• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

6 ديسمبر 2016 م

خطبة الجمعة_الأمانة والعدل سر صلاح المجتمعات

.

شارك الموضوع لمن تحب

***************************

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على جميل نعماه، وعلى ما وفَّره لنا من النعم الجليلة والعظيمة وسوَّاه، سوَّانا فأحسن تسويتنا، وأوجدنا فأحسن إيجادنا وتنشأتنا، جعل لنا أرضاً ذات بساط، وسماء فيها أبراج وكواكب نيِّرات، وأوجد في الأرض كلَّ ما تشتهيه الأنفس من النعم والخيرات، وهيأ لنا في أبداننا كل ما نحتاج إليه لنكون من الشاكرين، فإن شكرنا زادنا لأنه قال – وهو أحكم القائلين: ) لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ( (7إبراهيم).

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل كتابه المبين، وبيَّن فيه كلَّ ما يُصلح شئون الخلق في أى زمان ومكان، فطوبى لمن اهتدى بكتاب الله، وفَقِه ما يدعو إليه الله في مجتمعنا وعمل بما في كتاب الله لينال في الدنيا الحياة الطيبة، وفي الآخرة رضاء الله جلَّ في علاه.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، اختاره الله عزَّ وجلَّ أميناً على وَحْىِ السماء، بعد أن كان أميناً في عالم الخلق وقالوا إنه الصادق الأمين، فأعطى لكلِّ ذي حقِّ حقَّه، وفصَّل القضايا التي تحدث في عصره ومن بعده إلى يوم الدين، ووضع لكلِّ قضية حكمها وما يُصلح أمرها، فيا ليتنا نرجع إلى سُنَّة النبي الأمين، ونهتدي بهديه لنكون من الموفقين.

اللهم صل وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، الذي زِدته بسطة في العلم، وعُلُوًّا في الأخلاق، وجعلته نبراساً كريماً لمن يُحِبُّهم الكريم الخلاَّق. صلَّى الله عليه وعلى آله أهل الوفاق والإتفاق، من الأنصار والمهاجرين وآل البيت الطاهرين، ومن تبعهم على هذا النهج الكريم إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يارب العالمين.

إخواني جماعة المؤمنين:

إن القلب ليحترق ألماً مما نراه ونسمعه في مجتمع المسلمين، كان أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يتجالسون فيتفاخرون بما صنعوه من بطولات في المعارك مع الكافرين والمشركين، ونحن الآن نفتخر بما ارتكبناه من جرائم في حقِّ إخواننا المسلمين!! بلاد الإسلام بلاد الأمن والسلام أصبح فيها الترويع للآمنين، والإفزاع للمستضعفين، والسرقة عِنْوَةً جِهاراً للشرفاء المستمسكين بدين الله!! أهذا هو الإسلام؟! أم هؤلاء هم المسلمون؟!.

إنَّ مَنْ يفعل ذلك ليس من هذا الفصيل ولا من هؤلاء الجمع، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندما صارت رسالته في الجزيرة العربية لم تكن أمة في الأرض كلِّها في الهمجية كأهل الجزيرة العربية، حَدِّث فيهم ولا حرج!! من سرقات، ومن قتل، ومن اعتداء على الأعراض، ومن دفن للبنات أحياء، ومن شرب الخمر وكل الموبقات!! ماذا صنع النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنين معدودات؟! جلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً مع أصحابه بعد أن فتح الله له أرض العرب وجاء الملوك مُسْلِمين مُسَلِّمين، وكان من جملة الحاضرين عدي بن حاتم رضي الله عنه، يقول عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: { يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ } قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ. [صحيح البخاري ومسند الأمام أحمد والحاكم في المستدرك].

تمشي المرأة الوحيدة الفريدة الضعيفة في هذه الصحراء الجرداء القاحلة لا تجد مَنْ يُروِّعها، ولا مَنْ يُريد أن يختطفها، ولا مَنْ يريد أن يغتصبها!! لماذا تحقق لهم ذلك؟ وكيف يتم لنا ذلك؟!! الأمر في آية واحدة لو سمعناها من كتاب الله، طبَّقها الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولن يكون لنا أمان ولا اطمئنان إلا إذا طبَّقناها في مجتمعنا الآن، اسمعوها معي وعوها: ) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ( (58النساء) أمران اثنان لا ثالث لهما، الأمانة والعدل.

سَمَّى الله عزَّ وجلَّ العبدَ المسلم مؤمناً لأنه يشتهر بالأمانة، أمانة فيما بينه وبين ربِّه، فيخشى الله، ويتقي الله، ويرعوي ولو كان وحيداً أن يعصاه. ولو طبَّقنا هذه وحدها لانصلحت أحوالنا كلنا يا عباد الله!! أن يخش الله ويتقه، وأن يعلم علم اليقين أنه – وإن طال به الأمد – أنه مسافر إلى ربِّ العالمين، وسيُسائله الله عزَّ وجلَّ عن كل ما فعل، وعن كل ما قال، لأنه عزَّ شأنه: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

إذا درَّبنا أنفسنا، وعلَّمنا أولادنا على مراقبة الله، فلن نحتاج إلى شرطة، ولا إلى جيش، ولا جهاز مركزي للمحاسبات، ولا مفتشين في أى جهة من الجهات، لأن كلَّ فرد في أى موضع وأى مكان يراقب الرحمن عزَّ وجلَّ، فإذا راقب أعضاء المجتمع الرحمن حلَّ الأمان على جميع أفراد هذا المجتمع أجمعين.

فكان أهم درس في التربية الإيمانية – لجميع المراحل العمرية – في دولة المدينة المنورة الإسلامية هو الأمانة في مراقبة الله، فاطمأنت القلوب.

مرَّ عمر رضي الله عنه ليلة يتفقد أحوال الرعية، فسمع حواراً يدور خلف باب بيت بين أم وابنتها، تقول الأم: يا بُنيَّة ضعي على اللبن قليلاً من الماء، فتقول البنت: يا أماه، أما علمتِ أن أمير المؤمنين نَهى عن غِشِّ اللبن بالماء؟!! فقالت الأم: وهل أمير المؤمنين يرانا الآن؟ فقالت البنت: إذ كان أمير المؤمنين لا يرانا فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يرانا!! أين هذه النوعية الآن؟!! هي البنت المسلمة في كل زمان ومكان.

بل انظر إلى الأجير يرعى غنماً مقابل أجرة – وهو عمل شاق في الصحراء – ويمرُّ به عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فيقول: يا غلام أتبيعنا شاة؟ فيقول: إنها ليست لي، وإنما لسيدي وأنا أجير، فقال: قل له إنَّ الذئب أكلها، قال: عجباً لك، إذا قلت لسيدي الصغير هذا هنا، فماذا أقول غداً لله عزَّ وجلَّ؟!

نراقب الله، ونخشى الله، ونعلم علم اليقين قول ربِّ العالمين: ) مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( (7المجادلة). هذه أمانة المؤمن في كل عمل، يراقب الله عزَّ وجلَّ.

أمانته في عمله أن يُتقنه كما أمر الله، وكما بيَّن رسول الله، فلا يوكل للمؤمن أى عمل إلا ويتقنه: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ } [الطبراني والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها]. لا يعمل عملاً إلا وقد تأكد أنه نال رضا ربِّ العباد قبل أن يقدمه إلى العباد، لأنه يعامل الله في خلق الله.

والأمانة في بيته أن يُربي أهله وذويه على التربية الإيمانية، وعلى مراقبة ربِّ البرية.

والأمانة في مجتمعه أن يعمل بقول الله: ) وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( (3العصر). أن ينصح المسلمين إذا رأى شيئاً مخالفاً لشرع الله – فرادى أو جماعات – بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبيِّن لهم السبيل الرشيد، والطريق القويم، والصراط المستقيم، فيكون المؤمنون أجمعون إخوةً يتناصحون فيم بينهم، ويتشاورون في كلِّ أمورهم، ويُصلحون جميع عيوبِهم، فيكون المجتمع الإيمانيُّ السليم المستقيم.

ثم يُكملون ذلك بالعدل: ) وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ( (58النساء). ما وُضع العدل في أُمَّةٍ إلاَّ ورفع الله شأنها!! ولذا كان أهم ما يحرص عليه الحبيب هو إقامة العدل في دولته، وجعل العدل هو عماد شريعته. لما سرقت المرأة المخزومية، وكلموا أسامة بن زيد حبيبه ليشفع فيها، غضب في وجهه وقال: { أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ!! ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ، قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا } [البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها]. العدل بين الجميع!!

العدل الذي جعل القبطي في مصر يمشي في الصحراء ومعه إبنه إلى المدينة المنورة ليعرض مظلمته على أمير العادلين عمر بن الخطاب. ما الذي دعاه أن يمشي؟ ثقته أن هؤلاء القوم لا يظلمون أحداً ولو كان عدواً لهم، بل ينتصرون للضعيف ما دام الحقُّ معه، وبقضون على القوي إذا كان ظالماً، قال صلى الله عليه وسلم: { لا قَدَّسَ اللَّهُ أُمَّةً لا يَأْخُذُ الْمَظْلُومُ حَقَّهُ مِنَ الظَّالِمِ، غَيْرَ مُتَعْتَعٍ } [الطبراني والبيهقي عن خولة بنت قيس رضي الله عنها]. أمَّة العدل!!

عدلٌ جعل عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما اشتكاه رجل إلى عمر، وطلبهما عمر، ووقف الرجل يُدلي بحجته، وطلب عمر من عليٍّ أن يجلس بجواره، فنظر إليه وامتعض غضباً. فلما انتهى من الحكم، قال عمر: يا أبا الحسن لِمَ أراك وقد تغيَّر وجهك عندما دعوتك للجلوس بجواري؟ قال: يا أمير المؤمنين إن هذا شكاني إليك، وخصمي واقف، فكيف أجلس بجوارك ولم يظهر الحقُّ بعد؟!! إن هذا يكون فيه تحيُّز عن العدل الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يطلب هو أن يتحيز له أمير المؤمنين، بل اشمئز وأراد أن يقيم العدل مع أنه هو الخصم أمام أمير المؤمنين!!

بل كان عليٌّ رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وذهب إلى صلاة الفجر فوقع منه درعه، وذهب إلى السوق فوجد درعه مع رجل يهودي، فقال: هذا درعي، واعترض اليهودي وقال: هذا درعي، فذهبا إلى قاضي المسلمين – قاضي المسلمين والخصم يهودي والخصم الآخر أمير المؤمنين وخليفة المسلمين – فقال القاضي: يا أمير المؤمنين من يشهد أن هذه الدرع درعك؟ قال: ابني الحسن، قال: لا تجوز شهادة الابن لأبيه في دار القضاء. قال: خادمي، قال: لا تجوز شهادة الخادم لسيِّده في دار القضاء، هل معك حجة أخرى؟ قال: لا. قال: الدرع درعك يا يهودي. فقال اليهودي: واللهِ ما رأيتُ كاليوم، قاضي أمير المؤمنين يحكم على أمير المؤمنين لخصمٍ يهودي، إنها درعك يا إمام وقد عثرت عليها وأنت ذاهب إلى صلاة الصبح، وأعلن إسلامه!! فقال الإمام عليٌّ: ما دمت أسلمت فهي هدية مني إليك!.

كانوا حريصين على العدل حتى في الفتوحات الحربية، فقد علَّمهم النبيُّ أن لا يدخلوا مدينة حتى يُعْلِمُوا أهلها، ويدعوهم إلى الإسلام، أو إلى الجزية، فإن أبَوْا وأصرُّوا على الحرب حاربوهم. ودخل القائد قتيبة بن مسلم في عصر عمر بن عبد العزيز مدينة سمرقند، واشتكى أهل سمرقند أن القائد دخل مدينتهم بدون أن يُؤْذِنَهم، فاستدعى قائد الجيش القاضي الذي معه، وحكم في القضية أن يخرج الجند من المدينة كما دخلوها، ولا يدخلوها إلا بعد أن يؤذنوا أهلها على الشروط النبوية التي وضعها خير البرية صلى الله عليه وسلم. فلما رأوا ذلك دخلوا في الإسلام جملة واحدة، لأنهم وجدوا قوماً يقولون الحقَّ ويحكمون بالعدل، ويساوون بين الخلق، ولا يجدون تفرقة بين واحد وأحد إلا بتقوى الله – ولما كانت التقوى لا يعلمها إلا الله – فلا ينبغي للعبد أن يحتقر أحداً مطلقاً من خلق الله، لأنه ربما يكون تقيًّا لله، والله عزَّ وجلَّ أخفاه، ولا يعلم سرَّه إلا مولاه جلَّ في علاه.

أسس النبيُّ صلى الله عليه وسلم دولته على هذين الأمرين، الأمانة والعدل، وضرب المثل صلى الله عليه وسلم بنفسه في ذلك ليُعلِّمهم ذلك. فقد كان أهل مكة أعداءً له، ويكيدون له ولأصحابه، ولكنهم كانوا لا يحتفظون بأمانات إلا عند حضرة النبيِّ، فكان عنده بيتُ أمانات قريش كلِّها. ولما أراد الهجرة ماذا صنع ليُعلِّم الأمة؟ أمر ابن عمِّه وصفيِّه عليَّ بن أبي طالب أن يبيت في فراشه، مع أنه ربما يتعرض للقتل إذا دخلوا عليه وظنُّوه في مكانه، وأعطاه كشفاً بأسماء أصحاب الأمانات ومقدارها، وأمره ألا يترك مكة ويهاجر إلا بعد إتيان الأمانات إلى أهلها. فمكث الإمام عليٌّ ثلاثة أيام يوزِّع أمانات القوم بعدما هاجر المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

ولذلك صاروا جميعاً على هذه الوتيرة، ما أحوجنا إلى الأمانة الآن، وقد فُقدت الثقة بيننا لما اشتملت عليه الأعمال من غشِّ، ومن خداع، ومن نصب ومن احتيال، وكل ذلك يخالف الأمانة، والأمانة أساس الدّيانة، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: { لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ } [مسند أحمد والبيهقي عن أنس رضي الله عنه]، ويقول لنا جماعة المؤمنين: { أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } [سنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه]. أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الذي أنطق ألسنتا بالحقِّ، وملأ قلوبنا بالصدقِّ واليقين، وجعلنا نشهد ظاهراً وباطناً أنه ربُّ العالمين، وأجود الأجودين، وأكرم الأكرمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، به وحده صلاح الأحوال، وإليه المرجع والمآب، وإليه المصير في الدنيا وفي المآل.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة، ولم يترك شيئاً يحبُّه الله إلاَّ وحبَّبنا فيه، ولم يَدَعْ شيئاً يبغضه الله إلاَّ وكرَّهنا فيه.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، الذي قلت لنا فيه: ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( (7الحشر).

إخواني جماعة المؤمنين:

أزمة مجتمعنا – إن كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية – كلُّ أزماتنا لن تُحلَّ إلاَّ إذا غيَّرنا سلوكياتنا وجعلناها على سلوكيات قرآننا، وعلى أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم. تجد – والحمد لله – المسلمين محافظين على الصلاة في كل المساجد وحولها، وحريصين – والحمد لله – على الصيام، ويتنافسون ويقترعون على الحجِّ في كل عام، ولكن السلوكيات تجعل غير المؤمن في حَيْرَة مما قرأه ويراه!!

قرأ عن الإسلام، وينظر إلى أهل الإسلام فيرى غير ما قرأه، وغير ما عرفه!! يعلم أن المسلم صادقٌ في القول، فإذا نزل إلى مجتمعنا قلَّ وندر أن يجد رجلاً صادقاً في القول، فيُصاب بغُصَّة في نفسه، وغصَّة في حلقه!.

قرأ عن الأمانة، وهو السلاح الذي نشر الإسلام بين الأنام – في أندونيسيا والصين وآسيا وأفريقيا وأروبا وغيرها – فإذا نزل إلى أسواق المسلمين ومحلات المسلمين يجد الذكاء كله – الذي خلقه لنا الله – سُخِّر في الغشِّ لخلق الله، وإذا أراد أن يأكل لا يجد طعاماً حيوياً خالياً من المبيدات والمسرطنات والكيماويات التي تدمر الأكباد، والتي تذيق العباد الويلات الآن، ولذلك أكبر نسبة من مرضى الكبد والكُلى في العالم في مصرنا!! ليس من بضاعة واردة إلينا من دولة أجنبية، ولكن من غشِّ المسلمين لإخوانهم في الطعام والشراب.

حتى يدخل في ميدان الدواء فيجد العجب العجاب، يجد تفنن المتفننين والعباقرة والأذكياء في عمل مصانع تحت بير السلم يصنعون فيها دواء ويركبونه بأى كيفية ويوزعونها على أنها أدوية جيدة نالت ثقة المؤسسات العالمية!! وقِسْ على ذلك، من أراد أن يشتري قطعة لسيارة أصلية أين يجدها؟! أى معدة إذا أراد أن يشتري قطعة طيبة أين يجدها؟! وانظر إلى باقي أحوالنا، هل هذه أحوال المسلمين؟ لا والله. هذه الأحوال وصف بها النبيُّ أحوال المنافقين.

وأنا لا أقول ذلك سبًّا لإخواني – حاشا لله – لكن أقول لمن يتعامل بذلك، ولمن يمشي في ذلك، أنه داخل في قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: { أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } [البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما].

يعنى الصلاة والصيام ليست هي العنوان، وإنما العنوان في السلوكيات، فلابد لكي ينصلح حالنا أن نَهْجُرَ أخلاق النفاق، ونتصف بصفات الكريم الخلاَّق التي جاء بِها كتاب الله، والتي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نحن في حاجة إلى ثورة للتغيير، تغيير سلوكياتنا أجمعين، فإذا تغيَّرت السلوكيات انصلحتْ كلُّ الأحوال، إن كان في الاقتصاد أو في السياسة أو في الاجتماع وغير ذلك، وإذا لم تنصلح السلوكيات فلن ينفع معنا أى نظام إلا نظام الفرعونية الذي يحتاج إلى الشدة الشديدة الطاغية في تقويم هؤلاء الأقوام، وهذا لا ينفع الآن.

نحن نحتاج إلى الإرادة والعزيمة لنرجع إلى سلوكيات المسلمين، وأخلاق المؤمنين حتى نكون من الأتقياء الأنقياء الذين يمدحهم الله، ويُثني عليهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلنعاهد الله عزَّ وجلَّ أن نتخلى عن أخلاق النفاق والمنافقين، وأن نتجمَّل أجمعين بأخلاق الصادقين الذين مدحهم في كتابه ربُّ العالمين، وأن نمشي على هدى الحبيب في أخلاقه التي أثنى عليه بها الله، ونمشي في هديه وعلى منهاجه حتى ندخل في قول الله:
) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ( (29الفتح). نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.

إخوانكم وقد دخل علينا فصل الشتاء ببرده القارس، وبعضنا يستدفيء بالمكيفات، وبعضنا يستدفيء بالدفايات، وبعضنا يستدفيء بالبطاطين التي لا تعدُّ ولا تحدّ، وبيننا من لا يجد لحافاً إلاَّ السماء، ولا فراشاً إلاَّ الأرض!! أفلا نعطف على هؤلاء ونتبرع لهم ببطانية!! لا أقول من ذوات الأسعار الغالية، الأسعار العادية، لعل الله عزَّ وجلَّ يدفع عنهم برد الشتاء!!

إخوانكم في هذا المسجد المبارك قرر عمل مشروع ألف بطانية، يشترونها للفقراء الذين لا يملكون الغطاء، فسارعوا إلى فضل الله، واتقوا النار ولو بشقِّ تمرة. فمن أتى ببطتنية فبها ونعمت، ومن لم يأتِ بها فليدفع ما تيسر.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من عباده المنفقين المستقيمين، الذاكرين الشاكرين، الحاضرين بين يديه في كل وقت وحين.

اللهم اجعلنا من أهل خشيتك وتقواك، واملأ قلوبنا بفضلك وحبِّ حبيبك ومصطفاك، واجعلنا في الآخرة من عبادك الذين ترفع لهم الحجب عن جمال حضرتك، وتمتعهم في الجنة بجوار خير بريَّتك.

اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوالنا، وأحوال أولادنا وبناتنا، وأحوال أهل مجتمعنا، حكاماً ومحكومين، رؤساء ومرءوسين، رجالاً ونساءً، وأصلح أحوال عبادك المسلمين أجمعين.

اللهم ارزقنا في هذا البلد الكريم مصر الألفة والتمكين، واجعل المودة والمحبة سائدة بيننا أجمعين، واذهب الشحناء والبغضاء من الصدور، واجعلنا جميعاً من الذين تقول فيهم نور على نور.

اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وخذ على أيدي الضالين والمفسدين الذين يكيدون لهذا البلد وأهله، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولا تمكن منا عدواً أو رفيقاً، واجعلنا في رعايتك وكفالتك وصيانتك أجمعين، وصُنْ مصر وأهلها من كل مكروه، وتنزل لهم بالخيرات والبركات، زأغنيهم بخيرك وبرِّك عن جميع المساعدات.

عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).

اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

***************************

خطبة الجمعة – مسجد النور – حدائق المعادي – 3 من صفر 1435هـ 6/12/2013

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid