، وما جهزه الله عز وجل لنا من الإكرام فى الدنيا ويوم لقاء حضرته.

وعندما يعرف المؤمن – يا اخوانى – إكرام الله له، لا يحتاج لسَوْطٍ يسوقه إلى الجنة، بل يستحى من نفسه لأنه رأى إكرام الله عز وجل له، وأضرب مثلاً لتوضيح الحقيقة: ولد عق أباه قليلاً وأنا أريد أن أصلحه على أبيه، ماذا أقول له؟ أقول له أبوك ربَّاك، وتعب معك، وعمل معك كذا وكذا، لماذا؟ ليستحِ ويرجع، هذا أم إذا ضربته ليعود الى أبيه فيشرد منى أكثر؟

هذه هى الوسيلة الأنفع التى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى قال لأصحابه: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا). ليس لكم شأن بالتعسير، والتعسير يكون عندما أرى واحداً، الذنوب حوله وهو رائع فيها، ومع التخويف لابد من أن نبشره بأنه لو تاب وأناب فإن الله عز وجل جهز له من ألوان النعيم، وأصناف التكريم، التى جهزها الله عز وجل لعباده المؤمنين، فقال لحضرة النبى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا } (47- الأحزاب). ولم يقل: (لهم من الله أجر)، لأننا لو عاملنا بالأجر لا أحد ينفع منا، لو جاء على أرجى عمل نعمله وحسابنا بالميزان الحساس الإلهى بالإخلاص، والخشوع والصدق والحضور، أين نذهب؟

مثلاً الصلاة، وهى أهم عمل أمرنا به الله،  لو حاسبنا على الحضور فيها، من منا ينجح فى الصلاة؟ المشاغل والمشاكل لا تأتى إلا فى الصلاة، حتى أن الإمام أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه جاءه رجل وقال له: أنا وضعت مبلغ من المال فى مكان ولا أعرفه، وتاه عن بالى، فقال له: ماذا أفعل حتى أعرف مكان المبلغ؟ فقال له الإمام: صلِّ ركعتين ولكن بإخلاص لله عز وجل. فصلَّى الركعة الأولى بإخلاص، وفى الركعة الثانية بدأ يسرع، فقال أبو حنيفة: وجد المال، وبعد الانتهاء من الصلاة، قال له: هل وجدت المكان؟ قال: نعم، قال الرجل للإمام: ما الذى أدراك؟ قال رأيتك بعد الركعة الأولى إستعجلت فعلمت أن الشيطان والنفس لم يتركاك أن تصلى بإخلاص لله عز وجل. كيف يتركانك؟!! المشاغل والمشاكل لا تأتى إلا فى الصلاة!!

ولذلك سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنه وأرضاه، ورضى الله عنهما، قال فى قول الله عز شأنه: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } (4،5- الماعون)، قال: لو قال ربنا: (فويل للمصلين الذين هم فى صلاتهم ساهون لهلكنا جميعاً)، ولكنه الذى ينسى أن يصلى الفرض فى وقته، ويجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، يجمع اليوم كله آخر النهار، وهذا لا ينفع، { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (103- النساء).

فقال لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشِّرهم بالفضل، وليس بالأجر، ولذلك على كل مسلم ألا يعمل حسابه أن الطاعات التى يقوم بها سوف تبلغه حاجة عند الله، النبى صلى الله عليه وسلم قال بذاته: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله. قالوا: حتى أنت يارسول الله؟ قال: حتى أنا إلا أن يتغمدى الله عز وجل برحمته)، وفى رواية: (إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل).

إذن ماذا نريد – يا إخوانى؟ نريد فضل الله، ونريد كرم الله، ونريد عطاء، ونريد خالص نعم الله، لكن الأعمال نعملها كما أمر بها الله، وكما وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول: هذا جهدنا، وهذه طاقتنا، وإن كنا نطمع فى إكرام الله عز وجل.

 إذن المؤمن دائماً لا يأتى فى يوم من الأيام ويقول: أنا عملت لله كذا وكذا وتركنى، ولم يعطنى هذا أو ذاك، وهو الذى لو حاسبنا ما نجا منا أحد من الحساب، لكن أول أكرام من الله لنا، وأول ما أمر الرسول أن يبشرنا به، قال فيه: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ } (45- الأحقاف). يأخذ صحيفتك، والحاجة النافعة يأخذها، والتى لاتنفع يغطى عليها. { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } (39- الرعد)،  يمحوها بأى شئ؟ إما بالصلاة، وإما إذا ذكرت الله عز وجل.

إذا جئت تصلى قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مثل الصوات الخمس، كمثل نهر عذب بباب أحدكم يغتسل فيه خمس مرات كل يوم، فهل يبقى ذلك من درنه شئ؟ يعنى أوساخه الصلاة .. لماذا دعوتنا لها يارب؟ هل أنت محتاج الطاعات؟ أبداً، محتاج التسبيح؟ أبداً، إذن لماذا دعوتنا؟ قال: { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم } (10- إبراهيم)، تعالوا لنغفر لكم الذنوب، كلما جئت للصلاة يغفر لك الذنوب، وإذا حافظت عليها، قال: يا بشراك!! ولكن المهم تجتنب الكبائر. { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ – بأى شئ؟ بالصلاة، هذا وفقط؟ أبداً- وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31- النساء).  

إذاً المؤمن المحافظ على الصلاة يطمئن أن الله يغفر له الذنوب بالصلاة، إلا الكبائر وحقوق العباد، لأن الله يقول لك: أنت تتصرف مع صاحب الحق، لازم تعمل محضر صلح بينك وبينه، لأن الله وعد بأن يعطى لكل ذى حق حقه، { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } (46 -فصلت). إذن الصلاة يغفر بها، أو إذا ذكرت الله، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال العبد: لا إله إلا الله، ذهبت إلى صحيفته، فمحت كل سيئة تقابلها، حتى تجد حسنة تقف بجوارها). ممحاة تمحو كل الذنوب، حتى تجد حسنة تقف بجوارها، لماذا؟ (لا اله إلا الله).

والنبى صلى الله عليه وسلم قال لنا: من المشاهد العظيمة يوم القيامة – ( يحضر رجل من أمتى، له تسعة وتسعين سجلاً مليئة بالمخالفات والذنوب والمعاصى، كل سجل منها على مدُّ البصر -الى آخر ما ترى، وليست بهذه العين، ولكن بالعين الباقية، العين التى هناك – فيقول الله عز وجل له: هل بقى لك شئ عندنا؟ يقول: لا، هل ظلمك حفظتى فى شئ؟ – وهو لم يعمل خيراً قط – يقول: لا. فتوضع التسعة والتسعين سجلاً فى كفَّة السيئات، وكفَّة الحسنات ليس فيها شئ أبداً. يقول رب العزة: بقى لك شئ عندنا، قال صلى الله عليه وسلم: فتبرز ورقة قدر الأنملة – قدر طرف الأصبع – فتبرز بطاقة قدر الأنملة، فيها كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتوضع فى كفة الحسنات – ما الذى يحدث؟ قال: (فطاشت السيئات، وطاشت السجلات، ولم يثقل مع اسم الله عز وجل شئ).

ليس هناك شئ مثل: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). ولذلك سيدنا موسى u قال: (يارب خصنى بشئ ٍأذكرك به)، قال يا موسى: (قل لا إله إلا الله). قال: يارب كل خلقك يقولون: لا إله إلاَّ الله، ولكن خصنى بشئ أذكرك به. قال: يا موسى قل لا إله إلاَّ الله، قال: يارب أريد أن تخصنى بشئ دون خلقك، قال: (يا موسى لو كانت السموات السبع والأراضين السبع فى كفة، ولا إله إلا الله فى كفة، لرجحت كفة لا إله إلاَّ الله). هذه من البشائر الذى يبشرنا به ربنا عز وجل: { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (27- إبراهيم).

المؤمنون ربنا سوف يثبتهم بهذه الكلمة، ولكن ما يخوف الإنسان المؤمن إذا جاءه الموت؟ هناك بعض الأمور إذا لم يتب منها قبل الموت، لا يستطيع  أن يموت على هذه الكلمة. إذن هذه الأشياء لو ابتعد عنها المؤمن، يكون – بحمد لله – لا يخشى جناب الله عز وجل، والتى كان يذكِّرنا بها النبى صلى الله عليه وسلم، كان يدعو ويعلِّم أصحابه أن يدعوا معه، وكان من الأشياء التى واظب عليها صلى الله عليه وسلم فى الدعاء: ( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار، ثبِّت قلبى على دينك يا الله). ويقول: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (8- آل عمران).

إذا الإنسان ضمن أن يموت على لا إله إلا الله، يكون يا هناه، المهم يموت عليها، وهذه هى الجزئية التى يجب أن نحرص عليها. أنت ملكت الدنيا من أولها لآخرها، لكن عملت من الأعمال ما يذيب قلوب الرجال، عندما يطلبهم الله وتأتيهم رسل الله. ماذا تفعل لك الأولاد أو الأموال؟ هذه لا تغنى عنك شيئاً كما قال ربنا: { يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } (11- المعارج)، يتمنى حتى أولاده أن يفدوه ولكنه لن يحدث.

فساعة ما يأتى الأجل يقول: لا اله إله إلا الله محمد رسول الله – وليس شرطاً أن يقولها بلسانه، طالما يطمئن بها قلبه فهذا يكفيه – لأن ربنا وصانا بها وقال لنا جميعاً: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (102- آل عمران). هذه هى الجزئية التى تحرص عليها، لا يوجد فى الدنيا والآخرة أعز من حسن الخاتمة، وليس سعينا لشئ أخر، بل نجد كل شئ يدور فى أفق هذه الجزئية. وحتى يعرفنا قيمتها طلبها نبىٌّ كريم وقال: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } (101- يوسف).

هؤلاء هم الأنبياء، إذا كان هذا قولهم، فماذا نقول نحن؟!! إذا كان الأنبياء يدعون الله بهذه الدعوة، ويوصون أولادهم بها – كذلك هى الوصية التى نوصى بها أولادنا – سيدنا إبراهيم u ما الذى وصى به؟  {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (132- البقرة).  

ما الأعمال التى نحذر منها، والتى تجعل المرء عند الموت لا يكرم بـ ” لا إله إلا الله “؟ الكبائر، إذا مات الإنسان وهو مصِّرٌ على كبيرة من الكبائر، ولم يتب منها إلى الله عز وجل فلا أمل ، يأتى ساعة الموت ويريد أن ينطق بها فلا يستطيع. إذا مات أحد الوالدين غضبان عليه، عندما يريد أن يقولها لا يستطيع أبداً، شرط وضعه الله عز وجل قال: (رضا الله فى رضا الوالد، وسخط الله فى سخط الوالد، والجنة تحت أقدام الأمهات) على الدوام.إذا كان شارب للخمر أو حشيش أو يشم ويظل على ذلك حتى الممات ولم يتب إلى الله، إذن لن يوفق للنطق بالشهادتين، لأنها كبائر نهى عنها الله، وجعلها الله عز وجل مثل الشرك تماماً بتمام، أين هذا الكلام؟  }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ الأنصاب: الآلهة التى كانوا يصنعونها من الحجارة، والأزلام: الآلهة التى كانوا يصنعونها من الخشب، هؤلاء الأربعة ماذا عنهم يارب؟ – رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { (90- المائدة).

تنبهوا من الآية، كان واجب السياق أن يقول: فاجتنبوها لأنهم أربعة، لكن كون الله قال: (فَاجْتَنِبُوهُ)، إذن الأربعة يعتبروا شيئاً واحداً. إذن شرب الخمر يعدل عبادة الأوثان، فمن يصر على هذا حتى الممات ولم يتب لا يوفق للنطق بالشهادتين. هذا إذا تجاوز الحدود، وقال ربنا غفور رحيم، وربنا تواب كريم، وأنا سوف أكون أحسن منكم، ويسخر من المؤمنين، هذا ليس له عفو لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتى معافى إلاَّ المجاهرين)، الذى يتباهى بالمعاصى ليس له عفو، لأنه يتباهى بالمعاصى ويساعد على نشرها بين المؤمنين والمؤمنات.

مثلها كذلك شاهد الزور، مثلها كذلك الزانى الذى لم يتب حتى مات، مثلها كذلك الذى يبخس فى الكيل والميزان. سيدنا الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه جاءوا إليه وقالوا له: تعلى يا إمام هناك رجل يموت، وكلما نلقنه الشهادة فلا يستطيع أن ينطق بها، فذهب معهم، فقال له: لماذا لا تقول لا اله إلا الله؟ فأشار إلى شئ فى السقف، فقال لهم: انزلوا هذا الشئ الذى فى السقف، فوجد فيها كيلين اثنين، أحدهما كبير والأخر صغير، الكبير كان يشترى به، والصغير يبيع به، فقال لهم: هذا الذى جعله لا يستطيع أن ينطق بالشهادتين!! } وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{ (1، 2 – المطففين)، بالكيل الكبير، ويسند بيديه،  } وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{ (4 : 6 – المطففين)، هل نسوا هذا اليوم؟

كان ذلك فى الزمن الماضى، والآن زادت الحكاية جداً، منهم من يركب فتلة، ومن يضع قطعة من الحديد حتى ينقص الكيل والميزان، حتى لوكان يحج كل عام، أو يؤدى العمرة كل سنة، أين هذا الحج؟ وأين تلك العمرة؟ لو كان يحج كل سنة، ولم يتب إلى الله عز وجل مما جناه، يا ويله يوم لقاء الله عز وجل.

 يقول الإمام أبو حنيفة عندما سئل من المطففين؟ فذكر لهم الآية وقال:- إسمعوا واعوا- قال: المطفف من لا يمسح الكفة من التراب الذى عليها قبل الوزن – الواجب ألا يضع البضاعة على الكفة وهى عليها تراب، ولابد كل وزنة يمسحها من التراب.

ومن مثل هذا أين يذهب من الله؟ (إن الله ليملى للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته). يأتى ساعة خروج الروح ويقول له: قضى الأمر، أنت فى طريق أخرى غير سبيل المؤمنين، لأنك غششت المؤمنين، والنبى صلى الله عليه وسلم حذرك وقال: ( من غش أمتى فليس منى). يفرز فيقال له: أنت لست من هذه الأمة.

الغشاش فى الوزن، أو فى القول، أو فى السعر، أو فى الصنف، أو فى غيره. يأتى ساعة الموت يفرزه، ويجعله بعيداً عن الأمة،  ولا يشمله الله برعايته، ولا يثبته بالقول الثابت عند نهايته، فيقول: } يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ { (56- الزمر)، من الذى يسأل عنه؟ هذا الذى يقول فيه: } رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا { (99 ، 100- المؤمنون)، انتهت مهمتك فى هذه الحياة الدنيا. فالمؤمن الواعى هو الذى يحرص أن يكون جاهزاً لقول لا إله إلاَّ الله. كيف يتجهز لها يا إخوانى؟ يكون بإستمرار تائباً ومستعداً لمولاه، يتجنب الكبائر العظيمة.

ذهب جماعة إلى الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه وقالوا: يا إمام ما أعظم ذنب فى كتاب الله؟ قال: الزنا، ثم قال: انتظروا، فقال: القتل، ثم قال: تعالوا إلى غدٍ حتى أقرأ كتاب الله وأتصفحه من الأول إلى الآخر. وجاءوا فى اليوم التالى، فقال: انتظروا يوما أخر، … ثالث يوم، قال: انتظروا يوماً، وفى النهاية قال لهم: تصفحت كتاب الله فوجدت أعظم ذنب فيه هو الربا، لأن الله لم يعلن الحرب على فاعل ذنب إلا على آكل الربا. } فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ { (279- البقرة).

كيف يحاربنا الله؟ الغلاء .. الوباء .. الأمراض .. المشاكل .. المشاغل .. الهمّ .. قال صلى الله عليه وسلم: (الهمُّ جندٌ من جند الله). هذه هى الحرب التى يسلطها الله علينا، لماذا؟ من أجل الربا. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية فى الإسلام). كبيرة من الكبائر، ومن يأتيه الموت وهو يتعامل بالربا، ماذا يقول؟ إياك أن تقول ضرورة، أجدادنا وآباؤنا رأيناهم كلنا – يا أخوانى – وكان عندهم ضرورات أشد منا، ولم يكن عندهم خيرات مثلنا الآن، ومع هذا كانوا يتخوفون من التعامل بالربا، خوفا من عقاب الله وعذاب الله عز وجل. وربنا وعدنا وقال لنا: } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { (2، 3- الطلاق). لابد أن تكون أنت متمسك بأمر الله، ولا تضحك عليك نفسك، وألا تخالف شرع الله، هذا هو الأيمان.

هذه الكبائر وأمثالها وأشباهها هى التى تجعل المؤمن أمره على خطر، إذا جاءه رسول الله، أو رسل الموت يطلبونه للقاء الله، إذا اجتنب الكبائر يكون فضل الله لا يعد ولا يجد، لأن الله عز وجل وعد عباده المؤمنين بما لا عد له ولا حصر له من نعمه وعطاياه، بل وعدهم بصلاح أمرهم فى الدنيا، وإسعادهم يوم لقاه، وقال فى ذلك عز شأنه: } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ { (97- النحل)،

إذن يا أخوانى علينا أن نوصى أنفسنا وأولادنا، مثل سيدنا إبراهيم وسيدنا يعقوب، بما وصوا به أولادهم- أوصيه من الآن – يا بنى اعلم أن حدود الجار هى كذا وكذا، وأقول له انتبه لأن هذا ينقل الحدود، وأن لنا عند فلان كذا، وأوصيه أهم من ذلك وأقول له: إياك وأن ترتكب المحظورات والمحرمات والكبائر، واحرص ما تحرص عليه أن تموت على (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، لأن الله ما خلقنا وأوجدنا إلا من أجل هذه الكلمة. وحسابنا يسير إذا خرجنا من الدنيا وقد نطقنا بهذه الكلمة، وأجرنا فى الجنة عظيم إذا فزنا فى الدنيا بهذه الكلمة، ولنا جاه كبير ولنا شفاعة البشير النذير. كل هذا إذا خرج من الدنيا على (لا إله إلا الله محمد رسول الله) – حتى لو  كان مفلس مثلى من الطاعات والحسنات – المهم أنه اجتهد وخرج من الدنيا برأس المال.

نسأل الله عز وجل يثبتنا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، وأن يحيينا على لا إله إلا الله، وأن يثبتنا عند الموت بنطق لا إله إلا الله، وأن يحفظنا من المعاصى والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ أولادنا وبناتنا، وزوجاتنا وزرياتنا، من المعاصى كلها والكبائر جميعها، وأن يوفقنا دائماً وأبداً لعمل الطاعات وإستباق الخيرات، وأن يجعلنا من أهل الباقيات الصالحات.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

************************

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid