• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

14يونية 2013م

(خطبة الجمعة) هدى رسول الله فى شهر شعبان و أوقات رفع الأعمال إلى الله

.

شارك الموضوع لمن تحب

********************************

الحمد لله ربِّ العالمين، أكرمنا ووفقنا وجعلنا من عباده الموفقين، الذين يهيئهم ظاهرًا وباطنًا لمتابعة سيِّد المرسلين، وإحياء الليالي الفاضلة والأيام المباركة في كل وقت وحين.

وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، إلهٌ تعالى في صفاته، وعلا في كمالاته، وسما في عظمته وجلاله وضياءه وبهاءه. لا يعدُّ أوصافه العدّ، ولا يستطيع أن يشير إلى كمالاته عزَّ وجلَّ أحد، وإنما هو كما نَعَتَ نفسه بنفسه في كتابه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[11الشورى].

وأشهد أن سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، اجتباه الله عزَّ وجلَّ وحباه، وقربَّه من حضرته وأدناه، وجعل له منزلة عظمى لم يَحُزْهَا أحدٌ سواه.

اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد، السابق بفضل الله، وخير عامل بما أنزل عليه مولاه في كتاب الله، وصلِّ اللهم عليه وعلى آله التُّقاة، وأصحابه الهداة، وكلِّ مَنْ تابعه على هذا الهدى إلى يوم الدين، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين.

أيها الأخوة جماعة المؤمنين: ونحن في مستهل هذا الشهر الكريم – شهر شعبان؛ علينا جميعاً أن نكون فيه كما أمرنا الرحمن، نحاول أن نقتدي فيه على قَدْرِنَا بحضرة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، لأن الله عزَّ وجلَّ قال لنا أجمعين – كما قال للسابقين وقال للاحقين: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [21الأحزاب].

وإذا كان لابد لنا من الاقتداء بسيد الرسل والأنبياء؛ فماذا كان هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم؟ تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها قبساً من هديه، فتقول رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر – أي صيام الوصال، ليس فيه سحور ولا فطور – وكان صلى الله عليه وسلم يفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قطّ إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان)[1]. إذاً كان هذا هديُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، الإكثار من الصيام لله عزَّ وجلَّ.

ولعلنا نريد – كما أراد أصحابُ نبيِّنا – أن نعلم سرَّ هذا الصيام، ولِـمَ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر؟ أراد أصحابه رضي الله عنهم أن يعلموا سرَّ هذه الخصوصية، وأن يبين لهم صلى الله عليه وسلم سبب هذه الأفضلية، وكانوا يستحون من حضرته أن يسألوه لأنه صلى الله عليه وسلم كان عليه هَيْبَةٌ إلهية، (من رآه بديهة هابه)[2]، فذهبوا إلى أسامة بن زيد رضي الله عنهما – والنَّبِيُّ كان قد ربَّاه في بيته على عينه ويحبه – وطلبوا منه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سرِّ هذا الأمر، فذهب إليه أسامة وقال: يا رسول الله، لم نرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شهر شعبان؟!! فقال صلى الله عليه وسلم مجيبًا له ولنا ولكل أصحابه على الفور: {ذاك شهر يغفل عنه الناس، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم}[3].

بيَّن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سبب إكثاره من الصيام في شهر شعبان بأنه شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى الله، وهل الأعمال لا ترفع إلى الله إلا في شهر شعبان؟!!

إن الله عزَّ وجلَّ يطَّلع على عملنا أجمعين في وقت العمل، ولا يطَّلع على العمل الظاهر وحده وإنما يطلع على النوايا التي تصحب العمل، وعلى حركات القلوب وخفيات السرائر عند التوجه لهذا العمل، ولذا عندما أمرنا الله أن نعمل قال لنا أجمعين: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [105التوبة]. ولكن الله عزَّ وجلَّ وهو الحكم العدل نزَّه ذاته عن الجور وعن الظلم وقال: ﴿يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته فيما بينكم محرمًا فلا تظالموا﴾[4].

ولذلك إذا نظرنا إلى الأعمال نجد الله عزَّ وجلَّ قد أحاطها بدائرة كبيرة، حتى نعلم علم اليقين أن الإنسان إن لم تسبق له مغفرة ربُّ العالمين فهو هالك لا محالة.

فالإنسان إذا عمل أيَّ عمل – إن كان بحركاته الظاهرة، بعينيه أو بلسانه، أو يديه أو رجليه، أو بفرجه، أو بأي جارحة من جوارحه – سجِّل هذا العمل فورًا، وسجِّل في أكثر من موقع!! سجَّله فورًا الكرام الكاتبين، وسمَّاهم الله عزَّ وجلَّ: (كرام) لأنهم يتركون للمرء فرصة بعد العمل السيئ، ولا يسارعون إلى تسجيله لعلَّه يتوب إلى الله، أو يندم على ما جناه، أو يستغفر الله على ما فعله، فلا يُثْبِتُونَ هذا العمل في ملف سيئاته. وإذا عمل العمل الطيب والخير سارعوا إلى تسجيله حرصًا على أن يفوز هذا المرء بفضل الله وإكرام الله، والأجر العظيم الذي خصَّ به الله العاملين بما يحب ويرضى في هذه الحياة.

وسجَّل الله هذا العمل على جوارح الإنسان التي فعلت هذا العمل، ولذلك فجوارحنا أجمعين فيها كاميرات إلكترونية خفية تسجل الأعمال فور حدوثها، وتشهد على المرء يوم الدين بأنه عملها وقام بها، إذا كذَّب أو حادَّ أو جادل.

وجعل الله في الأرض التي نمشي عليها ونسير عليها في كل مواضعها كاميرات إلهية تسجل في نَفْسِ الموضع ما يدور عليه إلى يوم الدين. فهذا المسجد الذي نحن فيه الآن يسجل لنا أجمعين هذه الصورة لتعرض على حضرة الرحمن يوم الدِّين، وكلُّ شيءٍ يحدث على أرضه يسجله إلى يوم القيامة.

ثم بعد ذلك يأمر الله عزَّ وجلَّ الكرام الكاتبين أن يستنسخوا نسخة من هذا العمل ويرسلونها إلى تحت العرش – حيث ديوان الأعمال – لِتُحْفَظَ في ملف هذا العبد، ويزيدها الله أضعافًا مضاعفة إن كان عملاً من أعمال الخير، ويظل هذا العمل يزيد إلى يوم الوعيد، ويحفظ ذلك كلُّه في سجل هذا العبد السعيد. وصورةٌ تذهب إلى الجنَّة من الأعمال الصالحة، وصورةٌ تذهب إلى النار من أعمال الفاجرين والمشركين والمكذبين والضالين. ثم بعد ذلك صورةٌ تُعْرَضُ على سيِّد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم. هذه الصور للأعمال ذكرها الله عزَّ وجلَّ في كتابه، وبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته.

   أما الجوارح فقد قال في شأنها الله عزَّ وجلَّ في كتاب الله: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [24النور]. ويعجب الإنسان في هذا اليوم – الذي نسأل الله عزَّ وجلَّ منه النجاة أجمعين – ويخاطب أعضاءه كما قال الله: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [21فصلت]. هذه هي الجوارح، أما الأرض فقد ذكرها الله عزَّ وجلَّ في سورة الزلزلة فقال في شأنها: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا[4- 5الزلزلة].

أما ديوان الأعمال وصعود الأعمال إلى ما تحت العرش؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: {إن ما تذكرون الله به من التسبيحات والتهليلات والتكبيرات يَخْرُجْن ولهن دويٌّ كدويِّ النحل، حتى يصلن إلى العرش فيطفن حوله يسبحن ويذكرن بصاحبهن إلى يوم القيامة}[5].

تصعد الأعمال إلى حول العرش، فإذا كانت صالحة من الأذكار فهي تذكر الله عزَّ وجلَّ على الهيئة التي قالها هذا العبد لله إلى يوم الدِّين، ويكون ذلك في ميزان حسناته، وإن كانت صدقة أخذها الله عزَّ وجلَّ بيمينه ويربيها لنا كما يُربي أحدُنا فُلُوَهُ – أي: مهره وفرسه – حتى أن المرء إذا كان يوم القيامة يجد الصدقة القليلة التي تصدَّق بها كجبل أُحُد، ويقول الله تعالى: هذا لك. فيقول: من أين لي ذلك يا ربّ؟ فيقول: هذه صدقتك التي تصدقت بها في يوم كذا، أخذناها وربيناها لك حتى صارت كما ترى.

فتصعد الأعمال الصالحة، ولكل مؤمن كما أخبر النبيُّ الأمين بابان خاصان به في السماء؛ بابٌ ينزل منه رزقه، وبابٌ يصعد منه عمله، حتى تنتهي مسيرته في الحياة الدنيا، ثم بعد ذلك النسخ الأخرى يقول فيها الله: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[29الجاثية].

نسخ من الأعمال التي نعملها؛ نسخة إلى الجنة حتى يجهز الإنسان مكانه وموضعه في الجنة، ونسخة من الأعمال التي يعملها الفجَّار والكفار إلى النار حتى تهئ النار عذابه وسجله في جهنم والعياذ بالله عزَّ وجلَّ.

وبعد ذلك يطَّلع الله على العمل، ويعرض العمل على حضرة النَّبِيِّ – لأنه كلَّفه الله بالشفاعة للمؤمنين – فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البزار رضي الله عنه: {تُعرض عليَّ أعمالكم فإن وجدت خيرا حمدت الله تعالى على ذلك وإن وجدت غير ذلك استغفرت الله عزَّ وجلَّ لكم}[6].

إذن تعرض الأعمال وترفع إلى حضرة الله في الوقت والحال يطلع عليها الله، ولكن الله عزَّ وجلَّ – لأنه يلتمس الأعذار للمؤمنين – لا يحاسبهم بما يرى، ولا يحاسبهم بما يسمع، وإنما يحاسبهم بما يعرض عليه، ويأمر الله عزَّ وجلَّ الملائكة أن تكثر من تكرار العرض عليه، فيعرضون العمل عليه في كل أسبوع مرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع فَسُئل عن ذلك وعن يوم الاثنين فقال: {ذاك يوم ولدت فيه}[7]. وسئل عن سرِّ يوم الخميس فقال: {ذاك يوم تعرض فيه الأعمال على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم}[8].

وتعرض الأعمال على الله يوم الخميس حتى يتوب التائب، وحتى يسارع المؤمن إلى التوبة النصوح، ويسارع المسيء إلى الاستغفار لحضرة الغفار، وحتى يمحو الله بالصالحات السيئات: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ[114هود]. وإذا قال العبد مثلاً: (لا إله إلا الله)، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: {إذا قال العبد لا إله إلا الله ذهبت إلى صحيفته فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنة تقف بجوارها}[9]. وإذا صلَّى العبدُ الفرائضَ الخمس غفر الله ما بينهن ما اجتنبت الكبائر، إذا اجتنب الكبائر فإن الصغائر يذهبها الله، ويغفرها الله بهذه الصلوات الخمس، قال صلى الله عليه وسلم: {مثل الصلوات الخمس كنهر عذب جارٍ بباب أحدكم يغتسل فيه خمس مرات في كل يوم وليلة، فهل يبقي ذلك من درنه شيئًا؟ قالوا: لا. قال: كذلك الصلوات الخمس يذهب الله عزَّ وجل بهن الخطايا}[10].

فإذا تاب العبد توبةً نصوحًا لله عزَّ وجلَّ؛ ندم على ما فعل، وعزم على ألا يعود إلى هذا الذنب، وردَّ المظالم إلى أهلها إن كان في الذنب ظلم لخلق الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يمحو الصور التي يحاسبه بها قال صلى الله عليه وسلم: {إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه وأنسى ذلك معالمه من الأرض، حتى يلقى الله ليس عليه شاهد بذنب}[11]. أو كما قال، (توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (31النور).

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي فتح لنا أبواب توبته في كل وقت وحين، وأخبرنا في قرآنه أنه: (يحبُّ التوَّابين ويحب المتطهِّرين) (222البقرة). وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إلهٌ شفوقٌ عطوف، رحيمٌ بخلقه أجمعين. وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، فاتح أبواب الخير للمؤمنين، ومُفيض الخير والعطايا لجميع المسلمين، والشفيع الأعظم لجميع الخلائق يوم الدين. اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفِّقْنا للعمل بشرعه والإقتداء بهديه أجمعين يا الله، وارزقنا شفاعته في الآخرة وجواره في جنته أجمعين يا الله.

أيها الأخوة جماعة المؤمنين:

من فَضْلِ الله تبارك وتعالى على المؤمنين، أنه فتح أبواب التوبة لنا أجمعين، بل ما دلَّنا على عمل إلا وكان أول أجر يصرفه لنا – نتيجة هذا العمل – هو غفران الذنوب، وستر العيوب!! فإذا أمرنا بالصلاة بيَّن لنا الحكمة من فريضة الصلاة في كتاب الله فقال: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم[10إبراهيم].

يدعونا ليغفر لنا الذنوب!! فإذا أمر بصيام شهر رمضان يأمر حضرة النَّبِيِّ أن يبشِّرنا فيقول: {من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه}[12]. فإذا دعانا لزيارته وحج بيته الحرام جعل الأجر هو المغفرة من حضرة الغفور: {من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه}[13].

إذاً جعل الله عزَّ وجلَّ هذه الأعمال باباً لمغفرة الله، ندخل منه إلى الله فيغفر لنا ذنوبنا ويستر لنا عيوبنا، ويجعلنا دائماً وأبداً متطهِّرين، حتى إذا طلبنا من حضرته ودعونا أجابنا، لأنه يستجيب للمتقين: ﴿إنما يتقبل الله من المتقين[27المائدة]. ولذلك فالمؤمن دائمًا وأبدًا يستجيب لنداء الله، ويقتدي دومًا بسيدنا رسول الله، ليكون دائمًا وأبدًا مؤهلا للإجابة من الله في كلِّ أمر يطلبه من مولاه، لا يطلب شيئاً فيردُّه الله عزَّ وجلَّ.

لذلك وجدنا النَّبِيَّ الكريم في هذا الشهر أجاب الله عزَّ وجلَّ دعاه، وأكرمه وأثبت ذلك في كتاب الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم وهو في مكة يصلي تجاه بيت الله الحرام وخلفه بيت المقدس على خط واحد، فلما هاجر إلى المدينة لم يستطع أن يتوجَّه إلى الاثنين معاً في وقت واحد، فتوجَّه إلى بيت المقدس لكن قلبه كان يهفو إلى البيت الحرام، ويطمع أن يسجيب الله له دعاه، ويحقق رجاه، ويوجهه إلى بيت الله الحرام، فاستجاب الله عزَّ وجلَّ له في هذا الشهر المبارك، وبينما هو يصلي صلاة الظهر عند قوم دعوه إلى وليمة وصلَّى ركعتين تجاه بيت المقدس، إذا بالوحيِ ينزل عليه وهو في الصلاة: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره[144البقرة]. فغيَّر وجهته في الركعة الثالثة والرابعة واتجه إلى بيت الله الحرام، وتبعه مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الصحابة الكرام.

أعلمنا النَّبِيُّ بذلك، أننا إذا أردنا في الدنيا أن يحقق الله لنا ما نتمنى، وأن يستجيب لنا الدعاء، وأن لا يردَّ لنا رجاء، وأن يصلح لنا جميع الأشياء، أن نحافظ دوماً على الطهارة الظاهرة والباطنة، والتوبة من الذنوب، وستر العيوب، ونحافظ على ما أمرنا الله به من فرائض نقتدي فيها بالحبيب المحبوب، إذا فعلنا ذلك فإن الله عزَّ وجلَّ سيصنع لنا ما نريد، ويحقق لنا كل أمر.

وما أحوجنا في هذه الأيام إلى ذلك!! ما أحوجنا في هذه الأيام إلى إجابة الله لنا!! وإلى عطف الله علينا!! وإلى نظر الله عزَّ وجلَّ بالحنانة إلينا!! حتى يصلح أحوالنا ويجعلنا في خير حال. فنسأل الله عزَّ وجلَّ في هذا الوقت المبارك الميمون أن يغفر لنا ذنوبنا، ما قدَّمنا منها وما أخَّرنا، ما أظهرنا منها وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، وأن يبدِّلَ سيئاتنا بحسنات، وأن يستجيب لنا الدعوات، وأن يصلح لنا جميع الأحوال في الدنيا وفي المآل، وأن يصلح لنا أولادنا وبناتنا وحكامنا وأخواتنا وإخواننا المسلمين أجمعين، وأن يجعل حالنا على خير حال.

اللهم ارزقنا وسعة في الأرزاق، وغنىً في القلوب، وإخوةً دائمةً فيما بيننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، واجعل في أفئدتنا حُبَّك وحُبَّ نبيِّك، وحُبَّ كتابك وحُبَّ المؤمنين أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات، يا ربَّ العالمين.

اللهم اجعل مصر في كفالتك وحفظك وصيانتك.

اللهم من أراد مصر وأهلها بسوء فاكفها بما شئت وكيف شئت.

اللهم ردَّ كيدهم بينهم، واجعل سهمهم في صدورهم ونحورهم، وتولى أهل الكنانة بولايتك، وانظر إليهم بعين عنايتك، وتنزَّل إليهم بخيرك وبرِّك وحنانتك، واغننا بفضلك عن جميع مَنْ سواك، يا أكرم الأكرمين.

عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [90النحل].

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

***************************

[1] رواه الإمام مالك في الموطأ ومتفق عليه عن السيدة عائشة رضي الله عنها.

[2] الحسين بن مسعود البغوي وأبو الشيخ الأصبهاني: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرَأَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

[3] روى الترمذي والنسائي وأحمد في مسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

[4] رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.

[5] رواه ابن أبي الدنيا وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن النعمان بن بشير، (الترغيب والترهيب).

[6] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورجاله رجال الصحيح.

[7] رواه الإمام مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

[8] رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[9] روى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه: (ما من عبد قال “لا إله إلاَّ الله” في ساعة من ليل أو نهارإلاَّ طمست ما في الصحيفة من السيئات حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات) – الترغيب والترهيب.

[10] متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء))؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا).

[11] ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه.

[12] متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه

[13] البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                خطبة الجمعة كفر سعد منيا القمح شرقيه 14-6-2013

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid